إعجاز وفضل القرآن الكريم
إعجاز وفضل القرآن الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً، اللهم أرِنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. |
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات، وبعد: |
مع اللقاء الأول من لقاءات سورة البقرة، سورة البقرة سورةٌ مدنية، أي هي مما نزل بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهي أطول سور القرآن على الإطلاق، آياتها مئتان وستٌ وثمانون آية، وهذه السورة الكريمة قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءتها وسمّاها مع سورة آل عمران الزهراوان، فسورة البقرة تطرد البطلة أي السحرة وقراءتها بركة |
{ اقْرَؤُوا القُرآنَ؛ فإنَّه يأتي شافِعًا لأصحابِه، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البَقَرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يأتيانِ يَومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامَتانِ أو غَيايَتانِ أو فِرقانِ من طَيرٍ صَوافَّ تُحاجَّانِ عن صاحِبِهما، اقْرَؤُوا البَقَرةَ؛ فإنَّ أخذَها بَرَكةٌ، وتَرْكَها حَسرَةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلَةُ. }
(أخرجه مسلم والطبراني وأحمد)
الفرق بين السور المدنية والسور المكية:
فهذه السورة لها فضلٌ عظيم، وعندما نقول سورة البقرة سورةٌ مدنية، فإننا نعني بذلك أنها نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلمون جميعاً أنَّ السور المدنيّة لها طابعٌ يختلف عن السور المكيّة، معظم السور التي نزلت قبل الهجرة، السور المكيّة والآيات المكيّة تتحدث عن الله تعالى، عن الآمر، تتحدث عن الجنَّة والنار، تتحدث عن آيات الله تعالى في الكون، تتحدث عن الثواب والعقاب، الآيات المكيّة في مجملها جاءت لتعريف الناس بالآمر بالله تعالى، أمّا الآيات المدنية فجاءت فيها الأحكام، لا تجد في السور المكيّة إلا نادراً حُكماً شرعياً تفصيلياً، أمّا السور المدنية فمليئةٌ بالأحكام التفصيلية، يعني مثلاً سورة البقرة فيها أحكام الطلاق مفصلةً، فيها أحكام الحج والعمرة، أحكام الرضاع، فيها أحكام الرهن، فيها أحكام الدَين. |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282)(سورة البقرة)
أطول آيةٍ في القرآن تتحدث عن الدَين وتفاصيله، فالسور المدنيّة عموماً فيها أحكام، والسور المكيّة تكاد تخلو من الأحكام، ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنَّ الإنسان في أول الأمر يجب أن يتعرف إلى الآمر ثم يتعرف إلى الأمر، فمن تعرَّف إلى الآمر ثم تعرَّف إلى الأمر، فإنه يُبادر إلى طاعة الآمر، لكن من يتعرف إلى الأمر فقط دون أن يعرف من أمره بهذا الأمر، فإنه يتفنَّن بالتفلُّت من هذا الأمر، العبرة بمعرفة الآمر. |
معظم السور المكية جاءت لتعرف الناس بالله الآمر:
سأضرب مثلاً: اليوم إذا سألت ملياري مسلمٍ في الأرض، عدد المسلمين في الأرض اليوم يقترب من مليارين، لو سألتهم جميعاً ما حكم الصدق؟ أو اسألهم ما حكم الكذب؟ لا أعتقد أنَّ واحداً في الأرض يقول لك الكذب حلال، أو مُباح، أو مندوب، أو واجب، شيءٌ مُضحِك! كل المسلمين يعلمون أن الكذب حرام، إذا نظرت في واقع المسلمين تجد أنَّ كثيراً من المسلمين يكذبون، يتعرَّض لموقفٍ فيكذب، يتكلم بخلاف الحقيقة، لماذا يكذب؟ هل لأنه لا يعرف أنَّ الكذب حرام؟ لا، يعرف فلماذا يكذب؟ يعني لو فكرنا في الأمر أيديولوجياً كيف وصل إلى أن يكذب؟ كيف يكذب؟ يكذب لأنه لا يعرف الآمر، يعني لا يعرف أنَّ الله تعالى العظيم هو الذي أمره بالصدق ونهاه عن الكذب، فلذلك يكذب، فالمسلمون لا ينقصهم معرفة الأمر، لكن كثيراً ما ينقصهم معرفة الآمر، لذلك معظم السور المكيّة جاءت لتعريف الناس بالله، ثم جاءت الأحكام في المدينة، بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن ثبت الإيمان في النفوس، وهذا المعنى عبَّرت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: |
{ إنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، إذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ، فَقالَ: أيُّ الكَفَنِ خَيْرٌ؟ قالَتْ: ويْحَكَ! وما يَضُرُّكَ؟ قالَ: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أرِينِي مُصْحَفَكِ؟ قالَتْ: لِمَ؟ قالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ القُرْآنَ عليه؛ فإنَّه يُقْرَأُ غيرَ مُؤَلَّفٍ، قالَتْ: وما يَضُرُّكَ أيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ، ولو نَزَلَ أوَّلَ شَيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لَقالوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أبَدًا، لقَدْ نَزَلَ بمَكَّةَ علَى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإنِّي لَجَارِيَةٌ ألْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وما نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّسَاءِ إلَّا وأَنَا عِنْدَهُ، قالَ: فأخْرَجَتْ له المُصْحَفَ، فأمْلَتْ عليه آيَ السُّوَرِ. }
(صحيح البخاري)
المُفصَّل السور القصيرة في جزء عمَّ: |
إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ(1)(سورة الانشقاق)
إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ(1)(سورة الانفطار)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)(سورة النبأ)
سور من المُفصَّل فيها ذكر الجنَّة والنار، قال: (حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ) نزل ولا تزنوا ولا تشربوا الخمر، يعني نزلت الأحكام التشريعية التي تنهى عن الزِنا، وتنهى عن شرب الخمر قالت: (ولو نَزَلَ أوَّلَ شَيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لَقالوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أبَدًا) فإذاً لمَّا عرفوا الآمر، وعرفوا ما أعدَّ الآمر لمن أطاعه، و ما أعدَّ الآمر لمن عصاه التزموا بالأمر، لكن إذا جاء الأمر دون أن نفقه ونعلم من هو الله تعالى الذي يأمرنا، فإن الإنسان يجد مئة سبيٍل وسبيل ليتفلَّت من أمر الله. |
من إعجاز القرآن الكريم الحروف المُقطَّعة:
سورة البقرة سورةٌ مدنية، جاءت فيها أحكامٌ تفصيلية تشريعية، بدأت بقوله تعالى: |
الم(1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(2)(سورة البقرة)
(الم) حروفٌ مُقطَّعة هي أسماءٌ للحروف، نحن ننطق الحرف وننطق اسم الحرف، فنقول باء ونقول أبْ، الباء اسم الحرف وأبْ هو المُسمّى، إذا قال إنسان بسم الله، فيها باء وسين وميم لكن نلفظها بسم، فالحرف له اسم وله لفظ، هنا جاءت الأحرف (الم) جاءت أسماء الحروف، بنفس الكتابة في بداية سورة الشرح: |
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1)(سورة الشرح)
لا نقول في بداية الشرح ألف لام ميم نشرح لك صدرك، نقول: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) فهناك نلفظ المُسمّى، وهنا نلفظ الاسم لأنه وحيٌ من الله، فعندما جاء الوحي (الم) قرأها النبي صلى الله عليه وسلم ألف لام ميم، وعندما كان الوحي (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) |
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)(سورة الفيل)
قرأها كذلك وهذا من إعجاز القرآن، هنا جاءت الأحرف في البداية (الم) أحرف مُقطَّعة، يُلفَظ كل حرفٍ وحده، ألف لام ميم في ست سور بدأت (الم) وهناك سورٌ |
المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ(1)(سورة الرعد)
وهناك سورٌ |
المص(1)(سورة الأعراف)
وهناك سورٌ حرفان |
طه(1)(سورة طه)
يس(1)(سورة يس)
وهناك أكثر، خمسة حروف في بداية مريم |
كهيعص(1)(سورة مريم)
هذه الأحرف المُقطَّعة كلها بدأت بها سور من القرآن، ومنها الحواميم (حم)، هذه الأحرف المُقطَّعة سرٌّ من أسرار إعجاز القرآن، لعلها من براعة الاستهلال، العرب كانوا إذا أرادوا أن يتكلموا، يستهلّون كلامهم بأشياءٍ محددة، يعني كان الشاعر إذا أراد أن يكتب قصيدةً في الشعر، يبدأُها بالغزَل، هكذا عادة العرب بالغزَل العفيف. |
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ{ كعب بن زهير }
أو يبدأُها بالوقوف على الأطلال |
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها{ لبيد بن ربيعة }
يتكلم عن الأطلال، يعني الأماكن التي كان يحبها وأصبحت أثراً بعد عين، يبدأ بالأطلال، هذا من براعة الاستهلال عند العرب، جاء القرآن بطريقةٍ جديدة في براعة الاستهلال، يُعطيهم أحرفٌ مُقطَّعة قد صيغ منها القرآن الكريم (الم(1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ) الكتاب الذي بين أيديكم القرآن الكريم، مصوغٌ من هذه الحروف العربية ثمانيةٌ وعشرون حرفاً، لكن صاغ منها القرآن هذه الصفحات الستمائة بأبلغ إعجاز، والحروف بين أيديكم، فكل إنسانٍ منّا بين يديه الحروف، كل عربيٍ يستطيع أن ينطق بثمانيةٍ وعشرين حرفاً، من الهمزة والباء والتاء والثاء والعين والحاء والغين وإلى آخره، الحروف العربية أو الأبجدية "أبجد هوز حطي كلمن" موجودةٌ بين يدي جميع الناس، واحد من الناس يصوغ منها أعذب أنواع الشعر، والثاني يصوغ منها كلاماً عامياً، والثالث يصوغ منها درساً علمياً، والرابع يصوغ منها درساً أدبياً، والحروف نفسها، والقرآن الكريم صاغ من هذه الحروف، الله تعالى جلَّ جلاله، هذا كلام الله، ما أعجز العرب أن يأتوا بمثله، ما استطاعوا أن يأتوا بمثله، وتحدَّاهم به فما استطاعوا. |
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(13)(سورة هود)
في سورة البقرة |
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24)(سورة البقرة)
سورةٌ واحدة فقط (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا) هذا تحدي المستقبل، فالله تعالى تحدى العرب بلغتهم (الم) لغة العرب (حم) حروفٌ عربية، هذه الحروف بين أيديكم، يعني المواد الأولية موجودة، يعني للطرفة فقط، ممكن أن نأتي بأنواعٍ من الطعام، كوسا ولحم وبصل، ونضعهم بين يدي امرأةٍ تُحسن الطبخ، فتصنع منهم طعاماً طيِّباً لذيذاً، ممكن أن نضعهم بين يدي امرأةٍ أُخرى لا تُحسن الطبخ، فتصنع منهم طعاماً لا يؤكل، والمواد الأولية واحدة، (الم) هي المواد الأولية التي هي حروف اللغة العربية، فانظروا إعجاز القرآن في صياغة هذه الآيات من تلك الحروف، فالقرآن عربي. |
القرآن الكريم هو كلام الله تعالى ولا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله:
(الم(1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ) الكتاب هو القرآن الكريم، وهذه ال للعهد، يعني الكتاب المعهود في الأذهان الذي تعرفونه، والقرآن الكريم يسمّي الكتاب تارةً بالقرآن وتارةً بالكتاب، القرآن لأنه مقروءٌ ومحفوظٌ في الصدور، والكتاب لأنه مكتوبٌ ومحفوظٌ في السطور، فالكتاب مكتوب، والقرآن مقروء، وكتابنا القرآن الكريم مكتوبٌ في السطور محفوظٌ في الصدور. |
(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ) أي لا شكَّ فيه، يعني لا يمكن أن يلحقه ريب، لا في مصدره ولا في مضمونه، في مصدره هو كلام الله تعالى لا ريب في ذلك، لأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، فيه من الإعجاز في اللغة، وفي التشريع، وفي الإعجاز العلمي، وغير ذلك من أنواع الإعجاز، ما يجعل الإنسان يتيقن أنَّ هذا القرآن كلام الله تعالى، ثم هو معجزٌ في مضمونه، لا ريب فيه في مضمونه، كل كتابٍ من كتب البشر، يُطبع الطبعة الأولى ثم يظهر فيه بعض الأخطاء، فتُستدرك في الطبعة الثانية، ثم تظهر أخطاءٌ أُخرى فتُستدرك في الطبعة الثالثة، وأبى الله العصمة إلا لكتابه، فلا يوجد كتابٌ في الأرض إلا ويتعرَّض للنقد والتمحيص ويُعجِب ولا يُعجِب، وهذا يقول فيه مشكلة في اللغة، وهذا يقول فيه مشكلة طباعية وغير ذلك، إلا كتاب الله، فإن الله تعالى جعله خالياً من الشكوك والريب، طبعاً للعقول المنصِفة، يعني قد تجد إنساناً بعيداً منحرفاً يريد أن ينال من كتاب الله، لكنه لا يستطيع، يعني لا نقول القرآن محفوظٌ بمعنى أنه لا تجري محاولاتٌ للنيل منه، ولكنه محفوظٌ بمعنى أنه لا تنجح المحاولات التي تحاول النيل منه، حاولوا أن يطبعوا بعض النسخ في بعض البلاد، ويحرِّفوا كلمةً أو كذا ثم أُتلِفت هذه المصاحف وحُفظ القرآن، حاول البعض أن يتهجم على بعض الكلمات لجهله باللغة العربية، ويتكلم فيها، ولكن تبيَّن عوَره وبيَّن العلماء ضلاله. |
القرآن الكريم لا يمكن أن يأتيه الباطل ولا يستطيع أحد أن يجد فيه خطأ واحداً:
فهو (لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ) بمعنى أنه إذا كان إنسان متجرد للحقّ وقرأه ليجد فيه الهدى، فإنه لا يمكن أن يجد فيه خطأً واحداً (لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ). |
أحد العلماء الأمريكيين جيفري لاند، هذا ألَّف كتبٌ عديدة، وأصبح داعياً للإسلام في فلوريدا في أمريكا، هذا الرجل جاءته طالبة من الشرق الأوسط مُحجَّبة حِجاباً إسلامياً، فلفت نظره حجابها، فعكف على قراءة القرآن يبحث عن خطأٍ فيه، لعله يجد في القرآن خطأً، ثم إنه وقع على قوله تعالى يُخاطب فرعون: |
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(92)(سورة يونس)
فاتصل بصديقه موريس بوكاي صديقه الفرنسي، وقال له تزعمون أنَّ هذا القرآن كلام الله، وقد وجدت آيةً تتحدث، وهو قرأ ترجمتها طبعاً، بأنَّ الله نجَّا فرعون ببدنه يعني جسمه، أين فرعون؟! فقال له موريس بوكاي: هذا الذي تحدَّثت عنه الآية، قد رمَّمت جثته بنفسي، لمّا أصبح في أنف هذا الطاغية فرعون نخرٌ ورطوبة وعفونة، أُخذ إلى فرنسا واستقبل هناك استقبال الملوك، ثم رُمِّمت جثته وأُعيد إلى مصر، فقال له: أنا رمَّمت جثته، وهو عالم آثار موريس بوكاي، وبعدها أسلم جيفري لاند، وعكف على القرآن والدعوة إلى الله، وألَّف عدة كتب في الدعوة، وأوّلها كان الصراع من أجل الإيمان، وتُرجم إلى العربية في دمشق. |
فذكر موريس بوكاي أنَّ هذا القرآن لا يمكن أن يأتيه الباطل، لأنه أراد أن يقرأه في البداية بروح المُتشكك، ثم آمن به إيماناً لا يُخالطه شكّ. |
(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ) ممكن أن نقف فنقول (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ) يعني لا شكّ، ثم نقول: (فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) ويمكن أن نقرأ (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) وكلاهما صحيح، وهذا أيضاً سرٌّ من أسرار القرآن في الوقف والابتداء، فيعطي معنىً جديداً، فلو قلنا (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ) أي ذلك الكتاب لا شكَّ أبداً في أنه الكتاب، ثم نقول (فِيهِ) أي في القرآن (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) ولو قلنا (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ) أي لا شك في مضمونه ثم هو (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ). |
القرآن الكريم كتاب هداية هدفه أن يهديك إلى الله:
(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) هذا القرآن كتاب هداية، يمكن أن نقول إنَّ فيه إعجازاً علمياً، ممكن، ويمكن أن نقول إنَّ فيه أخباراً عن الماضيين، ممكن، يمكن أن نقول إنَّ فيه إنباءً بالمستقبل ممكن، ممكن أن نقول إنَّ فيه ذكراً لبعض النواحي البلاغية والإعجازية في اللغة، أكيد لأن القرآن عربيٌ مبين، لكن ما الهدف الرئيس من القرآن الكريم؟ هو كتاب هداية (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) فالهدف من هذا القرآن أن يهديك إلى الله، أن يهديك إلى الصراط المستقيم، أن يهديك إلى المنهج القويم. |
من هم المتقين؟ وما صفاتهم؟
(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) من المتقون؟ المتقون من مادة وقى في اللغة العربية، وقى واتقى أي جعل بينه وبين الشيء وقايةً، فلو كانت أمامي نارٌ مشتعلةٌ، وأردت أن أتقي حرَّها، فإنني ربما أضع يدي على جبهتي، أو ربما أضع بيني وبينها حاجزاً زجاجياً حتى لا يصل وهج النار إلي، فأنا اتقيتها، أي جعلت بيني وبين الشيء الذي أخشاه وقاية، والمتَّقي هو الذي يتَّقي النار، ويتَّقي غضب الله تعالى، فيأتي بما أمر الله، وينتهي عمّا نهى الله عنه، فهو يتَّقي الله ويتَّقي عذابه. |
ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)(سورة البقرة)
أول صفات هؤلاء أنهم يؤمنون بالغيب، نحن أمام عالمين، عالم الشهادة وعالم الغيب، كل ما أدركته بحواسك فهو شهادة، وكل ما غاب عن حواسك فهو غيب، الآن أنا أُشاهد أمامي هذا الهاتف الذي أنقل إليكم عبره هذا اللقاء الطيِّب، هذا شهادة، أُشاهد أمامي طاولة هذا شهادة، أسمع صوتاً هذا شهادة، ألمس بيدي شيئاً هذا شهادة، أشمُّ رائحةً هذا شهادة، أسمع وأُبصر وأشمُّ وأتكلم هذا كله عالم الشهادة، وهناك حواسٌ غير الحواس الخمس، لكن العلماء هذه الحواس الخمس هي أشهر الحواس، يوجد حواسٌ أُخرى غير الخمس، يعني سأضرب مثلاً: لو أنَّ أمامكِ حقيبتين، والحقيبتان بنفس الشكل تماماً، ونفس الحجم تماماً، ثم جئت وأردت أن أعرف أيهما أثقل من الأُخرى فماذا أصنع؟ أرفع الأولى بيدي وأرفع الثانية، فأعرف أنَّ هذه ممتلئة ثقيلة، وهذه فارغة، كيف عرفت؟ أحسست، كيف أحسست؟ لا تقل لي حاسة اللمس، ليس لمساً، اللمس أعرف أنه حقيبة، لكن كيف عرفت وزنها؟ من خلال العضلة، لمّا العضلة شعرت بالتعب، لمّا رفعت الثقيلة عرفت بأنها ثقيلة، ولمّا العضلة لم تشعر بالتعب شعرت بأنها خفيفة، فهناك أشياءً كثيرة نُميّزها في حياتنا بغير الحواس الخمس، وما يزال سرّها مجهولاً، لكن الإنسان يُميِّز. |
على كل حال، كل ما أدركه الإنسان بحواسه فهو من عالم الشهادة، لكن ما غاب عنه فهو من عالم الغيب، المؤمن يؤمن بالغيب، يعني بما غاب، لو أنَّ إنساناً سمع صوتاً فقال أنا مؤمنٌ أنَّ هناك صوت، هذا ليس إيماناً لأنَّ الصوت أدركته فأين الإيمان؟ لو قال لك أحدهم أنا أؤمن الآن أنك تجلس إلى جانبي، أين الإيمان؟ أنا جالسٌ بجانبك، هذا لا يحتاج إلى تصديق لأنه واقع، لذلك قالوا: ليس مع العين أين، يعني إذا إنسان رأى بعينه لا يقول أين، أين فلان؟ أنت تراه بعينك، فلماذا تسأل عنه فتقول أين؟! ليس مع العين أين، لكن إذا غاب الشيء تماماً عن حواسك فهو الغيب، والمؤمنون أول صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب. |
الملائكة غيب، الجن غيب، اليوم الآخر غيب، الكتب السابقة غيب، الكتب الأساسية التي جاءت غير محرَّفة غيب، الجنَّة والنار غيب، نحن نؤمن بالغيب هذا سرُّ إيماننا، وهذا سرُّ الإيمان، وهذا هو الذي يُدخل الناس الجنَّة، وهذا هو الذي يجعلهم من المتَّقين، أن يؤمنوا بما غاب عنهم، وهذا الذي يُميِّز المؤمن عن غير المؤمن، النظر كل الناس يؤمنون به، السمع كل الناس يؤمنون به، وإذا إنسانٌ قال لا أؤمن وهو يرى فهذا يُشَكّ في عقله، وهناك أشياءٌ يُميِّزها الإنسان بالعقل تحتاج إلى آثار. |
يعني مثلاً: من منّا رأى فيروس كورونا؟ لا أحد، لكن آمنّا به بسبب آثاره، رأينا شخصاً قد أُصيب وضاق نفسه، سمعنا عن شخصٍ أُصيب وأُدخل إلى المشفى ثم توفاه الله، آمنّا بالفيروس رغم أننا لم نره، هذا يحتاج عقل، لكن الغيب لا يوجد لا شيء نحس به بحواسنا ولا شيء نستدل عليه بآثاره، وإنما هو مطلق الغيب، لا نرى منه شيئاً، و نعلم عنه ما أخبرنا الله تعالى به، كل شيءٍ غابت عينه وغابت آثاره فهو غيب، والله تعالى وصف المتَّقين فقال في أول صفاتهم: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ولن يؤمن إنسانٌ الإيمان الكامل حتى يؤمن بالغيب. |
قال أحد الصالحين: لقد رأيت الجنَّة والنار، فقال له أصحابه انظر فيما تقول! والله ما رأى أحدٌ الجنَّة والنار عياناً، هل منكم أحد رأى الجنَّة والنار؟ ما أحد، فقال: لقد رأيت الجنَّة والنار، قالوا كيف ذاك؟! قال رأيتهما بعينَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّ النبي رأى الجنَّة والنار ليلة المعراج، ورؤيتي لهما بعينَي رسول الله، أصدق عندي من رؤيتي لهما بعينَي، لأنَّ بصري قد يزيغ وقد يطغى أمّا بصره صلى الله عليه وسلم |
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ(17)(سورة النجم)
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) هذا إيمانك أن تؤمن بالغيب، نحن لماذا نطيع الله؟ لأننا نؤمن بالغيب، الآن إذا جاء إحداكُنَّ مبلغ ألف دينارٍ من حرام، لماذا تقول الواحدة منكُنَّ لا أُريده؟ رشوة، لماذا؟ ولماذا الآخر يقبله؟ الذي لم يقبله مؤمنٌ بالغيب، بأنَّ الله سيعاقبه إن أخذه، والذي أخذه ما عنده إيمانٌ بالغيب، للشهادة يؤمن، وألف دينارٍ مبلغٌ جيد، فلماذا لا آخذه؟ أتمتع به، أشتري به بعض الحاجات، أفك به عسرتي، لماذا لا آخذه؟ المؤمن يقول أنا لا آكل مالاً حراماً، لماذا قال أنا لا آكل مالاً حراماً؟ لأنه يخشى عذاب الله. |
النار ما هي؟ غيب، فمعظم تحركات المؤمن في الحياة، التي يترك فيها الحرام ويأتي فيها الحلال، ويتحرَّى فيها رضى الله، ويمتنع فيها عن أذى الناس، كلها ناتجة عن الإيمان بالغيب، لذلك أول صفةٍ للمتقين قبل إقامة الصلاة، وقبل الزكاة، وقبل الإيمان بالكتب، قال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) إيمانهم بالغيب دفعهم إلى إقامة الصلاة، الآن إذا أذَّن الفجر، لماذا أقوم من فراشي والدنيا شتاءً؟ والماء ربما بارد، أقوم وأتوضأ وأقف بين يدي الله، والغرفة باردة ولا أخلد إلى النوم، غيري يغطُّ في نومٍ عميق، لماذا قمت أنا؟ إيمانٌ بالغيب، هو ما قام لأنه لا يؤمن بالغيب، أنا قمت لأني أُؤمن بالغيب. |
الإيمان بالغيب دفعٌ إلى إقامة الصلاة:
(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) إذا جاءني ألف، لماذا أدفع منها خمس وعشرون زكاةً؟ أقول هذه ليست لي هذه للفقراء، لأنني أُؤمن أنَّ الله سيضاعف لي، وأُؤمن بأن الله سيحاسبني يوم القيامة، وأُؤمن بأنني إن لم أدفع هذه الزكاة فإنَّ الله سيعاقبني، فهو إيمانٌ بالغيب، لذلك الإيمان بالغيب دفَعَهم إلى إقامة الصلاة، دفَعَهم (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) دفَعَهم بالآيات التي بعدها: |
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)(سورة البقرة)
(وَبِالْآخِرَةِ) غيب، (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) كل إيماننا وكل ديننا مبنيٌ على الغيب، فمن يؤمن بالغيب يعمل، ومن يؤمن بالغيب يتقي الله، ومن يؤمن بالغيب يقيم الصلاة، ومن يؤمن بالغيب يدفع الزكاة، ومن يؤمن بالغيب يؤمن بالكتب السابقة، ومن يؤمن بالغيب يؤمن بالآخرة، كل إيماننا غيب (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ). |
كل ما انتفعت به فهو رزق من الله:
(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) ليس المقصود المال فقط، لأن الإنسان يرزقه الله، فكل ما انتفعت به فهو رزق، العلم رزق، تنفق منه تُعلِّم الناس، الجاه رزق، تنفق منه بأن تتدخل لإصلاحٍ بين متخاصمَين، المنصِب رزق، إذا مكَّنك الله بمنصِبٍ تحق به الحق وتبطل به الباطل، رزق، الصحة رزق، إذا منحك الله عزَّ وجل الصحة هذا رزق، فالرزق ليس المال فقط كما يتوهَّم الناس، يقول لك فلان رزقه قليل، كيف رزقه قليل والله أعطاه الصحة، والآخَر أعطاه المال ومنع عنه الصحة، فالرزق هو كل ما انتفعت به، من صحةٍ، من مالٍ، من جاهٍ، من علمٍ، من قوةٍ، من تواضعٍ، من رحمةٍ، من أمانةٍ، من صدقٍ، هذا رزقٌ من الله عزَّ وجل، الصادق هذا رزقٌ من الله أنه يصدق، فكل ما أعطاك الله من ميِّزات هو رزقٌ من الله. |
قال: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) من للتبعيض، أي لا ينفقون كل ما رزقناهم، الإسلام موضوعي واقعي، عندما أعطاك ألف، قال لك هناك فرضٌ خمسةً وعشرين ديناراً من الألف، فرض اثنان ونصف بالمئة، وإذا أردت صدقاتٍ أكثر ادفع ما تريد، لكن الفرض اثنان ونصف بالمئة، الخمس والعشرين ليست لك، تسعمائة وخمسٌ وسبعون لك، تتصرف بهم كيف تشاء، صدقة، إنفاقٌ على الأهل، كل شيءٍ حلال تصرَّف، لكن الخمس والعشرين هذه حق الفقير، لا تحق لك (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) أي اثنان ونصف بالمئة، يعني ربع العشر، ليس واحد على عشرة، ربع العشر، فتخيَّل أنَّ المطلوب إنفاقه مثلاً في المال هو (مِمَّا) ونفس الشيء بالصحة، تمتع بصحتك وعافيتك لكن استخدمها في طاعة الله، أنفق منها في طاعة الله، جاهك، منصبك، قوتك، علمك، كله أنفق منه، وليس أنفقه كله (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الرزق من الله، والمطلوب منك أن تنفق مما رزقك الله. |
الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال:
الإيمان بالغيب أولاً، الصلة بالله ثانياً، الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، الزكاة مرةً في السنة، بالحَول الهجري مرةً واحدة، وتسقط عن الفقير الذي لا يملك النصاب، الصيام شهرٌ في السنة ويسقط عن أصحاب الأعذار، مرةً مسافر، شيءٌ بقضاء وشيءٌ بلا قضاء، يسقط لكن له حالات يسقط بها عن بعض الأصناف من الناس، الحج مرةً في العمر ويسقط عن الفقير الذي لم يستطع إليه سبيلاً، شهادة أنَّ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، ندخل بها الإسلام ونغادر بها الدنيا، ما الفرض الوحيد المتكرر اليومي الذي لا يسقط بحال؟ الصلاة |
{ الصلاةُ عمادُ الدينِ }
(الألباني ضعيف الجامع)
الصلاة معراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، إذا أردت أن تعرج إلى الله بالصلاة، غُرّة الطاعات |
{ عن عثمان بن أبي العاص: أن وفد ثقيف لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا عليه أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع }
(سنن أبي داوود)
{ أولُ ما يحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصَّلاةُ ، فإنْ صَلَحَتْ، صَلَحَ سائِرُ عَمَلِه، و إنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِه }
(الألباني صحيح الترغيب)
{ كان آخر ُكلامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الصلاةَ الصلاةَ ! اتقوا اللهَ فيما ملكت أيمانُكم }
(أخرجه أبو داوود وابن ماجه)
سيدنا عمر رضي الله عنه، يوم أُصيب وطعنه المجوسي أبو لؤلؤة عليه لعنة الله، واقتيد إلى بيته وترك الصلاة، وهو إمامٌ في الفجر، وقدَّم من يصلّي بالناس الفجر، لمّا أفاق قال لهم: هل صلى المسلمون الفجر؟ عمر في حالة الموت، هو علِم أنه سيموت، قال: هل صلى المسلمون الفجر؟ قالوا نعم، قال: الحمد لله، ثم قال أجلسوني حتى يُصلّي هو، لأنه ما أتم صلاته، طُعن أثناء الصلاة، فعصبوا له جرحه وهو ينزف دماً وهو يُصلّي الفجر، فتخيّلوا كم كان حرص المسلمين على أداء الصلوات في وقتها. |
(وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) إقامة الصلاة هي الحركة العمودية نحو الله، بالصلة الدائمة به، والإنفاق هو العلاقة الأفقية نحو المخلوقين بالإحسان |
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)(سورة المائدة )
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2)(سورة الكوثر)
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ) صلةٌ بالله (وَانْحَرْ) من أجل الإحسان إلى الناس، أطعِم الناس من اللحم، كل ديننا بعد الإيمان بالغيب، صلةٌ بالله وإحسانٌ إلى المخلوقين، نكتفي بهذا القدر، والحمد لله رب العالمين. |