لا تحزن إن الله معنا

  • اللقاء المفتوح
  • 2023-07-17
  • الأردن - عمان
  • إذاعة الممكلة الأردنية الهاشمية

لا تحزن إن الله معنا


الأستاذ حسين الرواشدة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله بأطيب تحياته، وأهلاً ومرحباً بكم في مستهل هذه الحلقة الجديدة من اللقاء المفتوح، وبرنامجكم: "فكر وحضارة" وفيه نتابع سلسلة حواراتنا الفكرية التي تأتيكم في مثل هذا الموعد من كل أسبوع يصحبكم فيها "حسين الرواشدة"، عنوان حلقة اليوم: "لا تحزن إن الله معنا" أرحب بالدكتور: "بلال نور الدين" أستاذ الشريعة والفقه، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته دكتور بلال.

الدكتور بلال نور الدين:
حياكم الله أستاذ حسين، بارك الله بكم، كل عام وأنتم الخير إن شاء الله وجميع المتابعين لهذا البرنامج الجميل الواعي.

الأستاذ حسين الرواشدة:
يا مرحبا بك، الدكتور محمد سعيد حوّا بدأ معنا بأخلاقيات الهجرة، بعد هذه المقدمات، كيف استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون أن يتكيفوا مع الواقع الجديد، واقع المدينة بعد انتقالهم من مكة إليها؟

الدكتور بلال نور الدين:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، الحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك وهو المُوحَى إليه من الله تعالى، وهو القائد الاستثنائي الفذّ بوحيٍ من الله، وبجهد كبير منه صلى الله عليه وسلم أن الواقع جديد، وأنه يستدعي معطيات مختلفة، وأنه يستدعي تعاملاً جديداً مع أصحابه، فقام بأمور ثلاث تعد أصلاً وركناً رئيسياً في توظيف الواقع الجديد، وفي تعامل الصحابة الكرام مع الواقع الجديد، فكان من أول ما فعله كما تعلمون أنه بنى المسجد.

الأستاذ حسين الرواشدة:
قبل أن تدخل في التفاصيل دكتور بلال، هل تتصور أن الأمر تم بكبسة زر فوراً عندما دخل الرسول أم كان هذا الشيء مخطط له قبل الهجرة؟ كان الرسول والصحابة يخططون؟

الدكتور بلال نور الدين:
ممهدات الهجرة:
النبي الكريم كان يهيئ الأرض قبل أن يصل إليها
بالتأكيد مخطط له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل سفير الإسلام مصعب قبل أن يذهب، بيعة العقبة الأولى كانت ممهداً للهجرة النبوية الشريفة، بيعة العقبة الثانية كانت ممهداً، هجرة المسلمين قبله كانت ممهداً ثالثاً، النبي صلى الله عليه وسلم كان يهيئ هذه الأرض قبل أن يصل إليها، وإلا لماذا استُقبل هذا الاستقبال؟ ولماذا فُتحت له البيوت؟ ولماذا بعد ذلك أقبل عليه جميع المكونات في المجتمع المدني الجديد ليوقعوا على وثيقة المدينة فوراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد هيّأ الأرضية، هيّأ المجتمع قبل أن يصل إليه، كان يعلمنا أن اتخاذ الأسباب أمر مهم جداً في كل شيء، فالهجرة لما كانت مبدأً للتاريخ الإسلامي، ولما قام عمر رضي الله عنه بهذا الاجتهاد العظيم؛ بأن جعل الهجرة مركزاً وبداية لتاريخنا كان ذلك لأن الهجرة كانت رحلة وفق الواقع، وفق الأخذ بالأسباب، وفق ما تعبّدنا الله تعالى به أن خذوا بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم توكلوا على الله تعالى وكأنها ليست شيء، فهذه القاعدة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة منذ اللحظة الأولى بتفكيره بأرض جديدة للإسلام، بيعة العقبة الأولى، الثانية، سفير الإسلام مصعب بن عمير بدأ يعلم الناس دينهم، الناس كانوا متشوقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يأتِ إلى فراغ، لم يأتِ إلى أرض جدباء ليس فيها قبول له، ولكنه اختار المكان بدقة وعناية ووصل إليه بناء على معطيات، وليس خبط عشواء حاشاه صلى الله عليه وسلم.

الركائز الأساسية التي قام بها النبي عند وصوله للمدينة:
ولما وصل المدينة أكمل الترتيبات المبنية على الترتيبات السابقة، وأشكر لك أنك ذكرتني بأن الترتيبات لم تبدأ بوصوله وإنما المجتمع الجديد كان يُبنى والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فسبع سنوات تقريباً قبل هجرته وهو يهيئ المدينة لأرض جديدة للإسلام والمسلمين، فلما وصل تابع هذه الترتيبات من خلال الخطوات الثلاثة المعروفة:

أولاًـ بناء المسجد:
بناء المسجد الذي كان المكان الجامع للمسلمين، لم يكن مكاناً لإقامة الصلوات فحسب على أهمية الصلوات، ولكنه كان مكاناً للتشاور ولعقد الألوية، ولتربية الأولاد، ولتوفير المحضر التربوي للأمة المسلمة.

ثانياًـ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وأيضاً من جهة ثانية كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، ينزع أي فتيل لعصبية أو قبلية أو عشائرية، وإنما المجتمع المسلم الجديد أمة واحدة.

ثالثاًـ كتابة الوثيقة:
وفي الوقت نفسه كان يكتب بالتشاور مع مكونات المدينة وثيقة المدينة التي تعد أول دستور بهذا الوعي، وصلنا ومُفتتحها كما تعلمون: "أهل يثرب أمة واحدة، سلمهم واحدة، وحربهم واحدة، لغير المسلمين حقوقهم وعليهم واجباتهم" فوضع كل هذه الأمور.

الأستاذ حسين الرواشدة:
هل تطلعنا السيرة النبوية على تفاصيل ما حدث خاصة فيما يتعلق بهذه الوثيقة؟ هل هنالك تفاصيل أخرى؟ كيف تم صياغتها؟ من قام بهذه الصياغة؟ هل الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قام بذلك؟

الدكتور بلال نور الدين:
كيفية صياغة الدستور:
صياغة الدستور كانت صياغة تشاركية
نعم، وهذا لا ينتبه إليه الكثيرون، يظن الكثير من المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك ورقة مع بعض أصحابه وكتب وثيقة المدينة وكتب هذا الدستور الخالد، وفرضه فرضاً في المدينة، الحقيقة أنه لم يحصل ذلك، كتب السيرة الموثقة تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد ما يشبه المؤتمر العام للمدينة ليحوي المكونات الجديدة الموجودة في المدينة؛ الأوس والخزرج، المهاجرين الجدد، أهل المدينة من أهل الكتاب، الموجودون حتى الوثنيون الموجودون في المدينة، كان هناك مشاورات حتى إن أهل الكتاب في المدينة كما في الروايات الصحيحة هم الذين قالوا: رسول الله هو الفيصل بيننا، لما كتب في الوثيقة أن المرجع في أي خلاف بين المكونات يعود فيه القضاء والحكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان إقراراً حتى من أهل الكتاب الموجودين في المدينة، فهذا إن دل على شيء يدل على أن صياغة هذا الدستور كانت صياغة تشاركية، وإلا ما كُتب لها الاستمرار، فلو كتبت بيد واحدة وأُقرَّت وفُرِضت لم يكتب لها الاستمرار.

الأستاذ حسين الرواشدة:
أشكرك على هذا التنبيه الذي في كثير من الأحيان لا ننتبه إليه، فالمسألة كما قلت ليست مفروضة، ورقة مفروضة كُتبت ثم وُزعت وأُجبر الناس عليها، هذه كانت تشاركية.

الدكتور بلال نور الدين:
100%، وثيقة تشاركية من جميع المكونات الموجودة في المدينة، وأقرها الجميع ووافقوا عليها وتعاهدوا عليها.

الأستاذ حسين الرواشدة:
لكن لما نقرأها اليوم يا دكتور، فأرقى الدساتير في العالم المتقدم اليوم لا يصل إلى مستوى هذه الصياغات، هذه المبادئ، هذه الأخلاقيات، ولم تكن هنالك لا دولة ولا فكر مدني ولا أي شيء، نحن نطالع وثيقة أو دستور مدني للحكم المدني.

الدكتور بلال نور الدين:
مفهوم المواطنة:
كل شخص هو مواطن يدين بدينه لله
صدقتم، الحقيقة أن أول وثيقة تعد هوية وطنية جامعة، وأول مفهوم للمواطنة في التاريخ، ما معنى المواطنة اليوم؟ نحن اليوم نعيش في بلد ولله الحمد والمنة فيه المواطنون من مختلف الأصناف، ونعيش في دولة نسميها دولة المواطنة، ولله الحمد، ونسأل الله أن يديم نعمة الأمن والأمان في هذه البلاد، لكن في ذلك الزمن الأمور معقدة أكثر بكثير؛ ليس هناك وسائل للتواصل الموجودة اليوم، ليس هناك الأفكار، الكتب، المنشورات...إلخ، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يضع مفهوماً للمواطنة لم يُسبق إليه، كلمة "أهل يثرب أمة واحدة" مفهوم مواطنة، فأنا لم آتِ إليكم اليوم لأقول لكم: سأحكمكم بالحديد أو بالنار أو بالقوة، لا، "أهل يثرب أمة واحدة" كل شخص هو مواطن يدين بدينه لله تعالى، والله تعالى يحاسبه:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
(سورة البقرة)

لكن هناك فيصل، وهناك حكم نتوافق عليه جميعاً، وهو الحاكم الفعلي للمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا دستور متقدم جداً لم يُسبق إليه.

الأستاذ حسين الرواشدة:
فيه الاعتراف بالآخر، وضمان حق الحريات؛ الحريات الدينية والحريات المدنية، حقوق الأقليات الدينية كل هذا كان ضمن سياق هذه الوثيقة.

الدكتور بلال نور الدين:
نعم وثيقة المدينة صدقتم.

الأستاذ حسين الرواشدة:
التي أقرت بعد الهجرة مباشرة.

الدكتور بلال نور الدين:
هذه كانت واحدة من ثلاثة أمور: المؤاخاة، وبناء المسجد، ووثيقة المدينة هي الركائز الثلاثة التي جاءت عند دخول النبي صلى الله عليه وسلم

الأستاذ حسين الرواشدة:
اجتماعي سياسي اقتصادي، صحيح؟

الدكتور بلال نور الدين:
100%، شيء مبني على الاجتماع وهو المؤاخاة، والسياسة والاقتصاد في وثيقة المدينة، والدين في المسجد، ولو أن المسجد لم يكن بمفهومنا اليوم أنه معبد ديني، كان أوسع من ذلك بكثير كما تفضلتم، فهو يشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع في المسجد أيضاً، لذلك كانت هذه لفتة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسجد بسيط جداً الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، ولكن كان تأسيساً لفكرة أنه لا بد من مكان يجتمع به المسلمون.

الأستاذ حسين الرواشدة:
عندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم يثرب، المدينة المنورة التي نورها الله سبحانه وتعالى بمجئ النبي صلى الله عليه وسلم، كيف تعامل المهاجرون؟ عندنا اليوم فقه المهاجرين، فالمسلمون والعرب عندما يذهبون إلى بلدان أخرى يصبح هناك فقه، كيف ممكن أن نستفيد من الهجرة في هذا الجانب؟

الدكتور بلال نور الدين:
تشريع الهجرة:
قد يُضطَّر الإنسان إلى مغادرة وطنه
الحقيقة أن مدرسة الهجرة في هذه القضية تحديداً، لأننا اليوم وفي كل زمن، وأظن من أحد التشريعات التي أرادها الله تعالى هي تشريع الهجرة، لأنه كان من الممكن والله على كل شيء قدير ألا يحدث شيئاً في مكة، وأن يتقبل المكّيّون الدعوة، أو على الأقل ألّا يسوموا سوء العذاب للنبي وأصحابه، وبالتالي لا يضطر للهجرة، لكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهذه عند كل الأنبياء، فلو نظرنا في حياة الأنبياء تقريباً كل الأنبياء هاجروا، أُوذوا وهاجروا، فكان هذا تشريع مهم أن الإنسان قد يُضطَّر أحياناً إلى مغادرة وطنه، فكيف يتعامل أهل البلد الأصليون مع المهاجر؟ وكيف يتعامل المهاجر مع أهل البلد الأصليين، أذكر مثالاً واحداً لضيق الوقت، في طريقة هذا التعامل، يوم كان يقول الرجل الأنصاري للمهاجر: هذا بيتي فخذ نصفه، أو عندي بيتان خذ أحدهما، وتلك أموالي فقاسمني مالي، هذا موقف عظيم جداً في التكافل.

الأستاذ حسين الرواشدة:
كيف حدث ذلك؟ ما الذي هذّب النفس الإنسانية آنذاك لتصل إلى هذه المرتبة من الإيثار؟

الدكتور بلال نور الدين:
الحقيقة أنا أقول وبثقة: تهذيب النفس بهذه الطريقة هو باختصار قوله تعالى:

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
(سورة الإنسان)

نحن نريد من الله الجزاء والشكور، لذلك جاء في نهاية الآيات...

الأستاذ حسين الرواشدة:

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
(سورة الإنسان)


الدكتور بلال نور الدين:
يقول الله تعالى في نهاية الآيات:

إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا(22)
(سورة الإنسان)

جاء الجزاء وجاء الشكور من الله تعالى.

ردة فعل المهاجرين:
التكامل بين المهاجرين والأنصار
في الوقت نفسه في المقابل ماذا كان يرد المهاجر؟ هل كان يقاسم فوراً ويقول له نعم أتقاسم؟ كان يقول: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق، المهاجر أيضاً كان يريد أن يعمل، يريد أن يغرس في هذه البلد التي جاءها بذرة، وأن يفيد البلد الذي جاء إليه وأن يفيد نفسه وألا يكون عالة على الآخرين، فكان التكامل بين الطرفين؛ الطرف الذي يقدم نصف ما يملك ويقاسم المهاجر ما يملك، وبالتالي التعفف من الطرف الثاني، وهذا منهج في التعامل بين الطرفين، الإنسان يقدم ما يستطيعه، والآخر يحاول جاهداً أن يتعفف عن مال الآخرين ويحاول أن يبني عملاً وأن يبني مستقبلاً.

الأستاذ حسين الرواشدة:
أي الدروس أيضاً يمكن اليوم أن نتوقف عندها فيما يتعلق بواقعنا المعاصر؟ في تعاملنا فيما بيننا، في تعاملنا مع الآخر، ماذا تعلمنا الهجرة في هذا المجال؟

الدكتور بلال نور الدين:
دروس الهجرة:
الأخذ بالأسباب، والتوكل على الله:
تقصير المسلمين في جانب الأخذ بالأسباب
أنا أقول أول دروس الهجرة، وأعظم دروس الهجرة هي أننا نحن المسلمين قصّرنا اليوم في جانب الأخذ بالأسباب، والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، كان من الممكن والله على كل شيء قدير أن يأتي البراق كما جاء في ليلة الإسراء والمعراج، وأن ينقل النبي صلى الله عليه وسلم في أجزاء من الثانية وأن يضعه في المدينة دون ترتيبات، ودون تعقيدات، ودون أن يسير مساحلاً ودون أن يختبئ في غار ثور، ودون أن يصل إليه المشركون وأن يقفوا فوق الغار، ويقول سيدنا أبو بكر:

{ يا رَسولَ اللهِ، لو أنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقالَ: يا أَبَا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا. }

(صحيح مسلم)

كان من الممكن ألا تكون كل هذه الترتيبات، ولكن أرادنا الله أن يعلمنا درساً مهماً؛ أن نأخذ بالأسباب وأن نتوكل على الله، أن نجمع بين الأمرين، فالمتوكل لا يترك الأخذ بالأسباب، والآخذ بالأسباب لا ينبغي أن يعتمد عليها من دون الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان في قمة الأخذ بالأسباب، ثم كان في قمة التوكل على الله، (فَقالَ: يا أَبَا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) فأعظم دروس الهجرة أنها تعلمنا درس الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.

الهجرة ضمن دراسة ووعي:
الهجرة حركة مدروسة لتغيير الواقع نحو الأفضل
ومن دروس الهجرة أنني أعرف الهجرة تعريفاً شخصياُ قلته قل أيام في مجلس، قلت: الهجرة حركة مدروسة واعية لتغيير الواقع نحو الأفضل، تعلمنا الهجرة أننا إذا أردنا أن نتحرك لنغير أن نتحرك بدراسة وبوعي، وأن نوازن بين المفاسد والمصالح، اليوم كثير من المسلمين إما أنهم لا يتحركون وينتظرون معجزة كالإسراء والمعراج، والله ما تعبّدنا بالإسراء والمعراج، تعبدنا بالهجرة، تعبدنا بالمنهج، وليس بمعجزة ننتظرها من السماء، أو أنهم يتحركون ولكن حركة غير واعية، وغير مدروسة، وغير منضبطة بالقيم، أو بالقوانين، أو بما ينفع المجتمعات، فيؤدي تحركهم هذا العشوائي، العاطفي، غير المدروس، إلى طامة أكبر من السابقة.
فالهجرة تعلمنا أن الحركة ينبغي أن تكون، ولكن ينبغي أن تكون مدروسة، وأن تكون واعية، وأن تحقق الأفضل، وأن يكون التغيير نحو الأفضل وليس نحو الأسوأ، هذا بعض من الدروس التي ينبغي أن نتعلمها من هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم.

الأستاذ حسين الرواشدة:
لذلك كما فهمت دكتور أن هجرة النبي كانت لما هو أصلح وليس لما هو أسهل؟

الدكتور بلال نور الدين:
المدينة بداية بناء الأمة الإسلامية:
لما هو أصلح نعم، صدقتم، الأمر في المدينة لم يكن.. صحيح أنه انتهت مشكلة ما يُسامون به من سوء العذاب، ولكن بدأت رحلة جديدة من التعب، رحلة جديدة من البناء، رحلة جديدة من المدافعة، رحلة جديدة لبناء الدولة، انتقلت الأمة من مرحلة الجماعة إلى مرحلة الدولة فكانت هناك مهمات جديدة من نوع مختلف، فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم لِمَا يغير الواقع نحو الأفضل له ولأصحابه، وللأمة الإسلامية من بعده، وحتى اليوم أنا وأنت عندما نتكلم هذه المكالمة نستذكر هذا المعنى، لأننا جزء من فضل عظيم فضّله الله على هذه الأمة من خلال هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبناء الأمة المسلمة التي لا نزال ننعم بخيراتها إلى هذه اللحظة التي نعيشها، وإلى قيام الساعة إن شاء الله.

الأستاذ حسين الرواشدة:
شكراً دكتور بلال نور الدين أستاذ الشريعة والفقه، بارك الله فيك، وجزاك الله كل خير، وكل عام وأنت بألف خير.

الدكتور بلال نور الدين:
وأنت بألف خير، وجميع المسلمين بخير، السلام عليكم.

الأستاذ حسين الرواشدة:
يا مرحباً بك، أهلاً وسهلاً.