دروس من الحرب على غزة
دروس من الحرب على غزة
إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية تقدم:
في مستهل هذه الحلقة الجديدة من اللقاء المفتوح وبرنامجكم: فكر وحضارة، عنوان حلقة اليوم: "دروس من الحرب على غزة" واسمحوا لي باسمكم أن أرحب بضيوف هذه الحلقة من الأساتذة الأجلاء؛ فضيلة الدكتور بلال نور الدين أستاذ الشريعة والداعية المعروف. |
الدكتور بلال نور الدين:
حياكم الله وبارك الله بكم أستاذ حسين، أسعد بلقائكم. |
الأستاذ حسين:
حياكم الله يا دكتور، على مدى الأيام الماضية كلنا تمترس وهو يشاهد هذا الحدث الكبير الذي ربما لم تشهد الإنسانية في عصرنا الحديث مثله، مثل هذه البشاعة وفي المقابل مثل هذا الصمود والصبر والثبات، ما الذي استوقفك من دروس دكتور بلال حينما تابعت مثل هذه المشاهد على الطرفين؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
المفاصلة بين الحق والباطل:
بارك الله بكم، أهم درس استوقفني في هذه المعركة الأخيرة، وهي معركة فيما أعتقد هي معركة بين حق وباطل، قد أصبحت الأمور واضحة، لم يعد هناك ما يخفى، فأعظم درس أن الباطل قد ظهر على حقيقته، قد عرّى كل باطل، وأظهرَ كل باطل على حقيقته، وفي الوقت نفسه ظهر الحق، وظهر أصحاب الحق، وظهر الموالون للحق، فأعظم درس في هذه المعركة هو درس المفاصلة بين الحق والباطل، إنها سنة الله، إنها المعركة القديمة المستمرة التي لم تنتهِ ولن تنتهيَ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فأهل الحق يزدادون تمسكاً بحقهم، وأهل الباطل يتعاونون على باطلهم، ولكن الباطل كان زهوقاً مهما طال الأمد. |
الأستاذ حسين:
مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)(سورة آل عمران)
الدكتور بلال نور الدين:
قضية فلسطين قضية المسلمين الكبرى:
قضية فلسطين هي قضية الإسلام
|
الأستاذ حسين:
واتضح أن هذه القضية لا تتعلق بشعب محدد، وإنما تتعلق بالأمة كلها، وشعوب الأمة كلها، ومعها أيضاً أصحاب الضمير الصاحي في العالم.
الدكتور بلال نور الدين:
100% ولا تسقط بالتقادم، مهما طال الزمن تبقى هذه القضية حية في قلوبنا؛ لأنها قضية دين، فهي ليست قضية هامشية كما يحاول البعض تصويرها، هي قضية دين، نحن ديننا وعقيدتنا بحماية المسجد الأقصى وما حوله، ديننا وعقيدتنا أننا في أرض الرباط، وفي أرض الحشر، ديننا وعقيدتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن أن خير الرباط هو رباط عسقلان، وغزة هي غزة عسقلان، ونحن عندما نتحدث عن غزة نتحدث عن عقيدة، ولا نتحدث عن قضية هامشية معاذ الله فهي في صلب عقيدتنا، وفي صلب ديننا أن نحمي مقدساتنا، وأن نحمي الشام المباركة التي باركها الله ببركة المسجد الأقصى. |
الأستاذ حسين:
ألم تلتفت دكتور أن هذه الأمة أيضاً لا تموت كما أن قضيتها لا تموت، فنحن كدنا بعد هذه الانكسارات التي صارت في عالمنا العربي على مدى العقود الماضية، كدنا نشك أن الأمة تمتلك بعض الحيوية والعافية، لكن اليوم نرى الأمة كلها تنهض، فعلى مدى الأيام الماضية لم تبقَ دولة إلا ونهض الناس فيها لمساندة أهل غزة، وشجب ما يحصل من حرب بشعة ضدهم. |
الدكتور بلال نور الدين:
الأمة تنام ولكن لا تموت:
اليأس ليس من الإيمان
|
الأستاذ حسين:
حضور الدين في المشهد العام، يرى البعض في الفترات الماضية يعتقد بأن الوازع الديني قد تراخى عند الأمة، وبالتالي لم يعد كما كان قوياً، اليوم نشهد أن النقطة المركزية في معظم هذه الحيوية التي تشهدها مجتمعات الأمة، وبالأخص الشعوب فنحن نتكلم عن الشعوب عنصر الدين، ماذا يعني ذلك؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
أعداؤنا أعادوا تذكيرنا بديننا:
يجب أن نعود للتمسك بديننا
|
عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَذهبَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا{ أبو حيان الأندلسي }
الأستاذ حسين:
وهذه من الإيجابيات التي ننساها في ظل الشعور بالألم والغصة والحزن، جانب آخر يا دكتور بلال أيضاً في المفارفة أيضاً فلما شنوا هذه الحرب قالوا إنها حرب الحضارة بيننا وبين آخرين، سموهم مرات ـ وهم يعننوننا العرب والمسلمين ـ حيوانات أو كذا، المفارقة أن هذه البشاعة تصدر باسم الحضارة والديمقراطية وكذا، بينما لدينا إجابة أخرى فيما يتعلق بقوانين الحرب وأخلاقياتها. |
الدكتور بلال نور الدين:
الحضارة هي القيم والمبادئ:
نحن أقوياء بحقنا
|
ولكن مواقف الحكومات المتحيز والمنحاز بشكل أعمى أظهر أنهم ليسوا أصحاب حضارة، فأصحاب الحضارة هم الذين كانت حروبهم من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل نشر القيم والحق والخير، أصحاب الحضارة الذين كانوا يقولون لك: لا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً. |
الأستاذ حسين:
الحروب النظيفة، لها وجه إنساني، فحتى في الحرب لها وجه إنساني، ليس مثل هذا العدو الذي قتل آلاف الأطفال الخُدَّج، وآلاف النساء، فأي تحضر هذا الذي يدّعونه!؟ ويخدعوننا به للأسف يعني. |
الدكتور بلال نور الدين:
أعداؤنا أبعد ما يكونون عن الحضارة:
هذه مدنية، هم ما نسميه اليوم ـ وهذا يجب أن يعيه شبابنا ـ ما هم عليه من تطور تيكنولوجي، ما هم عليه من تطور تقني، عمراني، هذه مدنية ولكنها ليست حضارة، هذه مدنية فحسب، نحن لسنا متطورين كما هم عليه، لكننا متحضرون بديننا، أما هم متطورون لكنهم متوحشون، فالوحشية لا علاقة لها بالتطور والمدينة، لكن الحضارة هي التي تبني قيماً، الحضارة هي التي تبني مبادئاً يتخذها الإنسان في السلم وفي الحرب، في الضعف وفي القوة، لا تثنيه عن مبادئه لا سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة. |
الأستاذ حسين:
يوجد مفارقة أخرى دكتور، على امتداد العقود، وربما أقول القرون الماضية خفتَ صوت الدعوة إلى الجهاد، وكدنا ننسى أن في شريعتنا شيء اسم جهاد، وطبعاً اختلطت المفاهيم وصارت أي دعوة إلى الجهاد تُسمى وتطرح في مجال الإرهاب والتطرف وغيره، اليوم نستعيد هذا المفهوم. |
الدكتور بلال نور الدين:
عودة مفهوم الجهاد:
اليوم الجهاد أُحيِي في النفوس من جديد
|
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)(سورة الأنفال)
فالله تعالى حينما يجري حدث في هذا الكون نحن قد لا ننتبه إلى كل أبعاده، لكن الله تعالى يريد أن يحق الحق بكلماته مهما كانت الخسائر كبيرة، والآلام كبيرة، لكن الآمال أكبر إن شاء الله؛ لأننا أمام جيل جديد إن شاء الله سيحرر المسجد الأقصى، ويحرر كل فلسطين من أعدائها ومن رجزهم. |
الأستاذ حسين:
أيضاً من المفاهيم مفهوم العدو الذي جرى سحبه من الذاكرة في العقود الماضية، استسلمنا لمفهوم أنه لا يوجد لدينا عدو يتربص بنا، وحتى لو كان هذا العدو موجود فإنه لا يفعل أو لا يمكن أن يتعامل بمثل هذه الوحشية، اليوم صوت الناس في العالم العربي والإسلامي يدقق في مصطلح العدو، ويغضب كثيراً، ويعيد الاعتبار إلى أنه أصبح في مواجهة، أو أنه يجب أن يستعد لمواجهة مع هذا العدو. |
الدكتور بلال نور الدين:
مفهوم الولاء والبراء:
أعدى أعداء الإنسان هو الجهل
|
الأستاذ حسين:
هذا صحيح، لكن أيضاً عندما ندقق اليوم في الذات العربية المسلمة، نجد أن هناك جوانب إيجابية نراها؛ سواء في العالم العربي كما نراها جيداً في غزة، لكن هنالك أيضاً جوانب سلبية في الذات، هذه الذات المجروحة المهزومة التي تشعر أحياناً بالدونية، بالخديعة، أليس كذلك؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
أشد هزيمة هزيمة النفس والذات:
هزيمة النفس أعظم هزيمة
|
من أسباب الهزيمة النظرة الضيقة للزمان والمكان:
وأقول لك أستاذ حسين أهم سبب من أسباب الهزيمة الداخلية هي النظرة الضيقة للزمان والمكان، نحن لا نقرأ التاريخ، ننظر وكأن المصيبة الآن في هذا الشهر فقط، في تلك اللحظة عندما يتعرض أهلنا في غزة لما يتعرضون له، نحن نتألم، لكن نظرتنا أوسع، وقضيتنا أوسع وأكبر، الزمان والمكان قضية واسعة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم يوم خاطب نبيه فقال: |
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46)(سورة يونس)
فالزمان أطول، والمكان كبير وواسع. |
• هؤلاء التتار هجموا على المسلمين 91 سنة لم تُقم صلاة في المسجد الأقصى، ثم حررت من الصليبيين. |
• القرامطة تهجموا على المسلمين وهم في ملابس الإحرام، وقتلوا من قتلوا وهم في حرم الله، ثم جاء أبو طاهر القرمطي ورفع الحجر الأسود، وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ متحدياً، ثم ذهب الله به. |
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجا فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفـي طلائعـاً صابرةً رغم المكائد تخرج{ البخاري }
فلا ينبغي أن ننظر إلى الزمان والمكان نظرة ضيقة في تلك السنوات العجاف التي ابتعدنا فيها عن ديننا، فأصبحنا أمة هينة على الأمم، وإنما ينبغي أن ننظر نظرة عامة بأن الله تعالى جعل سنة هي سنة التداول: |
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(140)(سورة آل عمران)
سنن الله في خلقه:
في كل لحظة مؤلمة أمل كبير
|
ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نقع في الهزيمة النفسية التي هي أصعب الهزائم، ومقدمة الهزائم. |
الأستاذ حسين:
بارك الله بك الدكتور بلال نور الدين أستاذ الشريعة والداعية الإسلامي المعروف، جزاك الله كل خير دكتور بلال. |
الدكتور بلال نور الدين:
وإياكم أستاذ حسين. |