الأمن
الأمن
يا ربنا لك الحمد، ملأ السماوات والأرض، وملأ ما بينهما وملأ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد وكُلنا لك عبد، لا مانع لِمَا أعطيت، ولا مُعطي لِمَا منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غِناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عِزّك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك. |
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليُخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته. |
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً. |
الأمن نعمةٌ عظيمة يحافظ عليها كل مؤمن وهو مشتقٌ من الإيمان:
وبعد أيُّها الإخوة الكرام: كلمةٌ ليست كالكلمات، إذا قيلت بعثَت في النفوس السكينة والطمأنينة، يرجوها كل صاحب عقلٍ راجح، وكل ذي فطرةٍ سليمة، لكنها على مدى عقودٍ ماضية، شوِّهت حتى أصبح قولها يُثير الفزع في النفوس، والخوف، والقلق، إنها كلمة الأمن، فبدلاً من أن تسمع الأمن فترتاح، أصبح في بلدنا الكثيرون إذا قيل لهم هذا من الأمن ارتعدوا، فبدلاً من أن يبعث الأمن على الراحة، أصبح يبعث على الخوف لِما شوّهوا صورته، وقلبوا مفهومه. |
أيُّها الإخوة الأحباب: الأمن نعمةٌ عظيمة، يحافظ عليها كل مؤمنٍ، بل إنَّ الأمنَّ مشتقٌّ من الإيمان، فلا أمن بغير إيمان، بل إنَّ الله تعالى حين امتنَّ على عباده قال: |
الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ(4)(سورة قريش)
نعمتان: نعمة الشِبع ونعمة الأمن، ولمّا أهلك الله قريةً قال: |
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)(سورة النحل)
فإمّا شِبعٌ وأمن، وإمّا والعياذ بالله جوعٌ وخوف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا }
(أخرجه الترمذي وابن ماجه)
الدنيا كلها مجموعةٌ بأمنٍ وشِبعٍ وعافية، فمن أدرك الأمن، وأكل طعامه فشبع وارتوى، وجعل الله العافية في جسمه، فما فاته من الدنيا شيء، وكل ما بعد ذلك من الكماليات. |
الأمن أن لا يتوقع الإنسان شرّاً في المستقبل:
أيُّها الإخوة الأحباب: الأمن ليس أن لا يقع الإنسان بالمصيبة، ولكنه يعني أن لا يتوقع المصيبة، وأن لا يتوقع الشرّ، أنت من خوف الفقر في فقر، إنسانٌ عنده مال ولكنه يخاف الفقر، إذاً هو فقير، أنت من خوف المرض في مرض، إنسانٌ معافى في جسده ولكنه يخاف المرض، فهو مريضٌ ليس آمناً، فالأمن أن لا يتوقع الإنسان شرَّاً في المستقبل، قال تعالى: |
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(51)(سورة التوبة)
فماذا بعد هذا من الأمن؟! ما كتب الله لنا ولم يقل علينا، فإن كتب مرضاً قرَّبنا به إليه، وإن كتب عافيةً تقوّينا بها على طاعته، وإن كتب مالاً أنفقنا منه على عباد الله، وإن أنقص المال شكرنا وحمدنا وصبرنا، (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) وليس علينا. |
{ عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا ، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له. }
(صحيح مسلم)
لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن وحده. |
الأمن نوعان أمنٌ نفسي وأمنٌ مجتمعي:
والأمن أيُّها الكرام نوعان: |
أمنٌ نفسيٌ يتحقق في داخلك، وأنا هنا أظنُّ خيراً، أننا كلنا في هذا المسجد، وفي مساجد المسلمين نتمتع بنعمة الأمن النفسي إن شاء الله، وأمنٌ مجتمعيٌ يتعلق بالمجتمع كله. |
أمّا الأمن النفسي في داخلك، فلا يتحقق إلا بشيئين: الإيمان مع التوحيد، إيمانٌ لا يخالطه شرك، هذا أمن النفس، قال تعالى: |
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)(سورة الأنعام)
سؤال، والجواب: |
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)(سورة الأنعام)
ولو قال جلَّ جلاله أولئك الأمن لهم، لاحتملت أن يكون لغيرهم أيضاً، أمّا لمّا قدَّم الخبر على المبتدأ (أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) أي لهم وحدهم، حصراً وقصراً، فلا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن الذي لم يلبس إيمانه بظلمٍ، ما هو الظلم هنا؟ الشِرك، لمّا نزلت هذه الآية شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يتعاملون مع القرآن تعاملاً عجيباً، هذه الآية لي، والله تعالى يقول: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) |
{ لمَّا نزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، شَقَّ ذلِكَ علَى المسلِمينَ فقَالوا: يا رسولَ اللَّهِ وأيُّنا لا يظلِمُ نفسَهُ؟ قالَ: ليسَ ذلِكَ إنَّما هوَ الشِّركُ ألَم تسمَعوا ما قالَ لقمانُ لابنِهِ: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان الآية 13] }
(أخرجه البخاري ومسلم)
إذاً لا أمن، كلنا ظلمنا أنفسنا، نظرةٌ لا تُرضي الله، كلمة، هذا ظلم. |
إذاً (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) أي الذين آمنوا ولم يُخالط إيمانهم شرك، توحيد، الأمور كلها بيد الله، الأمن ينبع من هذه الكلمة إن قيلت بحقّ، الأمر كله لله. |
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)(سورة هود)
الأمور كلها بيده وحده. |
أيُّها الإخوة الأحباب: المؤمن حينما يكون أولاً مؤمناً حقَّاً، ثم موحداً يتحقَّق له الأمن، معادلة: إيمان+ توحيد= أمن. |
من هنا تجد مَلِكاً في قصره لا يتمتع بالأمن صدِّقوا، لا يتمتع بالأمن، يخاف أن يُدس له السمُّ في طعامه، لا يعرف من الذي سيخونه وقد خانوه، لا يعرف من الذي سيخرج عن طاعته، يعيش خائفاً قلقاً ولو رأيت حوله الجنود والحرَّاس، لأنه لا يملِك أمناً في داخله، ثم تجد رجُلاً من عامة المسلمين في كوخه آمن، كلها لله، دعها لله. |
من استطاع أن يؤثِر الله على جميع خلقه في كل مقام فليفعل:
أيُّها الإخوة الأحباب: كان يزيد بن هُبيرة والياً على العراقَين، في زمن الخليفة يزيد بن عبد الملك، العراقان هما الكوفة والبَصرة، كانتا تُسمّيان العراقان، أكبر مدينتين في العراق الكوفة والبَصرة، وكان ابن هُبيرة والياً عليهما، ثم تأتيه الكتب تلو الكتب من الخليفة، ينظر في بعضها فيراها حقَّاً فيُنفِّذها فوراً، ثم ينظر في البعض الآخر فيرى فيه جفاءً عن الحقّ، يعني الخليفة بعيد، من دمشق يرسل الكتاب إلى العراق، ينظر في الكتاب غير صحيح، فيه ظلم، هل أُنفِّذ؟ أنا موظف، أم لا أُنفِّذ؟ فما كان منه إلا أن استدعى التابعيَين الجليلين، الحسن البصري وعامر الشعبي، وكان الأُمراء في وقتها يستفتون العلماء، استدعاهما إلى قصره، ماذا أفعل؟ يأتيني الكتاب تلو الكتاب، إن نفَّذتُ ما فيه أغضبت الله، وإن تركت التنفيذ أغضبت يزيد، فماذا أفعل؟ |
فقال له الشعبي كلاماً فيه ملاطفةٌ وملاونةٌ ومُسايرة، سأتصور معكم ما قاله، لعله قال له: أمسك العصا من الوسط، حاول أن تُرضي الخليفة وترضي الله، كما يقول بعض الناس المجاملين، حاول بين بين، لا تُغضب الخليفة لكن..، فالتفت إلى الحسن البصري، قال وما تقول أنت يا أبا سعيد؟ |
فقال الحسن البصري: << يا ابن هُبيرة خَف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أنَّ الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، واعلم يا ابن هُبيرة أنه يوشك أن ينزل بك مَلَكان غليظان شديدان، فيُزيلانك من سِعة قصرك إلى ضيق قبرك، وهناك لن تجد يزيد ولكنك ستجد عملك الذي خالفت فيه ربَّ يزيد، يا ابن هُبيرة إنك إن تكن مع الله وفي طاعته، يكفك ضائقة يزيد، أي شرَّه، وإن تكن مع يزيد في معصية الله يكلك الله إلى يزيد>>. |
فالتفت ابن هُبيرة عن الشعبي الذي لاطفه ولاينه وسايره، وجعل يُعظِّم الحسن البصري، ثم خرج يودعه إلى الباب. |
الآن خرج الشعبي والبصري إلى الناس في المسجد، اجتمع إليهما الناس، ماذا حصل؟ لماذا استدعاكما الوالي؟ فقال الشعبي وقال قولة حقّ، قال: أيُّها الناس والله ما قال الحسن لابن هُبيرة كلاماً أجهله، أنا أعرف أنَّ الله يمنع من يزيد، ولكن يزيد لا يمنع من الله، ولكنني أردت فيما قلته وجه يزيد، أنا كنت أريد رضا يزيد بن هُبيرة، وأراد هو فيما قاله وجه الله، فأقصاني الله من ابن هُبيرة، أي أبعدني، وقرَّب الحسن إليه. |
أيُّها الناس: << من استطاع منكم أن يؤثِر الله على جميع خلقه في كل مقامٍ فليفعل>>، هذه هي الكلمة الفيصل، في العشر الماضية، لماذا نافق من نافق؟ ولماذا ثبت من ثبت؟ نافق من نافق لأنه كان يريد وجه فلان من الطغاة، وثبت من ثبت لأنه كان يريد وجه الله، هذه هي الحقيقة التي لا نحيد عنها، لا أتحدث عن المُكرهين. |
مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(106)(سورة النحل)
أتحدث عن المُختارين، أتحدث عن الذين طُلب منهم واحد فقدَّموا العشرة، نافقوا لأنهم أرادوا وجه الطاغية، ما أرادوا وجه الله، من استطاع منكم أن يؤثِر الله على جميع خلقه في كل مقامٍ فليفعل. |
إذاً أيُّها الكرام: التوحيد هو الأمن، خرج الحسن البصري آمناً، كلمة الحقّ لا تُقصِّر عمراً، ولا تُبطِّئ رزقاً، ولا تقطع أجلاً. |
اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها:
أيُّها الأحباب: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ مَن جَعلَ الْهمومَ همًّا واحدًا همَّ المعادِ كَفاهُ اللَّهُ همَّ دُنياهُ ومَن تشعَّبت بِهِ الْهمومُ في أحوالِ الدُّنيا لم يُبالِ اللَّهُ في أيِّ أوديتِهِ هلَكَ }
(صحيح ابن ماجه)
لذلك قيل: اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها. |
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(29)(سورة الزمر)
رجُلٌ في معمل يريد أن يُرضي مديره، وزوجة مديره، وابن مديره، ومديره المباشر، وزملاءه في الغرفة، وزملاءه في المديرية، لن يستطيع، أمّا هناك رجُلٌ قال سأُرضي المدير فقط، وارتاح (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ) يريد أن يُرضي الجميع، (وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ) عنده مدير واحد، (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا) مستحيل، المؤمن عنده جهةٌ واحدة يريد أن يرضيها هو الله. |
اجْعَل لِرَبِّكَ كُلَّ عِزِّكَ يَسْتَقِرُّ وَيَثْبُتُ فَإِذَا اعْتَزَزْتَ بِمَنْ يَمُوتُ فَإِنَّ عِزَّكَ مَيِّتُ{ الإمام الشافعي }
جهةٌ واحدة لا تُرضِ غيرها. |
فَتلَيتَكَ تَـحلـو وَالـحَياةُ مَـريـرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ إذا صحَّ منك الودّ يا غاية المُنى فكـل الـذي فوق الترابِ ترابُ{ أبو فراس الحمداني }
أحبابنا الكرام: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، فلنوحد، درسٌ من الماضي من أجل المستقبل، اجعل علاقتك مع الله وحده، لأنَّ الأمر كله بيده. |
أمن المجتمع لا يتحقق إلا بالعدل:
أيُّها الإخوة الأحباب: وأمّا النوع الثاني من الأمن، فهو الأمن الذي يتحقَّق في المجتمع، وهذا لا يتحقق إلا بالعدل، لا يتحقق أمنٌ في المجتمع إلا بالعدل، بدءاً من أسرتك الصغيرة، والدة النعمان بن بشير جاءت إلى زوجها قالت له: |
{ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سَأَلَتْ أُمِّي أبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لي مِن مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا له فَوَهَبَهَا لِي، فَقالَتْ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ بيَدِي وأَنَا غُلَامٌ، فأتَى بيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّ أُمَّهُ بنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِهذا، قالَ: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟، قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأُرَاهُ، قالَ: لا تُشْهِدْنِي علَى جَوْرٍ وقالَ أبو حَرِيزٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، لا أشْهَدُ علَى جَوْرٍ. }
(أخرجه البخاري ومسلم)
هذا ظلمٌ وأنا لا أشهد على ظلمٍ، فإذا أعطيت ولداً ولم تعطِ الآخر، أنت تقيم خيساً في البيت قلقاً مستمراً، فإذا عدلت أمنت. |
فالعدل أساس الأمن في المجتمعات، في شركتك أنت مدير، إذا قرَّبت لقرابةٍ أو لمالٍ، فأنت تُقيم مشكلةً في معملك والمعمل إلى انهيارٍ، وإن اعتمدت الكفاءة والأمانة بغضِّ النظر عن فلانٍ وفلان، فأنت تُقيم العدل ثم الأمن بين الموظفين جميعاً. |
أيُّها الإخوة الكرام: وإذا وصلنا إلى المستويات العليا، فأيضاً لا يتحقق في المجتمع الأمنُ إلا بالعدل، هذا صاحب كسرى، لمّا جاء إلى المسجد في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رآه مستلقياً في المسجد، فقال قولته الشهيرة: "عدلت، فأمنت، فنمت" فهِمها صاحب كسرى غير المسلم، العدلُ أساس الأمن، ولا أمن إلا بالعدل. |
وَراعَ صاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَراً بَيـنَ الرَعِـيَّةِ عُطـلاً وَهـوَ راعـيها وَعَهدُهُ بِمُلوكِ الفُرسِ أَنَّ لَها سوراً مـِنَ الـجُـنـدِ وَالأَحـراسِ يَحمـيهـا رَآهُ مُستـَغرِقاً فـي نَومِـهِ فَـرَأى فيهِ الـجَـلالَــةَ فـي أَسـمـى مَـعـانـيهـا فَوقَ الثَرى تَحتَ ظِلِّ الدَوحِ مُشتَمِلاً بِـبُردَةٍ كـادَ طــولُ الـعَهـدِ يُبـليهـا فَـهـانَ فـي عَيـنِـهِ مـا كـانَ يـَكـبُـرُهُ مِـنَ الأَكـاسِـرِ وَالـدُنـيـا بِـأَيـديهـا وَقـالَ قَـولَـةَ حَـقٍّ أَصــبَحَــت مـَثَـلاً وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويهـا أَمِـنـتَ لَـمّـا أَقَـمـتَ العـَـدلَ بَـيـنَـهُـمُ فَنِـمتُ نَـومَ قَـريـرِ الـعَينِ هانيهـا{ حافظ إبراهيم }
كل ظلم مهما كان صغيراً يجب أن يُنزع:
أحبابنا الكرام: العدل في المجتمعات، والأمن والإيمان مع التوحيد في النفوس، حتى نُعيد لهذه الكلمة التي فقدت قيمتها، وأصبحت مصدراً للخوف، نريد اليوم أمناً إن شاء الله، أمناً في النفوس أولاً بالتوحيد، لا ينفعنا ولا يضرنا إلا الله، وأمناً في المجتمعات بالعدل، بالعدل بين الناس، ولا يقولنَّ قائلٌ وما شأني بالعدل! العدل كما قلنا يبدأ من الأسرة الصغيرة، ثم العائلة، ثم الوظيفة، في أي مكانٍ كنت، يمكن أن يعدل الإنسان أو أن يظلِم، اليوم قدَّر الله تعالى أنَّ هذا الظلم الجاثم على صدورنا منذ ستة عقود، قد أزاله الله بغير جهدٍ منّا، ولا إرادةٍ منّا، بل على ضعفنا وتقصيرنا، لكن هل نزيل الظلم الذي بيننا؟ بين الأخ وأخته، الذي يأكل حقَّ أخته بالميراث هذا ظالم، والذي يقول نحن لا نُورِّث البنات هذا ظالم، والذي أكل حقَّ شريكه ظالم، الظلم ليس مقتصراً على الطغُاة هؤلاء ذهبوا إلى مزبلة التاريخ ولله الحمد، لكن كل ظلمٍ مهما كان صغيراً يجب أن يُنزَع. |
{ اتَّقُوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ علَى أنْ سَفَكُوا دِماءَهُمْ واسْتَحَلُّوا مَحارِمَهُمْ. }
(صحيح مسلم)
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، وأستغفر الله. |
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما صلّيت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. |
الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات. |
اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شرَّ ما أهمَّنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنّا، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنّا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين. |
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(23)(سورة الأعراف)
اللهم ربنا تقبَّل منّا إنك أنت السميع العليم، وتُبّ علينا يا مولانا إنك أنت التواب الرحيم، واهدِنا ووفِّقنا إلى الحقِّ وإلى الطريق المستقيم. |
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرّ، مولانا ربَّ العالمين. |
اللهم اجعل هذا البلد آمنا سخيِّاً رخيِّاً مُطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، ووفِّق القائمين عليه لِما فيه مرضاتك، واجعل هذا البلد مُستظلاً بكتابك وسُنَّة نبيَّك صلى الله عليه وسلم، وأبرم لأمتنا أمر رشدٍ يُعزّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل عصيانك، ويؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المُنكر. |
اللهم لك الحمد على ما أنعمت علينا من تثبيت أهلنا في غزَّة، اللهم فأتمّ فضلك عليهم وعلينا يا أكرم الأكرمين. |
اللهم انصرهم نصراً مؤزَّراً وأعزَّ بهم دينك وكتابك وسنَّة نبيَّك يا أرحم الراحمين. |
اللهم ارحم شهداءهم، واشفِ جرحاهم، وعافِ مبتلاهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبَّلاً يا أرحم الراحمين. |
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المُسيئين. |
اللهم اسقنا الغيث واجعلنا من الحامدين الشاكرين برحمتك يا أرحم الراحمين. |
وصلِّ وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين. |