آيات الله عز وجل

  • اللقاء الثالث عشر من تفسير سورة الأنعام - شرح الآيات 95 - 101
  • 2023-07-24

آيات الله عز وجل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا رب العالمين، وبعد:
فمع اللقاء الثالث عشر من لقاءات سورة الأنعام، ومع الآية الخامسة والتسعين من السورة وهي قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (95)
(سورة الأنعام)


أعظم دليل على وجود الله تعالى:
الكون أعظم الأدلة على وجود الله تعالى
هذه الآية أيها الكرام جاءت عقب بيان موقف المشركين من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان موقفهم التكذيب، وكان موقفهم إنكار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان موقفهم الشرك بالله تعالى، فأراد الله تعالى في هذه الآيات جل جلاله أن يبين بعضاً من آياته في الآفاق وفي الأنفس؛ ليبين جل جلاله أنه لا يستقيم أن يكون الله تعالى قد أنزل كل هذه الآيات ثم يُشرَك به، لا يصح، ولا يُقبَل أن ينزّل الله تعالى كل هذه الآيات ثم يُشرك به جل جلاله، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ﴾ أعظم الأدلة على وجود الله تعالى ووحدانيته وكماله هو الكون، أعظم دليل على وجود الله تعالى ووحدانيته وكماله هو الكون، الخلق، بعبارة بسيطة جداً: أنا لو كنت أريد نجاراً محترفاً يقوم لي بصنعة معينة تحتاج زخرفة، حتى تثبت لي أن هذا النجار جيد أفضل ما تفعله أن تأتي لي بقطعة من صنعه، وتقول لي: هذه صنع فلان، فأنظر فيها فتعجبني، فأستدل من خلالها على أن هذا النجار ماهر فأقوم إليه وأتفق معه على ما أريد، أعظم دليل على الصانع هو المصنوع، أعظم دليل على وجود الخالق هو المخلوق وهكذا، لابد من هذه الحقيقة، كل ما في الكون ينطق بثلاث كلمات؛ بوجود الله، بوحدانيته، بكماله.

الكون يدلنا على وجود الله ووحدانيته وكماله:
بوجوده؛ لأن الموجود يدل على المُوجِد، هذه واضحة:

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
(سورة الزمر)

حتى المشركون لأنه إذا وُجِد شيء يحتاج إلى مَن أوجده، فإذا قلت: فلان صنع الطاولة، وفلان من صنعه؟ الله تعالى، فبالنتيجة نصل إلى وجود الله.
وأما الوحدانية؛ فدقة الصنع تدل على الوحدانية، التناسق يدل على الوحدانية، قال تعالى:

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22)
(سورة الأنبياء)

إذاً لذهب كل إله بما خلق، لا يمكن أن يستقيم الكون بدقة وتناسق عجيب، والشمس تشرق ونعرف دائماً متى تشرق الشمس في يوم كذا، من عام كذا، بدقة محسومة، شروق الشمس وغروبها، واتساق الكون وحركة المجرات والكواكب إلا أن يكون الإله واحداً، لا يُقبَل أن يكون للكون إدارتان اثنتان.
كمال الخلق يدل على كمال التصرف
ثالثاً وكامل؛ كماله لأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، كيف؟ يعني لو أنت تريد أن تشتري كيلو من الطماطم، لست بحاجة لعروض أسعار، ولا سفر، ولا إرسال بريد إلكتروني، تنزل إلى البقال وتقول له: أريد كيلو من الطماطم، هذا بيع بالتعاطي يسميه الفقهاء، ولا تحتاج لإيجاب ولا قبول، بعتك واشتريت، أعطني كيلو من الطماطم فيعطيك إياه وتعطيه ثمنه وتصعد إلى بيتك وانتهى الأمر، لكن لو أنت تريد أن تشتري حواسيب لشركتك، عشرين أو ثلاثين حاسباً صناعياً، تريد أن تشتريهم من شركة مايكروسوفت، فتذهب لتقدم عروض أسعار، وتطلب عروض أسعار، وترسل رسائل إلكترونية، وتأتيك الموافقة، فتسافر وتوقع عقداً، وترجع إلى بلدك وتشحن لك البضائع إلى بلدك، بناء مايكروسوفت وأهميته لا يعقل أن يكون البيع عندها بيعاً بسيطاً، هكذا معاطاة، كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فالكون لأنه مخلوق بهذا الإبداع العظيم، وبهذا التناسق فالخالق سيحاسب، لا يُعقَل أن يترك المظلوم مظلوماً، والظالم ظالماً وتنتهي الحياة هكذا، قال تعالى:

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ(116)
(سورة المؤمنون)

يعني تعالى الله أن يخلق الناس عبثاً بلا حساب، بلا هدف، بلا غاية، يترك الظالم يظلم إلى ما لا نهاية، والمظلوم في مظلمته إلى ما لا نهاية، لابد أن يحاسب:

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
(سورة الحجر)

فإذاً عندما ننظر في الكون نستدل على أشياء ثلاثة؛ الله موجود، الله واحد، الله كامل.
هذه الآيات من آيات الله تعالى في الأنفس وفي الآفاق:

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
(سورة فصلت)

الله خالق كل شيء
هذه الآيات تشهد بوجود الله ووحدانيته وكماله، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ﴾ إن حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد، لماذا سميت الأحرف المشبهة بالفعل مشبهة بالفعل؟ لأن لها معاني الأفعال: فإن وأن: أؤكد. كأن: أشبّه. لكنّ: أستدرك. ليت: أتمنى. لعلّ: أترجّى.
فلأن لها معاني الأفعال سميت الأحرف المشبهة بالفعل، فإن يعني أؤكد، ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ﴾ الله اسم علم على واجب الوجود جل جلاله، وعندما نقول الله كأننا نقول: اللطيف، الرحيم، الرحمن، الخالق، البارئ، المصور، البديع، الجبار، كل أسمائه الحسنى تنطوي تحت اسمه الأعظم جل جلاله الله، وكل صفاته الفضلى تنطوي تحت اسم الله، فلذلك اسم الله عندما نقول الله خالق كل شيء فالخلق فيه اللطف، وفيه الرحمة، وفيه العزة، وفيه الانتقام، وفيه الجبروت، وفيه كل أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ﴾ الفلق هو الشق:

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
(سورة الفلق)


معنى الفلق:
فلقَ: أي شقَّ، والفَلقُ هو الصبح في معانيه الضيقة، أضيق معنى للفلق رب الفلق رب الصباح؛ لأنه يفلق الصباح، وسيأتي ذلك في الآية التي تليها، فالفلق هو الصبح، وكل شيء يُشق فهو قد فُلِق، لذلك قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ﴾ البيضة تُفلَق فيخرج منها الصوص، الحبة تُفلَق فتخرج منها السنبلة، الزرع، النّوى تُفلق فيخرج منها الشجر، فالله تعالى فالق الحب والنوى، الحب للزروع، والثمر للأشجار المثمرة، الحب مثل القمح والشعير، النوى: أي بذرة، يعني أي نواة، نواة المشمش، نواة النخل، هذه النواة تشق فتفلق فتنبت، إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ﴾.

معنى يخرج الحي من الميت:
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ أول شيء كل شيء خلقه الله فيه نوع من أنواع الحياة، حتى الجمادات، والدليل:

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
(سورة الإسراء)

فحتى الحجر فيه حياة، لكن بالنسبة لنا هناك حي، وهناك ميت، قال تعالى:

إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
(سورة الأنفال)

فالحياة يقابلها الهلاك، والله تعالى قال:

وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
(سورة القصص)

نحن نستدل على الحياة بالنمو والحركة
حتى الجمادات، فإذاً كل شيء كان فيه حياة، لكن نحن نستدل على الحياة بالنمو والحركة، فإذا النبات لم ينمُ نقول قد مات، وإذا الإنسان لم يعد يتحرك أو الحيوان همد نقول: مات، فهناك ميت وهناك حي بالنسبة لنا، لكن كل شيء بطريقة أو بأخرى فيه نوع من أنواع الحياة، حتى الحجارة:

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
(سورة البقرة)

حياة، لكن نحن بالنسبة لنا يوجد حي ويوجد ميت، والله تعالى يخرج الحي من الميت، بالنسبة لنا النطفة ميتة، لكن الله يخرج منها حياً، تُلقَّح البويضة التي هي ميتة فليس فيها حياة بالنسبة لنا، فيخرج منها إنسان، والإنسان الحي يخرج نطفة، والنطفة لا يوجد فيها حياة في الأصل إلا أن تلقح بويضة فبذلك يخرج الحي من الميت والميت من الحي، الدجاجة تخرج بيضة، فخرج الميت من الحي، والبيضة بعد حين تُفلق فيخرج منها حي، وقد كنا نظنها ميتة.
والحبوب هذه التي ذكرها الله كأن هذا شرح للحبوب، الشجرة بالنسبة لنا فيها حياة لأنها أثمرت، نأخذ الثمرة نأكلها، ونخرج من الحي النواة التي هي ميتة فلا يوجد فيها شيء، نضعها ويتوفر له بعض الماء وبعض الرطوبة فتنمو فيخرج الله الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي.
ومن بعض المعاني الجميلة، نسميها اللطائف لإخراج الحي من الميت، قال صلى الله عليه وسلم:

{ مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ. }

(صحيح مسلم)

وقال تعالى:

أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
(سورة النحل)

عن الذين لا يذكرون الله، وقال:

وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ(22)
(سورة فاطر)

فسمى المؤمن حياً وسمى الكافر ميتاً، فيخرج الحي من الميت: أب سيّئ ليس فيه شيء من التدين، ويأتي ولده صالحاً، إبراهيم عليه السلام، وأب نبي "نوح" وأخرج الله منه ميتاً ابنه الذي لم يقبل بالدين، فأخرج الله من الحي ميتاً ومن الميت حياً، هذا بالمعنى المجازي، فالآية تشمل المعنيَين معاً.

ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ:
﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ﴾ تؤفكون يعني تصرفون، ذلكم الله الذي يفلق الحب والنوى ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فأنى تصرفون عنه إلى غيره، إلى شرككم، وإلى شهواتكم وإلى عبادة الجن، وإلى عبادة الأصنام، ﴿فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ﴾ أي فأنّى تُصرفون، إنكارٌ عليهم، قال:

فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
(سورة الانعام)


فالق الإصباح:
الليل يفلق الله فيه الإصباح
الآن شيء من الفلْق، الحب والنوى فلْق، والإصباح فلْق، أي الليل يفلق الله فيه الإصباح فلْقاً فينشق الليل عن فجر جديد، فهو فلَقَ الإصباح جل جلاله، هذا يتم دائماً قبل طلوع الشمس الإصباح، الصبح ثم تطلع الشمس، بعد الفجر يبدأ الإصباح يفلقه الله تعالى فترى الأشياء، ثم تطلع الشمس ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾.

وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا:
﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ الجعل يأتي بعد الخلق، في معظم القرآن الكريم الجعل هو المرحلة التي بعد الخلق، قال تعالى:

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
(سورة الروم)

فالجعل بعد الخلق ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ يعني خلقه ثم جعل فيه السكن والهدوء، تسكن إليه، ترتاح إليه من عناء النهار، من تعب النهار، وكأن في الآية إشارة إلى ضرورة تنظيم الوقت، فالنهار للعمل، والليل للسكن للأهل، ثم السكن للنوم ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ جل جلاله.

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا:
جعل الشمس والقمر حسباناً
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ وجعل الشمس والقمر حسباناً، وحُسبان على وزن غفران، مبالغة من غفر غفراناً، وحسِبَ حسباناً، فنحن نحسب الأيام والشهور والسنوات بالشمس والقمر، الشمس تحسب لنا اليوم والسنة، 365 وربع سنة، وطلوع الشمس إيذان ببداية اليوم، وغروبها إيذان بانتهاء اليوم، فحسبنا اليوم وحسبنا السنة بالشمس، والأشهر بالقمر:

{ صوموا لرُؤيتِه وأفطِروا لرُؤيتِه }

(صحيح مسلم)

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
(سورة البقرة)

أشهر قمرية، فالشهر لا يحسب بالشمس، يُحسب بالقمر، فجعل الشمس والقمر جل جلاله حسباناً.

ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزيزِ الْعَلِيمِ:
﴿ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزيزِ الْعَلِيمِ﴾ ذلك الذي مضى من الآيات هو قدر وتقدير وحساب دقيق جداً:

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49)
(سورة القمر)

من العزير العليم، العزيز: الذي لا يُنال جانبه، الذي يُرهَب جانبه، عزيز مصر لا أحد يستطيع أن يراجعه في أمر ما، أو يقول له لشيء فعله لمَ فعلته، أو لشيء لم يفعله لمَ لم تفعله؛ لأنه عزيز مرهوب الجانب، حتى لو قال له أحد، طبعاً لعزيز مصر وليس لله لمَ فعلت أو لمَ لم تفعل يقولها بأدب جم وهو يخشى العقوبة، عزيز، لكن العزيز جل جلاله هو الله تعالى مطلق العزة، يُرهَب جانبه، ولا يراجعه أحد في حكم من أحكامه.

لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23)
(سورة الأنبياء)

وهو العليم جل جلاله يعلم كل شيء خلقه:

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14)
(سورة الملك)

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)
(سورة الأنعام)


وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ﴾ النجوم التي في السماء، التي كان العرب يعرفونها وحتى يعرفون بعضها بأسمائها:

وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ (49)
(سورة النجم)

نجم من النجوم تعرفه العرب، فالنجوم كانت العرب تعرفها، وتعرفها مواقعها، والحقيقة أن النجوم آية عظيمة من آيات الله الدالة على عظمته، والنجوم ربنا جل جلاله أقسم بها فقال:

فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
(سورة الواقعة)

النجوم آية عظيمة من آيات الله تعالى
عظيم القسم بالنجوم، ومن أعظم ما في هذه الآية أن الله تعالى ما قال: لا أقسم بالنجوم، وما قال: لا أقسم بالمسافات بين النجوم، وإنما قال: بمواقع النجوم، فلو أنني غبت اليوم عن هذا اللقاء، وأنتم جزاكم الله خيراً خصصتموني بهذا المجلس فلا يجلس به غيري، فجاء أحدكم وسأل أين الشيخ؟ تقول هذا موقعه، أين هو لا ندري، لم يأتِ، لكن موقعه موجود، فالموقع موجود، ولكن أين هو صاحب الموقع الله أعلم، والنجوم الآن نعرفها في السماء، لكن أين هي الآن لا نعرف، نحن نرى مواقعها؛ لأنها تسير، وقد سارت وانتقلت من هذا المكان، وربما ماتت هذا النجوم التي نرى أماكنها اليوم في السماء، لكن لأنها تبعد عنا ملايين السنوات الضوئية، فقال العلماء نحن نراها في المكان الذي رآها به الفراعنة، وكأنها لم تتحرك، بالمكان نفسه، هو أطلق هذا الضوء مذ كان في السماء الدنيا، منذ مليون سنة ضوئية مثلاً، إذا كان يبعد عنا مليون سنة ضوئية، الآن نرى ضوءه ولكن أين هو النجم الآن؟ لا نعلم أين أصبح، فهو يسير:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(33)
(سورة الأنبياء)

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ النجوم التي خلقها الله في السماء لها مهمات؛ منها ما نعلمه، ومنها ما أُخبِرنا به، وهو غيب نؤمن به ولو لم نرَه، المعروف نهتدي بها، ربما اليوم صحيح هناك وسائل حديثة، لكن عند العرب لما كان القرآن يتنزّل ويقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ كان العربي يخرج في البر، فيقول له: النجم أمامك، أو نجم كذا عن يمينك أو عن يسارك، اتجه يميناً شمالاً، يعرف من مواقع النجوم.

فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ:
﴿فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ حتى في السفن يهتدون بالنجوم، وهي زينة:

إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ(6)
(سورة الصافات)

وهي حفظ للسماء من كل شيطان مارد:

إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
(سورة الصافات)

فالله يرسل هذه الشهب وبعض النجوم للقضاء على الشياطين الذين يحاولون التسلل إلى هذا الملكوت العظيم، فهذه من مهمات النجوم.

قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:
التفصيل هو التبيين
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ التفصيل هو التبيين، نحن عندنا إجمال، وعندنا تفصيل، هناك شيء مجمل، وهناك شيء مُفصّل، فقد أقول لك معلومة مُجمَلة فتقول فصِّل لي يا أخي، فالله فصَّل الآيات، ما ترك الكلام مُجملاً وإنما بيَّنه، يقول لك: القمر، الشمس، النجوم، ما قال لك آيات الله كثيرة وانتهى، وإنما فصَّل لك الآيات، لكن هذه الآيات من ينتفع بها؟ قوم يعلمون؛ يعني عندهم علم بالله تعالى، يريدون أن يصلوا من خلاله إلى الإيمان الحقيقي، فهم يعلمون:

وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ(98)
(سورة الأنعام)

آدم عليه السلام، خلقه من طين، وكلنا لآدم.

{ الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب. }

(سنن الترمذي)

ثم خلق من آدم حواء من ضلعه، ثم تكاثر الخلق، فكلنا إذا رجعنا بنسبنا كل مخلوقات الأرض سنعود في النهاية إلى نفس واحدة، وهذا من المعجزات، ومن أدلة وجود الله ووحدانيته.

معنى مستقر ومستودع:
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ مستقر ومستودع: استقرّينا في أرحام أمهاتنا بعد أن استُودِعنا في أصلاب آبائنا، استودعنا الله في أصلاب آبائنا نطفة، ثم كان الرحم قراراً مكيناً لنا، هذه معنى ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ هذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال بعض أهل العلم: مستقر ومستودع؛ أي استقرينا في الأرض فالأرض قرار لنا، ثم استُودِعنا في القبور حتى لقاء الله تعالى، وكلاهما معنيان صحيحان، وإن كان الأول أظهر؛ لأنه أقرب إلى ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾.

قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ:
﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ الآن انتقلنا من يعلمون إلى يفقهون، والفقه أولى وأعلى من العلم، فالفقه فيه فهم بالدقائق، أما العلم مطلق:

وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
(سورة الأنعام)

نعمة المطر، ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ هذه الآية تلفت النظر.

أنواع النبات واستخداماته الواسعة:
كل نبات له سِمَة
﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ هناك نبات يشكّل سياجاً، ربنا خلقه سياج، تسوّر به مزرعتك، ويحجب عنك الآخرين، حتى تكون مع أهلك بخصوصية معينة.
• وهناك نبات يشكل مظلة، تجلس تحتها عشر أشخاص ويأكلون ويشربون ويتمتعون بالفيء والظل؛ لأن الله خلقه يشكل ظلاً كاملاً.
• وهناك نبات يشكل ليف، تدخل إلى مغتسلك فتغتسل وتجعله ليفاً طبيعياً لجسمك.
• وهناك نبات تشكل جذوعه أنسب نوع لصناعة المفروشات، خشب صَلْد.
• وهناك نبات يشكّل منه تنظيف الأسنان، السواك والخِلّة، الخلة ما بين الأسنان، والسواك لرائحة طيبة للأسنان ﴿نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
• وهناك نبات يعتبر قوتاً كالقمح.
• وهناك نبات للاستمتاع كالمشمش والدراق.
• وهناك نبات للمودة كالكاجو واللوز والصنوبر.
﴿نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كان ممكن ربنا جل جلاله أن يخرج لنا نباتاً واحداً نعيش منه وانتهى الأمر، فنأكل خبزاً طيلة حياتنا وانتهى الأمر، أما النباتات متنوعة، كل نبات له سِمَة، فقال: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.

فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا:
﴿فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا﴾ يوجد أخضر، ويوجد خضِر، الأخضر اللون الأخضر الذي هو لون الحياة في النبات والذي يقوم بالتركيب الضوئي، ويوجد خَضِر يضاف مع اللون الغضاضة والطراوة، غضٌّ، فيه ماء.

نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا:
﴿خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا﴾ يركب بعضه فوق بعض، انظر إلى عنقود العنب، انظر إلى سنبلة القمح ﴿حَبًّا مُّتَرَاكِبًا﴾.

وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ:
ربنا جل جلاله وزّع النباتات توزيعاً حكيماً
﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ﴾ جاء للعربي النخل الذي هو نبات عربي أصيل موجود عند العرب ﴿مِن طَلْعِهَا﴾ الطلع أول ما يظهر من النخل ﴿قِنْوَانٌ﴾ جمع قِنُو وهو عزْق النخل، العزق مثل عنقود العنب لكن العزق الذي عليه الرطب ﴿دَانِيَةٌ﴾ قريبة المتناول لا تحتاج أن تصعد لتحضرها، فربنا جل جلاله وزّع النباتات توزيعاً حكيماً، فهناك أشجار قريبة منك تجلس تحت الشجرة وتمد يدك فتأخذ دراقاً، تأخذ مشمشاً، تأخذ تفاحاً، النباتات الكبيرة كالبطيخ في الأرض، فمن غير المعقول أن يكون البطيخ على الشجر، الصغير على الشجر، والكبير على الأرض وهكذا، ﴿دَانِيَةٌ﴾ يعني قريبة المتناول، سهلة المتناول، سهلة ولها طريقة، ربنا عز وجل قال:

وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(16)
(سورة النحل)

عنقود العنب إذا حاولت أن تشده إليك تخرج كل حباته بيديك ولا يُقطف، لكن إذا مسكته من رأسه وبالعكس تأخذ عنقود العنب وتتناوله، دانية يعني متناولة، سهلة المتناول ولها طريقة تأخذها بها، البطيخ كله متشابه في الشكل، لكن المزارع من الذؤابة الخارجة من البطيخة مِن كسرِها أو طراوتها يعرف إذا كان حان وقت حصادها أو لا.
الطماطم من لونها، عندما تنتقل من الخُضرة إلى الحُمرة يعرفها، هذا كله من كلمة دَانِيَةٌ يعني سهلة المتناول، جعل الله لها علامات، الموز له طريقة في الفتح، أحياناً تأتيك معلبات يُكتَب عليها سهلة الفتح، يعني دانية، متناول اليد، يفتخر أنها صارت سهلة، علبة كرتون تقصها، لم تعد بحاجة للحركة القديمة، فربنا عز وجل جعل أغلفة للنباتات سهلة ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾

مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ:
المتشابه وغير متشابه في خلق الله
﴿وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾: ﴿مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ تنظر إليه تجده متشابهاً، وفي الوقت نفسه غير متشابه، يعني مثلاً الجذر في الأرض هو جذر، الجذع جذع، الساق ساق، أوراق أوراق، زهر زهر، النتيجة مشمش ودراق غير متشابه، هذا طعم وهذا طعم، يقول لي صف لي طعم المشمش أقول لك مشمش، صف لي طعم الدراق دراق، لا يوجد له وصف آخر، فهو متشابه وغير متشابه في الوقت نفسه، الآلية متشابهة:

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(4)
(سورة الرعد)

حتى الشجرة الواحدة تفاحة وتفاحة، واحدة بطعم والثانية بطعم آخر، وكل واحدة بلون، يوجد التفاح الأخضر والأصفر والأحمر والأحمر الغامق، والأحمر الموشح، فقال: ﴿مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾.

انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ:
﴿انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ نظرُ الاعتبار وليس نظر الرؤيا، لا، نظر الاعتبار الذي يقودك إلى الخالق.
﴿وَيَنْعِهِ﴾ ونضجه، النبات أو الفاكهة أجمل ما فيها أو أطيب ما فيها أن تنضج وهي على أمها، على الشجرة، في الشام عندما نذهب لنشتري الدراق من عند البائع مباشرة ويكون جاهزاً للأكل، هنا أبحث عنه فلا أجده، لماذا لا تتركون الدراق على الشجر حتى ينضج؟ قال: لا يتخزن، فأنت ضعه في البيت في الكيس واتركه بضعة أيام ينضج، ولكنه لا يكون لذيذاً، ففي إشارة ثانية في القرآن الكريم يقول تعالى: ﴿انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ﴾ أي كُلْه عندما ينضج، لأنه يكون طيباً عندما ينضج وهو مازال مرتبطاً بأمه، فقال: ﴿وَيَنْعِهِ﴾ أي ونضجه.
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ﴾ أي في كل ما سبق ﴿لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون﴾ بدأنا بآيات لقوم يعلمون وانتقلنا للفقه، الآن للإيمان؛ علم، فقه، إيمان، بعد كل ذلك، بعد كل ما سبق قال:

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (100)
(سورة الأنعام)


معنى جنّ:
سميت جنات لأن كثرة الشجر يغيّب وجه الأرض
شيء مؤسف، لأن يكون ربنا قد خلق كل هذا الخلق العظيم، ثم يُجعَل له شركاء من الجن، ومادة جنّ تفيد الستر، قبل قليل قال تعالى: ﴿وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾ سميت جنات لأن كثرة الشجر يغيّب وجه الأرض فيستر، الشجر يستر، والجن مستورون عن رؤية العين فسموا جناً، والجنون غياب العقل فسمي جنوناً، فمادة جنّ:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ(76)
(سورة الأنعام)

هي الغياب والستر والغطاء.
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ أي جعلوا له شركاء من الجن؛ إما لأن الجن أمروهم بعبادة الأصنام، فطاعتهم للجن تقتضي أنهم جعلوهم شركاء، أو فعلاً جعلوا له بعض المشركين يعبدون الجن من دون الله كما ورد في آيات أخرى.
﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ خلقهم وخلق الجن جل جلاله ثم أشركوا به الجن.
﴿وَخَرَقُوا لَهُ﴾ أي وائتفكوا واخترقوا له.
﴿بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ قالوا عزير ابن الله، وقالوا عيسى ابن الله، وقالوا الملائكة الذين هم إناث بزعمهم بنات الله، فهم بذلك خرقوا له بنين وبنات بغير علم، وهذا قيد وصف يعني لا يمكن أن يُختلَق لله تعالى بعلم، هذا منتهى الجهل، أن يُجعَل لله ند.
﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ننزه الله تعالى عن الولد، عن الشريك، عن الصاحبة، عن الولد، التسبيح هو التنزيه ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾.

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)
(سورة الأنعام)


بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ:
الله تعالى بديع أي مبدع
بديع: أي خالق السماوات والأرض على غير مثال سابق، ومنه البدعة، تقول له ما هذه البدعة؟ من أين جئت بها؟ "كل بدعة ضلالة" لأنها جاءت على غير مثال سابق من شرع الله تعالى؛ أي إنسان اخترع في الدين شيئاً لم يأتِ به شيء في سلف هذه الأمة، فنقول له هذه بدعة لأنه على غير مثال سابق، فالله تعالى بديع أي مبدع، السماوات والأرض على غير مثال سابق، نحن نخترع أشياء على مثال سابق، اخترعنا الطائرة لكن بعد أن رأينا الطائر، لكن الطائر عندما طار في الجو كان على غير مثال سابق، نحن على مثال سابق، ثم نحن نكتشف ولا نخترع، فأرخميدس ما اخترع، اكتشف، مكتشف، هو وضع الدلو بالماء فارتفع، فعرف أن هناك قوة تدفعه، ولكن القوة التي تدفعه من الذي وضعها؟ ربنا جل جلاله
نحن اخترعنا سفينة تغوص في أعماق البحار، ولكن قوة البحر على حمل السفينة وقابليته على حمل السفينة:

وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ(24)
(سورة الرحمن)

ليست لك الجوار المنشآت في البحر، أنت اكتشفت الطريقة لأن الله أعطاك عقلاً فاستطعت أن تكتشف، ولازال بإمكاننا أن نكتشف أشياء أخرى في الكون.
نحن اكتشفنا أنه بإمكاننا أن نوصل سلكاً ويتكلم فلان مع فلان الأول بعمان والثاني بالعقبة ويتكلمان مع بعضهما، ثم اكتشفنا أنه لا داعي للسلك، فالهواء هو الذي ينقل الذبذبات من خلال الأبراج، فنحن نكتشف خواص الأشياء التي خلقها الله، لكننا لا نخترع شيئاً غير موجود في الأصل، ولكن الله بديع جل جلاله.

الله واحد صمد:
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ﴾ يعني محال أن يكون له ولد جل جلاله.
﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ﴾ نقاش منطقي الولد يحتاج إلى صاحبة، والله تعالى ليس له صاحبة ولا ولد فهو:

اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
(سورة الإخلاص)

﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ وشيء أعم كلمة في اللغة العربية، فكل ما تراه في الكون هو مخلوق والله وحده هو الخالق.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فهو له الخلق وله العلم فلا يخفى عليه شيء جل جلاله في الأرض ولا في السماء.
والحمد لله رب العالمين