الحلال والحرام من الأطعمة
الحلال والحرام من الأطعمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد، فهذا هو اللقاء العشرون من لقاءات تدبر سورة الأنعام، ومع الآية الثالثة والأربعين بعد المئة وهي قوله تعالى: |
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(143)(سورة الأنعام)
الله تعالى هو المشرِّع فقط:
الغرب جعلوا سعادة الإنسان هي محور الحياة
|
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)(سورة المائدة)
ما تحدثنا عنه من هذه الصور غير الشرعية لتقسيم الأنعام هو محاولة البشر أن يجعلوا لأنفسهم سلطة في التحليل أو التحريم، في الإباحة أو المنع، وكأنهم هم من يملكون هذه السلطة، والحقيقة أن هذه السلطة لله تعالى وحده. |
سلطة التحليل والتحريم بيد الله تعالى وحده
|
وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142)(سورة الأنعام)
﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ يعني كلوا ثمانية أزواج أباحها الله لنا، أو أن نقول: هناك فعل محذوف تقديره: خلق الله لكم ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾. |
على ماذا تطلق كلمة زوج:
الزوج: يطلق على كل ما كان له شيء من جنسه، فأنا زوج، وزوجتي زوج، وأنا وإياها زوجان، الذكر زوج، والأنثى زوج: |
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ(45)(سورة النجم)
العوام أحياناً يطلقون الزوج على الاثنين، وفي الأصل الزوج يُطلَق على فرد لكن له شيء من جنسه يجاوره ويماثله: |
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)(سورة البقرة)
فهي زوج وأنت زوج، ومثل ذلك التوأم، فأحياناً العوام يقولون: رُزِقَت فلانة بتوأم، وهي في الحقيقة رُزِقت بتوأمين، كلٌّ من المولودَين توأم، فهذا توأم، وذاك توأم، وهما توأمان، ومثلها الزوج، فهنا قال: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ فعندنا ثمانية من الأزواج. |
الأزواج الثمانية:
﴿مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾ وهما الكبش الذي يُذبَح، وما كان يقابله من الأنثى، ﴿مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾ الكبش والعنزة من الضأن. |
﴿وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ أيضاً من الماعز ذكر وأنثى. |
﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ﴾ يعني هل حرّم زوج الذكور أم زوج الإناث حسب ادّعائكم. |
﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ نبئوني أي أخبروني، ولكن ليكن هذا الإخبار –وهذه قاعدة مهمة جداً- ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ﴾ كل إنسان ممكن أن ينبئ بغير علم، ممكن أن تقول لي الآن: عمان كلها مُلك لي، معك ورقة تثبت ذلك؟ لا والله، عندك شهود؟ لا والله، لكن أحببت أن أخبرك. يمكن أن تقول لي أنا أملك في رصيدي مئة مليون، عندك كشف حساب بنكي؟ لا، هذا إنباء بجهل، ينبغي أن يكون الإنباء والإخبار بعلم، يعني بدليل: |
وكل يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك{ لقائله }
الإنباء بلا إثبات لا قيمة له
|
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)(سورة آل عمران)
إذا كنت تقول أنا أحب الله، فهل أنت مُتَّبِع لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا دليل المحبة، فكل شيء ينطلق من غير دليل سهل، كل إنسان يقول ما يشاء، قالوا: ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، فلما قال تعالى ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ﴾ فأنتم من أين جئتم بالتحريم؟ إن حرّمتم الذكرين؛ ذكر الضأن وذكر المعز، أو حرّمتم الأنثيين؛ أنثى الضأن وأنثى المعز، فمن الذي أخبركم بذلك؟ من الذي أعطاكم حق التحريم أو التحليل؟ وإن كنتم حرمتم ما ﴿اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ﴾ سواء من الذكور أو الإناث، أو جعلتم ما في بطون الأنعام خالصاً للذكور دون الإناث، فمن أين جئتم بهذا التحريم، وذاك التحليل، ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ قال: |
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)
الجمل والناقة ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ ذكر البقر، وأنثى البقر نطلق عليهم الثور والبقرة، وإن كانت لا تصح كلمة بقرة بالإطلاق على الأنثى، إذا كان يصح فيمكن أن يقال ثور وثورة مؤنث الثور، ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ يعني ذكر البقر وأنثى البقر. |
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
|
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ هنا موطن الشاهد؛ فلن تجد أظلم هذا استفهام تقريري ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بمعنى أنك لن تجد شخصاً أظلم ممن يفتري على الله الكذب، ممكن الإنسان أن يظلم الآخرين، أو ممكن أن يظلم نفسه، ولكن أعظم الناس ظلماً مَن يقول على الله بغير علم، فيدّعي أن الله حلل هذا وحرم هذا بغير علم. |
تحريم الحلال لا يقل إثماً عند الله عن تحليل الحرام:
تحريم الحلال لا يقل إثماً عند الله عن تحليل الحرام
|
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(44)(سورة المائدة)
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(47)(سورة المائدة)
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)(سورة المائدة)
ثلاث آيات، عندما يُخيَّل للإنسان أنه يحكم بما يريد تقع الطامة الكبرى. |
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)(سورة يوسف)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)( سورة الأعراف)
لا يجوز أن تقول الله خلق والأمر لنا، لا يستقيم ذلك، ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾. |
إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)(سورة فاطر)
هو الخالق وهو الذي يأمرك بما يصلحك، فالقضية في العمق أن الإنسان ينبغي أن يعرف حجمه، حجم الإنسان أنه عبد للواحد الديان، وأن الله تعالى هو الذي يُحِلّ، وهو الذي يُحرِّم، وما أحله الله نُحِلُّه، وما حرّمه الله نحرّمه، فقط. هذه المسألة في العمق. |
على الإنسان أن يعرف حجمه
|
﴿لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ وهذا القيد قيد وصفي وليس قيداً احترازياً، لأن كل من يُضِل الناس إنما يُضِلهم بغير علم، فلا يوجد شخص يضل الناس بعلم وآخر يضلهم بغير علم، وهذا مثل قوله تعالى: |
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)(سورة النساء)
وفي آية أخرى: |
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(21)(سورة آل عمران)
فلا يوجد قتل للأنبياء بحق، كل قتل الأنبياء بغير حق، كل القتل بغير الحق، فقال: ﴿لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي ليس معه دليل على ما يقوله فيُضِل الناس عن سبيل الله فيحرّم عليهم ما أحلّه الله تعالى، ويحلّ لهم ما حرّمه الله تعالى. |
الله لا يهدي من افترى على الله الكذب:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
|
قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145)
﴿قل﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا﴾ يأمره بعد أن بيّن جل جلاله افتراءات هؤلاء في تحريم وتحليل وفي دعواهم إلى امتلاك سلطة التحليل والتحريم، بيّن الله تعالى الحكم الشرعي فقال تعالى: قل لهم ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ فليس هناك تحريم على طاعم من ذكر أو أنثى؛ لأنهم قالوا في بعض الأشياء أنها حرام للإناث وحلال للذكور ﴿مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ﴾ وأكد ذلك ﴿يَطْعَمُهُ﴾ أي يأكله، حتى لا يتوهم بالطاعم أنه... فقد يقال على الإنسان أنه طالب وهو لا يدرس مثلاً، فلبيان أن الآية متخصصة في الأكل ﴿عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ أي يأكله، قد يقال لإنسان طاعم وهو لا يريد أن يأكل الآن، لكنه طاعم في العادة يأكل. |
المحرمات من الأطعمة في الإسلام:
1. الميتة:
فقال ﴿عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ﴾ هذا المحرم ﴿مَيْتَةً﴾ فالميتة مُحرّمة لأنها نجسة، احتبس الدم في داخلها وماتت حتف أنفها، وبينت آية أخرى في سورة المائدة بعض أنواع الميته فقال: |
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(3)(سورة المائدة)
بعض أنواع الميتة:
الموقوذة: التي ضُرِبت بعصا حتى ماتت. |
والمتردية: التي سقطت من شاهق فماتت. |
والنطيحة: التي نطحتها أختها فماتت. |
﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ فالميتة مُحرَّمة. |
حكم أكل الميتة في بلاد الغرب:
واليوم يسألنا بعض الإخوة ممن اغتربوا من المسلمين عن حكم أكل الميتة في بلاد الغرب، وهم يعلمون أنها ميتة، وأنها لم تُذبَح الذبح الشرعي صُعِقَت فماتت ثم ذُبِحت، فما عاد هناك قوة في الشرايين والقلب لإخراج الدم من الدابة، فيقولون: هل هي من ذبائح أهل الكتاب، ومن طعام أهل الكتاب فيجوز لنا أكلها؟ والله تعالى يقول: |
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(5)(سورة المائدة)
فنقول لهم: والله لو كانت ذبيحة فهي حلال، سموا عليه وكلوه، وهذا ما يفعله اليوم كثيراً من اليهود، فهم حتى اليوم يذبحون ولا يأكلون الميتة أبداً، إذا كنت في طائرة ومسافر من بلد إلى بلد، وتريد أن تأكل لحماً، ولا يوجد ذبح إسلامي، فاللحم المذبوح حقيقة هو الذي وُضِع عليه ختم الحاخام اليهودي؛ لأنهم يذبحون بغض النظر عن انحرافاتهم الأخرى، لكن هم في الذبح يذبحون الأنعام. |
الميتة لا يجوز أكلها حتى ولو تمت التسمية عليها
|
الحكمة من تحريم الميتة:
﴿فقال قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً﴾ فالميتة مُحرَّمة في ديننا، الله تعالى يشرّع الآن، الميتة حرام، تقول لي: ما الحكمة، يوجد حكم؛ الدم في داخلها لم يخرج منها؛ لأنها ماتت حتف أنفها، لم تُذكّى التذكية الشرعية؛ لأن الذبيحة حينما تُذبَح من أوداجها يبقى القلب ينبض، القلب في العادة ينبض ثمانين نبضة في الدقيقة وسطياً، عندما يواجه الإنسان خطراً من الأخطار الداهمة يأتي أمر استثنائي من الغدة النخامية القريبة من الدماغ، فيأتي الأمر من الدماغ للقلب ليزيد من ضرباته، ويضاعفها فتصل من ثمانين نبضة إلى مائة وثمانين نبضة، الخائف ينبض قلبه مائة وثمانين، مائة وستين، مائة وسبعين، فإذا خاف أحدنا يلاحظ أن قلبه ينبض نبضات سريعة؛ والسبب في ذلك أن الجسم بحاجة طاقة، فيزيد النبض حتى يواجه الشيء الذي يخيفه هروباً أو هجوماً وغالباً هروباً، لكنه بحاجة إلى طاقة، والدم طاقة، ويزيد وجيب رئتيه فيلهث، حتى إذا أحب أن يهرب يستطيع أن يدخل كمية أكبر من الهواء، ويُلقَى في دمه هرمون يسمى "هرمون التجلط"، حتى إذا أصابه جرح يتجلط الدم خشية أن يسيل دمه كله، ويرتفع السكر في دمه، فإذا فحصت دم الخائف في لحظة الخوف تجد السكر مرتفعاً، ليس بالتسعين والمائة بل يصبح مائة وثلاثين أو مائة وأربعين وقد يصل إلى المائة والسبعين أحياناً، فيرتفع السكر لأنه طاقة في الجسم، وهذه كلها تحصل في جزء من الثانية مجرد شعوره بالخوف يحصل معه كل ذلك، الكبد يلقي كميات سكر إضافية في الدم، وجيب الرئتين يرتفع، نبض القلب يرتفع، هرمون التجلط يُلقى في الدم. |
قتل الدابة ذبحاً يخرج الدم من الشرايين المفتوحة
|
طبعاً هذا كلام علمي، أو تفسير معروف، لكن نحن عندما نؤمن أن سلطة التحليل والتحريم بيد الله فنحن لا نأكل إلا الذبيحة التي ذُكِّيت، ذُبِحت مذكاة، |
والتذكية تعنى أن تذبح من الأوداج، وألا يفصل رأسها بشكل كامل عن جسمها، يخرج الدم وعندما تهدأ تُسلَخ وتُؤكل، وعندما تُذبَح يذكر اسم الله عليها، لو لم يُذكَر اسم الله عليها نسياناً لكن ذُبحت لا مشكلة، لو ما علمنا هل ذكر الذابح أو لم يذكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: |
{ أنَّ قَوْمًا قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنا باللَّحْمِ لا نَدْرِي أذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عليه أمْ لا، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سَمُّوا اللَّهَ عليه وكُلُوهُ. }
(صحيح البخاري)
لكن لا بد من الذبح الشرعي. |
2. الدم المسفوح:
﴿فقال قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا﴾ انظر إلى دقة اللفظ القرآني دماً مسفوحاً، لأن الكبد والطحال دم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: |
{ أُحِلَّتْ لكم مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فأما الميتتان: فَالْجَرَادُ والْحُوتُ، وأما الدَّمَانِ: فالكبد والطحال. }
(أخرجه ابن ماجه وأحمد)
الميتتان السمك والجراد، ليسا بحاجة إلى الذبح، لأن ليس لهما دم سائل، دم بسيط جداً عند التقاط السمكة يتوجه بعض الدم إلى الغلاصم وانتهى، وكذلك الجراد ليس لها دم سائل، فهي ميتة تؤكل شرعاً. |
والدمان الكبد والطحال؛ لكن هذا الدم نقي إلى حد أنه تشكل منه عضو من الأعضاء، فالكبد والطحال كله دم، لكنه ما عاد دماً مسفوحاً، صار طاهراً يؤكل، وأيضاً كلمة مسفوح؛ الدم سيبقى بعضه في اللحم، ولو كان ربنا ما قال دماً مسفوحاً إذاً علينا أن نتتبع الدم في اللحم، فهناك أجزاء إلا أن يبقى شيء من الدم مهما كان في اللحم، يبقى شيء من الدم، فهذا معفوّ عنه، فقال: ﴿أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا﴾ هذا الدم الذي خرج من الجسم صار مزرعة جراثيم فلا يؤكل. |
3. لحم الخنزير:
الخنزير كله نجس بلحمه وشحمه
|
الفرق بين الرجس والنجس:
﴿أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ لحم الخنزير رجس، والرجس هو النجاسة، والبعض فرق بين الرجس والنجس، فالنجس نجاسة حقيقية، والرجس نجاسة معنوية، ومثل ذلك قوله تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)(سورة المائدة)
الميسر: أدوات الميسر لا يوجد فيها نجاسة نهائياً، فهي أدوات مصنوعة من البلاستيك أو من الحديد. |
والأنصاب: هي صنم، ولا يوجد فيها نجاسة، فإذا وضعت يدك عليه ثم صليت، فسماها "رجس" لأن رجس معنوي، ومن هنا استنبط بعض الفقهاء أن الخمر نجاسته نجاسة معنوية، يعني هو رجس، لكن لو جاء بعض الخمر على الثياب، وهذا طبعاً فيه تيسير ليس في الخمر، فلن يضع أحد الخمر على ثيابه اليوم ويصلي، فنحن لا نقربها ولا ننظر إليها، فملعون من حملها والمحمولة إليه والحامل، لكن اليوم هناك كحول، أحياناً يضمد الإنسان جرحاً، أو العطور التي يضعها الإنسان ممكن أن يكون فيها جزء من الكحول، فيمكن بهذا الرأي أن يُتَجاوز عن هذا الأمر، وإن كان جمهور الفقهاء على أن نجاسة الخمر تحديداً نجاسة حقيقية، فهو نجس بذاته، والله تعالى أعلم، لكن هنا للتمييز بين الرجس والنجس، والخنزير أيضاً عند جمهور الفقهاء هو نجس العين؛ لحمه نجس. |
الأصل في العبادات الحظر والإباحة طارئة:
وهذه الآية ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ الأصل في الأشياء الإباحة، والتحريم طارئ، الأصل في العبادات الحظر، والإباحة طارئة، فلو شخص قال لك: أحب أن أجعل الصلاة خمس ركعات، تقول له: لا يجوز، يقول: أصلي النفل خمسة، تقول له: لا. |
{ أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ عليه السَّلَامُ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى. }
(صحيح البخاري)
لا تُشرَّع عبادة إلا بدليل
|
{ مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ. }
(صحيح مسلم)
{ إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. }
(أخرجه النسائي)
الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم طارئ:
لكن الأصل في الأشياء الإباحة، فإذا قال لك شخص: ما حكم شراب الأناناس؟ تقول له: انتظر لأرى في القرآن، ففتح ولم يجد لا في القرآن ولا في السنة، لعله حرام، لا، الأصل أنه حلال، ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ﴾ الباقي حلال، إلا ما حرمه الله، أو حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة، فهناك أشياء حُرِّمت في السنة لم ترد في القرآن فهي حرام مضاف. |
فالأصل هو الحلال، والتحريم طارئ، ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ﴾ الباقي حلال، انتهى الأمر، فهذا أصل، لما ربنا عز وجل قال: |
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35)(سورة البقرة)
الجنة كلها مباحة لكم، لكن يوجد شجرة ممنوعة، وهذا يشبه حالنا اليوم مع ما يحلّله الله ويحرمه، اللحم كله حلال فقط الخنزير حرام، فالغرب كله يتركون الحلال ويأكلون الخنزير، تذهب إلى ديارهم تجد إن أراد أن يقلي لك البيض يضع فيه شحم الخنزير، وإذا أراد أن يصنع شطيرة لحمة (سندويشة همبرغر) فيها لحم خنزير، وإذا أراد أن يقدم لك الخبز أو المعجنات (الكروسان) يدهنها بشحم الخنزير ليلمع، شيء عجيب! تقول لماذا كل هذا التركيز؟ لأن هذا الإنسان: |
قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17)(سورة عبس)
الغرب يبحث عن الحرام ليفعله
|
4. ما ذُبِحَ لغير الله:
فقال: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ أو أن يكون مذبوحاً لغير الله، عند الذبح ﴿أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ عندما ذُبِح ذُبِح للأصنام، فقيل: باسم اللات أو العزى أو شيء من هذا، فهذا لا يُؤكل، لكنه ذُبِح ذبحاً شرعياً، وهو غنم ليس لحماً مُحرَّماً، لماذا لا يؤكل؟ هنا الناحية عقدية وتوحيد؛ لأن هذه الأنعام نعمة من الله، فلما ذُبِحت لغيره حرم أكلها، هنا المؤمن يستسلم لا يجوز، طبعاً إذا ذُبِحت ولم يُذكَر شيء عليها نسمي ونأكل، لكن لو رأينا الذابح يذبحها لصنمه أن لآلهته فلا نأكل منها أبداً؛ لأننا نرفض أن نأكل من نِعَم الله شيئاً ذُبح ونسب إلى غير الله تعالى وهو خلقه جل جلاله هذا توحيد، هذا من التوحيد، وسماه: "فسق" لأنه خروج عن دين الله تعالى بالكلية، عندما ننسب النعمة لغير المنعم. |
الضرورات تبيح المحظورات:
قال: ﴿فَمَنِ اضْطُرّ﴾ دائماً ربنا عز وجل يفتح باب اليسر في الشريعة، قال لك هذه محرمات؛ الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله تعالى به، ﴿فَمَنِ اضْطُرّ﴾ من ألجأته ضرورة إلى أن يأكل شيئاً من الميتة أو من لحم خنزير أو من ذبيحة ذُبِحت لصنم ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ فلا إثم عليه. |
الضرورات والحاجيات والتحسينيات:
أولاً الضرورة -يا كرام- يجب أن نفهمها؛ لدينا في دين الله ضرورات وحاجيات وتحسينيات حتى في الحياة؛ فالهواء ضروريات، إذا حُبِس عن الإنسان يموت، الماء ضروريات، القمح حاجيات، يعيش الإنسان بلا قمح، لكن حياة صعبة لأن القمح أساس القوت، فهو من الحاجيات، الفرولة تحسينيات. |
حتى بموضوع الفقر نحن نخلط بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات، نقول فلان فقير، خير؟ ألم تر الهاتف الذي يحمله؟ ذو المائة دينار، ليس لديه هاتف ذكي، لا زال على الهاتف القديم الذي يحتوي على أزرار، هو فقير تحسينيات، هو فقير على شيء تحسيني، لا على شيء حاجي. الفقر هو فقر الضرورة، وممكن ببعض الحاجيات أن تتنزل منزل الضروريات اليوم، فتدخل إلى بيت لا تجد فيه براد فتقول: فقير هذا مقبول، ولكن إذا لم يكن هناك شاشة فهو فقير! لا، لا يوجد براد هذه حاجة وليست ضرورة، ولكنها بلغت اليوم في حياتنا المعاصرة والوضع العام جعل البراد ليس من الحاجيات، وإنما من أعلى الحاجيات التي قد تتنزّل منزلة الضروريات، مثل المسكن صار، لأنه لا تستقيم الحياة أن يحضر كل يوم طعام لهذا اليوم فقط، كل الحاجيات تحفظ في البراد اليوم، ولم تعد طرق الحفظ القديمة موجودة...إلخ |
الفقير هو فقير الضرورة
|
فالضروريات هي التي تبيح المحظورات، وليس الحاجيات أو التحسينيات، فالضرورة هنا أنه إن لم يأكل مات، أو مرض مرضاً شديداً، أي صار معه فشل كلوي مثلاً، يجب عليه أن يشرب الماء، فهي ضرورة. |
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ﴾ إذا كانا اثنين، والاثنين بحاجة الطعام، ويوجد قطعة ميتة واحدة فلا ينبغي أن يبغي على نصف أخيه، بل يأكل جزءاً بسيطاً، ويترك لأخيه ما يقيم به أَوَدَه، لا يبغي، ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ بمعنى أن نفسه لا تشتهي ذلك، فهو لا يطلبه، فلا ينطبق عليه المثل الشعبي (يهودي ضربوه بزبدية لبن، فقال لهم بديني أشتهيها) هو فقط يتمنى أن يضطر مرة ما ليأكل الخنزير ويتذوقه، أويشرب شربة خمر، لا، ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ هو لا يريد الحرام، ولكنه وصل لدرجة أنه لا بد منها، فأكله وهو لا يحبه ولا يستسيغه. |
انظر إلى القيد القرآني ﴿وَلَا عَادٍ﴾ أي ليس متجاوزاً الحد الذي يقيم به ضرورته، كان جائعاً فأكل خنزيراً صغيراً، هذا لم يعد جائعاً، صار متمتعاً، يأكل قطعة صغيرة فقط تمنع عنه الموت حتى يجد ما يأكله. |
والمُكرَه له حكم المضطر، فالمضطر؛ إما أنه لا يجد شيئاً حلالاً يأكله، أو يجبره أحد على أكل الحرام. |
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يغفر له، لأن ذلك كان على ضرورة، ويرحمه أي ينزل على قلبه ما يمنع ضيق صدره الذي وجده لأنه ارتكب هذا المحرم، ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ غفور إزالة للذنب، ورحيم تحلية، تخلية وتحلية. |
التحريم التأديبي:
الآية الأخيرة في الصفحة قال: |
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(146)(سورة الأنعام)
التحريم التأديبي عقاب على الذين هادوا ببغيهم
|
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا(160)(سورة النساء)
بسبب ظلمهم، ﴿وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، قتلوا الأنبياء بغير حق. |
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمً(161)(سورة النساء)
حرم الله على الذين هادوا:
1. كل ذي ظفر:
وكانوا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، فبظلم منهم حرم الله عليهم، فالآن قال: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا﴾ تخصيصاً لهم ﴿حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ مثل الجمل، والأرنب الذي لا يوجد أصابع منفرجة في قدمه، فيسمى" "ذو ظفر"، والأرنب والجمل، البط، الوز، ليس له أصابع منفرجة، كل ذي ظفر كانت حراماً عليهم مع أنها حلال. |
2. شحوم البقر والغنم:
﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ الشحوم نعمة من نعم الله عز وجل، وإذا أُكِلت باعتدال فهي مفيدة، وهي كما يقول الأطباء: غراء للمفاصل، وفي وقت معين سابق شاعت الزيوت النباتية بشكل كبير جداً، وأصبحت الدعاية لها والإعلان عنها في وسائل الإعلام ضخمة جداً بأنها خفيفة، وبأن الشحوم والسمنة الأصلية والبلدية سبب لارتفاع الشحوم الثلاثية، وحتى افتروا على زيت الزيتون الذي يخرج من الشجرة المباركة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: |
{ كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة. }
(رواه الترمذي)
الشحوم نعمة من نعم الله عز وجل
|
فهؤلاء حُرِّم عليهم طيبات، الشحم من الطيبات، الدهون من الطيبات. |
ما أُحِلَّ لهم:
1. دهن الظهر:
﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ يعني دهن الظهر الذي يكون في المنطقة العليا لكن ليس الإلية الدهن والشحم الخالص، الذي يكون على الظهر. |
2. الحوايا:
قال: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ الأمعاء، هذه أحلت لهم، لأن الحوايا فيها الكثير من الدهن. |
3. الدهن المختلط بالعظم:
﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ هناك دهن يكون مع العظم فيؤكل مع اللحم، تيسيراً فرغم التحريم كان هناك فرج بدائرة معينة. |
﴿ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ﴾ أي بظلمهم، يوضح المولى جل جلاله أن هذا التحريم تأديبي، هذه الأمور غير مُحرَّمة، لكن على الذين هادوا حُرِّمَت تأديباً لهم لأفعالهم، فحُرِّمت عليهم طيبات أُحِلّت لهم في الأصل. |
﴿ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ جل جلاله تعالى، يختم هذا الحديث عن الأنعام بقوله: ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ ، فالله تعالى في كل ما يخبر به صادق: |
ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثًا(87)(سورة النساء)
أما هم فقد كذبوا على الله، وكذبوا على رسوله، فأحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله افتراء عليه جل جلاله. |