آخر المنتسبين
آخر المنتسبين
لم تكن دار الأرقم مجرد مكان لتعليم الناس دينهم وربطهم بخالقهم، في تلك الدار كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني الرجال ويستشرف المستقبل، وفي تلك الدار كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى: |
{ اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ فكان أحبُّهما إلى اللهِ عمرَ بنَ الخطابِ }
(أخرجه الترمذي وأحمد)
قصة إسلام سيدنا عمر:
كان تلاميذ الدار يستمعون دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولربما كان بعضهم يؤمِّن عليه، ولربما كان آخرون يستغربون، أن يُسلم أحد هذين الرجُلين، وهما من أشد الناس عداوةً للدين الجديد. |
كان خباب بن الأرت، واحداً من هؤلاء الصحب، الذين دخلوا الدار مُبكراً، وكان يذهب إلى فاطمة بنت الخطاب، أخت عمر يُقرئُها القرآن، خرج عمر يوماً متوشحاً سيفه يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أنهم اجتمعوا في بيت عند الصفا، فلقيه نعيم بن عبد الله، فأخبره بإسلام أخته فاطمة بنت الخطاب، وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو، فرجع عمر عامداً إلى أخته وزوجها، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها "طه" يُقرئهُما إياها، فلمّا سمعوا صوت عمر، تغيَّب خباب رضي الله عنه في بعض البيت، فأخبرهما بما سمع، وبطش بزوج أخته سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفّه عن زوجها، فضربها فشجَّها، فلمّا فعل ذلك قالت له أخته وزوجها: نعم، لقد أسلمنا وآمنّا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. |
فلمّا رأى عمر ما بأخته من الدم، ندم على ما صنع، وطلب من أخته الصحيفة ليقرأها، فأمرته أن يغتسل حتى تعطيه الصحيفة، فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها "طه" فقرأها، فلمّا قرأ منها صدراً، قال: "ما أحسن هذا الكلام وأكرمه"! |
فلمّا سمع ذلك خباب بن الأرت، خرج إليه فقال له: والله يا عمر، إني لأرجو أن يكون الله قد خصَّك بدعوة نبيِّه، فإني سمعته أمسِ وهو يقول: " اللهم أيِّد الإسلام بأبي الحَكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب"، فاللهَ الله يا عمر. |
فقال عند ذلك: فدلَّني يا خباب على محمدٍ، حتى آتيه فأُسلِم، فقال له خباب: هو في بيتٍ عند الصفا، معه نفرٌ من أصحابه، وذهب عمر رضي الله عنه وأسلم. |
وهنا تكامل جمع المسلمين الجدُد في دار الأرقم، أربعين رجلاً، منهم خلفاء رسول الله الأربعة، وخرج النبي من دار الأرقم، وقد أسَّس بُنيةً قويةً للمجتمع الجديد، يمكن التعويل عليها في بناء المسلمين الجدُد، وفق منهاج تلك الدار المباركة. |
وما تزال تلك الدار المباركة، تشع نوراً إلى يومنا هذا، وما نزال نعيش على ما تبقَّى لنا من منهجها، فكيف لو عُدنا إلى فهم وتطبيق كل ما كان فيه من عِلمٍ وتربيةٍ وخير؟! |
أستودعكم الله. |