الرد على جماعة القرآنيين

  • الحلقة الخامسة عشرة
  • 2018-07-21

الرد على جماعة القرآنيين


القرآنيون :
السلام عليكم؛ نتحدث اليوم عن القرآنيين، القرآنيون اسمٌ يطلق على تيارٍ أو فئةٍ من الناس يعتقدون بالقرآن الكريم وحده مصدراً للتشريعات والأحكام، وينكرون السنة مصدراً تشريعياً ثانياً في الإسلام.
البداية مع رد بعض الأحكام الشرعية
هذا التيار بدأ قديماً منذ عصر الخوارج، حينما ردوا بعض الأحكام الشرعية، متذرعين بأنها لم ترد في كتاب الله تعالى، وبعد حين من الزمن عاد التيار يظهر بين الفينة والأُخرى، إلى أن جاء عصرنا هذا، والذي ظهر فيه هذا التيار من جديد بأسماءٍ مختلفةٍ منها التجديد، والتحديث، والتطوير، وإنكار السنة بطريقةٍ أوبأُخرى.
النبي صلى الله عليه وسلم - وهذا من دلائل نبوته- تنبأ بظهور هؤلاء القوم، فقال في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح:

{ يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ }

(رواه الإمام أحمد في مسنده)

فتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم له - في المرتبة التشريعية- المكان نفسه عندما يحرم الله تعالى، لأنه وحيٌ يوحى من الله تعالى :

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ
(سورة النجم:الآية 3-4)


كيفية الرد على مزاعم القرآنيين :
الرد الأول القرآن الكريم نفسه
الرد على مزاعم القرآنيين يكون من عدة نقاط، أولاً: من القرآن الكريم نفسه الذي يعتبرونه المصدر التشريعي الوحيد، ألم يقل تعالى:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
(سورة النور: الآية 54)

ألم يقل تعالى:

مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا
(سورة النساء:الآية 80)

مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(سورة الحشر:الآية 7)

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا
(سورة الأحزاب:الآية 36)

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
(سورة النساء: الآية 65)

يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم، فأين نجد ما أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين نجد ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في سنته القولية والفعلية؟ هذا أمرٌ أول.
السنة شارحةٌ لكتاب الله تعالى
الأمر الثاني: هم ينكرون السنة بدعوى أنها لم تحفظ كما حفظ القرآن الكريم، نعم إن القرآن الكريم قد حفظه الله تعالى من التغيير، والتبديل، والتحريف، ولكن هذا الحفظ يشمل السنة النبوية أيضاً، لأن السنة شارحةٌ لكتاب الله تعالى، مبينة لما أُجمل فيه، فلو أن السنة لم تحفظ فكأن القرآن لم يحفظ أصلاً، هؤلاء عندما ينكرون السنة هم في الحقيقة إما أنهم لم يقرؤوا مناهج المحدِّثين التي تعد أعجوبةً من أعاجيب الدنيا في التثبت من النقل، أو أنهم يعلمونها ولكنهم يخفون الحقيقة لغايةٍ في أنفسهم.

شروط صحة سنة النبي صلى الله عليه وسلم :
فالسنة محفوظةٌ بحفظ القرآن الكريم
المحدِّثون عندما نظروا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعوا شروطهم الخمس، أولاً: عدالة الرواة، وهذه صفةٌ نفسية تمنع من الكذب، ثانياً: ضبط الرواة، وهذه صفةٌ عقلية تمنع من النسيان، ثالثاً: اتصال السند، لكي يكون السند متصلاً من الراوي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاحتمال الخطأ البشري فقد وضعوا شرطين آخرين هما عدم الشذوذ وعدم العلة، وهذا أمرٌ يعرفه من درس مصطلح الحديث، فلو أن إنساناً بعد كل هذا الجهد في دراسة حديث جاء وقال لك: ما زال هناك احتمال للخطأ فهذا مثله كمثل إنسانٍ أمسك رزمةً من النقود وعدها يدوياً وسجل عددها، ثم جاء بآلة تعد النقود فتأكد من العدد، ثم جاء بآلةٍ ثانية أدق من الأولى وعدها مرةً ثالثة، ثم قال لك: ولكن احتمال الخطأ مازال موجوداً، نقول له: هذا عقلاً لا يمكن، لأن احتمال الخطأ ولو كان موجوداً لكن بعد كل هذا التثبت من العد إذاً لا عبرة الآن لكلامك بأن تقول: إن هناك إشكالاً بعد كل هذا التثبت، فبعد عرض الحديث على مناهج المحدثين، وصدور الحكم بالصحة، انتهى الجدل، فالسنة محفوظةٌ بحفظ القرآن الكريم.

اتباع السنة أمر واجب على كل مسلم :
لا بد من اتباع السنّة النبوية
إذاً يُردُّ على القرآنيين من القرآن الكريم نفسه، ومن السنة الصحيحة التي حُفظت بحفظ القرآن الكريم، وعندما يظن البعض أنه يمكن أن نكتفي بالقرآن الكريم مصدراً تشريعياً فقد وقعوا في خطأ كبير، فكيف نعرف مواعيد الصلاة؟ وكيف نعرف عدد ركعاتها؟ وكيف نعرف أنصبة الزكاة؟ و كيف نعرف مناسك الحج إن اكتفينا بالقرآن الكريم؟ سيقول لك بعض هؤلاء: إننا نتبع في ذلك السنة المتواترة الفعلية التي بلغت حد التواتر.
نقول لهم: إذاً أنتم في النتيجة تتبعون السنة، لأن هذه التعليمات وردت في السنة، وما دمتم تتبعون البعض فلا بد أن تتبعوا الكل مما ثبتت صحته، وهذا مبدأٌ عقلي لا مِراء فيه.
إلى الملتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته