دروس من الحرب على غزة

  • الإذاعة الأردنية - اللقاء المفتوح
  • 2023-11-13
  • الأردن
  • عمان

دروس من الحرب على غزة


إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية تقدم:
في مستهل هذه الحلقة الجديدة من اللقاء المفتوح وبرنامجكم: فكر وحضارة، عنوان حلقة اليوم: "دروس من الحرب على غزة" واسمحوا لي باسمكم أن أرحب بضيوف هذه الحلقة من الأساتذة الأجلاء؛ فضيلة الدكتور بلال نور الدين أستاذ الشريعة والداعية المعروف.

الدكتور بلال نور الدين:
حياكم الله وبارك الله بكم أستاذ حسين، أسعد بلقائكم.

الأستاذ حسين:
حياكم الله يا دكتور، على مدى الأيام الماضية كلنا تمترس وهو يشاهد هذا الحدث الكبير الذي ربما لم تشهد الإنسانية في عصرنا الحديث مثله، مثل هذه البشاعة وفي المقابل مثل هذا الصمود والصبر والثبات،
ما الذي استوقفك من دروس دكتور بلال حينما تابعت مثل هذه المشاهد على الطرفين؟

الدكتور بلال نور الدين:

المفاصلة بين الحق والباطل:
بارك الله بكم، أهم درس استوقفني في هذه المعركة الأخيرة، وهي معركة فيما أعتقد هي معركة بين حق وباطل، قد أصبحت الأمور واضحة، لم يعد هناك ما يخفى، فأعظم درس أن الباطل قد ظهر على حقيقته، قد عرّى كل باطل، وأظهرَ كل باطل على حقيقته، وفي الوقت نفسه ظهر الحق، وظهر أصحاب الحق، وظهر الموالون للحق، فأعظم درس في هذه المعركة هو درس المفاصلة بين الحق والباطل، إنها سنة الله، إنها المعركة القديمة المستمرة التي لم تنتهِ ولن تنتهيَ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فأهل الحق يزدادون تمسكاً بحقهم، وأهل الباطل يتعاونون على باطلهم، ولكن الباطل كان زهوقاً مهما طال الأمد.

الأستاذ حسين:

مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)
(سورة آل عمران)


الدكتور بلال نور الدين:

قضية فلسطين قضية المسلمين الكبرى:
قضية فلسطين هي قضية الإسلام
بالضبط 100%، هذا أعظم درس، ثم إن قضية فلسطين قضية الإسلام وقضية فلسطين هي جزء من قضية المسلمين الكبرى، كانت قد غابت عن هذا الجيل الذي انشغل بالدنيا وما فيها، وانشغل بعضهم بسفاسف الأمور لا بمعاليها، فجاءت هذه المعركة لتعيد إلى الواجهة قضيتنا، ولتعيد إلى جيلنا ما كاد أن ينسيه إياه أعداؤنا، فهذه المعركة العظيمة اليوم أحيت في نفوس الأجيال القادمة، وأحيت في نفوس الأجيال الحالية قضيتهم، وبينت لهم فظاعة إجرام عدوهم، وبينت لهم في الوقت نفسه أحقية وعدالة قضيتهم.

الأستاذ حسين:
واتضح أن هذه القضية لا تتعلق بشعب محدد، وإنما تتعلق بالأمة كلها، وشعوب الأمة كلها، ومعها أيضاً أصحاب الضمير الصاحي في العالم.

الدكتور بلال نور الدين:
100% ولا تسقط بالتقادم، مهما طال الزمن تبقى هذه القضية حية في قلوبنا؛ لأنها قضية دين، فهي ليست قضية هامشية كما يحاول البعض تصويرها، هي قضية دين، نحن ديننا وعقيدتنا بحماية المسجد الأقصى وما حوله، ديننا وعقيدتنا أننا في أرض الرباط، وفي أرض الحشر، ديننا وعقيدتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن أن خير الرباط هو رباط عسقلان، وغزة هي غزة عسقلان، ونحن عندما نتحدث عن غزة نتحدث عن عقيدة، ولا نتحدث عن قضية هامشية معاذ الله فهي في صلب عقيدتنا، وفي صلب ديننا أن نحمي مقدساتنا، وأن نحمي الشام المباركة التي باركها الله ببركة المسجد الأقصى.

الأستاذ حسين:
ألم تلتفت دكتور أن هذه الأمة أيضاً لا تموت كما أن قضيتها لا تموت، فنحن كدنا بعد هذه الانكسارات التي صارت في عالمنا العربي على مدى العقود الماضية، كدنا نشك أن الأمة تمتلك بعض الحيوية والعافية، لكن اليوم نرى الأمة كلها تنهض، فعلى مدى الأيام الماضية لم تبقَ دولة إلا ونهض الناس فيها لمساندة أهل غزة، وشجب ما يحصل من حرب بشعة ضدهم.

الدكتور بلال نور الدين:

الأمة تنام ولكن لا تموت:
اليأس ليس من الإيمان
100%، سيدي أمتنا تنام لكنها لا تموت، وكلما ظن الأعداء أن نومها قد طال، أنها ماتت عادت لتحيا من جديد، هذه طبيعة هذا الدين العظيم، أنك كلما حاربته امتد واشتد، هذه عظمته، أنت عندما تريد أن تطفئ قضية فلسطين أو أن تطفئ نور الله فإنك أيها المجرم ـ نخاطب المجرمين ـ فإنهم بذلك يصبون الزيت على النار فلا يزيده إلا اشتعالاً، محال أن تنتهي القضية، محال أن ينتهي الإسلام، فهذه الأمة تنام، وقد يطول نومها أحياناً لكنها لا تموت، فهي حية، والله تعالى لا يسمح للباطل أن ينفرد بالساحة، لأنه لو انفرد بالساحة وحده تسرب اليأس إلى القلوب، واليأس ليس من الإيمان، لذلك في كل عصر، وفي كل مصر تبقى هناك بقعة مباركة لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، يبقى أناس ثابتون على الحق، والخير والبركة فيمن نصرهم، والخزي والعار لمن خذلهم، ولمن عاون أعداءهم عليهم.

الأستاذ حسين:
حضور الدين في المشهد العام، يرى البعض في الفترات الماضية يعتقد بأن الوازع الديني قد تراخى عند الأمة، وبالتالي لم يعد كما كان قوياً، اليوم نشهد أن النقطة المركزية في معظم هذه الحيوية التي تشهدها مجتمعات الأمة، وبالأخص الشعوب فنحن نتكلم عن الشعوب عنصر الدين، ماذا يعني ذلك؟

الدكتور بلال نور الدين:

أعداؤنا أعادوا تذكيرنا بديننا:
يجب أن نعود للتمسك بديننا
يعني ذلك سيدي أن هذه القضية قضية دينية في المرتبة الأولى، وقد أظهر الأعداء في زياراتهم الأخيرة، الذين والوا أعداءنا، أظهروا في زياراتهم الأخيرة للكيان بالصوت العالي والملآن أنها حرب دينينة، وأنها حرب حق وباطل، وهذا يعني فيما يعني أننا يجب أن نزيد من تمسكنا بديننا، وأن نزيد من تمسكنا بقيمنا وبمبادئنا، فنحن أمة الإسلام، ونحن أمة الحق، فلذلك هذه الحرب أظهرت بشكل واضح لا يدع مجالاً للشك بين أحد عاقل أننا يجب أن نعود للتمسك بديننا، وأننا يجب أن تستذكر المقولة العمرية الخالدة: "نحن أمة أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" هذا قانوننا، هم لهم قانونهم قانون القوة، يمتلكون الأسلحة والمدمرات...إلخ، ونسأل الله أن يرد كيدهم في نحرهم لكن نحن قانوننا القانون العمري: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، فاليوم شبابنا، وفتياتنا، ونساؤنا، وأطفالنا وشيوخنا كلهم اليوم وأنا أقول اليوم زيادة التمسك في الدين مطلوبة، والصحوة مطلوبة، لكن ما الذي يدفع إليها؟ والله لا أبالغ إن قلت مستهزئاً لا مؤكداً إن كان من فضل لأعدائنا علينا فهو أنهم أعادوا تذكيرنا بديننا، دفعونا إلى باب الله دفعاً، لأننا كدنا نموت، وننسى ولكنهم أعادوا تذكيرنا، وقد أحسن الشاعر فقال:
عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَذهبَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا
{ أبو حيان الأندلسي }

الأستاذ حسين:
وهذه من الإيجابيات التي ننساها في ظل الشعور بالألم والغصة والحزن، جانب آخر يا دكتور بلال أيضاً في المفارفة أيضاً فلما شنوا هذه الحرب قالوا إنها حرب الحضارة بيننا وبين آخرين، سموهم مرات ـ وهم يعننوننا العرب والمسلمين ـ حيوانات أو كذا، المفارقة أن هذه البشاعة تصدر باسم الحضارة والديمقراطية وكذا، بينما لدينا إجابة أخرى فيما يتعلق بقوانين الحرب وأخلاقياتها.

الدكتور بلال نور الدين:

الحضارة هي القيم والمبادئ:
نحن أقوياء بحقنا
%100، لو كان هناك حضارة خارج دين الله تعالى كما يدعون ويُسمّون حضارتهم حضارة لمَا أصبح للدين في نظر شبابنا من قيمة، فإذا كانت الحضارة هي القيم، وهي المبادئ فهي الدين نفسه، أما إذا كانت الحضارة تعني أن ينتصر القوي، وأن يمتلك الحق لأنه على قوة فهذا ليس من الدين في شيء، نحن أقوياء بحقنا، ولكنهم يعتقدون أنهم على حق لأنهم أقوياء، فنحن قوتنا من الحق، لكن حقهم لا يمكن أن يأتي من قوتهم؛ لأنهم ليسوا أصحاب حق، فالحضارة هي قيم، هي مبادئ، هي إنسان صالح، وليس مواطناً صالحاً تنشئه في بلدك، ثم أنت بعد ذلك تؤيد القتل والإجرام، نعم يظهر ولله الحمد اليوم صيحات في الغرب، وهي واسعة جداً وتمتد، نابعة من الفطرة الإنسانية السليمة التي فطر الله الناس عليها ترفض هذا الإجرام، وترفض هذا الانحياز الأعمى لهذا الكيان الغاصب، وهذا الإمداد له بكل ما يحتاجه، تظهر وهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها ولله الحمد.
ولكن مواقف الحكومات المتحيز والمنحاز بشكل أعمى أظهر أنهم ليسوا أصحاب حضارة، فأصحاب الحضارة هم الذين كانت حروبهم من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل نشر القيم والحق والخير، أصحاب الحضارة الذين كانوا يقولون لك: لا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً.

الأستاذ حسين:
الحروب النظيفة، لها وجه إنساني، فحتى في الحرب لها وجه إنساني، ليس مثل هذا العدو الذي قتل آلاف الأطفال الخُدَّج، وآلاف النساء، فأي تحضر هذا الذي يدّعونه!؟ ويخدعوننا به للأسف يعني.

الدكتور بلال نور الدين:

أعداؤنا أبعد ما يكونون عن الحضارة:
هذه مدنية، هم ما نسميه اليوم ـ وهذا يجب أن يعيه شبابنا ـ ما هم عليه من تطور تيكنولوجي، ما هم عليه من تطور تقني، عمراني، هذه مدنية ولكنها ليست حضارة، هذه مدنية فحسب، نحن لسنا متطورين كما هم عليه، لكننا متحضرون بديننا، أما هم متطورون لكنهم متوحشون، فالوحشية لا علاقة لها بالتطور والمدينة، لكن الحضارة هي التي تبني قيماً، الحضارة هي التي تبني مبادئاً يتخذها الإنسان في السلم وفي الحرب، في الضعف وفي القوة، لا تثنيه عن مبادئه لا سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة.

الأستاذ حسين:
يوجد مفارقة أخرى دكتور، على امتداد العقود، وربما أقول القرون الماضية خفتَ صوت الدعوة إلى الجهاد، وكدنا ننسى أن في شريعتنا شيء اسم جهاد، وطبعاً اختلطت المفاهيم وصارت أي دعوة إلى الجهاد تُسمى وتطرح في مجال الإرهاب والتطرف وغيره، اليوم نستعيد هذا المفهوم.

الدكتور بلال نور الدين:

عودة مفهوم الجهاد:
اليوم الجهاد أُحيِي في النفوس من جديد
يا سيدي أصبح الواحد منا يخاف إن جاءه مولود أن يسميه جهاد، خشية ألا يأخذ يوماً ما سِمة دخول إلى بلد من بلدان الغرب، صرنا نخاف من الكلمة، كنت أقول دائماً الجهاد كلمة مظلومة، ظلمها بعض دعاتها من المسلمين يوم تصرّفوا بها بخلاف ما أنزله الله تعالى، كالجماعات المتطرفة التي سمعنا عنها، وظلمها أعداؤها، ظُلمت ظلمين، ظلمها مضاعف، فظلمها أعداؤها يوم قالوا احذفوها من مناهجكم؛ ولا تتكلموا بها، وإياكم أن تنطقوا بها فهي تعرضكم لتهمة الإرهاب ووو، ونحن أصحاب الجهاد، ونحن نعلم ما هو الجهاد، نحن نجاهد ونقاتل من يقاتلنا، نحن إن جاهدنا من أجل إعلاء راية لا إله إلا الله، فاليوم الجهاد أُحيِي في النفوس من جديد، هذه أيضاً ميزة جزاك الله خيراً أن ذكرتنا بها، هذه الكلمة أصبحت قبل هذه الأحداث الأخيرة ممقوتة، ولكن اليوم ولله الحمد في هذا البلد الطيب الذي ينصر غزة وأهل غزة، نسمعها في المساجد، ونسمعها من الناس في الساحات ونسمعها في كل مكان هؤلاء المجاهدون، هؤلاء المرابطون نعتز بهم، ونفتخر بهم، ونتمنى لو نجاهد معهم، نقدم جهاد المال، نقدم جهاد الدعوة، نقدم الجهاد البنائي

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)
(سورة الأنفال)

فالله تعالى حينما يجري حدث في هذا الكون نحن قد لا ننتبه إلى كل أبعاده، لكن الله تعالى يريد أن يحق الحق بكلماته مهما كانت الخسائر كبيرة، والآلام كبيرة، لكن الآمال أكبر إن شاء الله؛ لأننا أمام جيل جديد إن شاء الله سيحرر المسجد الأقصى، ويحرر كل فلسطين من أعدائها ومن رجزهم.

الأستاذ حسين:
أيضاً من المفاهيم مفهوم العدو الذي جرى سحبه من الذاكرة في العقود الماضية، استسلمنا لمفهوم أنه لا يوجد لدينا عدو يتربص بنا، وحتى لو كان هذا العدو موجود فإنه لا يفعل أو لا يمكن أن يتعامل بمثل هذه الوحشية، اليوم صوت الناس في العالم العربي والإسلامي يدقق في مصطلح العدو، ويغضب كثيراً، ويعيد الاعتبار إلى أنه أصبح في مواجهة، أو أنه يجب أن يستعد لمواجهة مع هذا العدو.

الدكتور بلال نور الدين:

مفهوم الولاء والبراء:
أعدى أعداء الإنسان هو الجهل
يا سيدي من أعظم ما ينبغي أن يعرفه الإنسان أن يعرف عدوه؛ لأنه إن عرف عدوه عرف نفسه، فنحن سابقاً خلط الناس بين من هو العدو، ومن هو الصديق، لأنه كان هناك نفاق، لكن في المعركة يختفي صوت النفاق، ظهر الكل على حقيقته، فاليوم أبناؤنا أصبحوا يعرفون عدوهم، أطفالنا أصبحوا يعرفون عدوهم، فأعدى أعداء الإنسان هو الجهل، ألّا يعرف عدوه، ألا يعرف حقيقة قضيته، ألا يعرف أين هو وأين موطئ قدمه، فعندها يستطيع أعداؤه أن يتحكموا به، لذلك مفهوم العداوة هذا مفهوم في ديننا اسمه: الولاء والبراء، نحن أصبحنا في الآونة الأخيرة كلنا دعاة سلام، وأنا أقول نعم نحن دعاة سلام وديننا دين سلام، ونقول السلام عليكم عندما نرحب ببعضنا، لكن فقدنا الهوية التي ينبغي أن تحافظ على ديننا دين السلام، فأصبحنا لا نعرف عدواً، نريد أن نقول للناس جميعاً نحن معاً، لا لسنا معاً، هناك مفاصلة في محصلة الأمر، هناك أعداء يريدون لنا وللإنسانية كلها الشر، فهؤلاء يجب أن نقف في وجههم بكل السبل الممكنة، وهذا حق ضمنته كل الشرائع السماوية، وكل القوانين الوضعية، فاليوم نحن أمام عدو واضح، وعندما يتضح العدو أصبح الأمر يسيراً إلى الانتصار عليه إن شاء الله، أما عندما يغيب العدو، ونظن أن العدو صديق، أو أن الصديق عدو فهذه مصيبة المصائب.

الأستاذ حسين:
هذا صحيح، لكن أيضاً عندما ندقق اليوم في الذات العربية المسلمة، نجد أن هناك جوانب إيجابية نراها؛ سواء في العالم العربي كما نراها جيداً في غزة، لكن هنالك أيضاً جوانب سلبية في الذات، هذه الذات المجروحة المهزومة التي تشعر أحياناً بالدونية، بالخديعة، أليس كذلك؟

الدكتور بلال نور الدين:

أشد هزيمة هزيمة النفس والذات:
هزيمة النفس أعظم هزيمة
بلى، أقسى الهزائم أن تُهزم الذات، أقسى هزيمة، والله هزيمة النفس أعظم هزيمة، من أعراض الهزيمة النفسية التي هي من الداخل أن يطلق الإنسان مقولة: لقد انتهينا، لن تعود لنا قائمة، أين نحن منهم، أين قوتنا من قوتهم، أين عتادنا من عتادهم؟ لن تقوم لنا قائمة بعد اليوم، هذه من أشد الهزائم على المسلمين أن يُهزم الإنسان من الداخل، والله أشد من الهزائم العسكرية، نحن متفائلون بإيماننا، نحن متفائلون بوعد الله تعالى مهما كثرت المصائب حولنا، لكننا متأملون خيراً، شهداؤنا في الجنة، وقتلاهم في النار، لسنا نماري في وعد الله تعالى، فهزيمة النفس أعظم هزيمة.

من أسباب الهزيمة النظرة الضيقة للزمان والمكان:
وأقول لك أستاذ حسين أهم سبب من أسباب الهزيمة الداخلية هي النظرة الضيقة للزمان والمكان، نحن لا نقرأ التاريخ، ننظر وكأن المصيبة الآن في هذا الشهر فقط، في تلك اللحظة عندما يتعرض أهلنا في غزة لما يتعرضون له، نحن نتألم، لكن نظرتنا أوسع، وقضيتنا أوسع وأكبر، الزمان والمكان قضية واسعة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم يوم خاطب نبيه فقال:

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46)
(سورة يونس)

فالزمان أطول، والمكان كبير وواسع.
• هؤلاء التتار هجموا على المسلمين 91 سنة لم تُقم صلاة في المسجد الأقصى، ثم حررت من الصليبيين.
• القرامطة تهجموا على المسلمين وهم في ملابس الإحرام، وقتلوا من قتلوا وهم في حرم الله، ثم جاء أبو طاهر القرمطي ورفع الحجر الأسود، وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ متحدياً، ثم ذهب الله به.
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجا فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفـي طلائعـاً صابرةً رغم المكائد تخرج
{ البخاري }
فلا ينبغي أن ننظر إلى الزمان والمكان نظرة ضيقة في تلك السنوات العجاف التي ابتعدنا فيها عن ديننا، فأصبحنا أمة هينة على الأمم، وإنما ينبغي أن ننظر نظرة عامة بأن الله تعالى جعل سنة هي سنة التداول:

إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(140)
(سورة آل عمران)


سنن الله في خلقه:
في كل لحظة مؤلمة أمل كبير
فالله تعالى له سنن في خلقه، له قوانين تحكم النصر والهزيمة، ينبغي أن نقرأ التاريخ قراءة واعية حتى لا ننهزم من الذات، ونكون أسيري لحظة مؤلمة، ولكن ينبغي أن ننظر أيضاً إلى الأمل الكبير التي تحمله تلك اللحظة المؤلمة، وفي قصة العبد الصالح مع موسى عليه السلام ما يبين دائماً أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن وراء ما نظنه شراً ككقتل الغلام، وهدم الجدار، وخرق السفينة، فخرق السفينة إتلاف ممتلكات، وقتل الغلام إزهاق أرواح، ولكن كان وراءها خير، هذا الدرس ليس لنأخذه على أنه قصة وانتهت، لا ولكن لنأخذه على أنه قصة تحصل كل يوم، لأننا ندرك شيئاً وتغيب عنا أشياء.
ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نقع في الهزيمة النفسية التي هي أصعب الهزائم، ومقدمة الهزائم.

الأستاذ حسين:
بارك الله بك الدكتور بلال نور الدين أستاذ الشريعة والداعية الإسلامي المعروف، جزاك الله كل خير دكتور بلال.

الدكتور بلال نور الدين:
وإياكم أستاذ حسين.