الشفاعة - تساؤلات أهل الكفر

  • اللقاء الخامس من تفسير سورة سبأ | شرح الآيات 23 -30
  • 2024-07-29

الشفاعة - تساؤلات أهل الكفر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد أيُّها الإخوة الأحباب: لازلنا في تأمُّلاتنا وتدبُّر سورة سبأ، وقد وصلنا إلى قوله تعالى وهي الآية الثالثة والعشرين من السورة:

وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
(سورة سبأ)


ما هي الشفاعة:
أيُّها الإخوة الأحباب: الشفاعة في الأصل هي من الشفع، وهو الزوج في اللغة، وهو ما يقابل الوتر قال تعالى:

وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
(سورة الفجر)

فالشفع هو الزوج والوتر هو المفرد، فكل زوجٍ شفع.
والشفاعة في الاصطلاح: هي أن يتوسط أحدٌ من أهل الجاه عند الشافع من أجل المشفوع له، ففي دنيانا يتدخل أحد الوجهاء فيشفع لفلان عند فلان ليوظفه وظيفةً، أو ليرفع عنه عقوبةً، أو ليعطيه مكافأةً، هذه تسمى شفاعةً يشفع له، فيصبحان زوجين الشافع والمشفوع له، فيشفع له، والشفاعة محمودة

مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا (85)
(سورة النساء)

فالشفاعة الحسنة محمودة، ويجب علينا أن لا نألوا جهداً في الشفاعة، إذا كان إنسان توسط لديك اذهب وكلِّم فلاناً في الأمر، فما عليه لو ذهبت وأنت تعرفه وكلَّمته، فإن استجاب فقد استجاب، وإن لم يستجيب فأنت أخذت أجرك في الحالين، فلا يمنع أن يشفع، ولا يأخذ أجراً على شفاعته كما يقول أهل العِلم، لأنَّ الشفاعة عبادة والعبادة ليس عليها أجر، لا يقول له: أذهَب أُريد مالاً، أشفع لوجه الله تعالى، فالشفاعة عبادة يؤجر المرء عليها، اشفع في زواج، الشفاعة في نكاح، كأن يأتي إلى والد الفتاة ويقول له: هذا يريد ابنتك، هو رجلٌ طيِّب، وأعرفه على خُلُق ودين الصلاح، فلعلك تزوجه، وإن كان من غير بلدك لكنه إن شاء الله رجلٌ صالح، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ إذا جاءكُم من ترضونَ دينَهُ وخلُقهُ فأنْكحوهُ، إلا تفعلوا تكن فِتنةٌ في الأرض وفسادٌ. قالوا : يا رسولَ اللهِ ! وإن كانَ فيهِ ؟ قال : إذا جاءكُم من ترضونَ دينهِ وخُلقهُ فأنْكحوهُ. ثلاث مرات }

(أخرجه الترمذي و البيهقي)


الشفاعة مطلوبة ومحمودة وهي في الآخرة حقّ:
هناك بعض الناس يأنف من الشفاعة، أو يقول لك لا أُدخِل نفسي فيها، لا شكّ أنَّ هناك متاعب، لكن الإنسان يتحمل المتاعب في مقابل الأجر الذي يأتي، فالشفاعة أمرٌ محمود، وابن عباس رضي الله عنهما كان مُعتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد رجلاً جلس وقد رَكبِه الهمّ، فقال له: مالَك؟ قال: ديونٌ ركبتني لا أُطيق سدادها، قال: لمن؟ قال: لفلان، قال: أتحب أن أكلِّمه لك؟ هو عرض عليه أن يشفع، هو عرض أن يتوسط قال له: أكلِّمه لك؟ قال: إن شئت افعل، فوقف ابن عباس رضي الله عنهما وخرج من معتكفه، فقال له أحد الجالسين: أنسيت أنك مُعتكف؟! لأنه لا يخرج الإنسان في الاعتكاف من المسجد، فقال: لا والله ما نسيت، ولكني سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب، وبكى ابن عباس، يقول: لأن أمشي مع أخٍ لي في حاجةٍ خيرٌ لي من صيام شهرٍ واعتكافه في مسجدي هذا.

{ أنَّه كان معتكِفًا في مسجدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتاه رجلٌ فسلَّم عليه، ثمَّ جلس، فقال له ابنُ عبَّاسٍ: يا فلانُ، أراك كئيبًا حزينًا، قال : نِعمَ ابنُ عمِّ رسولِ اللهِ، لفلانٍ عليَّ حقٌّ، لا وحُرمةِ صاحبِ هذا القبرِ ما أقدِرُ عليه، قال ابنُ عبَّاس ٍ: أفلا أكلِّمُه فيك؟ قال: إن أحببتَ، قال: فانتعل ابنُ عبَّاس ٍ ثمَّ خرج من المسجدِ، فقال له الرَّجلُ: أنسيتَ ما كنتَ فيه؟ قال: لا، ولكنِّي سمِعتُ صاحبَ هذا القبرِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والعهدُ به قريبٌ - فدمِعت عيناه - وهو يقولُ: من مشَى في حاجةِ أخيه وبلغ فيها كان خيرًا من اعتكافِ عشرِ سنين، ومن اعتكف يومًا ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالَى جعل اللهُ بينه وبين النَّارِ ثلاثةَ خنادقَ أبعدَ ما بين الخافِقَيْن }

(أخرجه البيهقي إسناده ضعيف)

ففهم ابن عباس وعلَّمنا أنَّ الشفاعة أمرٌ محمود أن تقف مع أخيك، أن تتوسط له، أن تكلم له مَن يؤجِل له الدَين أو يُعفيه من بعضه، أو تشفع في نكاح، إلى آخره.
فالشفاعة مطلوبة ومحمودة، والشفاعة في الآخرة حقّ، ولكن منها ما هو منفيّ ومنها ما هو مُثبت، فأمّا المنفيّ فهو الشفاعة للمشركين، فإنه لا تُقبل الشفاعة عند الله لمن مات مشركاً به، فلا بُدَّ أن يتوفر شرطٌ في المشفوع له وهو أن يكون موّحداً، ولا بُدَّ أن يتوفر شرطٌ في الشافع وهو أن يقبل الله شفاعته، فإذا رضي الله عن الشافع والمشفوع كانت الشفاعة.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
(سورة الأنبياء)


أعظم الشفاعات شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
ولا يشفعون إلا بإذنه

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
(سورة البقرة)

فلا بُدَّ من إذن الإله لتحصل تلك الشفاعة، وقد جاء في الأحاديث الشريفة ما يُبيِّن بعض هذه الشفاعات، ومنها شفاعة الشهيد في سبعين من أهل بيته، ومنها شفاعة الابن الذي حفظ وتعلم ودرس كتاب الله في والديه، وأعظم الشفاعات شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في إخراج الناس الذين استحقوا النار إلى الجنَّة، وشفاعته عندما يقف بين يدي الله تعالى، فيبدأ الحساب بعد أن يغطّ العرق الناس، إلى آخر ذلك من الشفاعات التي أوردتها السُنَّة، والحقيقة أنَّ الشفاعة نُثبتها كما أثبتها القرآن الكريم في أنها تحصل بإذن الله تعالى، ونُثبتها بما أثبتتها السُنَّة الشريفة، لكن لا نُعوِّل أو لا نشجِّع الناس أو نُسهِّل لهم الطريق افعل ما شئت والنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لك، فليس هذا مفهوماً صحيحاً للشفاعة، وإنما ينبغي أن تستقيم حتى تستحق شفاعة رسول الله، ينبغي أن تكون على سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تستحق شفاعته، فإنه كما ورد:

{ إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ. قالَ أبو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبِي عَيَّاشٍ، فقالَ: هَكَذا سَمِعْتَ مِن سَهْلٍ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، فقالَ: أشْهَدُ علَى أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ وهو يَزِيدُ فيها: فأقُولُ إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن غَيَّرَ بَعْدِي. }

(صحيح البخاري)

فالنبي صلى الله عليه وسلم سيشفع لنا، ونحن نؤمن بذلك وننتظر شفاعته ونسأل الله أن يُشفِّع رسوله بنا، لكن لا يعني ذلك أن نترك العمل ونتكل على الشفاعة بحال.
هناك شفاعةٌ منفية كما قلنا، والله تعالى ذكر ذلك في قرآنه فقال في آيتين في سورة البقرة آية:

وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (48)
(سورة البقرة)

والآية الثانية:

وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ(123)
( سورة البقرة)

فتحدث في آية (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) عن الشافع، وفي الآية الثانية عن المشفوع له (وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ) فقد لا تُقبل الشفاعة ممن يَشفع، وقد لا تنفع الشفاعة لمن يُشفَع له لأنه استحقَّ العذاب وليس ضمن الشفاعة، وأنا أُمثِّل مثل بسيط جداً، كان عندنا في الجامعة أيام كنّا، كان خمسون بالمئة علامة النجاح، وكان ينزل في النتائج ثماني وأربعون زائد اثنان، الشفاعة هي علامتين، يعني قصَّر بالامتحان بعلامتين فيُشفع له بعلامتين بأي مادة، وفي السنة الأخيرة عند التخرج الشفاعة بخمس علامات، فإذا حصل على خمسة وأربعون وبقيت المادة الوحيدة للتخرج كانوا يكتبوا بالنتائج وكانت بخط اليد قبل الحاسوب، كانوا يكتبون خمسة وأربعون زائد خمسة، هذه تحصل مرة واحدة بالمادة الأخيرة التي يحتاجها ليتخرج من الجامعة، فيُشفع له بخمس علامات، فكأن الشفاعة ولله المثل الأعلى ولرسوله المثل الأعلى، هي تلك الدفعة الأخيرة، ولكن ليست تلك التي تُعفي الإنسان من العذاب لأنَّ الله تعالى يقول في قرآنه:

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
(سورة النساء)

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
(سورة الزلزلة)


الهدف من الشفاعة هو نفعها للمشفوع له وليس قبولها فقط:
فلا نُعقِّد النصوص لنُثبت الشفاعة بمفهومٍ عامٍ شامل من غير أن نُبيِّنها حقيقةً، فالشفاعة حقٌّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن يرتضي الله تعالى من عباده، وللشهداء ولغيرهم في رفع الدرجات وأحياناً في الانتقال من النار إلى الجنَّة، لمن غَلبت سيئاته حسناته وإلى غير ذلك مما بينته كتب السُنَّة المُطهرة.
فقال تعالى: (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ) وما قال ولا تُقبل الشفاعة قال هنا: (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَة) لأن الهدف هو نفعها وليس قبولها، فإذا إنسان قال لك: قبلت شفاعتك ثم لم ينتفع المشفوع له بها، فكأنها ما قُبلت، فجاءك بالنتيجة التي يريدها المشفوع له وهو أن تنفع الشفاعة.
قال: (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ) فُزِّع أي أُزيل الفزع، هذه الشَدة نُسمّيها للإزالة، يعني مرض الرجل فمرَّضتُه أي أزلت مرضه، وقشّرت التفاحة أي أزلت قشرتها، وفُزِّع عن قلبه أي زال الفزع عن قلبه، قال: (حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ) أي زال الفزع، لماذا حصل الفزع؟ هيبةً من الحقّ جلَّ جلاله والناس ينتظرون الشفاعة بين يديه، الموقف وحده هذه الثواني أو الدقائق أو سمِّها ما شئت، قد تمتد بالإنسان إلى ساعات من هول المشهد أو أيام، وهي ربما تكون جزءٌ بسيط من الزمن، وهو ينتظر إذن الله تعالى في الشفاعة، فقال: (حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ) من هيبة الموقف وانتظار الحُكم والفصل من الله تعالى.
(قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ) قالوا للملائكة: ماذا قال ربكم؟ ما النتيجة؟ أذِن أم لم يأذن؟ (قَالُوا الْحَقَّ) فالله تعالى لا يقول إلا الحقّ، فإن أذِن بالشفاعة فهو الحقّ، وإن لم يأذن بها عدلاً منه جلَّ جلاله، لأنَّ هذا المشفوع له لا يستحقها فهو الحقّ، (قَالُوا الْحَقَّ) جلَّ جلاله هو الحقّ وقوله الحقّ وحُكمه الحقّ(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) وجاء الختام متناسباً مع جو الآية العام، وهو الخوف في هذا الموطن الذي ينتظر الإنسان فيه نتيجته، اليوم طلاب التوجيهي ساعات الانتظار قبل أن يفتح نظام الهاتف ويأخذ النتيجة، يخفق قلبه وينزل عرقه، ويغطّه العرق وهو ينتظر أن يقال له ناجح أو راسب، أو تسعون بالمئة أو تسعة وثمانون بالمئة، فكيف إذا كان الإنسان ينتظر نتيجةً بعدها سعادة الأبد أو شقاوة الأبد، نسأل الله السلامة، ولذلك قال: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) فهو عليٌّ فوق خلقه كبيرٌ جلَّ جلاله.

الناس يتفاوتون في مدى إقبالهم على الله الرزاق:
ثم يقول المولى جلَّ جلاله:

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24) قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
(سورة سبأ)

(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) المشركون ما كانوا يُنكرون أنَّ من يرزقهم من السماوات والأرض هو الله، ولكن قال له الله تعالى أجابوا أم لم يجيبوا( قُلِ اللَّهُ) لأن هذه الحقيقة التي لا يُنكرها أحد، يعني لا يُنكر أحد أنَّ الرزّاق هو الله، لكن الناس يتفاوتون في مدى إقبالهم على الرزّاق، هم يعلمون أن الرزق منه لكن بعضهم يغشّ المسلمين ليُحصِّل الرزق، رغم علمه أن الله هو الرزّاق، والبعض يقول لك: مادام الله تعالى هو الرزّاق فلا أتوجه إلا إليه، لماذا أغشّ المسلمين ورزقي حاصلٌ حاصل؟ فلا يغشّ، فالناس يتفاوتون في مدى علاقتهم بالرزّاق، وليس في اعترافهم بأنَّ الله هو الرزّاق، هذا هو الأصل، فقال: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وهذا من أعظم مفاهيم العبودية وهو الرزق، لأنَّ الولد رزق، والزوجة رزق، الرزق ليس مالاً فقط، المطر رزق، الشجر رزق، السكينة في القلب رزق، الإيمان أعظم رزق، الاستقامة على منهج الله أعظم رزق يرزقك الله به، فليس الرزق هو المال فقط، الرزق مفهومٌ واسع فقال: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ) هو الرزّاق جلَّ جلاله.

الهدى والضلال ضدان لا يجتمعان ينفي وجود أحدهما الآخر:
(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الهدى والضلال ضدان، والضدان لا يجتمعان، فلا يمكن أن يكون هناك كافرٌ ومؤمن وكلاهما على هُدى، ولا يمكن أن يكون الناس خيرٌ وشرّ وكلاهما على حقّ، لا يمكن لأنهما ضدان لا يجتمعان، الليل والنهار ضدان، الأبيض والأسود لا يتناقضان، هما ضدان لكن لا يتناقضان، فيمكن أن نجد الأبيض وأمامه الأسود معاً، لكن النور والظلام وجود أحدهما ينفي وجود الآخر، فهناك ضدان وهناك متناقضان، فالضلال والهدى يصلان إلى التناقض، بحيث وجود أحدهما يلغي وجود الآخر، فمن هو على هدى فهو ليس في ضلال، ومن هو في ضلال فهو ليس على هدى، لذلك قال تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) وهذا من أعظم الأسباب أو من أعظم الإشارات في التلطُّف في الحوار مع المُخالف، يعني ما سبق أحد القرآن الكريم أن يقول الله لنبيه الذي هو الحقّ الصِرف، ولمنهجه الذي هو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ما سبق أن يقال قل له: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) يعني بمعنى آخر، أنا أدخل معك في حوارٍ، إذا دخلت أول الحوار وأنا أقول أنا الحقّ وأنت الباطل في حياتنا الدنيا يعني، إذا دخلت بالحوار بهذا الشكل فلن أخرج بنتيجةٍ أصلاً، الإمام الشافعي رحمه الله تعالى من أعظم كلماته التي تجري على الألسنة، أنه كان يقول: "رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب" طبعاً ليس في العقيدة، ليس تشكيكاً في العقيدة معاذ الله، لكن في الرأي هذا تعليم لنا بأشياءٍ أُخرى ليس في العقيدة، رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب.
في الفقه في مسألة من مسائل الفقه الاجتهادية رأيي صواب، لأنه لو لم أعتقد أنه صواب لمَا دافعت عنه، لكن هل هو حقٌّ صِرف؟ لا، يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب، وأعظم من ذلك أنَّ الإمام الشافعي كان يقول: " ما ناظرت أحداً إلا وأحببت أن يكون الحقُّ معه" يعني ما دخلت في مُناظرة إلا وأحببت أن أخرج فأستزيد، فأستنبط أنني كنت مُخطئاً وأنَّ الحقَّ كان معه، وهذه نيّةٌ صافية لا يملكها إلا النُدرة من البشر ممن اصطفاهم الله تعالى، فهذه الآية أصلٌ في التلطف مع المخالف، الحقّ واضح والباطل واضح، والنبي صلى الله عليه وسلم على حقّ وهم على باطل، ومع ذلك يقول له: تلطف معهم حتى يستمعوا إليك، (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (على) تفيد الاستعلاء، و(في) تفيد الاستغراق، فالهدى عالٍ، ومن يكون مُهتدياً فهو على هُدى، يتمكن من الهُدى، والضال يدخل في متاهات الضلال التي لا تنتهي، فيكون في ضلالٍ مبين، لذلك في الأعمّ الأغلب في القرآن: أولئك على هدى من ربهم، أولئك في ضلالٍ، فالضلال في، والهدى على، والعلى فيها استعلاء، والفي فيها ظرفية، الداخل في الضلال تائه، والمتمكن من الهدى على، ثابت، ثم يقول له وهذه أعظم من الأولى: (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا) فسمّى فِعله إجراماً، وسمّى فعلهم عملاً، (وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، وجاء بالإجرام بصيغة الماضي فكأنه فُعِل وانتهى، وجاء بتعملون بصيغة المضارع وكأن الأمل مازال أمامهم، لم ينتهِ الأمل بإمكانكم أن تغيِّروا ( لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

القوة تكمن في الحكمة والتلطُّف في التعامل مع المُخالف:
يعني قمة التلطُّف مع المُخالف، ليعلِّمنا الله تعالى هذا الأسلوب الراقي في الحوار مع الناس، والحقيقة أنَّ هذا لا يفعله إلا المتمكن مما يحمله، دائماً الضعيف في الحُجة والحوار لا يقول ذلك، الضعيف يعلو صوته، ويُسخِّف آراء الآخرين ولا يعترف بها أمامهم، القوي فقط الذي يُسلِّم لخصمه وينتقل إلى النقطة التي بعدها، كحال إبراهيم عليه السلام مع النمرود لمّا قال:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
(سورة البقرة)

يعني تأمُل الإحياء والإماتة، ربك يُحيي ويميت، وأنا أحكم على شخصٍ بالموت فيقتلونه فأنا ملِك، وأحكم على آخر بعد أن حكم بالإعدام، أعفي عنه فأحييه (قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) فماذا قال إبراهيم عليه السلام؟ (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) لأنه صاحب حُجة قوية، ما استمر معه في نقاش فيه تأوّل، فإذا تأوّل خصمك في مسألةٍ ما، فانتقل به إلى مسألةٍ ثانية هذه علامة قوة، ( قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) سأُسلِّم لك لأن الحوار هنا أصبح مسدوداً، الطريق مسدود، وإن كان الإحياء والإماتة مختلفة، شتان بين من يُحيي من العدم ويميت إماتة حقيقية، ومن يحكم حكماً إن شاء الله تعالى أمضاه وإن شاء منعه، لكن مادمت تتأوَّل فسأنتقل إلى حالةٍ ثانية (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)، (لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
(سورة سبأ)

القاضي كان يُسمّى في بعض البلاد الفتّاح، لأنه عند اشتباك الخصومة تحتاج إلى حلِّها، فتفتح فتحةً بين الطرفين لتحل المشكلة، فالقاضي يفتح ليحل المشكلة، فقال: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا) سنقف بين يدي الله جميعاً، وسيفتح بيننا ربنا بالحق، فسيقضي من الذي كان على حقّ، ومن الذي كان مُبطلاً.
(وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) يعلم حالنا وحالكم ويفتح بيننا بالحقّ، فالقوي أحبابنا بالنقاش القوي صاحب الحُجة القوية يتكلم بهذه الصورة، (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) وهذا إن كان الخصم فيه خير فإن هذا الكلام يقع في قلبه موقع، وإذا قلت له غيّر الأمر عند الله، ربنا يعلم المُفسد من المُصلح فيُراجع نفسه، لذلك وصف الله تعالى من يُذكَرون بالله

وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
(سورة البقرة)

وفي المقابل سيدنا عمر قال له أحد الناس: اتقِ الله يا أمير المؤمنين، فهمَّ به أحدهم قال: أتقول لأمير المؤمنين اتقِ الله؟! فقال له عمر: "فلا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها".
فتذكير الناس بالله إن كان في داخلهم خير، وبقية خير فإنهم يستجيبون، وإنهم يستمعون فهذا أيضاً معنى ثانٍ (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ).

الإنسان لا يُحب أن يُخطئ:

قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ ۖ كَلَّا ۚ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
(سورة سبأ)

طبعاً الشركاء هم الأصنام الذين ألحقوهم بالإله، والإلحاق دليل على أنَّ الأصل هو الإله العظيم جلَّ جلاله، وإنَّ هؤلاء قد ألحقوهم إلحاقاً وهم ليسوا آلهة، لكن لماذا قال: أروني وهو يراهم؟ يعني أروني ماذا يفعلون؟ ماذا يصنعون؟ هل يملكون نفعاً أو ضرَّاً، أو حياةً أو نشوراً؟! (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ ۖ كَلَّا) وكلا أداة ردعٍ ونفيٍ وجزر، كلا ليس لله شريك، بل وبل حرف إضراب تنفي ما قبلها وتُثبت ما بعدها، ويُعلِّمون الناس في الإعلام الذي يتصدر في تقديم نشرات الأخبار، أنه إذا أخطأت في كلمةٍ فقل بل، مثلاً: وقد قتل في هذا الحادث ثلاثمائة وهم ثلاثون فقل بل ثلاثون، لأنَّ بل تنفي ما قبلها وتُثبت ما بعدها، لكن معظم المُذيعين إذا دخلوا ينسون ويقولون أو، لأنَّ الإنسان في العمق لا يحب أن يُخطئ، فكأنه يريد التخيير، يعني أنا لم أُخطئ هم إمّا ثلاثمائة أو ثلاثون، يعني يحاول أن ينجو من بل، لأن بل تعني أني أخطأت، بل إضراب نفي ما قبلها وإثبات ما بعدها، فينبغي أن نتعلم كلمة بل، حتى يستدرك الإنسان على نفسه يُخطئ ويُصيب، بل هي للإضراب تنفي ما قبلها وتُثبت ما بعدها.
قال: (بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يعني وحده جلَّ جلاله العزيز الذي لا يُغالبه شيءٌ في ملكه، الحكيم الذي يحكم بالحقّ ويضع الأشياء في مواضعها، فليس له شريك.

المؤمن لا يعلم الغيب ولكنه ينظر بنور الله:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
(سورة سبأ)

يُخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم، كان النبي يُبعث إلى قومه خاصةً، وبُعِث نبينا صلى الله عليه وسلم للناس عامةً وكافةً، بشيراً ونذيراً، لأنه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وبشير يعني يُبشِّرك بالخير قبل وقوعه، ونذير يُنذرك من الشر قبل وقوعه، فلا يعلم الغيب إلا الله، ولكن لا أبالغ إذا قلت بإعلام الله تعالى لنبيِّه، وبإعلام نبيِّه لنا، فإن المؤمن ينظر بنور الله، لا يعلم الغيب ولكن يعلم ما أعلمه الله تعالى له، فعندما يرى مبلغاً من حرام لا يأخذه، يقول لك هذا نارٌ مُحرقة، الآخر يأخذه لأنه ما وجد فيه ناراً مُحرقة، وجد فيه مكسباً عظيماً، يعني بجهدٍ بسيط حصَّل مالاً كثيراً، فهو يراه مغنماً والآخر يراه مغرماً، فالذي رآه مغرماً ورآه شيئاً ثقيلاً وناراً مُحرقةً، لا يعلم الغيب ولكن بإنذار الله تعالى له عَلِم ما سيكون فيما بعد، ولمّا جاء شيء قرض حسَن، أقرض قرضاً حسناً مع أنه سيعود المبلغ له بعد سنة، ولو استثمره ربما حصَّل به شيئاً، لكنه أقرضه لأخيه ليتزوج قرضاً حسناً، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بشَّره بما أعدَّه الله تعالى لمن يُقرض الناس قرضاً حسناً، فالبشارة والنِذارة بطريقةٍ أو بأُخرى هي أنك تعرف ما سيكون، ليس عِلماً بالغيب وإنما إعلاماً من الله تعالى لك في المستقبل، فالمؤمن يعيش في الشهادة وعينه على الغيب، عينه على المستقبل، ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فلا تكن مع الأكثر لأن أكثر الناس لا يعلمون وبربهم مشركون، فالعِبرة أن نكون على الحق وليس مع الأكثرية.

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (29) قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
(سورة سبأ)

يعني كان المشركون يسألون دائماً عن هذا الوعد تهكُّماً واستنكاراً لحصوله، يسألون عن موعده تهكُّماً بالمؤمنين فأجابهم الله تعالى: (قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ) فالموعد حقٌ من الله، وما كان من الله فهو حاصلٌ

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
(سورة المعارج)

(قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ) فموعده محددٌ من قِبل الله تعالى، حاصلٌ في الوقت الذي يريده الله تعالى ويأمر به، وهو يوم الحساب والفصل بين الخلائق، والإيمان بالآخرة جزءٌ عظيم من الإيمان، ولا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يؤمن بالله واليوم الآخر، ودائماً أكثر اثنين تلازما في كتاب الله تعالى من أركان الإيمان، هما الإيمان بالله واليوم الآخر

وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)
(سورة النساء)

دائماً هناك تلازم، لأن الإيمان بالله يدفعك إلى الاستقامة على منهجه، والإيمان باليوم الآخر يدفعك أو يمنعك من أن تظلم نملةً، وأنَّ هناك موقفٌ بين يدي الله، فالإيمان بالآخرة جزءٌ من عقيدتنا وهؤلاء الكافرون كانوا يُمارون في هذا اليوم ويسألون عنه سؤال التهكُّم (مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(29) قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ) لكم موعدٌ قادم (لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً) وليس المقصود الستين دقيقة، وإنما البُرهة من الوقت، لا يتقدم ولا يتأخر الوقت الذي يقتضي به الله تعالى للكفر، والله تعالى أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.