حلاوة الإيمان

  • مركز رواد الخير - ندوة حوارية مع الدكتور محمد راتب النابلسي
  • 2023-06-06

حلاوة الإيمان


الدكتور: بلال نور الدين:
أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبارك الله بك، ونفع بك.

الدكتور: بلال نور الدين:
الحقيقة سيدي، الإخوة الكرام هنا وعبر الإذاعة، وعبر مركز رواد الخير الكرام يتابعونكم دائماً بشغف، لكن سبحان الله الكلام عندما يكون حواراً، ويخرج من القلب فيدخل إلى القلب، وأحاديثكم كلها من القلب إلى القلب، أريد أن أبدأ بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح:

{ ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ. }

(صحيح البخاري)


معنى حلاوة الإيمان:
قبل أن أدخل في هذه الثلاث سيدي أريد أن أبيّن للمتابعين والمتابعات ما معنى حلاوة الإيمان؟ عندما نقرأ أن هناك حلاوة في الطعام، نذوق طعاماً فنقول فيه طعم حلو، فيه حلاوة، ولكن عندما نقول حلاوة الإيمان، ذاق طعم الإيمان كما يقول صلى الله عليه وسلم، فهل للإيمان حلاوة وطعم؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
بسم الله الرحمن الحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، هناك حقائق الإيمان؛ الكتاب وتفسيره، والسنة، والسيرة..إلخ حقائق الإيمان شيء واضح جداً؛ القرآن الكريم كتاب الله عز وجل، شرحه من قِبَل النبي الكريم؛ أي مُسلَّمات هذا الدين.

الفرق بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان:
الآن لدينا حالة ثانية هي الحلاوة، يعني للتقريب: مسكت كتاباً عن سيارة حديثة جداً، وهناك تفاصيل وصور ملونة، أنواع السيارات، مستوياتها، كتاب كبير جداً، وكله كلام واضح جيد، معه صور مبينة (كتالوك) لكن هذا غير السيارة.
حقائق الإيمان معلومات
نحن لدينا حقائق الإيمان، ولدينا حلاوة الإيمان، لو قُدّمت لك هذه السيارة وركبتها دخلنا بحلاوة الإيمان، حقائق الإيمان معلومات؛ الكتاب، والسنة، والتفسير، والحديث، والسيرة ...إلخ معلومات تحتاج إلى إصغاء وحفظ، أما السيارة المرسيدس التي أخذت كتابها الآن أتتك هدية، المسافة كبيرة جداً بين حقائق الإيمان؛ الخصائص بأدلة، بصور، بأشياء كلها بالكتب، بالورق، أما السيارة سعرها بالمليارات، ففرق كبير بين حلاوة الإيمان وحقائق الإيمان، الحقائق معلومات تحتاج إلى الكتاب والسنة، وبحاجة للحفظ والنقل...إلخ، أما أن تقتني هذه المركبة، أو قصراً؛ شُرِح شرحاً تفصيلياً عن مساحته، إطلالاته، غرفه، حدائقه، مسابحه، ممكن أن نتكلم لساعات، أما أن تملك هذا القصر، المسافة كبيرة جداً بين حلاوة الإيمان وحقائق الإيمان، يقول النبي الكريم: (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ) انقلبت من حقيقة إلى قانون، فأنا ممكن أن أذوق حلاوة الإيمان، وممكن أن أكتفي بحقائق الإيمان، ولكني لست سعيداً.

الفرق بين اللذة والسعادة:
مضطر أن أقول كلمة ثانية: لدينا لذة ولدينا سعادة، اللذة حسية تحتاج إلى صحة ووقت ومال، ولحكمة بالغة بالغة:
في البداية: الصحة موجودة والوقت موجود ولكن لا يوجد مال.
في الوسط: يوجد مال وصحة ولكن لا يوجد وقت.
في النهاية: يوجد مال ويوجد وقت ولكن لا يوجد صحة.
فالله تعالى ماسمح للدنيا أن تُمد الإنسان بسعادة، بل بلذة، وهذه اللذة فيها شرط ناقص دائماً. أما السعادة أن تنعقد لك صلة مع الله.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا بغيرنا ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غراما واشتياقا لقربنا فما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنا فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
{ علي بن محمد بن وفا }
للتقريب: لدينا بالشام في أول سوق الحميدية بائع سجاد من الطراز الأول، أكبر بائع بالشام، دخل شخص إليه، فقال له أريد أغلى السجاد لديك، أراه أكثر من عشرين واحدة ولم يعجبه، يريد الأغلى، فأخذه إلى الطابق الثاني وأراه السجاد الإيراني وهو باهظ الثمن يقدر بمئات الألوف، فقال له المشتري ممكن أن تأخذ سعرها خمس ليرات؟ هل تخرج سالماً من هذا المحل بعد هذا! مستحيل، تريد جنة دون اهتمام، دون التزام، دون إتقان للصلاوات، دون عمل صالح! هذا مستحيل، فالجنة أكبر عطاء إلهي، فيها:

{ قالَ اللَّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر }

(صحيح البخاري)


الله خلقنا ليرحمنا:
نحن نعيش عمراً محدداً 100 سنة فرضاً، بينما في الجنة إلى أبد الآبدين، لذلك عندما يطلب الإنسان الجنة يحقق إنسانيته:

إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)
(سورة هود)

حلاوة الإيمان أن تنعقد لك صلة مع الله
خلقهم ليرحمهم، هذه الكلمة في الآية تستطيع بها أن ترد مليون مقولة خلافها، فما خلقنا ليعذبنا، العوام عندهم كلمات-والله لا أبالغ- كلها تقترب من الكفر، خلقنا ليرحمنا ﴿إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ فحلاوة الإيمان أن تنعقد لك صلة مع الله، والصلة لا يمكن أن تُحقَّق إلا بالاتصال بالله، والاتصال بالله لا يكون إلا بالاستقامة، قبل الاستقامة لا يوجد شيء.
عفواً، نقطة دقيقة جداً، أنه عندما لا أستقيم يصبح الإسلام معلومات، أو صورة الكعبة بالبيت، لا مانع من ذلك، ليس حراماً، بالسيارة يوجد صحف، ولكن ليس هذا الإسلام، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية؛ كسب مالك، إنفاق مالك، اختيار زوجتك، تربية أولادك، خروج بناتك، بنود بالآلاف ولا أبالغ.
العبادة الشعائرية؛ صلاة، صوم، حج، زكاة، النطق بالشهادة.
التعاملية: تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وتنتهي بالعلاقات الدولية، هذا الإسلام، فإذا حققنا هذا الهدف وصلنا للنصر المحقق.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي كأنني ألمح من كلامكم أن ما ينقص كثيراً من المسلمين اليوم ليس حقائق الإيمان، لأن الحقائق اليوم متوفرة بشكل كبير، ولم يعد خافياً على أحد، اليوم بضغطة زر تصل إلى أي حقيقة في الإيمان، ولكن ما ينقصنا تلك الحلاوة، فلو بحثنا في تلك الأسباب التي تذيقنا حلاوة الإيمان، أولها كما يقول صلى الله عليه وسلم: (أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما) اليوم إن سألت أي مسلم: هل رسول الله أحب إليك مما سواه؟ يقول لك بالتأكيد، تقول له: هل الله أحب إليك أم مالك؟ يقول: بل الله أحب إلي، كيف نفهم هذا الأمر؟ لماذا لا نذوق حلاوة الإيمان؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحقيقة أن تذوق حلاوة الإيمان حينما تتعارض مصلحتك أو تجارتك مع نص شرعي (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ (في قرآنه) ورَسولُهُ (في سنته) أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما) متى؟ عند التعارض، أنت وكيل شركة، ودخلك فلكي، هناك مادة لديهم محرمة لدينا في الإسلام، إذا ما أخذتها مع بضاعتك تُسحب منك الوكالة.

الدكتور: بلال نور الدين:
هنا يبرهن على حبه.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

ألا إن سلعة الله غالية:
نحن لدينا كل أسس التعاون
ليست بهذه السهولة إطلاقاً، فالله عز وجل ذات كاملة، ممكن أن تخطب وده، ولكن بلا ثمن، أو بثمن بخس، أو بركعتين دون وضوء أحياناً، أو بصورة الكعبة! نحن لدينا مظاهر إسلامية كبيرة جداً في العالم الإسلامي، ولكن نحن بصراحة كلمة مزعجة؛ نحن نملك نصف ثروات الأرض بالعالم، لدينا ثلاث ممرات مائية أصل التجارة الدولية، ومع ذلك لدينا كل أسس التعاون ولا نتعاون، أعداؤنا يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم 5% قواسم مشتركة، ونحن لا نتعاون بل نتنافس، بل نتقاتل وبيننا 95% قواسم مشتركة، فقضية الدين ليست قضية سهلة، أنت مخلوق للجنة، فيها (ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر)، لكن ثمنها ليس سهلاً، ولكنه بإمكانك، والدليل:

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (258)
(سورة البقرة)

لأن الله عز وجل مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكلّفك بشيء لا تستطيعه، هذا كلام مرفوض.
أنا لي تعليق لنفسي: الشيء الذي تتوهم أنك لا تستطيعه هو الشيء الذي لا تريد أن تفعله، لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ كلام خالق الأكوان، فلا مناقشة فيه إطلاقاً، لا يمكن أن تُكلَّف بشيء لا تستطيعه، لكن الإنسان أحياناً عندما يغلط يغطي شيئاً بشيء، ويقول فوق طاقتي، لا، ليس كذلك، والإنسان عندما يذوق حلاوة الإيمان شيء آخر.

مداخلة:
تصبح الأمور سهلة.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
طبعاً، لأنك عندما تكون طالب دكتوراه تعرف أن مصيرك أن تصبح دكتور جامعة، فلا تنام الليل من الدراسة، ولكن إذا أرسلك أبوك عنوة لا تدرس، هذه المشكلة.

الدكتور: بلال نور الدين:
إذاً سيدي، السبب الأول أنْ يَكونَ اللَّهُ (في قرآنه) ورَسولُهُ (في سنته) أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما عند التعارض.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
يجب أن تضيف عند التعارض.

الدكتور: بلال نور الدين:
والمصلحة هي في شرع الله، يعني يتوهم مصلحته في شيء خلاف شرع الله، لكن المصلحة هي شرع الله.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
دقق، الوهم شيء، والحقيقة شيء، أحياناً الإنسان يتوهم، والتوهم أحياناً يكون من إبليس، أما أن يكلفك الله بشيء لا تستطيعه -هناك كلمة دقيقة- فهذا يتناقض مع وجوده، هناك أشياء تتناقض مع عدله، الأعمق من ذلك تتناقض مع وجوده، تطلب وده، تخطب وده، تستقيم على أمره، بيتك إسلامي، عملك إسلامي، نفسك إسلامية، ثلاثة أشياء تُحاسَب عليها، لأن لك الأمر بهذه الأشياء الثلاث؛ أنت واحد؛ بإمكانك أن تصلي أو لا تصلي، بإمكانك أن ترسل لشراء بضاعة من روسيا وتبعيها على أنها ألمانيّة، يُكتب عليها صنع ألمانيا، والله شاهد على هذا، فالدين ليس فقط أن تصلي، هو أعمق من ذلك بكثير، والله لا أبالغ هناك ألف بند في العبادة التعاملية؛ كسب مالك، إنفاق مالك، لقاءاتك، سهراتك، نزهاتك، يوجد مادة مسرطنة مسموح أن يوضع منها ثلاثة بالألف إن كان لديك معمل غذائيات، أما أن تضع منها ثلاثة بالمئة تصبح مسرطنة، المهم أن تبيع البضاعة، فالدين يدخل بأشياء دقيقة جداً، بأدق التفاصيل، بتعبير آخر: من العلاقات الزوجية وانتهاء بالعلاقات الدولية، هذا الدين. هنا استحققت نصر الله.

الدكتور: بلال نور الدين:
هذه الأولى (أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما)، السبب الثاني لأسباب حلاوة الإيمان يقول صلى الله عليه وسلم (وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ) كيف تكون المحبة في الله؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
سيدي الحب، الله خلقنا، حياتنا بيده، الموت بيده، الصحة بيده، المرض بيده، ومع ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً، إله عظيم، ما قبل أن نعبده إكراهاً، بل أراد أن يكون الحب أصل هذه العلاقة، قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
(سورة المائدة)

للوصول لله يجب أن يكون هناك حب
هو غني عنا، ومع ذلك ممكن نحن أن نعبده عبادة شكلية، كالوضع الإسلامي العام، أما إذا أردت أن تصل لله يجب أن يكون هناك حب، فأنا أقول وإن شاء الله أكون دقيقاً وسامحوني بهذه الكلمة: إن لم تقل، وقد تبت إلى الله توبة نصوحاً، واتبعت منهجه كما تستطيع، إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فعندك مشكلة. أنا مضطر أن أتكلم عن شيئين: اللذة والسعادة، اللذة حسية، مادية، اتفقنا أنها بحاجة لبيت، وصحة ومال، ووقت، ودائماً ينقصك شرط منها، أما السعادة أن تنعقد لك صلة مع الله:
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا بغيرنا ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غراما واشتياقا لقربنا ولو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات وجئتنا
إذاً لدينا حلاوة الإيمان.

الدكتور: بلال نور الدين:
نحن نتحدث عن الثانية (وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ).

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

قضية الولاء والبراء:
هذا الولاء والبراء، ينبغي –تقبلوها مني بصعوبة- ينبغي أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعفاء وفقراء، وأن تتبرأ من الكفار المتألِّهين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، هذه ليست بالشيء السهل، الانتماء؛ أن تنتمي إلى إنسان مؤمن، قد يكون دخله قليلاً، بيته صغيراً، دخله محدوداً، والآخر معه ملايين مملينة، فأنت يهمك الآخر الذي لا دين له، وهو ليس سهلاً، يضع أشياء شكلية فقط، صورة الكعبة تملأ الحائط، لا مشكلة ولكن هل الدخل إسلامي؟ يوجد بالبضاعة مادة مسرطنة؟ والله لا أبالغ المنهج التفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية، فالثانية:

الدكتور: بلال نور الدين:
(وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ).

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الولاء والبراء، يعني أن تحب المؤمنين ولو كانوا فقراء، وضعفاء، وأن تبتعد عن الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء.

الدكتور: بلال نور الدين:
هل هناك سيدي حب في الله؟ ويقولون هناك حب مع الله، فما الفرق بينهما؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

الفرق بين الحب في الله والحب مع الله:
الحب في الله عين التوحيد، إنك تحب الله، ورسوله، والأنبياء جميعاً، والعلماء الربانيين جميعاً، تحب المساجد، تحب العمل الصالح، نتكلم ساعة عن هذا.
أما الحب مع الله عين الشرك، الحب في الله عين التوحيد، الحب مع الله عين الشرك؛ أن تحب جهة تمنعك أن تصلي، فاستجبت لطلبها وألغيت الصلاة، هذا حب مع الله عين الشرك، الحب في الله عين التوحيد، الحب مع الله عين الشرك.

الدكتور: بلال نور الدين:
والثالثة سيدي: (وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
إذا إنسان ما أخذ ثمار الدين، الدين عنده صار عبأً، يجب أن يصلي، إذا لم يكن له صلة بالله فالصلاة متعبة ومملة.

الدكتور: بلال نور الدين:

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ(45)
(سورة البقرة)


الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الصلاة صلة مع الله عز وجل
أنت ما الذي حدث معك بالصلاة؟ هذا الإنسان الضعيف الفقير اتصل بأصل الجمال والكمال والنوال، اتصل بالذات الكاملة، اتصل بصاحب الأسماء الحسنى، شيء طبيعي جداً عندما يكون هناك اتصال مع الله أن تكون أسعد إنسان بأي وضع، بأي دخل، بأي رتبة، بأي حرفة، اتصلت بأصل الجمال والكمال والنوال، أما إذا كان الاتصال غير حقيقي، إذا أعطوك صورة قصر غير أن يعطوك القصر، صورة سيارة غير السيارة، حلاوة الإيمان أن تملك السيارة وتسكن القصر، أما الحقائق معلومات، كتالوك عن السيارة، فنحن نعيش بالكتب لا بالحقائق.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي هذه الثالثة (وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) هل هذا يعني أنه يصبح كما في حديث آخر هواه تبع لما جاء فيه رسول الله؟

{ لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يكونَ هواه تبعًا لما جئتُ به }

(أخرجه البيهقي)


الدكتور: محمد راتب النابلسي:
ذاق حلاوة الإيمان، لما ذاق حلاوة الإيمان..

الدكتور: بلال نور الدين:
أصبح يحب الخير.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
بطولتك أن تذوق حلاوة الإيمان
لا يمكن أن يتركها، كل بطولتك أن تذوق حلاوة الإيمان، تذوقها، أحياناً تمر بك حالات حادة فتبكي بالصلاة، أحياناً لا تبكي، ولكن ليس لديك أي مشكلة، وأنت جاهز، فلا يوجد دخل حرام، ولا علاقة حرام، ولا عدوان حرام، فأنت لك مع الله خط ساخن، الطريق سالك إلى الله عز وجل.
أنا أقول: قصة شبه الطرفة؛ شخص يعيش في ألاسكا، قال ذات مرة: هل هناك إله يا ترى؟ لا يوجد هناك إلا الثلوج، فركب وسافر إلى كندا، صار هناك بعض الكلام، وافقوا على الوظيفة التي قدم عليها في الخليج فأرسلوه إلى هناك في فرعهم الآخر، فسمع هناك القرآن والسنة، عندما قال: يا ترى هل هناك إله؟ والله، الله ينتظرنا.
القرب من الله شيء كبير جداً، أشبهه كطفل أبوه مالك البلاد، هل يخاف؟ صار الله معك، أقسم بالله عند المؤمن قوة صمود وثبات تفوق حد الخيال، ذاق طعم الإيمان، أنت تذوق وتتصل بأصل الجمال والكمال والنوال، بالذات الكاملة.

الدكتور: بلال نور الدين:
لو نظرنا سيدي في هذه الأمور الثلاثة التي يذوق الإنسان من خلالها حلاوة الإيمان لفت نظري أنها كلها تتحدث عن الحب والكره،
• فالأولى: (أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما).
•والثانية:(وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ).
•والثالثة: (وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).
فكأن حلاوة الإيمان أمر متعلق بالقلوب، حب وكره، ولاء وبراء، ميل إلى أهل الإيمان والابتعاد عن أهل العصيان، عندما ننظر سيدي في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة نعجب أحياناً عندما نسمع عن تلك المرأة الأنصارية التي يُقال لها استشهد زوجك ثم ابنك وهي تقول: ما فعل رسول الله؟ إلى أن رأته، وكحلت عينها بمرآه فقالت: كل مصيبة بعدك جلل.

{ كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ فَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ ، فَقَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ ". }

(أخرجه الطبري)

ننظر في هذه البطولات العظيمة، هل هذا ناتج من نواتج حلاوة الإيمان؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
النواتج الحقيقية العلمية الصارخة.

الدكتور: بلال نور الدين:
هذه التضحية والفداء.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

نتائج حلاوة الإيمان:
يجب أن يكون هناك مليون فرق بينك وبين شخص لا يصلي، أنت وصلت إلى الله أصل الجمال والكمال والنوال، الذات الكاملة:

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
( سورة هود)

الوصول إلى الله يعني السعادة
هذه الـ الجنس، لدينا الـ العهد، والـ التعريف، هذه الـ الجنس، يعني أي أمر بالقارات الخمس (البعد المكاني) وأي أمر من آدم إلى يوم القيامة (البعد الزماني) يرجع إلى الله، قال: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ توكيد ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾.
يا إخوان، والله إذا لم تقولوا: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني لدينا مشكلة مع الله عز وجل، هذا ليس شخصاً، ليس حاكماً، هذا خالق الأكوان، أصل الجمال والكمال والنوال بالكون، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، والله موضوعات الفلك العقل لا يصدقها.
ومضة سريعة: الشمس أكبر من الأرض بـ مليون وثلاثمائة ألف مرة، يعني يدخل بجوف الشمس مليون وثلاثمائة ألف أرض، بينهما 156 مليون كم، واضحة تمام؟ قال تعالى:

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)
(سورة البروج)

من هذه البروج برج العقرب، عندما كنت في أمريكا دخلت إلى متحف فلكي وشاهدته، برج العقرب وصلوه بخطوط بين نجومه فكانت صورته كالعقرب تماماً، هناك مليار مليار برج، هذا واحد من هذه البروج، بأمريكا وصلوا خطوطاً بين نجومه فكان كالعقرب تماماً، في هذا البرج نجم أحمر صغير متألق اسمه قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما. هذه من مُسلَّمات الفلك، برج العقرب فيه نجم صغير اسمه قلب العقرب متأصل، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإيمان. ألف وثلاثمائة آية بالقرآن آيات كونية، تكوينية، ما فائدتها؟ التفكر.

الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي، تحدثتم عن سعادة المؤمن، الحقيقة عندما يسمع الإنسان هذه الكلمات منكم ينتقل إلى عالم آخر في السعادة، ونسأل الله تعالى أن يدخل السعادة إلى قلوب المستمعين، لكن هذه السعادة سيدي، اليوم المسلم كغيره يجد ما يجده الناس من صعوبات الحياة وابتلاءاتها، فيها مشكلة الفقد، فيها مشكلة التجارة الكاسدة، فيها مشكلات عديدة، فمن أين تنبع سعادته؟ هل هي مما وعده الله تعالى به مثلاً؟

الدكتور: محمد راتب النابلسي:

سعادة المؤمن الحقيقية:
طعم القرب أجمل شيء بالحياة
الحقيقة أنه إذا كان هناك شخص وضعه المادي فقير جداً، فهذه قصة قد وقعت في جنوب دمشق في قرية صغيرة، هناك شخص عنده بيت صغير، فله قريب مقيم بأمريكا معه خمسمائة مليون، ومات فجأة هو ووريثه الوحيد، هذا من فقر مدقِع إلى خمسمائة مليون، لكن سيقبضها بعد سنة بسبب المعاملات الطويلة، فيعيش بهذه السنة أسعد إنسان رغم أنه ما أكل لقمة زائدة، ولا اشترى دراجة عادية، ولكنه يتأمل أن يحصل على سيارة فخمة قريباً.

أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61)
(سورة القصص)

يعني إذا كان الطقس حاراً نشعر بالحر كجميع الناس، إذا ارتفعت الأسعار ننزعج، كلنا، كل شيء يقع نعاني منه، فما ميزة المؤمن؟ وعده الله بالجنة ﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لذلك يوجد عبارة باللغة العامية ولكنها معبرة: "إذا شخص لا يريد الله، يقولون له خذ الدنيا وانمحق، حل عنا" أما إذا كان الله يريدك فيالهنائك، رب العالمين يشعرك بالسعادة، يقربك منه، تذوق طعم القرب، فطعم القرب أجمل شيء بالحياة.

الدكتور: بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً سيدي، مع آذان العشاء نختم هذا اللقاء الطيب المبارك، كل الشكر لكم سيدي على ما تفضلتم به، ودائماً تمتعوننا بأحاديثكم الطيبة القيمة، وأسأل الله أن ينفع الجميع بما سمعوا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور: محمد راتب النابلسي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بارك الله بكم، ونفع بكم.