قصص الانبياء دروس لنا
قصص الانبياء دروس لنا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
اللَّهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً وعملاً مُتقبّلاً يا رب العالمين. |
أيها الكرام، هذا لقائنا الحادي عشر من لقاءات سورة الأنعام، ونحن مع الآية الثالثة والثمانين من السورة، وهي قوله تعالى: |
وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍۢ مَّن نَّشَآءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83)
ملخص ماسبق من آيات:
ما سبق ذلك من آيات كان الحديث عن إبراهيم وعن أبيه المشرك آزر، وكيف حاوره إبراهيم- عليه السلام- وقال له: |
إِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً ۖ إِنِّىٓ أَرَىٰكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ(74)
ثم كان الحديث عن رؤية إبراهيم - عليه السلام- لملكوت السماوات والأرض، ولما جنّ عليه الليل ورأى كوكباً، ثم رأى الشمس بازغة: |
فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّى هَٰذَآ أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)
إلى أن قال: |
إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ (79)
فحاجه قومه، تبادلوا معه الحُجة كلٌّ يدلي بحجته، فقال: |
وَحَآجَّهُۥ قَوْمُهُۥ ۚ قَالَ أَتُحَٰٓجُّوٓنِّى فِى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنِ ۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّى شَيْـًٔا ۗ وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)
ثم حاجّهم في قضية الأمن فقال: |
وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)
مجموع ذلك قال تعالى: (وَتِلْكَ) أي كل ما سبق من هذه الحجج، هذه الحجة جاءت من الله تعالى (وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ). |
معاني الحجة:
الحجة كلمة مثلثة أي تأتي: حَجة، وحُجة، وحِجة، الحُجة: هي البرهان، فإن كان معك حُجة قوية فإنك تستطيع أن تجادل بها، معك برهان، دليل؛ فهو حُجة، وكانوا في الشام يسألون معك حُجة البيت؟ أي ما تحتج به على أن هذا البيت لك، الذي هو في الأردن الكوشان، بالشام طابو، حجة البيت حجتك على أنك تملك هذا البيت، وأما الحِجة بالكسر: فهي السَّنة. |
قَالَ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَٰتَيْنِ عَلَىٰٓ أَن تَأْجُرَنِى ثَمَٰنِىَ حِجَجٍۢ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ(27)(سورة القصص)
فكل سنة تسمى حِجة، وأما الحَجة بالفتح: فهو مرة من الحج، فيقال: حججت حَجة واحدة أو حجتين في عمري، فعندنا حَجة وهي المرة الواحدة من الحج، وحُجة بالضم وهو الدليل والبرهان الذي أحاجج به الناس، وعندنا حِجة بالكسر وهي السنة الواحدة، (وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ) هذه الحُجة من أين جاء بها إبراهيم؟ من الله (ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ). |
نسبة الخير والشر عند الناس:
المؤمن ينسب الفضل لصاحب الفضل
|
أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍۢ مُّشَيَّدَةٍۢ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)(سورة النساء)
فالإنسان يعلم أن كلاً من الله، لكن ينسب الشر لنفسه وينسب الخير لخالقه، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: |
{ ....لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ..... }
( صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب )
لا يُنسب الشر إلى الله، فلذلك في سورة الجن: |
وَأَنَّا لَا نَدْرِىٓ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)(سورة الجن)
هذا الأدب مع الله تعالى، لذلك قال تعالى: |
قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (26)(سورة آل عمران)
وهو كل شيء بيد الله الخير والشر، لكن نحن لا ننسب الشر إلى خالقنا و إنما ننسبه لخطأ من أنفسنا، قدّر الله علينا الشر، أما الخير فهو محض فضل من الله(وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ) أي تغلب على قومه بحجة ألهمه الله تعالى إياها، ما ثمن أن يأتيك الله حُجة أو يأتيك فضل أو يأتينا خير؟ أن تحسن الصلة به، هي ليست عطاء-هي عطاء محض من الله- لكن ليست بلا سبب وإنما بسبب يقدمه العبد، فإبراهيم لما آمن بالله واستقام على أمره واتصل به آتاه الحُجة التي يتغلب بها على قومه، وهذه الآية (وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ) إن كانت (تِلْكَ) كما قلنا تعود إلى ما سبق، البعض قال: تعود إلى حجة الأمن؛ لأنه أقام عليهم الحجة يوم قال لهم: (فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، هل أنتم آمنون مع أصنامكم أم أنا آمن مع ربي الواحد الأحد؟! لكن (وَتِلْكَ) عامة ترجع إلى كل ما سبق، هذا يؤكد كل ما ذكرناه في اللقاء السابق أن إبراهيم -عليه السلام- لم يكن شاكاً بوجود الله، لذلك يقول- صلى الله عليه وسلم -: |
{ نَحْنُ أَحَقُّ بالشَّكِّ مِن إبْرَاهِيمَ إذْ قالَ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِۦمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى) [البقرة: 260] }
(أخرجه البخاري عن أبي هريرة)
أي إذا كان هناك شك فنحن أولى أن نشك، كيف يشك إبراهيم -عليه السلام- وهو أبو الأنبياء، وإنما كان يصنع ذلك لإقامة الحُجة على قومه، ينظر فيقول لهم: "هذا ربي"، هل يُعقل أن يكون هذا ربي؟! فيقول: (هَٰذَا رَبِّى هَٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ) أقام الحجة عليهم، لأنني لا أعبد من دون الله تعالى خلقاً من خلقه يأفل ويغيب، ولا يملك ضراً ولا نفعاً، وإنما أعبد الواحد الأحد. |
قانون رفع الدرجات عند الله:
الله تعالى يرفع الدرجات بالإيمان والعمل
|
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)(سورة المجادلة)
إذاً قانون رفع الدرجات عند الله بالإيمان والعلم، وفي آية أخرى: |
مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)(سورة فاطر)
إذاً يرفعك الله درجات بإيمانك (الجانب العقدي) ،وعلمك الذي تكتسبه بعد هذا الإيمان، وعملك الصالح الذي تعمله ابتغاء وجه الله، أما الناس يرفعون بعضهم درجات بمقاييس قد لا تتناسب مع القرآن أبداً، بعض الناس يرفعون بعضهم درجات من خلال الأموال، بعضهم يرفعون الدرجات من خلال نوع السيارة ، بعضهم من خلال نمرة السيارة فقط، يرفعه درجة يقول لك: هذا يظهر نمرة سيارته خمس سبعات، سعرها 200 ألف مثلاً ،800ألف، يبدو مهماً، فيرفعون بعضهم درجات بمقاييس ما أنزل الله بها من سلطان، عند الله إيمان، علم، عمل فقط، وفي آية ثالثة حتى يكتمل المشهد: |
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)(سورة الحجرات)
إذاً رفع الدرجات له ميزان، قال تعالى: (نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَن نَّشَآءُ)، فإذا فهم الإنسان الآية كما يحب من غير قواعد " يا أخي ربنا من أراد أن يرفعه يرفعه" كلام صحيح لكن طريقة عرضك له غير صحيحة، وكأنك تُوهم المتلقي بأن الله يرفع من يشاء درجات دون قواعد هكذا، لا، لا يوجد هكذا، أنت لا تقبل في الدنيا من معلم فاضل صاحب خلق ودين أن يفضّل طالباً على آخر فيرفعه درجة من غير أن يكون هناك سبب من هذا الطالب، فكيف تقبلها على الخالق؟! (نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَن نَّشَآءُ) من خلال القوانين التي وضعناها، بعلمهم، بعملهم، باستقامتهم، بفضلهم على أقوامهم من خلال ما آتاهم الله من الحجج، (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) لو أن إنساناً أراد أن يفهمها (نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَن نَّشَآءُ) هكذا من غير أي سبب من العبد، قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) يصوّب فهمه، ربك صاحب حكمة وصاحب علم فعندما يرفع الدرجات يرفعها بحكمته وعلمه، بحكمته بأنه يضع كل شيء في موضعه المناسب، وبعلمه الذي وسع كل شيء بحيث يعلم كل إنسان بما يستحق من درجة عنده (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). |
ذكر الأنبياء الذين صبروا وأُذوا في الله:
وَوَهَبْنَا لَهُۥٓ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ(84)(سورة الأنعام)
أي لإبراهيم (إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا مِن قَبْل َمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ۚوَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ) |
الهبة عطاء مطلق
|
{ يا مُعاذُ، أتدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ، وما حَقُّ العِبادِ على اللهِ؟ قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: حَقُّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، وحَقُّ العِبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ به شيئًا }
(أخرجه البخاري، ومسلم باختلاف يسير عن معاذ بن جبل)
سماه حقاً، أما ربنا- جلَّ جلاله- هو خالقنا ورازقنا ونحن لم نقدم له، ما عندنا ما نقدمه أصلاً إلا أن نأتمر بما أمر، فيوجب لنا حقوقاً عنده فلذلك قال: (وَوَهَبْنَا لَهُ) من غير أي مقابل، (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ) إسحاق الابن المباشر لإبراهيم -عليه السلام- ويعقوب الحفيد، ويعقوب هو إسرائيل، فإسحاق ابن ويعقوب حفيد، قال: (وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ) البعض قال :(وَمِن ذُرِّيَّتِهِ) تعود على الكلام الأول؛ أي على إبراهيم، لكن هنا نجد بعد قليل سيقول: "ولوطاً"، ولوط ليس من ذرية إبراهيم -عليه السلام-، لكن من قال: (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ) من ذرية إبراهيم أوّل بأن لوطاً وإن لم يكن من ذريته لكنه هُدي على منهجه فأصبح من ذريته، نوح ابنه قال: |
قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍۢ ۖ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ إِنِّىٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ(46)(سورة هود)
وهو من ذرية نوح لكن ربنا -جلَّ جلاله -ما قبل أن يسميه ابناً له لأنه كافر، لكن الأولى أن نقول:(وَمِن ذُرِّيَّتِهِ) أي من ذرية نوح، فكل من سيأتي بعده هو من ذريته حتى لوط، كلهم من ذرية نوح من أبناء نوح ومن بعدهم. |
(وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ) داود نبي من أنبياء بني إسرائيل وهو من قتل جالوت كما ورد في سورة البقرة، ثم سليمان هو ابن داود-عليهما السلام –(مِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ وَأَيُّوبَ) وأيوب هو النبي الصابر الذي امتدحه ربنا فقال: |
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَٱضْرِب بِّهِۦ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَٰهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ ۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ (44)(سورة ص)
نحن على خُطى الأنبياء
|
{ أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ }
(صحيح مسلم عن أبي هريرة)
الأمر واحد، أمرهم بالصدق وأمرنا بالصدق، فلا تقل: أنا لست نبياً، طبعاً لست نبياً، ولكن لا تقلها على أساس أني غير مُطالب، لا أنت مُطالب كما طُلبوا، فقال: (وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ)، وهذا يشبه قوله تعالى: |
وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(87) فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ(88)(سورة الأنبياء)
كما نجيناهم ننجي أي إنسان يفعل فعله فيتوب إلى الله ويستغفر ويعرف خطأه فيرجع إلى ربه فينجيه الله، (وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ) أي كما جازينا هؤلاء بإحسانهم نجزي كل محسن بإحسانه. |
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ(85)(سورة الأنعام)
ويحيى هو ابن زكريا، وعيسى وهو ابن مريم -عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه- (وَإِلْيَاسَ) وإلياس هو نبي من أنبياء بني إسرائيل أيضاً، وهو من نسل هارون أخي موسى، (كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ) كل واحد من هؤلاء هو من الصالحين، والصلاح ضد الفساد فالصالح هو الذي يلتزم منهج الله تعالى فيصلح ولا يفسد. |
وَإِسْمَٰعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ(86)(سورة الأنعام)
يتابع الله تعالى ذكر هؤلاء الأنبياء العظماء (وَإِسْمَٰعِيلَ) وهو ابن إبراهيم -عليه السلام – وهو جد نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم -، (وَٱلْيَسَعَ) واليسع هو نبي أيضاً من أنبياء بني إسرائيل الذي قال لقومه: |
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَٰلِقِينَ(125) ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ ٱلْأَوَّلِينَ(126)(سورة الصافات)
يجمع الأنبياء جميعاً رابط الصبر على أقوامهم
|
(وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ) (وَكُلًّا): أي وكل واحد من هؤلاء فضلناه على أهل زمانه بالنبوة والرسالة، العالمين أي الجن والأنس والعوالم كلها، فضّله الله على أهل زمانه، فالنبي هو أفضل أهل زمانه، ونبينا- صلى الله عليه وسلم- هو أفضل الخلق جميعاً وأفضل الأنبياء جميعاً، فهنا التفضيل تفضيل على أهل الزمان (وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ) في زمانه، هؤلاء الأنبياء هنا الذين ذُكروا في هذه السورة في الأنعام متتالين هم 18 نبياً-عليهم صلوات الله وسلامه- والذين ذُكروا في القرآن كله هم 25 نبياً، وهناك رسل لم يقصصهم الله تعالى علينا، وجمعهم شاعر بشعر جميل فقال: |
حَتْمٌ عَلى كُلِّ ذِي التَّكْلِيفِ مَعْرِفَةٌ بِأنْبِياءَ عَلى التَّفْصِيلِ قَدْ عُلِمُوا فِي تِلْكَ حُجَّتُنا مِنهم ثَمانِيَةٌ مِن بَعْدِ عَشْرٍ ويَبْقى سَبْعَةٌ وهُمْ إدْرِيسُ هُودٌ شُعَيْبٌ صالِحٌ وكَذا ذُو الكِفْلِ آدَمُ بِالمُخْتارِ قَدْ خُتِمُوا
(فِي تِلْكَ حُجَّتُنا) في سورة الأنعام التي فيها قوله: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ)، ثم بدأ (ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ) وعددهم فقال: |
فِي تِلْكَ حُجَّتُنا مِنهم ثَمانِيَةٌ مِن بَعْدِ عَشْرٍ ويَبْقى سَبْعَةٌ وهُمْ إدْرِيسُ هُودٌ شُعَيْبٌ صالِحٌ وكَذا ذُو الكِفْلِ آدَمُ بِالمُخْتارِ قَدْ خُتِمُوا
الإيمان برسل وأنبياء الله تعالى:
نحن مأمورون أن نؤمن بالأنبياء والرسل جميعاً
|
ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّن رُّسُلِهِۦ ۚ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ(285)(سورة البقرة)
في الإيمان لا نفرق، لكن نعتقد بأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق، لكن لا نفرق في الإيمان بين واحد وآخر، فأقول مثلاً: أنا إيماني بمحمد -صلى الله عليه وسلم- 100%، سيدنا عيسى 90%، لا يستقيم إيمان مع التفريق، الإيمان إيمان، نحن نؤمن بجميع أنبياء الله تعالى ورسله، فليس عندنا مشكلة، مشكلتنا مع التحريف، مع التغيير، مع التبديل. |
مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍۢ وَرَٰعِنَا لَيًّۢا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِى ٱلدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)(سورة النساء)
وليست مع النص الأصلي ولا مع أنبياء الله تعالى ورسله، قال: |
وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ وَإِخْوَٰنِهِمْ ۖ وَٱجْتَبَيْنَٰهُمْ وَهَدَيْنَٰهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ(87)(سورة الأنعام)
أي آباء هؤلاء الأنبياء المذكورين من إبراهيم إلى لوط كما في هذه الآيات، (وَذُرِّيَّٰتِهِمْ): أي الأصول والفروع، (وَإِخْوَٰنِهِمْ): الأفقي، أخذنا الخط العامودي أصول وفروع، وإخوانهم، قال: (وَمِنْ) للتبعيض، فإبراهيم أبوه ليس من آبائهم الذين هدى، ونوح ابنه ليس من ذرياتهم الذين اهتدوا، وهذا يؤكد الاختيار ويؤكد أن ديننا هو دين الموضوعية -إن صح التعبير -بمعنى أنه ليس هناك شيء اسمه النسب المطلق، النسب شيء جميل وجيد لكنه عندما يكون تاجاً على الإيمان، لكن من غير إيمان النسب صفر، فأبو لهب: |
تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍۢ وَتَبَّ (1)(سورة المسد)
وبلال: |
{ كانَ عُمَرُ يقولُ: أبو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وأَعْتَقَ سَيِّدَنَا. يَعْنِي بلَالًا. }
(أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله)
وهو من الحبشة، فالقضية ليست في الأنساب،" لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم": |
{ ما من رجلٍ يَسلُكُ طرِيقًا، يَطلُبُ فيه عِلْمًا إلَّا سَهَّلَ اللهُ لهُ طريقَ الجنةِ، ومَنْ أبْطأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نَسبُهُ }
(أخرجه أبو داود، والدارمي، وابن حبان عن أبي هريرة )
فلذلك قال: (وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ) وليس كل أب لنبي مشمولاً بهذه الآية (وَذُرِّيَّٰتِهِمْ وَإِخْوَٰنِهِمْ ۖ وَٱجْتَبَيْنَٰهُمْ) جميعاً؛ الأنبياء ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم وإخوانهم (وَٱجْتَبَيْنَٰهُمْ وَهَدَيْنَٰهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ). |
الفرق بين الاجتباء، والاصطفاء، والاختيار:
عندنا الاجتباء، عندنا الاصطفاء، وعندنا الاختيار: |
وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُۥ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَٰتِنَا ۖ فَلَمَّآ أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّٰىَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ ۖ إِنْ هِىَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِى مَن تَشَآءُۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَٰفِرِينَ(155)(سورة الأعراف)
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُۥ بَسْطَةً فِى ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ ۖ وَٱللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُۥ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ (247)(سورة البقرة)
الاختيار مجرد وجود خيرية بين شخص وآخر
|
أنواع الهداية:
ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88)(سورة الأنعام)
والهداية من الله تعالى تأتي على طريقين أو على نوعين: هداية الدلالة، وهداية التوفيق، فلما يقول ربنا -جلّ جلاله-: |
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(17)(سورة فصلت)
فهذه هداية الدلالة؛ أي بينا لهم طريق الهداية فسلكوا طريق الضلالة، فهداهم الله فلم يهتدوا، ولما يقول: |
وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَىٰهُمْ تَقْوَىٰهُمْ(17)(سورة محمد)
فهذه هداية التوفيق أي هداية الجزاء، هنا هذه هداية الجزاء (ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ) هداية جزاء فعندما يسلك العبد طريق الهداية الله يهدي الجميع، لكن يهدي من يشاء من عباده ممن سلك طريق الهداية واستجاب. |
مع الشرك يبطل ثواب العمل
|
وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ(65)(سورة الزمر)
فكل إنسان يشرك بالله تعالى يحبط عمله، لا يوجد أي قيمة للعمل مع الشرك، فالله تعالى مع التوحيد يقبل قليل العمل وكثيره، ومن غير توحيد لا يقبل قليل العمل ولا كثيره أبداً، لذلك نقول: التوحيد أولاً، هذا ليس إنقاصاً من قيمة العمل أبدا،ً ليس إنقاصاً أي ليس المقصود أن نقول له: وحّد الله و لا تعمل، أبداً، فهو إذا وحد الله فسيعمل. |
أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ(89)(سورة الأنعام)
ثلاثة أشياء آتاهم الله: الكتاب: صحف موسى، التوراة، الإنجيل، زبور داود، الحكم: فهم الكتاب. |
رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ(129)(سورة البقرة)
النبوة هبة من الله
|
هَٰٓأَنتُمْ هَٰٓؤُلَآءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمْثَٰلَكُم (38)(سورة محمد)
فالله تعالى يستبدل من يترك حمل الأمانة (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ). |
أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَٰلَمِينَ(90)(سورة الأنعام)
أولئك الأنبياء ومن ذرياتهم ومن آبائهم، وأيضاً هؤلاء الذين وكلهم الله تعالى بها فحفظوها وقاموا بها، كل هؤلاء هم الذين هداهم الله هداية التوفيق، لما هداهم ابتداءً فاهتدوا، هداهم الله انتهاءً (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ) هذه الهاء هاء السكت ليقتدِ بكسر الدال: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، اقتدِ، اقتد بالسكت، حتى لا نقف نقول: فبهداهم اقتدْ، ثقيلة فعند العرب هاء تسمى هاء السكت يقفون عليها: |
وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌۢ(11)(سورة القارعة)
المطلوب ليس الاقتداء بالأشخاص وإنما بالمنهج
|
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا (21)(سورة الأحزاب)
لكن هذه الآية إشارة لطيفة إلى الاقتداء بالمنهج، إذا كان المذكور في مكان آخر غير هذا المكان ليسوا بأنبياء، فيمكن أن نستفيد من هذه الآية أن نقول للإنسان: انتبه، قدوتك ليس فلاناً من الناس، وإنما المنهج الذي يسير عليه فلان من الناس، فإن خالفه هذا العالم أو هذا الشيخ إن خالف المنهج فأنت لست مأموراً بالاقتداء بكل ما يفعل، لكن الأنبياء لأنهم معصومون أصبح الاقتداء بالمنهج اقتداء بهم، والاقتداء بهم اقتداء بالمنهج؛ لأنهم معصومون لا يقع منهم خطأ، (فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) من أعظم سمات النبوة ألا يسأل النبي قومه أجراً على هدايته لهم، السؤال الأجر يضعف قيمة الدعوة، واليوم العلماء إذا أرادوا الاقتداء بالأنبياء فعليهم ألا يسألوا الناس أموالهم، أنا غني عن مالك أنا أدعوك لله تعالى، لست بحاجة لمالك(قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا)، هذا أقدمه لله تعالى(قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ) القرآن الكريم والهدى الذي أهديكم به (إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَٰلَمِينَ) موعظة وتذكير لكل الناس، أذكركم بالله تعالى خالصاً لوجه الله تعالى من غير ثواب أو أجر منكم. |
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا (9)(سورة الإنسان)