الهداية في القرآن الكريم

  • لقاء في برنامج فكرٌ وحضارة
  • 2022-01-10
  • عمان
  • إذاعة الممكلة الأردنية الهاشمية

الهداية في القرآن الكريم


مقدمة:
الأستاذ حسين:
أرحب بكم جميعاً في مستهل هذه الحلقة، اسمحوا لي أن أرحب بضيفي العزيز الدكتور بلال نور الدين، أستاذ الشريعة والداعية المعروف، يا مرحباً بك ضيفاً عزيزاً دكتور بلال.

الدكتور بلال:
حياكم الله، بارك الله بكم، ونفع بكم، أشكر لكم هذا اللقاء، وأشكر للإذاعة الأردنية هذا اللقاء الطيب.

الأستاذ حسين:
يا مرحباً، يا مرحباً بك.
سبع عشرة مرة في كل صلاة منذ الفجر وحتى ننام دعاؤنا:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
[ سورة الفاتحة ]

لماذا نفعل ذلك؟ ما هي هذه الهداية التي نطلب من الله أن يرزقنا إياها ثم نبحث عنها وقد تصلنا أو قد نُحرم منها؟

الهداية التي نطلب من الله أن يرزقنا إياها:
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً على هذا السؤال الطيب.
حقيقة كما تفضلتم سبع عشرة مرة في الفرائض (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وإن زدنا عليها في النوافل والوتر صرنا فوق الثلاثين مرة، نقول كل يوم وليلة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) نطلب من الله الهداية، لأننا مخلوقون ضعفاء، حادثون، والله تعالى هو الخالق جلّ جلاله، وهذا المخلوق الضعيف بحاجة إلى من يأخذ بيده، وإلى من يدله على الطريق، وإلى من يرشده إلى الطريق.
إنه الاعتراف بالضعف، إذا كنت مسافراً إلى بلد لا تعرفه فإنك تسأل الناس: دلني على الطريق، من هنا أم من هنا؟

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
[ سورة فاطر]

فإن لم تسأل فإنك ستضل الطريق، نسأل الله السلامة.
فلذلك أستاذ حسين بارك الله بك، الإنسان اعترافاً بضعفه وليس تواضعاً، وإنما هي حقيقة، لا يستطيع الإنسان أن ينجو من غير أن يأخذ الله بيده إلى الطريق المستقيم.
البشر أعقد آلة في الكون
أنت لو اشتريت حاسوباً صناعياً مهماً، ولم ترفق الشركة الصانعة معه تعليمات التشغيل والصيانة، الكاتلوك، فما نفع الجهاز! تعليمات الصانع هي التي يجب أن تتبع.
(وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) نحن البشر أعقد آلة في الكون، تعقيدنا تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، وقد خلقنا الله تعالى، وعلَّمنا، ودلَّنا، وأرشدنا، فإن لم نسترشد بالرشاد الذي أرشدنا به تاه الإنسان في الطريق، ربنا جلّ جلاله يقول:

الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)
[ سورة الرحمن]

الترتيب الذي يتبادر إلى الذهن ابتداءً (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ) لأنه خلقه ثم علمه، فلماذا قال: (عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ)؟ قال علماء التفسير: هذا التقديم تقديم رتبي، وليس تقديماً زمنياً، لأن رتبة التعليم أهم من خلقه، فما معنى أن يُخلق دون أن يهديه الله إلى المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه.

الأستاذ حسين:
أن تربط هنا بين العلم وبين الهداية؟

معنى الهداية:
الدكتور بلال:
الهداية علم وتوفيق من الله
نعم، لأن الهداية علم وتوفيق من الله، علم تعلمه، وتوفيق من الله لتسير إليه، فالهداية في الأصل في المعنى اللغوي الدلالة، البيان، التعريف، الإرشاد كما تفضلتم في مقدمتكم الرائعة، الدَّلالة أو الدِّلالة كلاهما صحيح، الدَّلالة والدِّلالة، البيان، تعريف، إرشاد، لكن لا يكفي ذلك، في العلاقة مع الله لا يكفي أن يرشدك وأن يقول لك: من هنا الطريق، لا بد من أن يأخذ بيدك، هذه هداية التوفيق، فهو يدلك على الطريق، ثم يوفقك إلى المسير فيه.
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق كان يقول مع أصحابه:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ينقُلُ معنا الترابَ، وهو يقول:
واللهِ لولا الله ما اهتدينا ولا صُمْنا ولا صَلَّينا ومــــــــــــنهم من يقول: ولا تصدَّقنا ولا صلَّيْنا فـــأنْزِلَنْ سكينة علينا وثَبِّت الأقدام إِنْ لاقينا والمشركون قد بَغَوْا علينا إِذا أرادوا فِتْنَة أَبَيْنا
{ أخرجه البخاري ومسلم }
(لولا الله ما اهتدينا) والمؤمنون يوم القيامة يقولون:

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
[ سورة الأعراف]

إذاً علم القرآن أرشدك إلى الطريق، ثم عندما تقرر أن تسلك هذا الطريق يوفقك إليه، ويأخذ بيدك، ويعينك عليه، لذلك في الفاتحة:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
[ سورة الفاتحة ]

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فلن تستطيع أن تهتدي إليه إلا بعلم يعلمك إياه، ثم بتوفيق يوفقك إليه، فكم من الناس من علموا الحق ثم سلكوا غير طريقه، وكم منهم ممن لم يعلموا الحق أصلاً (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
[ سورة الفاتحة ]

المغضوب عليهم؛ عرفوا وانحرفوا، والضالون لم يعرفوا الطريق أصلاً، فهناك من يعرف ثم لا يسلك الطريق، إذاً المعلومة لا تكفي وحدها، العلم لا يكفي وحده، لا بدَّ من توفيق الله لك بعد ذلك.

الأستاذ حسين:
وكأن من يسمعنا يتصور أن الهداية معادلة كيمائية، قد تبدو أحياناً معقدة، لكنها عندما تتغلغل في فهمها تبدو مسألة سهلة وبسيطة، ومقدوراً عليها، أليس كذلك؟

مفتاح الهداية أن نملك لحظة الاستجابة:
الدكتور بلال:
مئة بالمئة، هي في النظر، في المكتوب على الورق قد تبدو صعبة.

{ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحتُ يوماً قريباً منه ونحنُ نسيرُ، فقلتُ: يا رسولَ الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنه لَيَسير على من يَسَّرَهُ الله عليه }

[أخرجه الترمذي ]


الأستاذ حسين:
مفتاحها؟

الدكتور بلال:
مفتاحها:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
[ سورة الأنفال]

مفاتحها أن تملك لحظة الاستجابة، أن تقول: يا رب قد استجبت لتلك الهداية وتترك الأمر لله عز وجل فهو الذي يهدي من يشاء جلّ جلاله.

الأستاذ حسين:

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)
[ سورة الأنعام]

هذا المفتاح أن يشرح صدرك للإيمان، فتستقبل هذه الذبذبات.

أنواع الهداية:
1 ـ الهداية العامة:
الدكتور بلال:
مئة بالمئة، الهداية أستاذ حسين بارك الله بك، أربعة أنواع، النوع الأول هو الهداية العامة، هذه ليست للمكلفين، بل تشمل النباتات، حتى أعزكم الله للحيوانات، كل شيء خلقه الله ابتداءً.

قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
[ سورة طه]

هذه العين أعطاها الله تعالى خلقها، جعلها في تجويف عظمي حتى يحميها، جعل لها أهداباً، جفوناً، تطول إلى حد معين وتتوقف، بينما شعر الرأس يطول تحتاج أن تذهب إلى الحلاق، أهداب العين تتوقف، ماء مالح؛ دموع، وهي المعقم للعين، قرنية، قزحية، لون للعين تظهر بشكل جيد، أعطاها خلقها لتؤدي مهمتها (ثُمَّ هَدَى) هداها لتقوم بدورها الذي خلقت من أجله قال: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى).

الأستاذ حسين:
وفي آية ثانية:

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)
[ سورة الأعلى]

الخلق، التسوية، التقدير، الهداية، مترابطات.

الدكتور بلال:
نعم (خَلَقَ) الخلق الأساسي (فَسَوَّى) التسوية أنه أصبح هذا الخلق قادراً على أداء هذه المهمة، التسوية، (قَدَّرَ) تقديره جلّ جلاله، إلى متى يمتد؟ متى الموت؟ متى المفارقة؟

الأستاذ حسين:
الرزق، الموت، كل هذه.

الدكتور بلال:
تستدل على وجود الله من خلال مخلوقاته
أقدار الله عز وجل (ثُمَّ هَدَى) الهداية هنا لها معنيان، هداه إلى ما يحقق غايته في الحياة، الطيور المهاجرة تهاجر آلاف الكيلو مترات، ثم تعود إلى المكان الذي ولدت فيه، سمك السلمون يغادر ثم يعود ليموت في المكان الذي ولد فيه، لو انحرف ميليمتراً عن طريقه في طريق العودة فإنه سيصل إلى بلد آخر، المعنى الثاني، هديناك بما خلق، فأنت كيف تستدل على وجود الله؟ من خلال وجود مخلوقاته.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
{ لبيد بن ربيعة }
فالهداية هنا هداية للإنسان، وهداية لكل مخلوق خلقه الله، هدانا به جلّ جلاله.

الأستاذ حسين:
هدانا إليه، وهدانا به.

الدكتور بلال:
تماماً، هدانا إليه، وهدانا به، هذه الهداية العامة، كل شيء خلقه الله هداه، الإنسان يجوع فيذهب ليأكل هذه هداية الله.

الأستاذ حسين:
وهذا المرتكز الذي يقوم عليه الكون، هو الهداية الذي يؤسس لقوانين الكون والسنن الإلهية، وحركة كل ما هو في هذه الحياة.

الدكتور بلال:
حتى المجرات تسير بهداية الله عز وجل، الجاذبية هي هداية من الله عز وجل.

الأستاذ حسين:
بالهداية ينتظم الكون إذاً.

الدكتور بلال:
ينتظم الكون بتلك الهداية.

الأستاذ حسين:
من دون هداية يصبح هناك خلل.

الدكتور بلال:
فوضى، وخلل كوني عظيم (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ) تشمل من الذرة إلى المجرة (خَلْقَهُ) ما قال خلقاً، أعطاه (خَلْقَهُ) لأن الخلق الذي يناسب الإنسان غير الذي يناسب التفاح (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) الشجرة أعطاها خلقها، فالساق يتجه إلى الأعلى، الجذور تتجه إلى الأسفل، من هداها؟ (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) هذه الهداية العامة أستاذ حسين.

2 ـ هداية الدلالة والإرشاد والبيان:
كلنا هدانا الله عز وجل
لكن هداية الدلالة والإرشاد والبيان هذه التي نطلبها من الله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) كما بدأنا، هذه الله عز وجل هدى بها كل مخلوق مكلف، المكلف فقط، غير المكلف هداية عامة ويسير وفق غرائزه، لكن المكلف هداه، كلنا هدانا الله عز وجل، حتى المنحرف هداه الله، كيف؟ دله على الطريق، أرسل له الرسل، بعث الأنبياء، خلق الكون الذي يدل على وجوده، الفطرة السليمة التي تخبره بأنه لا ينبغي أن تظلم الناس، لو لم يسمع تشريعاً في حياته، لكن فطرته تقول له: لا ينبغي أن تظلم الآخرين، مثلاً، هذه كلها أنواع هداية، هذه كلنا هُدينا بها، المكلفون، كل مكلف هُدي.

الأستاذ حسين:
كل إنسان مكلف مُنح هذا الصنف من الهداية.

الدكتور بلال:
وهو البيان، والدلالة، والإرشاد، والتعريف.

الأستاذ حسين:
ومنهم من أخذ بها، ومنهم من لم يأخذ بها، يقول الله تعالى:

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
[ سورة فصلت]


الدكتور بلال:
وبآية ثانية:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
[ سورة الصف]

هو قال لك جلّ جلاله:

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)
[ سورة الإنسان]

من هنا طريق الحق، من هنا طريق الباطل، الآن قد هدى الله الجميع بذلك:

رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165)
[ سورة النساء]


الأستاذ حسين:
أحدهم يقول: لم تهدنِي، نحن هديناك.

الدكتور بلال:
هديناك بكل شيء، لكن أنت اخترت أن تهتدي أو لا تهتدي، فهذه هداية الدلالة.

الأستاذ حسين:
أي النزع صفة، أو حجة العجز من الإنسان، أنا يا رب عاجز أنت قدرت لي ألا أهتدي، أنت قدرت أني في طريق الشر، هذه ليست صحيحة.

الدكتور بلال:
وهؤلاء يصفهم الله تعالى في القرآن:

سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)
[ سورة الأنعام]

مثل إنسان تقول له: لماذا لا تصلي؟ يقول لك: لو شاء الله لهداني، هداك الله لكن أنت لم تستجب (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) والخرص؛ هو أشد أنواع الكذب، هذا كذب أن يقول الإنسان المنحرف لو شاء الله لهداني، لا، الله تعالى هداك لكنك لم تقبل هدايته.

الأستاذ حسين:

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)
[ سورة التوبة]


3 ـ هداية التوفيق:
الدكتور بلال:
ربنا جلّ جلاله ليس من شأنه، ما معنى (وَمَا كَانَ اللَّهُ) لغةً ولو دخلنا قليلاً لأنها متكررة:

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
[ سورة الأنفال]

في اللغة العربية هناك نفي عادي، أنت إنسان محترم، ولك مكانة كريمة بين الناس، جاء إنسان قال لك: هل أنت جائع؟ تقول له: لا، نقطة انتهى، لو قال لك إنسان لا قدر الله، وأنت في مكانتك العلية: هل أنت سارق؟ لو قلت له: لا وسكت، هذا يوهم أنك قد سرقت يوماً، لا، لكنك تنفعل، وتضطرب، وتقول له: ما كان لي أن أسرق، هذا ليس من شأني، ولا من طبيعتي.

الأستاذ حسين:
نفي بالأصل.

الدكتور بلال:
يسميه البعض: نفي الشأن، ليس من شأني، ولا من طبيعتي، ولا من عادتي، ومعاذ الله أن أشجع على ذلك، أو أدعو إليه، أنا إنسان محترم، ما كان لي أن أفعل.

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)
[ سورة التوبة]

ليس من شأن الإله الذي خلقنا للجنة أن يضلنا، ليس هذا مراده من الخلق، كأن تقول: ما كان للجامعة أن ترسِّب الطلاب، هي أنشئت لينجح الطلاب، أما الطالب عندما لا يدرس فهو يرسب، لو قلت: الجامعة رسبته، كلامك صحيح، رسبته تنفيذاً لقراره، وهو رسب باختياره، وعندما نقول: إن الله أضلّ فلاناً، المقصود أنه أضله بناء على رغبته بالضلال، ويوم نقول: هدى فلاناً، هداه بناء على رغبته في الهداية، فالإنسان يكسب، والله يوفقه، وهذه الهداية الثالثة، هداية التوفيق، قال له: من هنا الحق، ومن هنا الباطل، سلكت الحق وفقك إلى الحق، سلكت الباطل يعالجك، يمنعك، لا يريدك أن تسلكه.

الأستاذ حسين:
ينذرك، يحذرك.

الدكتور بلال:
يبعث لك أحياناً لا قدر الله مرضاً، شيئاً طارئاً من أجل أن يلفتك.

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
[ سورة السجدة]

الهدى الجزائي مبني على هدى اختياري
لكن عندما يصر هذا الإنسان على أنه يريد سلوك طريق الضلال يضله الله، ليتحقق الاختيار، هذا أضله الله على علم، هداه وعلمه لكنه أصر على طريق الضلال فأضله الله، فلا يقع شيء في الكون إلا بإرادته جلّ جلاله، فهو يضل ويهدي، هذا الضلال جزائي، مبني على ضلال اختياري، وذاك الهدى جزائي مبني على هدى اختياري، هذه هداية التوفيق، من يسلك طريق الحق يوفقه الله إليه، ومن يسلك طريق الباطل يعالجه، فإن أبى يتركه في ضلاله لأن الإنسان مخير في المحصلة.

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
[ سورة البقرة]

فلو منعه إذاً لم يعد هناك جنة ولا نار، ألم يمنع الله تعالى الملائكة من الضلال؟

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[ سورة التحريم]

لم يعد هناك تكليف أصلاً، إذ لم يكن هناك مجال لأن أسلك أي الطريقين أريد.

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)
[ سورة الإنسان]


الأستاذ حسين:
العدل الإلهي هنا، ليس من المعقول شخص يقرر أن يضل، وآخر يقرر أن يهتدي، ويحاسبا الحساب نفسه.
الهداية هنا صفتها دائمة يأخذها الإنسان أنها عمل دائم مستمر، الآيات إشارات إلى أن الله سبحانه وتعالى يهدي المتقين، المتقين اتقوا، هل يحتاج المتقي إلى مزيد من الهداية وهو متق؟

الإيمان والهداية عملية تراكمية:
الدكتور بلال:
نعم، باختصار نعم، لكن بالتفصيل؛ الإيمان والهداية عملية تراكمية يبنى عليها كالبناء تماماً.

وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76)
[ سورة مريم]

إذاً ليست الهداية عملية آنية أو لحظية.
ومما يقشعر له البدن لما تقرأ قوله تعالى:

وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
[ سورة النحل]

الهدى ينبغي أن نبنيه يوماً بعد يوم
نسأل الله السلامة، أي الزلل قائم، وكان الإمام أحمد بن حنبل فيما أذكر وهو في سكرات الموت يفيق ويعود إلى ما هو عليه في مرضه، فكان يقول: لا، لا، فلما أفاق قليلاً قيل له: لم كنت تقول: لا؟ قال: كنت أرى كأن الشيطان يقول لي: قد نجوت يا أحمد فكنت أقول له: لا، ما دام فيّ نفس فما زال هناك مداخل للشيطان، ومداخل عظيمة للرحمن طبعاً، لكن مدخل الشيطان موجود، إذاً: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) فالهدى ينبغي أن نبنيه يوماً بعد يوم، كان بعض الصحابة الكرام يقول:

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة }

[أخرجه الإمام أحمد]

جلسة إيمان (تعال نؤمن بربنا) نزيد من إيماننا.

الأستاذ حسين:
والإيمان يزيد وينقص.

الدكتور بلال:

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم }

[أخرجه الحاكم ]

فالهداية عملية تراكمية، والإيمان عملية تراكمية، وليست عملية لحظية أو آنية بمعنى أن الإنسان اهتدى، فيقول: أنا اهتديت وانتهى الأمر، لا.

الأستاذ حسين:
كله ممتاز، قد يفهم من الكلام، ونحن لا نقصد بالتأكيد أن الهداية فعل إيماني قد يدفع بعض المؤمنين إلى الاستكانة، أنني أنا أريد أن أنعزل، وأبعد عن الاختلاط بالبشر، والاشتباك مع الحياة، وكذا، باعتبار أن الله هداني أريد أن أحافظ على هذا الهدي، أو الهدى من الله سبحانه وتعالى، وليس لي شأن بالآخرين، ولا بهذه الدنيا التي أعتزلها، إلى أي مدى يمكن أن نفهم سياق الهداية في الاشتباك مع الحياة، أن نهتدي كلما اشتبكنا مع الحياة أكثر، أو كلما زاد هدانا كلما زادت فعاليتنا في الحياة؟

الاختبار الحقيقي للهداية يكون بمحراب الحياة:
الدكتور بلال:
أحسنت، جزاك الله خيراً، قضية الهداية في المجتمع أكثر من الهداية في محراب الحياة، أهم من الهداية في محراب الصلاة، لأنك بهدايتك في محراب الصلاة يكون نفعك قاصراً، أما في محراب الحياة فيكون نفعك متعدياً.

الأستاذ حسين:
أي الاختبار الحقيقي للهداية بمحراب الحياة، وليس بمحراب الصلاة، لأنك في محراب الصلاة لا تبذل جهداً، وأنت تصلي وتجلس في المسجد، وممكن أن تنام فيه شهر، ولا تبذل.

الدكتور بلال:
لذلك لما خلا داود عليه السلام بربه في محراب الصلاة، وأُعجب بهذه الحالة العظيمة من الانتشاء بالقرب من الله عز وجل، أراد الله أن يعلمه درساً، فتسور عليه المحراب ملكان، وقاما إن صح التعبير بتمثيلية.

إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (23)
[ سورة ص ]

فعلمه الله أن اخرج إلى الناس.

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (25)
[ سورة ص ]

فالخروج إلى الحياة هو الأصل، يقول صلى الله عليه وسلم: " من خالط الناس وصبر على أذاهم خير ممن يخالطهم ولم يصبر على أذاهم ".
الخروج إلى الحياة هو الأصل
ينبغي أن تخرج للناس ويكون نفعك متعدياً، العبادة والهداية مفهوم يصاحب الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته، في متجره، في عيادته، المحامي مع موكليه، المعلم مع طلابه، الأخت الكريمة الفاضلة مع بناتها وأبنائها، مع طالباتها، كل إنسان في محراب الحياة ينبغي أن يكون في عبادة مستمرة، وأن يكون في هداية مستمرة، فلذلك هذا المفهوم الذي فهمه بعض المسلمين للأسف في العصور المتأخرة، من العبادة أنها هي وقوف بين يدي الله خمس مرات في اليوم، وهذا أمر عظيم ومهم جداً لا ننكره طبعاً، وأن يحج إلى بيت الله الحرام، وأن يؤدي زكاة ماله إن ملك النصاب، وأن يصوم شهر رمضان هذه هي العبادات الشعائرية التي هي أساس ديننا.

{ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبْدُهُ ورسولُهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزّكاةِ، وحَجِّ البيت، وصومِ رمضان }

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي]

لكن البناء متكامل، فأساساته خمسة ولكنه أمانة، وصدق، وعفة، ومحبة، والتزام، فأنت إذا أردت الهداية اخرج إلى الناس هناك تجد الهداية، عندما يأتيك قرش من حرام وترفضه هذه الهداية، هذا الامتحان الحقيقي، عندما تعرض لك امرأة ذات منصب وجمال فتقول: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
هذه هي الهداية، عندما تقول: أنا مهتد، وأصلي وفي أدنى لحظة تسقط بالامتحان فأنت لم تعارك الحياة، لذلك لا ينبغي أن نعيش في برجنا العاجي، لما وصف الله تعالى الأنبياء ماذا قال؟

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20)
[ سورة الفرقان ]

النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي في السوق.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ في السوق على صُبْرَةِ طعامٍ، فأَدْخَلَ يده فيها، فنالتْ أَصابعه بَلَلاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: يا رسول الله أَصابته السماء، قال: أَفلا جعلتَه فوقَ الطعام حتى يراهُ الناسُ؟! وقال: مَن غَشَّنا فليس منا }

[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي]

فكان يجول في الأسواق، ويعلم الناس أن الاهتداء إلى الله يكون في معاملتك مع الناس، ألا تغش الناس، فلا بد من أن نعلم الناس في محراب الحياة، لا أقول أهم، أبداً، هما متكاملان، لكن محراب الحياة يتكامل مع محراب الصلاة، فتكون في محراب الصلاة من أجل أن تتلقى التعليمات من الله، وتعود إلى محراب الصلاة من أجل أن تقطف الجائزة، بعد أن تعامل الناس، وتحاورهم، وتبادلهم، وتهتدي إلى الله من خلالهم، تعود إلى المسجد مساء في صلاة العشاء فتأخذ الجائزة من الله بالسكينة في قلبك، فالمسجد من أجل أن تتلقى التعليمات، ومن أجل أن تقبض الجائزة، كالموظف تماماً مندوب المبيعات يأتي صباحاً إلى العمل، يأخذ تعليمات المدير العام، ثم يخرج إلى الحياة، مساء يعود يأخذ الأجر ويغادر.
فأنت أيها المصلي صلاتك أولاً من أجل أن تأخذ التعليمات من الخالق جلّ جلاله ثم تخرج إلى الناس فتعود مساء لتقبض الجائزة سكينة في قلبك.

الأستاذ حسين:
وبالتالي أنت لا تحصل على الهداية، لا تحصل الهداية بمجرد أن تقول: (اهْدِنَا) لا بد أن تنزل، وتعمل، وتختبر نفسك، ثم تدعو الله سبحانه وتعالى أن يهديك.

الدكتور بلال:
كالرزق تماماً، قبل قليل قلنا: أن يحتج ويقول: الله عز وجل ما هداني، نقول له: اجلس في بيتك وقل: الله ما رزقني، لماذا تنزل كل يوم إلى العمل؟ لأنك تقول: الله رزقني بعد أن أنزل إلى العمل.

{ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطاناً }

[أخرجه النسائي وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه]

إذاً تذهب إلى العمل، تتحرك، وبالمفهوم نفسه لما أقول (اهْدِنَا) ينبغي أن أسلك طريق الهداية، أن أعبر عن هذا الدعاء باتخاذ السبب.

الأستاذ حسين:
لماذا (اهْدِنَا) ليست بصيغة المفرد، والمسلم يتوجه إلى الله بصيغة المفرد، لكنه يطلب منه بصيغة الجمع، هل الهداية الفردية هنا والهداية الاجتماعية المجتمعية هداية الفرد وهداية المجتمع لها تراتبية هنا؟

التعاون على الهداية:
الدكتور بلال:
بالتأكيد، هناك عدة نقاط، عندما تقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أولاً ضمير الأنا يكاد يختفي في كتاب الله عز وجل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (19)
[ سورة النساء]

يريد الله منا أن نتعاون على الهداية
ضمير الجمع في القرآن الكريم ظاهر، يريد الله منا أن نتعاون على الهداية، أن يأخذ بعضنا بيد بعض، لا لأن الهداية الفردية لا تحقق ما نريده، معاذ الله، لكن الجماعية تحقق أكثر، عندما نزل الهاتف النقال لم يكن عند الكثير من الناس موجوداً، إذاً أنا أول إنسان اشتريت هاتفاً نقالاً، حصلت عليه بطريقة ما، والناس لا يوجد عندها هواتف، الفائدة محدودة جداً، لكن عندما يكون كل زملائي يملكون هذه الميزة، عندهم واتس أب، نعمل مجموعة، نتواصل، فلذلك قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
[ سورة التوبة]

أي كن مع الناس الصادقين لتقو بهم وهم يقوون بك:

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)
[ سورة الكهف]

يقول تعالى:

وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
[ سورة النور]

لذلك عندما نقول في الصلاة: (اهْدِنَا) أولاً أشعر بهذه الرابطة الاجتماعية التي تربطني بالناس المؤمنين الذين يحملون قضيتي، ثم أجد السلوة لنفسي، وأجد القوة في نفسي يوم أجد معي أناساً آخرين.
سأضرب مثلاً: اليوم أنت عندك لقاء مع شخصية مهمة جداً جداً، ذهبت إليها وحدك، إذا ملكت خياراً أن يذهب معك أخ لك ألا تشعر بالقوة بالدخول على ملك من ملوك الأرض؟ أنك رجل عظيم من رجال الأرض معك شخص آخر يدخل معك؟ الآن أنت بين يدي ملك الملوك جل جلاله تقول: (اهْدِنَا) كأنك تشعر أن هناك من يعينك في هذا الطريق، فلذلك يحاول الإنسان التطبيق العملي لسؤالكم الكريم، التطبيق العملي أنه ينبغي أن تجعل لنفسك حاضنة إيمانية، أنت وحدك تزل قدمك، وأنا وحدي تزل قدمي، لكن عندما نتعاون أنا وأنت نلتقي على الخير، على المعروف، على مساعدة الناس، على الصلاة.

الأستاذ حسين:
هذه الرسالة موجهة للشباب تحديداً.

الدكتور بلال:
تحديداً للشباب بارك الله بك، الشاب اليوم يقول لك: أريد أن أتوب، ولكن.

الأستاذ حسين:
ابحث عن الحاضنة الإيمانية، ابحث عن الأصدقاء الذين يعينونك على هذه الهداية.

الدكتور بلال:
كن مع من هم على شاكلتك، كن معهم فتجد أنهم يقوونك، وتقويهم، لكن لما كل يوم سهرة مع زملاء بعيدين عن قضية التوبة بشكل كامل لن تجد من يعينك على الطريق.

الهدى بيد الله وحده:
الأستاذ حسين:
يوجد خطابان في الهداية في القرآن الكريم ككتاب هداية، لكن الخطابين متوجهان إلى الأنبياء، أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، خطاب:

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
[ سورة القصص]

وخطاب آخر:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
[ سورة الشورى]

أي الهداية هذه ليست ملكاً للأنبياء، ولا لأحد، وأي هداية أخرى من واجب الأنبياء، وبالتالي من واجبنا أن نقوم بها.

الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً، سؤال عميق جداً (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) هذه هداية التوفيق، هذه لا يملكها نبي مرسل، ولا ملك مقرب، الهدى بيد الله وحده فاطلبها منه.

الأستاذ حسين:
التوفيق، وهذا بعد العمل كما قلت، أي أنت تنجز عملك.

الدكتور بلال:
تنظر التوفيق من الله.

حسن الظن بالله:
الأستاذ حسين:
هذا بيد الله، أي يمكن أن تنجز عملك - لا سمح الله - الله لا يوفقك وبالتالي ترسب في الامتحان، مثلاً طالب قدم امتحاناً، ودرس، ودرس، لكنه لم يأتِ بالعلامة التي كان يرغب فيها، نقول له: إن الله سبحانه وتعالى لم يكتب لك الهداية، هداية التوفيق، هل هذا صحيح، أنا أتكلم من فهمي، لكن هل هذا صحيح؟

الدكتور بلال:
يستحيل أن تقرع باب الله وألا يهديك
هو صحيح في كل شيء، كلامك صحيح مئة بالمئة في كل شيء، إلا أن حسن الظن بالله أنه يستحيل أن تقرع بابه وألا يهديك، من حيث الكلام النظري صحيح مئة بالمئة ممكن أن أتخذ كل الأسباب لتحقيق الرزق ثم لا يرزقني الله، لأنه جلّ جلاله حكيم وله حكمة في ذلك الخير فيما اختاره، أبذل كل جهد لشراء بيت ثم لا أملك أن أشتري بيتاً، ما أراد الله لي، أقول: أنا بذلت جهدي، فإن غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل، تبذل ثم إن غلبك أمر تقول: حسبي الله ونعم الوكيل.

الأستاذ حسين:
وقد يفهم من هداية التوفيق أن الله لم يكتب لي ذلك.

الدكتور بلال:
من أصناف الهداية العامة، لكن عندما تطرق بابه من أجل الآخرة، قال تعالى:

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
[ سورة الليل]

ألزم نفسه أن يهديك، مع أن لا شيء يلزمه، ما معنى (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)؟

وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)
[ سورة الأنعام]

أنه جل جلاله لا شيء يلزمه، لكن هو قال لك: ألزمت ذاتي بأن من يطلب الهدى أهديه، لأن هذه قضية متعلقة بسعادة الأبد، فلا يمكن أن تطرق بابه ثم لا يوفقك.

الأستاذ حسين:
ولا يمكن أن تصدق النية في طلب الهداية إلا ويوفقك الله إليها.

الدكتور بلال:
بارك الله بك، بالضبط مئة بالمئة، في قضية الهداية تحديداً، في الدنيا قد تطلب شيئاً ولا يوفقك إليه، لأنه جل جلاله كما ورد في بعض الآثار:
" إن من عبادي لا يصلح له إلا الفقر، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى - إذا لم يملك المال يطغى - فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه ".

الأستاذ حسين:
حكمة الله، لا نعرف هذا العلم ليس بمقدور.

الدكتور بلال:
هذا غيب، وأنا أؤمن بالغيب، أما قضية الهداية تحديداً فظننا بالله، وكما قال: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) أنه لا يمكن أن تطرق بابه بصدق إلا ويفتح لك الطريق للهداية.

الأستاذ حسين:
والله يخاطب النبي أيضاً، يقول:

إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)
[ سورة النحل]


هداية التوفيق بيد الله تعالى:
الدكتور بلال:
النبي صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين.

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
[ سورة الأنبياء]

في آيات كثيرة يخفف الله عنه:

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)
[ سورة الكهف]

باخع؛ أي مهلك.

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
[ سورة فاطر]

هو يريد أن يدخل الجميع إلى الجنة، قال لفرعون:

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
[ سورة يس]

فهذه الآيات: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) تبين للنبي صلى الله عليه وسلم ما استثناه قبل قليل أن هداية التوفيق بيد الله تعالى، فما داموا لم يطلبوا الهداية فلن يهتدوا، فدعك منهم.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
[ سورة البقرة]

لماذا؟ ختم حكمي، لأنهم رفضوا الهداية فلم يهتدوا.

الأستاذ حسين:
المفردات في القرآن الكريم، الهداية تقابلها الضلال.

الدكتور بلال:
الضلال، يهدي ويضل.

الأستاذ حسين:
وبالتالي فعل الضلال، في الآية هذه (لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) أن الله أضلهم، كتب عليهم الضلال، لأنهم يستحقون.

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
[ سورة فصلت]

(فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) فأضلهم الله، فالآية أيضاً التي تفضلت بها: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يخاطب نبيه (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) بمعنى إنك لتدل الناس إلى الطريق المستقيم لكن لا تملك، لأنك:

لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)
[ سورة الغاشية ]

فلا تملك أن تمسكه وتضعه في طريق الهداية، تملك أن تقول له: من هنا الهداية هو يتخذ قراره، والله يوفقه إلى ما اتخذ من قراره.

الأستاذ حسين:
يوجد مفارقة هنا في التركيب اللغوي، عندما قال: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي) قلنا إن هذه هداية التوفيق، وفي الآية الثاني: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) لم يقل وإنك تهدي، هل يوجد لطيفة لغوية هنا؟

الآية التالية تبين أهمية دور النبي في الهداية:
الدكتور بلال:
نعم، هذه اللام (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) تسمى اللام المزحلقة، هي في الأصل لام الابتداء لما جاءت إنّ زحلقتها، وضعت لها قشرة موز فتزحلقت من المبتدأ إلى الخبر، وفائدتها التوكيد، يقول له: يا محمد (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي).

الأستاذ حسين:
يؤكد أن هذا الدور يقوم فيه.

الدكتور بلال:
أنت تقوم بهذا الدور مئة بالمئة، أنت لا تقصر به، لكن هم يرفضون (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فيؤكد على أهمية دوره في الهداية، فهو الهادي جلّ جلاله، ونبيه الهادي.

الأستاذ حسين:
من حق من يستمع أن يسأل: كيف أهتدي؟ في القرآن الكريم في سورة البقرة في الآية الثانية:

الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
[ سورة البقرة]

وكأنه يقول لنا: إن مصدر الهداية أو دليل الهداية القرآن الكريم.

القرآن الكريم كتاب هداية:
الدكتور بلال:
القرآن كتاب هداية.

الأستاذ حسين:
ماذا يعني ذلك؟ كتاب هداية كيف؟ أي وظيفة القرآن، أو وظيفة الدين، بالتالي القرآن يعتبر المصدر الأساسي، هل وظيفة الدين ووظيفة القرآن الهداية، ما معنى هذا؟

الدكتور بلال:
القرآن الكريم يبين لك ما يسعدك وما يشقيك
مئة بالمئة، بمعنى أن هذا القرآن الكريم يبين لك ما يسعدك، وما يشقيك، يبين لك أن كل إنسان - أخي أستاذ حسين بارك الله بك - في الأرض كلها يحرص على سلامته وسعادته، من منا لا يحرص على سلامته وسعادته؟ سلامته ألا يمرض مثلاً، سعادته أن يملك بيتاً جميلاً، وامرأة صالحة، وأولاداً أبراراً.

الأستاذ حسين:
وصحة جيدة، وراحة بال.

الدكتور بلال:
أي يتحاشى ما يضر بسلامته، ويسعى إلى ما يحقق سعادته، القرآن الكريم يبين لك طريق السلامة والسعادة.

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
[ سورة طه ]

مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
[ سورة النحل]

فالقرآن الكريم عندما تقرؤه تجد فيه ما يهديك إلى ما خُلقت من أجله وهو الجنة، قال تعالى:

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
[ سورة هود]

فهو خلقك ليرحمك، وأعطاك التعليمات، هذه التعليمات هي تعليمات الصانع الخالق:

وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
[ سورة فاطر]

يوم تملك جهاز آيفون، أو جهاز هاتف محمول، ويصاب بعطب، ولك جار بقال تحبه كثيراً، تشتري حاجاتك من عنده، ويسلم عليك كل صباح، هل تذهب بالجوال إليه وتقول له: أصلحه؟

الأستاذ حسين:
هذا ممكن أن يفتح علينا سؤالاً، يقول لك: أنا كإنسان قد يكون عقلي أو حواسي مصدراً لهدايتي، أنا أفكر بعقلي، أفكر بحواسي، فأهتدي.

الهداية تكون بالفطرة والدين والعقل:
الدكتور بلال:
الله تعالى وهبنا فطرةً تدلنا على الحق مئة بالمئة، قال تعالى:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
[ سورة الروم]

فما هداك إليه بالدين قد هداك إليه بالفطرة، فالفطرة السليمة ترفض الكذب، والشرع يرفض الكذب، ثم هداك بالعقل، فالعقل الصريح يندفع إلى ما يرضي الله، والعقل الصريح يترك ما يغضب الله، لكن الفطرة تشوه أحياناً، فيقول لك أحدهم: والله أنا ظلمت ونمت مرتاحاً، هذه الفطرة طُمست أو شُوهت، جزئياً أو كلياً.

الأستاذ حسين:
واليوم نحن نتكلم قبل عشرين سنة كانت تقاليد الناس وعاداتهم مختلفة عن اليوم بمعنى أن الفطرة اختلفت.

الدكتور بلال:
الآن العقل قد يكون صريحاً لكن قد يصبح تبريرياً، أي أنا قد أبرر بعقلي لأفعل المعصية، أقول لك: ما المشكلة في إقامة علاقة ربوية؟ بالعكس اليوم العصر يقتضي ذلك، إذاً يأتي الوحي ليصحح فساد الفطرة أحياناً، وتوهان العقل أحياناً، وتبرير العقل أحياناً.

الأستاذ حسين:
هذا السؤال الذي أريد أن أصل له، ما دمنا نحن مشينا بهذه الدرجات، كيف يمكن أن نحافظ على هذا المصدر الذي هو الوحي، والذي هو القرآن الكريم، ضمن مفهومات مختلفة، وبالتالي نحافظ على هذه الوظيفة وظيفة الهداية أن تبقى مفهومة في سياقات تساعد الإنسان على تحقيق التكليف الذي خلق من أجله، والذي قلته سواء كانت عمارة الكون أو السعادة، أو، أو، كيف؟

العقل ليس مدخلاً تشريعياً بل الكتاب والسنة هما المدخلان التشريعيان فقط:
الدكتور بلال:
جزاك الله خيراً، أسئلة مهمة وعميقة جداً، أولاً: أن نفهم الكتاب الكريم في ضوء السنة، وفي ضوء فهم السلف الصالح من خير القرون، وفي ضوء اللغة العربية، أي ألا نجعل هناك مفهوماً للقرآن خارجاً عما تقتضيه اللغة من جهة، وما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة من جهة، وما تقتضيه القواعد الأصولية من جهة ثالثة، هذه أولاً.
العقل ليس مدخلاً تشريعياً
ثانياً؛ ألا نجعل العقل input، العقل ليس مدخلاً تشريعياً، أنا لا أدخل العقل لأعالج وأصدر أحكاماً ، أدخل الشرع، والعقل هو processes؛ عمليات، المشكلة الكبرى اليوم في المفهوم الخاطئ لكتاب الهداية الأول الذي لم نعهده سابقاً، ما كنا نسمع في عصور السلف السابقة يوم كان الإسلام في أوجه قوته، ويطبق بكل أحكامه، ما كنا نسمع من يعترض على أحكام الله، أو يقول: أريد أن أؤول الآية، أو ألوي عنق النص ليناسب العصر، ما كنا نسمع ذلك، لأن العقل كان عمليات وفهماً للنص، الآن قد تختلف مفهوماتنا أحياناً لكن من الاختلاف يكون بسيطاً جداً لأنه في ضوء قواعد، لكن عندما يصبح العقل input، مدخلات، فكل إنسان يقول: قال عقلي لي ذلك، أنا قال لي عقلي: الربا ليس حراماً، والثاني قال له: الزنا ليس حراماً، علاقة بالتراضي، يشرع الزنا في بعض الدول البعيدة عن منهج الله بالتراضي ثم ينزلون بالسنة للثامنة عشرة، وللخامسة عشرة إذا كان برضاها مسموح، إذاً ماذا يفعل العقل المجرد؟ يفعل أنه يشرع للناس، أصبح بديلاً عن الشرع، لكن عندما أجعل المدخل الوحيد هو كتاب الله تعالى، وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أجعل العقل يقوم بعملية الفهم فقط، العقل بمعنى المصدر، أن يعقل، أن يفهم، فتخرج المخرجات صحيحة، لا أقول وأدعي أنه استخرج مخرجات ليس فيها خلاف أبداً، أو اختلاف ضمن الحدود المقبولة، والتي كأنني أقول أراد الشارع أن يوسع بها على عباده، أما اليوم فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تشرع للناس.

الأستاذ حسين:
البعض وفي هذا السياق كم ندعو الله؟ قلت: سبع عشرة مرة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وأضيف عليها النوافل، وغير النوافل، والدعاء الذي نكرره لماذا لم يهدنا الله؟ أو في الأغلب نحن نرى اليوم أحوال الإنسان المسلم، عندما يرى أحوالنا، هذا الضنك، وهذا الخوف، وهذه الصراعات والحروب، مع هذا الدعاء من حقنا أن نسأل، لمَ لم يهدنا الله؟ ما هي موانع انعدام الهدى؟ متى تمتنع الهداية؟

موانع انعدام الهدى:
الدكتور بلال:
معوقات الهداية ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم لخصها في ثلاث آيات قال:

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
[ سورة المائدة]

وفي آية:

سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)
[ سورة المنافقون]

وفي آية:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
[ سورة الأحقاف]


الأستاذ حسين:
بالمناسبة سورة البقرة ركزت على موضوع الهداية.

تركيز سورة البقرة على موضوع الهداية:
الدكتور بلال:
هو موضوع سورة البقرة.

الأستاذ حسين:
موضوع سورة البقرة، ثلاثون مرة تكرر موضوع الهداية في سورة البقرة.

الدكتور بلال:
سورة البقرة موضوعها الرئيس هو الهداية، وكل المشاهد التي فيها حتى المشاهد القصصية أعادتك إلى المفهوم الرئيس وهو الهداية، 48 صفحة، 286 آية في الهداية، منهج في الهداية.

الأستاذ حسين:
إذاً البقرة في الهداية.

الدكتور بلال:
الإنسان الذي كفر غطى عينه
عندما يقول: (لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، (الْكَافِرِينَ)، (الْفَاسِقِينَ)، لكن هذا واضح، أي الإنسان الذي كفر غطى عينه، لا يريد أن يهتدي، الكفر هو الغطاء، الكفر؛ كفر الموبايل، لا يريد هذا، والظالم هو الذي ظلم نفسه، أو ظلم الناس فأعرض عن طريق الهداية، والفاسق هو المنحرف الذي خرج عن الطريق، الطريق من هنا، هو يريد أن يخرج عنه، فسقت الرطب عن القشرة، أي انفصلت، فهو فسق عن الطريق؛ خرج عنه، فهؤلاء ذكرهم الله في كتابه.

طلب العلم واجب لمعرفة الله عز وجل:
لكن أريد أن أعقب على شيء ربما لا ينتبه إليه، سؤالك: اليوم حياتنا المادية سيطرت عليها التكنولوجيا بشكل أو بآخر.
"إذا رأيت هوىً متبعاً، وشحاً مطاعاً ".
الناس تسعى وراء المال، وراء أحدث هاتف، وراء أحدث شاشة، هوى النفس اليوم للأسف أصبح يوجد معوقات كثيرة للهداية، فأنا عندما أقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ولا أقدم أي سبب للهداية للأسف أقول: كيف يهديني الله؟

كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)
[ سورة آل عمران]

كيف يهديه؟ هو سدّ المنافذ، سدّ سمعه عن سماع الحق، إذا لم أفرغ وقتي ساعة في الأسبوع لطلب العلم، وأقول: (اهْدِنَا) لماذا لا تتعلم؟ ساعة لسماع ندوة مباركة كهذه الندوة مثلاً، أو لدخول مسجد وسماع درس علم، طبعاً اليوتيوب اليوم وما أكثر الدروس، إذا لم أفرغ من وقتي وقتاً لمعرفة الله كيف أطلب شيئاً ولم أقدم أسبابه.

الأستاذ حسين:
إذاً الهداية ليست وجبة تطلب بكبسة زر، ديليفري.

الدكتور بلال:
لذلك من أدب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل الله:

{ عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن كانت له إِلى الله حاجة، أو إِلى أحد من بني آدمَ فليَتوضَّأُ ولْيُحْسِنِ الوضوءَ، ثم ليصلِّ ركعتين، ثم لِيُثْنِ على الله، ولْيُصلِّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إِله إِلا الله الحليمُ الكريمُ، سبحان الله ربِّ العرشِ العظيم: الحمدُ لله رب العالمين، أسألكَ موجباتِ رحمتكَ، وعزائمَ مغفرتك، والغنيمةَ من كلِّ بِرّ، والسلامةَ من كل إِثم، لا تدعْ لي ذنباً إِلا غفرتَهُ، ولا همّا إِلا فَرَّجْتَه، ولا حاجة هي لكَ رِضى إِلا قضيتَها يا أرحم الراحمين }

[أخرجه الترمذي ]

لا يقول له فقط: ارحمني، يجب أن أقدم الموجبات، قال له: أريد مرافقتك في الجنة؟ قال له: أعني على نفسك بكثرة السجود، ساعدني حتى تكون معي، أنت قدم شيئاً من قبلك.

الأستاذ حسين:
والهداية ليست بالتمنيات، وليست بالدعاء.

الهداية ليست بالتمنيات ولا بالدعاء:
الدكتور بلال:

لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (123)
[ سورة النساء]

دعاء الهداية هو نوع من أنواع الأدعية
الدعاء؛ قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً؟ ماذا تفعل يا صاحب هذا الجمل الأجرب؟ قال له: أدعو الله أن يشفيه، قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً؟ ودعاء الهداية هو نوع من أنواع الأدعية، فكيف تريد؟

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
[ سورة غافر]

لكن قال في آية أخرى:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
[ سورة البقرة]

فأنت استجب له حتى يستجيب لك.

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[ سورة محمد]

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
[ سورة البقرة]

(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) إذاً أنت قدمت موجبات الهداية ليهديك الله.
والله كما تفضلت في بداية الحديث أستاذ حسين، قلت: تبدو القضية على الورق معقدة، لكن نحن نقول للأخوة المتابعين الكرام: ضع قدمك على أول الطريق ستجد نفسك وكأنك بأسلس طريق.

الأستاذ حسين:
اليوم يسألك شاب معنا، من أين أبدأ؟ أنا أريد أن أهتدي، شباب كثيرون اليوم مقبلون على التدين، مقبلون على الهداية، يبحثون عن الله سبحانه وتعالى، سألنا اليوم شاب سؤالاً: دلني على موطئ قدم للهداية لأضع عليه قدمي، ماذا تقول له؟

سبل الهداية:
الدكتور بلال:
لا بد من بيئة إيمانية
أقول له: غير البيئة، انتقل إلى بيئة إيمانية، توقف قليلاً عن الجوال الذي بيدك وأصبح يبث وحده مما ينبغي النظر إليه أو لا ينبغي، مما ينبغي سماعه أو لا ينبغي، مما ينبغي أن يسرب الشبهات إلى العقول والشهوات إلى النفوس أو لا ينبغي، حتى يبدأ الاتصال مع الله، اقطع الاتصال قليلاً، لا أقول مع المخلوق، لا، قلنا: ينبغي أن تكون في محراب الحياة لكن للحظة معينة اترك الملهيات، الصوارف، العقبات، واتجه إلى بيئة إيمانية، ادخل المسجد صلِّ صلاة الفجر في المسجد، وانظر كيف تجد نهارك تغير بشكل كامل، اصحب أخاً مؤمنا بالله عز وجل، داوم على سماع كل يوم نصف ساعة لشيخ رباني، اسمع القرآن يا أخي! اسمع القرآن الكريم بصوت تحبه، ثم انتقل لدرس علم من شيخ رباني يعلمك دينك.

الأستاذ حسين:
ترطيب للنفس، أي تبدأ الهداية بإزاحة التصحر الذي أنت وصفته بالماديات الانشغال بالماديات، النفس بحاجة إلى مُناخات لطيفة ترطبها.

الدكتور بلال:
قسوة القلب، كما قلت: ترطيب، يقسو القلب.

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
[ سورة البقرة]

فقسوة القلب تحتاج إلى ما يرطبها، المرطبات؛ اجعل لنفسك ورداً يومياً، ذكراً يومياً، نصف ساعة للقرآن الكريم، نحن نغلق القرآن في ثلاثين رمضان، ونفتحه في واحد رمضان السنة التي بعدها، ويعلوه الغبار، نحن الآن يفصلنا عن رمضان ثلاثة أشهر سبحان الدائم، لماذا نكون في رمضان أسعد الناس؟ لأننا مع الخالق.

الأستاذ حسين:
لأننا نتصل مع الله دائماً.

الدكتور بلال:
مشغولون بما خلقنا له، أنا لا أقول لك: كرمضان خارج رمضان، على الأقل خذ من رمضان عشرة بالمئة.

الأستاذ حسين:
واتصل مع البشر بالعطاء أيضاً، بالخير يهديك الله.

الدكتور بلال:
بالعطاء، بالخير، لا تتوقف عن لقائك مع البشر يهديك الله إن شاء الله.

خاتمة وتوديع:
الأستاذ حسين:
نسأل الله أن يهدينا جميعاً إليه أولاً، وإلى الصواب ثانياً.
انتهى وقت هذه الحلقة، في نهايتها اسمحوا لي أن أشكر ضيفي العزيز، فعلاً اليوم أنا سعيد بضيفي الدكتور بلال نور الدين، وبما قدمه لنا من دعوات صادقة فتحت قلوبنا للاتصال مع الله للهداية.
والحمد لله رب العالمين