من بيت النبوة - مع بنت رسول الله زينب رضي الله عنها

  • محاضرة في الأردن
  • 2024-05-06
  • عمان
  • الأردن

من بيت النبوة - مع بنت رسول الله زينب رضي الله عنها

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزِدنا عِلماً وعملاً مُتقبّلاً يا رب العالمين.

مقدمة:
وبعد أيُّها الإخوة الكرام: لقاؤنا اليوم من بيت النبوَّة، واللقاء عندما يكون من بيت النبوَّة، على ساكنه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم، يكون مُعطراً بأريج النبوَّة، ويكون مؤنساً كما هو أُنسُ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
كما تعلمون أيُّها الكرام، النبي صلى الله عليه وسلم، قد رزقه الله بسبعة أولاد، ثلاثٌ منهم من البنين، وأربعةٌ من البنات، فأمّا البنون، فهُم القاسم وعبدالله وإبراهيم، وكلهم توفّوا في سنٍ صغيرة، فالقاسم توفّي في أرجح الأقوال وعمره سنتان، وعبد الله أيضاً توفّي صغيراً رضيعاً، وأمّا إبراهيم ابن ماريا القبطية رضي الله عنها، فقد عاش سبعة عشر شهراً، فكلهم توفّوا في عُمرٍ صغير، وله أربعٌ من البنات، هُم زينب وفاطمة ورقيَّة وأُم كلثوم، عليهم سلام ربي ورضوانه.
زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، وهو ابن خالتها، ابن هالة بنت خويلد، أبو العاص أُمه هالة بنت خويلد، وزينب أُمها خديجة بنت خويلد، وفاطمة تزوجها علي رضي الله عنه وأرضاه، وأنجبَت منه الحسَن والحُسين وزينب وأُم كلثوم، وأمّا رقيَّة وأُم كلثوم فتزوجهما عثمان بن عفان، ولذلك سُمّيَ بذي النورين، تزوّج رقيَّة فلما ماتت، تزوّج أُم كلثوم، وماتتا في بيته وهو حيّ، فسُمّيَ بذي النورين، لأنه أخذ نوران من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقيَّة وأُم كلثوم، رضي الله عنهم جميعاً.

زواج زينب رضي الله عنها من أبي العاص ووقوعه في الأسر :
حديثنا اليوم عن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن في قصة زواجها، وقصتها مع أبي العاص بن الربيع ابن خالتها عِبرٌ كثيرة نحتاجها في هذه الأيام، وفي كل زمانٍ ومكان.
زينب تزوجت من أبي العاص بن الربيع في حياة أُمها خديجة، وكانت تدعو زوجها إلى الإسلام فيأبى، في بادئ الأمر لم يكن هناك حُكم بأن تفارق الزوجة المسلمة زوجها الكافر، من باب التدرج بالأحكام لم ينزل التحريم، فأسلمت لكن زوجها لم يُسلِم، فكانت تدعوه إلى الإسلام فيرفُض ولا يقبَل، وحاولت قريش أن يُطلِّق زوجته، فاستغلّوا الموقف وحاولوا أن يدفعوه إلى طلاقها، لعلهم بذلك ينالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، طبعاً خابوا وخسروا، لكنه رفض، قالوا له: فارق صاحبتك ونحن نُزوجك أي امرأةٍ من قريش شئت، قال: لا والله إني لا أُفارق صاحبتي، أي زوجتي، وما أُحب أنَّ لي بامرأتي امرأةً من قريش، كائنةً من كانت، رفَض، وكما قلنا كان مسموح للمرأة المسلمة أن تبقى عند زوجها الكافر حتى نزل قوله تعالى في المُمتحنة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
(سورة الممتحنة)

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، النساء المسلمات بمُفارقة أزواجهنَّ الكفّار.
على كُلٍ أبو العاص بن الربيع، بعد ذلك وكانت زوجته ما تزال عنده، أُسِر في معركة بدر، وزوجته في مكة، وأصبح أسيراً في المدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل من أهل الأسرى جعلوا يفتدون أسيرهم، يرسلون مالاً فداءاً لأسراهم لإطلاقهم، زينب رضي الله عنها أرادت أن تفتدي زوجها من الأسر، فأرسلت قلادةً كانت قد أهدتها إياها خديجة رضي الله عنها، وهذه القلادة كانت في عنق خديجة وعند زواج زينب بأبي العاص أدخلتها معها، يعني ما يُدخَل مع المرأة في زفافها، أي هدية الزفاف، فأرسلت زينب هذه القلادة وهي أعز ما تملِك، كما يُقال من ذِكرى أُمها، فأرسلتها فداءاً لزوجها، وأرسلت أيضاً ما معها من مال، يعني القلادة وما معها من مالٍ لتفتدي زوجها، روَت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح، قالت:

{ لمَّا بعثَ أهلُ مكَّةَ في فداءِ أسرائهم بعثت زينبُ في فداءِ أبي العاصِ قال وبعثت فيهِ بقلادةٍ لها كانت عندَ خديجةَ أدخلتْها بها على أبي العاصِ فلمَّا رآها رسولُ اللَّهِ رقَّ لها رقَّةً شديدةً وقالَ إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرَها وتردُّوا عليها الَّذي لها فقالوا نعم وكانَ النَّبيُّ عليهِ السَّلامُ أخذَ عليهِ أن يخلِّيَ سبيلَ زينبَ إليهِ وبعثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ زيدَ بنَ حارثةَ ورجلًا منَ الأنصارِ فقالَ كونا ببطنِ يأجَج حتَّى تمرَّ بكما زينبُ فتصحباها حتَّى تأتيا بها }

(أخرجه أبو داوود وأحمد)

فلمّا رأى القلادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تذكَّر خديجة، ورقَّ لها رِقّةً شديدة.

موضوعية النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الحقوق:
قال أهل الحديث: رقَّ لزينب وِحدتها وغربتها، وحنَّ لخديجة رضي الله عنها وتذكَّر عهدها، فالقلادة ذكَّرته بخديجة رضي الله عنها، ولمّا رأى ابنته تُرسِل بأعز ما تملِك، فرقَّ أيضاً لزينب وهي وحيدة وغريبة لا أهل لها في مكة وحدها.
(فلمَّا رآها رسولُ اللَّهِ رقَّ لها رقَّةً شديدةً وقالَ إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرَها وتردُّوا عليها الَّذي لها) هو سيد الخلق، وقائد الأُمة، وقائد الجيش، وبيده كل شيء، في فئةٍ من الأُمة، فلو شاء لقال لهم أطلقوا الأسير من اللحظة الأولى قبل أن يُرسَل الفداء، ولو شاء لقال لهم آمركم أن تفعلوا ففعلوا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن انظروا إلى الأدب النبوي العظيم، كيف يؤدِّب الأُمة من بعده، وكيف يُعلِّم في موضوع الحقوق، قال: (إن شئتم أن تردوا لها زوجها وأن تردوا عليها الذي لها فافعلوا)، أي اقتراح، أن تُرجعوا لها هذه القلادة ومعها زوجها بدون فِداء أرسلوه، (قالَ إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرَها وتردُّوا عليها الَّذي لها فقالوا: نعم) فلمّا أطلق سراحه صلى الله عليه وسلم، أخذ عليه عهداً، فوفَّى أبو العاص بهذا العهد، يقول صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح:

{ إنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بنْتَ أبِي جَهْلٍ، فَسَمِعَتْ بذلكَ فاطِمَةُ، فأتَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أنَّكَ لا تَغْضَبُ لِبَناتِكَ، وهذا عَلِيٌّ ناكِحٌ بنْتَ أبِي جَهْلٍ! فَقامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يقولُ: أمَّا بَعْدُ؛ أنْكَحْتُ أبا العاصِ بنَ الرَّبِيعِ، فَحدَّثَني وصَدَقَنِي، وإنَّ فاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وإنِّي أكْرَهُ أنْ يَسُوءَها، واللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بنْتُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ واحِدٍ، فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ. وزادَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عن عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، عن مِسْوَرٍ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وذَكَرَ صِهْرًا له مِن بَنِي عبدِ شَمْسٍ، فأثْنَى عليه في مُصاهَرَتِهِ إيَّاهُ فأحْسَنَ، قالَ: حدَّثَني فَصَدَقَنِي، ووَعَدَنِي فَوَفَى لِي. }

(صحيح البخاري)

ورَد في بعض كتب السيرة أنه قال: "ما ذممناه صهراً"، يعني هذه موضوعية، الموضوعية قيمة عظيمة، يتلاقى فيها شيئان، العِلم والأخلاق، فالموضوعي عالم والموضوعي أخلاقي، إذا كنت عالماً وأخلاقياً معاً فأنت موضوعي، هناك أُناسٌ كثُر عندهم عِلم، لكن عِلم بلا أخلاق لا يوجد موضوعية، يُقرِّب أهله وقرابته، ويُبعد الآخرين بناءً على النسَب، أو بناءً على العلاقات الشخصية، أو بناءً على ما يقدمونه له من مالٍ أو هدايا أو رِشوة، مُحاباة لا يوجد موضوعية، هناك أخلاق لكن لا يوجد عمق بالعِلم، أيضاً ليس هناك موضوعية، لكن العِلم مع الأخلاق تؤدي إلى الموضوعية، أبو العاص مُشرِك، وقبل إسلامه كان يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ما زممناه صهراً، فهو كان صهراً جيداً (حدَّثَني فَصَدَقَنِي، ووَعَدَنِي فَوَفَى لِي). هذه هي الموضوعية، هذا الدرس اليوم نحن بحاجةٍ كثيرةٍ له في حياتنا، فنحن اليوم إن أبغضنا أبغضنا إلى اللانهاية، وإن أحببنا أحببنا إلى اللانهاية.
عن عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: <<أحبِبْ حبيبَك هَونًا ما، عسى أن يكونَ بغيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بغيضَك هَونًا ما، عسى أن يكونَ حبيبَك يومًا ما>>. وإذا ذكرت المساوئ، فاذكُر المحاسِن قبلها.
رويَ أن سيدنا عيسى مرَّ بجيفةٍ ميتة، <<فقال أصحابه يا نبي الله ما أشدَّ نتنها، فقال بل ما أجمل بياض أسنانها>> فالموضوعي أو الإنسان الذي عنده جمالٌ في روحه يرى الجمال، فأنت قبل أن تنتقد الآخرين بما لديهم من مساوئ، أثني على ما عندهم من محاسِن، هذه هي الموضوعية، وهذه هي الأخلاق، وهذا هو العِلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم، يُحدِّث عن أبي العاص بن الربيع وهو مشرك، وهو عدوٌ له خرج إلى بدر ليحاربه، وأُسِر وهو يحاربه.
ويروى أنَّ السيدة زينب لمّا علمت بذلك قالت ماذا سيحصل؟ أبي أو زوجي، يقتُل أو يُقتَل، فهو خرج مع قريش ليحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يستعرض النبي صلى الله عليه وسلم الأسرى، فيقول: ما ذممناه صهراً، كان صهراً جيداً، ومعاملته جيدة مع السيدة زينب، يُحبُّها ورفض أن يُطلِّقها، وهو مُشرك، ثم شاء الله عزَّ وجل، وهو ربّ، ومعنى الربّ أنه مُربّي، والمُربّي يُربّي، فأنت ربُّ الأُسرة وتُربّي الأُسرة، فابنك تعاقبه حيناً، وتُلجئه حيناً إلى الاعتذار، تُلجئه حيناً إلى العفو، أي تنوِّع في معاملتك معه حتى تنجح التربية، ربنا جلَّ جلاله عليمٌ بكل شيء، وهو مُربّي وله المثل الأعلى، فيُربّي عباده، فشاء الله تعالى أن يقع أبو العاص مرَّةً ثانية في الأسر، خرج بتجارةٍ من الشام، ومعه أموال الناس وأمواله، وأُسِر وهو ذاهبٌ إلى الشام في تجارته، سرية لزيد بن الحارثة، أسروه وأخذوا ما معه من مال، فهي حربٌ بينهم، والطريق مُصادرة، فأسروه وأخذوا ما معه من مال، استطاع أبو العاص بطريقةٍ أو بأُخرى أن ينجو منهم، وسأل عن بيت زينب، وهو يحمل في قلبه كل محبة لزينب.
لمّا النبي صلى الله عليه وسلم قال له عندما أطلق سراحه، إذا وصلت ابعث لي زينب، فإنَّ الله قد حرَّم مسلمةً على كافر، وصل إلى مكة والسيدة زينب بانتظاره، أرسلت تفتديه بالأسر، فأول ما رآها قال لها: إلى أبيكي، حان وفاء العهد، فقد قال لي عندما تصِل تُرسِل ابنتي لي، وهو يُحبُّها وتُحبُّه وهو زوجها، إنَّ الله أمرني أن أفارقكِ، إنَّ الدين فرَّق بيني وبينكِ، هذه أخلاق العرب، هذا غير مسلم، فما بالك ماذا صنع الإسلام بهؤلاء! الذين يُشككون بالعرب وبأخلاق العرب، نقول لهم: صحيح أنَّ العرب كان عندهم من الجاهلية والتي هي ضد الحِلم، يُثارون لأدنى سبب، لكن عندهم من المكارم ما جعل لهذه الرسالة الكريمة أن تكون فيهم، فالعرب عندهم مكارم، والوفاء بالعهد عندهم شيءٌ مُقدَّس، وصل وهي زوجته ولكنه لم يسكت عن العهد، وقال لها: إنَّ الدين فرَّق بيني وبينكِ، وأنا وعدتُ محمداً فاذهبي لأبيكي.

المسلمون يُجير عليهم أدناهم:
فرجعت لأبيها في السنة الثانية للهجرة، بعد بدر، فلمّا أُسِر في المرَّة الثانية بحث عنها، فدُلَّ على بيتها، وطرق الباب عليها وقال لها: قد استجرت بكِ فأجيريني، فأجارته وأدخلته، فهو زوجها سابقاً، وقد حنَّت له وأجارته وسكتت، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفجر ليُصلّي بالناس، فلمّا أراد أن يُكبِّر، صرخت زينب من الصف في مكان النساء، أيُّها الناس إني قد أجرت أبو العاص بن الربيع، فقال صلى الله عليه وسلم: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم، فقال: إنها أجارت أبو العاص بن الربيع.
امرأة تُجير رجُلاً أُخذَ بسرية، في موطن آخر لمّا النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، جاءت امرأة ودخلت وقالت إني أجرت فلاناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا مَن أجرتِ، المسلمون يُجير عليهم أدناهم، فهذا مثال لكل من يتكلم في الإسلام بأنه سيف ودماء، نحن سيفنا ودمائنا من أجل حماية العقيدة، ومن أجل حماية ديننا، لا من أجل التعطش للدماء كما أنتم، حرب على الإسلام وحرب على الأطفال وحرب على النساء، امرأة تُجير رجُلاً فيقول النبي صلى الله عليه وسلم، قد أجرنا مَن أجرتِ، يُجير عليهم أدناهم، أيُّ شخصٍ يُجير شخص فتقول ما هذه الأخلاق العظيمة! والإسلام عزَّزها، العرب عندهم هذا دخل بجواري وانتهى، لا يقربه أحد والنبي صلى الله عليه وسلم، استخدم هذه الجوار، فلمّا دخل مكة فاتحاً قال:

{ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قالَ: لمَّا نزلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مرَّ الظَّهرانِ قالَ العبَّاسُ: قلتُ واللَّهِ، لئن دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مَكَّةَ عُنوةً، قبلَ أن يأتوهُ فيَستأمنوهُ إنَّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ، فجلَستُ على بغلةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقلتُ لعلِّي: أجدُ ذا حاجةٍ يأتي أَهْلَ مَكَّةَ فيخبرُهُم بمَكانِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ليَخرجوا إليهِ، فيستأمِنوهُ فإنِّي لأسيرُ إذ سَمِعْتُ كلامَ أبي سفيانَ، وبُدَيْلِ بنِ ورقاءَ، فقلتُ: يا أبا حنظلةَ، فعرفَ صوتي، فقالَ: أبو الفضلِ؟ قلتُ: نعَم، قالَ: ما لَكَ فداكَ أبي وأمِّي؟ قلتُ: هذا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، والنَّاسُ، قالَ: فما الحيلةُ؟ قالَ: فرَكِبَ خلفي، ورجعَ صاحبُهُ، فلمَّا أصبحَ غَدوتُ بِهِ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فأسلَمَ، قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ يحبُّ هذا الفخرَ، فاجعَل لَهُ شيئًا، قالَ: نعَم، من دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمِنٌ، ومن أغلقَ علَيهِ دارَهُ فَهوَ آمِنٌ، ومن دخلَ المسجدَ فَهوَ آمنٌ قالَ: فتفرَّقَ النَّاسُ إلى دورِهِم وإلى المسجِدِ }

(الألباني في صحيح أبي داوود)


المُداراة مسموحة لكن المُداهنة ممنوعة في الدين:
فقالت إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أكرمي مثواه، ولا يقربنّكِ، فإن الله حرَّم مسلمةً على كافر، أكرمي مثواه، لكن في الدين ليس هناك تلاعُب بأمر الدين، الدين خط أحمر، قالت يا رسول الله إن يبعُد فهو ابن الخالة، وإن يقرُب فهو أبو الأولاد، فقال: أكرمي مثواه فإنه أبو العيال، أبو أُمامة وعلي، أبو العاص له منها أُمامة وعلي، وقال: أكرمي مثواه، ولا يقربنّكِ، فإن الله حرَّم مسلمةً على كافر، يعني في قضية المجاملة، من غير الدين جامل كما تريد، لكن لا تجامل في دين الله عزَّ وجل، المُداراة مسموحة لكن المُداهنة ممنوعة، المُداراة أن تبذُل الدنيا من أجل الدين، ابذل دنياك أطعِم الناس، مؤمن وغير مؤمن، أطعمه وأكرِم مثواه، أجره لعله يهتدي، لعلك تُقرّبه من دينك، لكن إياك أن تبذُل دينك من أجل الدنيا، هذه المُداراة والمُداهنة، هذا نَص في ذلك، قال أكرمي مثواه، الدنيا ابذليها له، لكن لا يقربنّكِ لأن هذا دين، لا يوجد مُداهنة.

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ(9)
(سورة القلم)

لا يوجد مُداهنة في دين الله عزَّ وجل.
الآن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمعها تقول: أيُّها الناس إني أجرت أبا العاص بن الربيع، النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق، وحبيب الحقّ، وقائد الأُمة، قال لم أسمع بهذا الكلام إلا الآن، أي لا يخطر في بال أحدكم بأن الأمر مرتب بين الأب وابنته، حاشاه صلى الله عليه وسلم، قال: إني لم أعلم بهذا الأمر إلا الآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يحلّ المشكلة، لأن هذا الرجُل هي أجارته، وهو معه مال وأموال لقريش في تجارة، وهذا فيء حكم أيضاً، ليس هناك مجاملة بالدين، فبعث إلى السرية لأنه هو قائد الجيش، يعني مثال للتقريب: لواء في الجيش أرسل للمُقدَّم، نريد أن نحلّ الموضوع، لا ليس كذلك، اللواء يُصدر قراراً، المُقدَّم يقول له أمرك سيدي، لرسول الله المثل الأعلى، لكن هنا يوجد حكم شرعي، لا ينبغي أن يُستهان به.

{ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَثَ إلى السَّريَّةِ الَّذين أصابوا مالَ أبي العاصِ، وقالَ لهم: «إنَّ هذا الرَّجلَ منَّا حيثُ قد علِمْتُم، وقد أصَبْتُم له مالًا، فإنْ تُحسِنوا تَرُدُّوا عليه الَّذي له، فإنَّا نُحبُّ ذلك، وإنْ أبَيْتُم ذلك، فهو فَيءِ اللهِ الَّذي أفاءَه عليكم، فأنتم أحَقُّ به»، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، بل نرُدُّه عليه، قالَ: «فرَدُّوا عليه مالَه»، حتَّى إنَّ الرَّجلَ لَيَأْتي بالحَبلِ ويَأْتي الرَّجلُ بالشَّنَّةِ والإداوةِ حتَّى أنَّ أحَدَهم لَيَأْتي بالشَّظاظِ حتَّى رَدُّوا عليه مالَه بأَسْرِه، لا يَفقِدُ منه شَيئًا، ثمَّ احتمَلَ إلى مكَّةَ، فأدَّى إلى كلِّ ذي مالٍ من قُرَيشٍ مالَه ممَّن كانَ أبضَعَ معَه، ثمَّ قالَ: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ، هل بَقيَ لأحَدٍ منكم عِندي مالٌ لم يَأخُذْه؟ قالوا: لا، فجَزاكَ اللهُ خَيرًا؛ فقدْ وَجدْناكَ وَفيًّا كَريمًا، قالَ: فإنِّي أشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، وما منَعَني منَ الإسْلامِ عندَه إلَّا تَخوُّفًا أنْ تظُنُّوا أنِّي إنَّما أردْتُ أخْذَ أمْوالِكم، فلمَّا أدَّاها اللهُ عزَّ وجلَّ إليكم وفرَغْتُ منها أسلَمْتُ، ثمَّ خرَجَ حتَّى قدِمَ على رَسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ }

(المستدرك على الصحيحين)

فهو زوج ابنتي سابقاً، وهو أبو أحفادي، انظر إلى التربية العظيمة، النبي صلى الله عليه وسلم كيف يُربّي أصحابه، كيف يُربّي الأُمة على أنَّ الحقوق ليس فيها مجال لأن يصدُر بها قرار لا من وزير ولا من أمير، وانظر إلى اللهجة! (إن رأيتم أن تُحسنوا له فإنّا نُحبُّ ذلك)، لكن لا نأمُر به، أمّا بالنسبة للحقوق فأنتم أحقُّ به، ولا أحد يلومكم لأنكم تأخذون حقّاً لكم، فرَدّوه كله.

كيف أسلم أبو العاص بن الربيع:
الآن أبو العاص رجع إلى مكة، وأدّى إلى كل ذي مالٍ ماله، هو معه أموال الناس، ثم عندما أدّى للجميع حقوقهم، وقف، (ثمَّ قالَ: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ، هل بَقيَ لأحَدٍ منكم عِندي مالٌ لم يَأخُذْه؟ قالوا: لا، فجَزاكَ اللهُ خَيرًا، فقدْ وَجدْناكَ وَفيًّا كَريماً) وفيّت الحقوق وكنت كريماً معنا، الوفاء وفيّت الحق، والكرم ربما زدت شيئاً، (قالَ: فإنِّي أشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، وما منَعَني منَ الإسْلامِ عندَه إلَّا تَخوُّفًا أنْ تظُنُّوا أنِّي إنَّما أردْتُ أخْذَ أمْوالِكم)،لأنه عندما رأى هذه الأخلاق وتلك المعاملة هناك في المرة الأولى والثانية، والصدق والموضوعية في التعاطي معه، وهذا المجتمع المسلم كيف يتعامل، وكيف يُجير أدناهم، وكيف أنَّ امرأةً قد أجارته، وقد أُسِر، فعزم على الإسلام، لكن خشيَ أن يقال إنما فعل ذلك، أي الإسلام يجبُّ ما قبله، والأموال ذهبت وعذره معه، أسروني وأخذوا الأموال والأموال أصبحت في خزينة المال، أو ردّوهم لي، فرجع فوفّى الأموال، وعندما وفّاها نطق بالإسلام والشهادة، فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع بينه وبين زينب في السنة السابعة للهجرة، يعني بعد خمس سنوات تقريباً، خمس سنوات يقال في السيرة أنه تقدَّم لخطبة زينب الكثيرون لكنها رفضت، زينب عندها أمل في أن يُسلِم هذا الرجُل فتعود إليه، لكن تعود إليه وفق منهج الله، وإلا فرِضى الله فوق الولد وفوق الزوج وفوق كل شيء، ففي السنة السابعة للهجرة أعادها إليه بناءً على إسلامه.
زينب رضي الله عنها توفيَّت في السنة الثامنة للهجرة، عاشت معه سنة ثم توفيَّت، ثم لحق بها، وهناك أقوالٌ مختلفة، أكثرها على أنه في السنة الثانية عشر للهجرة، وقيل قد عاش بعدها فقط إحدى عشر شهراً، وكان يبكيها بحرقةٍ بكاءً شديداً، هو لم يتزوج غيرها وهي لم تتزوج غيره، حتى جمع الله بينهما في الإسلام، هي التي ولدَت له أُمامة وعلي، علي مات شاباً عند الاحتلام، وعاشت اُمامة حتى ماتت في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهذه أُمامة هي التي كان يُصلّي صلى الله عليه وسلم وهو يحملها، فإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام حملها، هذه أُمامة حفيدته، وتروي أم عطيَّة رضي الله عنها لمّا ماتت زينب قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ دخَلَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حين تُوُفِّيَتِ ابنَتُه، فقال: اغسِلْنَها ثَلاثًا، أو خَمسًا، أو أكثَرَ مِن ذلك، إنْ رأيتُنَّ ذلك، بماءِ سِدْرٍ، واجعَلْنَ في الآخِرةِ كافورًا، أو شَيئًا مِن كافورٍ، فإذا فَرَغتُنَّ فآذِنَّني. قالت: فلمَّا فَرَغْنا آذَنَّاه، فأعطانا حِقْوَه، فقال: أشْعِرْنَها إيَّاه. تَعني بحِقْوِه: إزارَه }

(أخرجه البخاري ومالك)

فلُفَّت أُمامة بنت زينب رضي الله عنهما، لُفَّت بإزار النبي صلى الله عليه وسلم.

الدروس التي نتعلمها من قصة أبا العاص بن الربيع:
فيا أحبابنا الكرام: هذه القصة أنا كنت أُطالعها منذ أيام، عادت إلى الذاكرة من القصص القديمة، التي كثيرٌ منكم يعرفون عنها، لكن أتيت بها من مصادرها الصحيحة، ومن كتب السيرة المعتمدة، جزءٌ منها أحاديث صحيحة معتمدة، وجزءٌ من كتب السيرة الأكثر شُهرةً واعتماداً، نتعلم منها دروساً، إن أردنا أن نتعلم منها درس الوفاء، ففيها الوفاء من أبي العاص، وهذا يُعلِّمنا إذ أننا أكثر ما يشدّ الناس إلى دين الله تعالى ليس المعلومات، فالمعلومات يمتلكها الكثيرون، واليوم كم من العلماء الكبار يمتلكون معلومات لا نمتلكها نحن، ولكن ظهر منهم بعض التصرفات التي لا تمُتّ إلى أخلاق الإسلام بصِلة، فنفر الناس منهم، وكم من أشخاص لا يمتلكون المعلومات الكثيرة، ولكنهم يمتلكون صفة الخُلق والتواضع والوفاء بالعهد، فالتفَّ الناس حولهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يخاطبه ربه جلَّ جلاله فيقول:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159)
(سورة آل عمران)

فإذا كان هذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أوتيَ ما أوتي من جمال الصورة، وجمال المنطق، والخُلق العظيم، ويقول له تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ومعنى الآية بالتفصيل،( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ) أي بسبب رحمةٍ استقرَّت في قلبك يا محمد صلى الله عليه وسلم، كنت ليّناً لهم، بسبب اتصالك بنا اكتسبت هذه الرحمة، فالتفّوا حولك، ولو انقطعت عنّا - وهذا غير موجود حاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم – لأمتلئ القلب قسوةً وانعكست القسوة غِلظةً وفظاظةً في التعامل مع الناس فانفضَّ الناس من حولك، فإمّا أن تتصل بالله فيمتلئ القلب رحمةً، فتنعكس الرحمة ليناً في خلقك فيلتف الناس حولك، وإمّا أن ينقطع الآخر عن الله فيمتلئ القلب قسوةً فتنعكس القسوة فظاظةً وغِلظةً في تعامله مع الناس، فينفضّوا الناس من حوله، وهذا قانون لكل مسلم، ولكل شخصٍ في مركز قيادي، سواءً كنت في متجرك أو في معملك، أو المُعلِّم في صفّه، أو المدير في شركته، في أي مكانٍ كنت، اتصل بالله، فالله يعطيك رحمةً، فيكون تعاملك ليّناً فيحبك الناس، وأمّا المُنقطع عن الله فقلبه قاسٍ، وتعامله فظٌّ غليظ، فالناس يبتعدون عنه، وإن اقتربوا اقتربوا لمصلحة لكنهم لا يحبونه، الناس تحب الليِّن، تحب الموصول بالله السهل الليِّن الرفيق، هذا من تحبه الناس، فالناس ينظرون إلى أخلاقنا وتعاملنا، ولا ينظرون إلى كثرة معلوماتنا أو قلّتها.
فهذا أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، الذي شدّه إلى الدين في المُحصّلة، هو الأخلاق التي عومل بها من قِبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قِبل زينب، هو في البداية كان رافضاً للإسلام، قال: لا أنفضُّ عن قومي، ولا أُخالف أمرهم، عزّة الجاهلية، تركته، بقيَ متعلقاً بها، لكن لم يدخل الإسلام إلى قلبه، في المرَّة الأولى في الأسر ربنا يُربّيه جلَّ جلاله كما يُربّي الجميع، فعندما أُسِر في المرَّة الأولى ورأى التعامل، فصدق ووفى بعهده، بادل الخُلق بخُلق، وأُسِر في المرَّة الثانية، ربنا عزَّ وجل ساقه للأسر في المرَّة الثانية، والعبرة الثانية في الموضوع، أنَّ كثيراً من المِنح تأتي على شكل مِحن من الله عزَّ وجل، فمن كان يقول أنَّ أسر أبو العاص فيه خير، وما أدرى أبو العاص فيُأسَر ويُساق، ويؤخذ المال منه، وهو يقول ذهب المال الذي معي، مال قريش وأموال الناس، وعندي عشرون مستثمر للأموال كيف سأرجِع لهم، والآن أصبحت في الأسر، في هذه اللحظة من كان يقول أنَّ أسر أبا العاص فيه خيرٌ لأبي العاص، لكن لو لم يكن كذلك، ما جلسنا اليوم نقول أبو العاص رضي الله عنه وأرضاه، والعياذ بالله كذلك أبو لهب كان في عهد النبوَّة، أخزاه الله

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)
(سورة المسد)


أحياناً تأتي المِنح من الله عزَّ وجل على شكل مِحن:
فكثيراً ما تأتي المِنح من الله على شكل مِحن، لا تدري أنها مِنح في اللحظة التي تحصل معك، لكن يقودها الله تعالى إلى مِنح، فهذا أيضاً درسٌ مهم من دروس هذه القصة، واليوم ونحن نعيش مع أهل غزَّة، نسمع الآن بعض الأخبار التي تتوارد، لعله يكون فيه خير في وقف إطلاق النار نسأل الله ذلك، فإن القلوب قد تعبت، والأجسام قد أعياها متابعة هذه الأحداث المؤلمة، ولكن كلنا يقين بأنها إن وقفت الآن أو قبل ذلك أو بعد ذلك، فإن الله عزَّ وجل يقود الأمور لخيرٍ لا نعلمه الآن، أو نعلم بعضه ونجهل أكثره، وسيأتي يومٌ إمّا نحن أو أولادنا، سيذكرون هذا التاريخ بخير، ويقولون كانت بذور النصر والفرج والتمكين تُصاغ، وكُنّا نحن نبكي ونتألم على الشاشات، ولكن الله عزَّ وجل كان يُهيئ الأمر لفرجٍ عظيم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.