مفهوم الدعوة إلى الله

  • برنامج تأملات دعوية - قناة اليرموك - الحلقة : 01
  • 2023-03-27

مفهوم الدعوة إلى الله


الدكتور: بلال نور الدين:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها الإخوة الأكارم، أيها الأخوات الكريمات أينما كنتم جميعاً، أسعد الله أوقاتكم بكل خير، في مُستَهلّ برنامجنا: "تأملات دعوية" ضيفنا في هذا البرنامج غني عن التعريف، هو فضيلة شيخنا المربي الدكتور: محمد راتب النابلسي وكيف لا يكون لبرنامجنا هذا طعمٌ مميَّز، وتأمّلات دعوية عميقة، ونحن نحاور رجلاً فاضلاً، أمضى أكثر من خمسين عاماً في الدعوة إلى الله تعالى، يدعو على بصيرة إلى الله. السلام عليكم ورحمة الله سيدي.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الدكتور: بلال نور الدين:
بارك الله بكم سيدي، عندما نتكلم عن الدعوة إلى الله تعالى، وأنتم أهل مكة، وأهل مكة أدرى بشعابها، وقد أمضيتم هذه الأعوام الطويلة في الدعوة إلى الله، أسأل الله أن يبارك في علمكم، وحالكم، ومقالكم، فإننا نستشفّ منكم بعض هذه الخبرات الدعوية في تلك المسيرة الحافلة بالخير والعطاء.

حكم الدعوة إلى الله:
لو بدأتم معكم سيدي في مفهوم الدعوة إلى الله، نحن عندما نتحدث عن الدعوة، كل أمر في القرآن، أو في السنة نصنّفه بين واجب، أو سنة، أو مندوب، والدعوة إلى الله أُمِرنا بها في القرآن الكريم بقوله تعالى:

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
(سورة النحل)

فنحن مأمورون بالدعوة، فما حكم الدعوة إلى الله؟ هل هي شيء مندوب مسنون، أم هي شيء واجب مفروض على كل مؤمن؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، الحقيقة الدقيقة أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل -مسلم، ولكن في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، يعني إنسان حضر خطبة جمعة، تأثّر بقصةٍ رواها خطيب، نقلها لزوجته، هذه دعوة إلى الله، نقلها لأولاده، لأصدقائه في لقاء، فالدعوة إلى الله كفرض عين كالصلاة، أنا لمَ أصلي؟ الجواب البديهي: الصلاة فرض، وهذه الدعوة في حدود ما تعلم، ومع مَن تعرف فرض عين على كل مسلم:

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
(سورة فصلت)

يعني دعا إلى الله بأساليب متعددة، بخطابه، بلقائه، بأمسيته، بعمله، دعا إلى الله؛ إما بنصٍّ، أو برأي، أو بأدلة معينة، لأنه ليس على وجه الأرض -فيما أعلم- إنسان أقرب إلى الله تعالى ﴿مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

لا تؤثر الدعوة إلا إذا رافقها تطبيق:
ولكن هناك معلومة دقيقة جداً: هذه الدعوة إذا علم الله منك تطبيقاً لِمَا تقول، وإخلاصاً فيما تقول كتب لك القَبول، يعني ليس على وجه الأرض إنسان بنص القرآن الكريم أفضل ممن دعا إلى الله، دعا إلى الله بأساليب متنوعة، بخطاب، بلقاء، بأمسية، بنزهة، بسؤال وجواب، مع أولاده، مع زوجته، مع موظفيه في عمله التجاري مثلاً، دعا إلى الله، لكن هذه الدعوة لا تؤثّر إلا إذا رافقها تطبيقٌ لهذه الدعوة، أنا أنتفع من المحامي، أنتفع من علمه فقط، أنتفع من طبيب، أنتفع من محامٍ، أو من طبيب، أمّا لا أنتفع من الداعية إلا إذا تيقّنت أنه يفعل ما يقول.
الحقيقة التقيت مع أحد العلماء الكبار في مصر "الشعراوي" لقاءين أو ثلاثة، سألته في آخر لقاء: ما النصيحة إلى الدعاة؟ وكان بذهني أن يتكلم ساعة؛ لأنه من الدعاة الكبار، فقال لي: "ليحذر الداعية أن يراه المدعوّ على خلاف ما يدعوه".

لا يوجد عمل أفضل من الدعوة إلى الله:
ما قبل أن نعبده إكراها
إذاً الدعوة إلى الله لا يوجد عمل بنص القرآن الكريم أفضل ممن دعا إلى الله، الجائع أطعمته، ثم جاع مرة ثانية، الذي يحتاج إلى ثياب قدمتها له، ثم يحتاج إلى ثياب أخرى، لذلك الله -عز وجل- خلقنا؛ حياتنا بيده، والموت بيده، والصحة بيده، والمرض بيده، والقوة بيده، والضعف بيده، ومع كل كل كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراها، فقال:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
(سورة البقرة )

أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
(سورة المائدة)

إذاً دعا إلى الله كفرض عين على كل مسلم في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، إنسان يسهر سهرة مع عالم جليل، يسمع خطبة من خطيب متفوق، يعني وسائل القَبول كثيرة جداً، البطولة أن تكون هذه الوسائل في خدمة الهدف.

الدكتور: بلال نور الدين:
هذه الدعوة فرض عين، ولعل قوله صلى الله عليه وسلم:

{ بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً. }

(أخرجه البخاري)

يغطّي هذا الفرض، هل هناك فرض كفاية؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
فرض الكفاية تحتاج إلى تبحُّر، وتعمُّق، وتفرُّغ، وتثبُّت، أربع كلمات إلى تبحّر، هكذا، وإلى تعمُّق، وإلى تفرُّغ، وإلى تثبُّت من النصوص، هذه الدعوة إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.

الدكتور: بلال نور الدين:
هذه مهمة العلماء.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
على الداعية أن يفعل ما يقول
طبعاً، هذه للعلماء، هذه الدعوة إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، احترافية، يوجد معلومات دقيقة، يوجد وسائل مقنعة، يوجد أسلوب أدبي، يوجد طلاقة لسان، يوجد أمثلة، يوجد قصص، فلذلك الدعوة إلى الله، ما من إنسان في النصوص أفضل عند الله ممن دعا إلى الله، أما هذه الدعوة إن رافقها تطبيق دقيق جداً لمضامين هذه الدعوة، أثّر بالناس، مرة ثانية ممكن أن أنتفع من طبيب ولا تعنيني استقامته، أنتفع من محامٍ، من مهندس، إلا أن الداعية لا يُنتفَع منه إلا إذا تيقّن المدعوّ أنه يفعل ما يقول.

الدكتور: بلال نور الدين:
هذه المصداقية، جزاكم الله خيراً، سيدي هذه القاعدة العظيمة أكررها للإخوة المشاهدين: "إذا علم الله منك...

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
... تطبيقاً لما تقول، وإخلاصاً فيما تقول، كتب الله لك القَبول.

الدكتور: بلال نور الدين:
بارك الله بكم، وأنتم سيدي قد كتب الله لكم القَبول عند الناس، وأسأل الله أن يكون قبولاً عند الله.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
إن شاء الله.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي نعود إلى الآية الكريمة: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ ما هي الحكمة في الدعوة إلى الله؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

الحكمة أكبر عطاء إلهي، وهي تُؤتَى لا تُؤخَذ:
الحقيقة أكاد أقول: الحكمة أكبر عطاء إلهي، الحكمة لا تُؤخَذ إلا أنها تُؤتَى:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
(سورة البقرة)

أهمية تطابُق الأقوال مع الأفعال
مهما كنت ذكياً أو قوياً إلا أنها تُؤتَى ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾ مهما كنت ذكياً، أو قوياً، أو متبحّراً من أجل أن تؤثّر بالناس يجب أن يتيقّن الناس أنك تفعل ما تقول، هذا شيء عظيم جداً، والحقيقة أنت بهذه الطريقة تبني أمة، تبني علماء، تبني دعاة إلى الله -عز وجل-، الحقيقة أن أعظم شيء هو الدعوة إلى الله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ الحقيقة هناك ملامح دقيقة قال:﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ تطابُق الأقوال مع الأفعال ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ما توهّم نفسه أنه الأوحد، لو قال أنه الأوحد يكون معه مرض التوحد.

الدكتور: بلال نور الدين:
هناك دعاة غيره.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
من المسلمين، والله -عز وجل- غَيور على عباده، بكل مكان يوجد داعية صادق، ابحث عنه، والإنسان إذا طلب الحقيقة يسّر الله له الوصول إليها، هذا التوفيق الإلهي:

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)
(سورة هود)


الدكتور: بلال نور الدين:
﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ هل يمكن أيضاً كمعنى إضافي أن نفهم أنه ينسب هذه الكمالات إلى الإسلام، وليس إلى ثقافته مثلاً، أو إلى معطيات عصره، وإنما يقول أنا من المسلمين معتزّاً بدعوته إلى الله؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحقيقة "من" للتبعيض ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ يعني الدعاة إلى الله ينبغي أن يكونوا على كثرة عالية، إنقاذ إنسان من الضياع، من الشك، من التفلُّت، من الانحراف، فأنت حينما تدعو إلى الله هيّأت جيلاً صاعداً كان معلماً:

{ وإنما بُعِثْتُ مُعَلِّمًا }

(الألباني وهو ضعيف)

{ إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ. }

(رواه البخاري)

فنحن نعيش بهدف كبير، وكل إنسان ليس أمامه هدف واضح إنسان يأتي على هامش الحياة.

الدكتور: بلال نور الدين:
﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ تحدثتم عن الحكمة، وكيف أنها عطاء رباني، ومنحة.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحكمة أكبر عطاء إلهي
الحكمة تجعل العدو صديقاً، والقليل كثيراً، وينجح الحكيم بزواجه، وبحرفته، حدّث ولا حرج، الحكمة أكبر عطاء إلهي، لا تؤخَذ ولا تكون، بل تُؤتَى من الله، أكبر مكافأة من الله أن يُؤتَى الحكمة، يسعد بزواجه، يحسن اختيار عمله، يحسن التعامل مع من حوله، هذه الحكمة آفاقها واسعة جداً، الله عطاؤه كبير، والإنسان داعية إلى الله يعني أقرب إنسان إلى الله؛ لأنه في خدمة عباده.

الدكتور: بلال نور الدين:
إذاً سيدي ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ ما وصفها؛ لأنها حكمة لا تُوصَف.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحكمة تجعل العدو صديقاً، والقليل كثيراً، والحكمة تجعل أي زواج ناجحاً.

الدكتور: بلال نور الدين:
ثم قال ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ هل هناك موعظة سيئة، هل ممكن أن يدعو داعٍ إلى الله بوعظٍ سيئٍ ينفّر الناس؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الدعوة إلى الله تحتاج إلى صدر واسع
إذا كان قاسياً، إذا كان سريع الحكم على الآخر، الدعوة إلى الله تحتاج إلى صدر واسع، إلى حِلم، إلى كمال، إلى غَيرةٍ على الإنسان، الدعوة إلى الله لا أُقنِع الناس بهذا الدين العظيم إلا إذا كنت مُطبّقاً له، الإنسان قد ينتفع من طبيب، ولا يهمه إن صلى قيام الليل أم لا، ينتفع من محامٍ، من مهندس، أما المؤمن الداعية لا أحد يقدر أن يتلقّى هذه الدعوة بقَبول حسن، أو بتأثُّر بالغ، أو بالمكافأة بالمِثل لمن قدّم هذه الأشياء إليه إلا من عرف الله -عز وجل-.
ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي، هل من الموعظة السيئة ما يقوم به بعض الدعاة -نسأل الله لهم الهداية- من أنهم لا يوازنون بين الجنة والنار، بين الرّغَب والرهَب، بين الخوف والطمع، فيبنون دعوتهم على النار دائماً، ينفّرون الناس.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
إذا كان خالق الأكوان حبّب عباده بالإيجابيات، وحذّرهم من السلبيات، لمَ أنا أكتفي بالتحذيرات؟ يوجد توازن ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ هذا التوازن بالدعوة يقنع الناس، أنا لا أقتنع بكلام صاحبه لا يطبّقه، معناها ذلك ليس واثقاً منه، أما تطبيق المنهج هو أكبر قوة للداعية.

الدكتور: بلال نور الدين:
ثم قال تعالى:

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
(سورة النحل)

الجدال، الموعظة حسنة، أما الجدال؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

الفرق بين الجدال والحوار:
جزاك الله خيراً على هذا السؤال، الجدال الأصل فيه الانتصار، اعتزاز بالذات، أما الحوار الأصل به الحقيقة، الحوار شيء جيد جداً، الهدف من الحوار الحقيقة، فإن كانت مع من يحاورني أنا أقول له أنت على حق، أما الجدال الأصل فيه الإنسان، لأن الجدال غير مرغوب به، أما الحوار مرغوب به.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي لأن الذي يلفت النظر للآية ﴿بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ يعني بذلك أمرهم أن يُحسِن إلى مَن يجادله.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
لأن الجدال فيه قضية شخصية، الجدال فيه أَثَرَة لا مؤاثرة، بينما الحوار فيه مؤاثَرة، بينما الجدال فيه أثَرة.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي لكم مصطلح سمعته منكم قبل البث: التدخل الإيجابي في السوق في الدعوة إلى الله، هو طبعاً مصطلح في وزارة التموين، يتدخلون إيجابياً.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
والله لها قصة رائعة.

الدكتور: بلال نور الدين:
تفضل سيدي:

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
البطولة أن تكون مقبولاً عند من يستمع
أنا كان عندي موعد مع طبيب الأسنان، وكان عمله قبل ربع ساعة من موعدي، ولو ذهبت إلى البيت أحتاج إلى ربع ساعة، فأنا لأول مرة دخلت إلى عيادته لأنتظر دوري، يوجد كتب على الطاولة، فأخذت كتاباً لا على التعيين، فلفت نظري أنه من وزارة التموين، ولا علاقة لها بالدين إطلاقاً، لكن قرأت عنواناً بمقالة تأثرت فيها "التدخل الإيجابي في السوق" فأنت يا وزير التموين مهمتك ليس تسطير الغرامات، وإغلاق المحلات، أن تقدم بضاعة جيدة جداً، بسعر معتدل، وأطيب معاملة، فانتبهت أن هذا منهج إلى الدعاة إلى الله، فأنت لست مكلفاً بأن تكفّر وتعزل، وتمدح، وتذم، لا، أنت قدّم هذا الدين بشكل واضح لطيف، فيه رحمة، فيه وسطية، لا يوجد فيه تطرّف، الدين بهذا الشكل يصبح مقبولاً.
لذلك عندما يعلم المستمِع أنك تطبّق ما تقول أنت عندئذ مقبول عنده، والبطولة أن تكون مقبولاً عند من يستمع.

الدكتور: بلال نور الدين:
إذاً التدخل الإيجابي في السوق بمعنى "نحن دعاة ولسنا قضاة".

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

التعاون فضيلة:
التعاون حضارة وقوة وتألق
نعم، نحن المُكلَّف أن نقدّم هذا الدين بأسلوب واضح، بأدلة واضحة، من دون استعلاء، من دون إشعار من حولك أنه دونك، هذا التعاون، والتعاون فضيلة، والتعاون شيء يؤكد صدق الإنسان بالتعاون، والتعاون حضارة، والتعاون قوة، والتعاون تألّق، مع الأسف الشديد مُضطّر أن أقول مع الأسف، الآخر يتعاونون تعاوناً مذهلاً، وبينهم 5% قواسم مشتركة، وأهل الحق لا يتعاونون أحياناً بل يتنافسون، ومع الأسف الشديد الشديد يتقاتلون، وبينهم 95% قواسم مشتركة، فالبطولة أن نتعاون، التعاون حضارة، التعاون قوة، التعاون تألق.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي، هناك مصطلح سمعته منكم قبل ربما عشرين سنة في دمشق على منبر جامع النابلسي، تحدثتم عن الدعوة الصامتة، هل هناك دعوة من غير أن يتكلم الإنسان؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

الدعوة الصامتة:
طبعاً، العمل المُتقَن دعوة صامتة، النصيحة التي فيها وُدّ دعوة صامتة، ما فيها عنف، درسنا كتاباً في الجامعة "العنف لا يلد إلا العنف".

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
(سورة آل عمران)

سيد الخلق، وحبيب الحق، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر﴾ِ.

الدكتور: بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً سيدي، أشكر لكم هذه الإحاطة، والحقيقة موضوع الدعوة له تتمات لا بد أن نتكلم عنها في لقاء قادم، أشكر لكم ما تفضلتم به.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
بارك الله بك.

الدكتور: بلال نور الدين:
باسمكم جميعاً إخوتي الكرام، أشكر لفضيلة شيخنا ما أتحفنا به في هذا اللقاء الطيب، وأذكركم بما بدأ به لقاءنا من أن الدعوة إلى الله تعالى فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، فلا يقولنّ قائلٌ ليس لي علاقة بالدعوة إلى الله، بل كلنا دعاة إلى الله بأعمالنا، وأحوالنا، ومقالنا في حدود معلوماتنا، ومع من نعرف من خلق الله.
إلى لقاء آخر أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.