• محاضرة لمجمع سلطان العلماء
  • 2021-03-31

المرأة والأسرة


الأسرة عماد المجتمع:
أشكر لكم هذه الدعوة الطيبة المباركة لإلقاء هذه المحاضرة، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على حسن ظنكم بأخيكم، وأسأل الله تعالى أن أكون عند حسن ظنكم بي.
ثم إني أشكر لهم هذه الدورة، وهذا الملتقى الكريم، وأشكر لهم هذا العنوان الحيوي الذي اختاروه لهذه الدورة، لأن الأسرة أيها الكرام هي عماد المجتمع، ولأن الحرب اليوم إنما تقوم على الأسرة، ولأن الأديان السماوية إنما تدعم الأسرة وتدفع بها إلى مراقي الفلاح، بينما تقوم الشرائع الوضعية والقوانين الوضعية في كثير منها إلى تفتيت الأسرة، وصرفها عن هدفها، والنزول بها في مدارك الشقاء.
لذلك ما من عاقل إلا ويدعم الأسرة، وما من أحمق إلا ويفتت الأسرة، لأن بقاء الأسرة نهضة للمجتمع.
الأم هي عماد الأسرة الأول
وهذه الأسرة أيها الكرام؛ لا أبالغ إن قلت إن عمادها الأول هو الأم، لا شك أن الأم والأب يشكلان الأسرة، وأن الأب له دور كبير، ولكن لو سألتني وقلت لي: أعطنِي أهم عنصر في الأسرة؟ لقلت لك فوراً ودون تردد: إنه الأم، وصدق الشاعر إذ يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
{ حافظ ابراهيم }

قصة تبين أن الحكم في الأسرة لله عز وجل:
أيها الأخوة الأحباب؛ في بداية هذا اللقاء الطيب سأبدأ بقصة، والقصة تجلب الانتباه، ومنها تستنبط الفوائد، ثم أدلف إلى موضوع محاضرتنا وهو الأم في بيتها، أو المرأة في أسرتها، مع زوجها، ومع أولادها.
الظهار عادة من عادات الجاهلية
القصة تقول: في بيت من بيوت المدينة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تدعى خولة بنت ثعلبة، تراجع زوجها في شأنٍ من شؤون الدنيا، تتناقش معه في شأن من شؤون الدنيا، يغضب زوجها أوس بن الصامت، وهو من الصحابة رضي الله عنه ورضي الله عنها، ويقول لزوجته خولة: أنتِ عليّ كظهر أمي، وهذه عادة من عادات الجاهلية، وهي الظهار، وتعني أن يشبه الإنسان زوجته بأمه، أو بأخته، أو بغير ذلك من محارمه، بمعنى أنه يحرمها على نفسه، يقول لها: أنتِ كأمي لن أقربك، وهذا ظلمٌ شديد.

الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
[ سورة المجادلة]

هذا الوعيد لأنهم يفتتون الأسرة بهذا القول، أنتِ عليّ كظهر أمي، ثم بعد أن قال لها: أنتِ عليّ كظهر أُمي، اقترب منها، يريد ما يريد الزوج من زوجته، تقول له خولة: كلا لن تقربني، كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي، أي لن أمكنك من نفسي وقد قلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه.
هذه المرأة تعلمنا في هذا الدرس العظيم أن الحكم لله ولرسوله، وأن الحكم في الأسرة لله، فهي لا تنكر حق زوجها بها، ولكنها تنكر أن يقربها خارج شرع الله تعالى، فتقول له: كلا لا تقربني حتى يحكم الله.

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً (36)
[ سورة الأحزاب]

ولو أن النساء كمـــــــــن عرفنــــــا لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخـــــر للهـــــــلال
{ المتنبي }

المرأة عماد البيت:
المرأة المسلمة لا تقبل شيئاً خارج منهج الله
أيها الكرام؛ هذه الزوجة تعلم زوجها درساً مهماً، الحكم لله، ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تحاول من أجل دينها لا من أجل دنياها، تحب زوجها، وتريده، ولا تحب أن تتأبى عليه، لكنها في الوقت نفسه لا تقبل شيئاً خارج منهج الله، هذه شخصية المرأة في الإسلام، فذهبت إلى رسول الله تقول، والآن انظروا في قولها، فو الله إن كلامها يكتب بماء الذهب.
تقول: يا رسول الله! أكل شبابي، تزوجني وأنا امرأة ذات عيال وجمال، ونثرت له بطني - ولدت له أولاداً - حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، قال: أنتِ عليّ كظهر أُمي، وتقول بعد ذلك، وهنا موطن الشاهد: ولي منه أولاد، إن ضممتهم إليّ جاعوا، لأنه هو من ينفق عليهم، هو المسؤول عن الإنفاق، تحدد في هذه العبارة مسؤولية الرجل والمرأة، قالت: إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن تركتهم إليه ضاعوا، أنا المربية، أنا عماد البيت، يضيع الأولاد دوني، تدرك دورها تماماً، لا تريد أن تأخذ دور غيرها، ولا تريد أن يتعدى أحد على دورها.
بربكم؛ لو أن كابتن الطائرة، وهو يجلس في أهم مكان في الطائرة، وهو مكان القيادة، لو أنه قال في نفسه: لماذا أنا قابع في هذه الغرفة وعلى هذا الكرسي غير المريح؟ لماذا لا أخرج إلى الركاب وآكل من طعامهم وأتحدث معهم؟ فخرج، فهوت الطائرة بمن فيها بخطأ تقني، ومات ركابها، هذا الرجل الكابتن الذي خرج من مقر القيادة، وأراد أن ينعم بما ينعم به الآخرون في ظنه، أليس أحمق؟
المرأة في البيت في موضع القيادة
المرأة أيها الكرام في البيت في موضع القيادة، قيادة الأسرة، بمعنى آخر هي في أهم موضع، لأنها عماد البيت، وقوامة الرجل عليها لا تلغي دورها، وهذا موضوع آخر له لا أريد أن أدخل به، لكن أقول: قوامة الرجل شأن آخر له مبحثه، لكن لا يلغي أنها ركن البيت وأنها تقوم على أخطر دور فيه، وهو رعاية الأولاد، والقيام على شؤون البيت.
قالت: إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن تركتهم إليه ضاعوا، يقول صلى الله عليه وسلم: ما عندي في أمرك شيء، أي ما نزل وحي بشأن الظهار، قد حرمت عليه، الحكم العام، هو يحرمك، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك للطلاق، حرم امرأته على نفسه لا يوجد نص شرعي حتى الآن، قد حرمت عليه، قالت: ما ذكر طلاقاً، انظروا إلى المرأة وهي تدافع عن بيتها، اليوم مع الأسف الشديد هناك من النساء من تساهم في خراب بيتها، هذه المرأة تدافع عن بيتها، تقول: ما ذكر طلاقاً يا رسول الله، وتحاور من؟ تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول: ما ذكر طلاقاً، وإنه أبو ولدي، وأحبّ الناس إليّ، فقال: قد حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى الله، الله أكبر ! أشكو إلى الله فاقتي ووجدي، تقول عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة تشكو إلى رسول الله، وإني في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله:

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
[ سورة المجادلة ]

أنزل الله بشأنها قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، حتى إن عمر بن الخطاب يوماً وقف مع خولة وهي تحاججه، وتحدثه، يقول له من معه من الناس: تترك الأمر وتستمع لها؟ فيقول لهم: هذه التي سمع الله صوتها من فوق سبع سماوات، فحُق لعمر أن يستمع لها.
هذه امرأة نموذج في أسرتها، حاججت ودافعت عن بيتها، ومن اللطائف أن عائشة تقول: وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، لأنها لا تريد أن تخرج أسرار البيت فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت خفيض لا تكاد عائشة رضي الله عنها تسمع الصوت، لكن سبحان من سمع الأصوات، ووسع سمعه الأصوات.

العلاقة بين الرجل وزوجته:
أيها الكرام؛ المرأة في بيتها ملكة، هي إما في علاقة مع زوجها، أو مع أبنائها ولهاتين الحالتين كلام، أسأل الله أن يسعفنا الوقت في بيان أحكام ذلك.
أولاً: المرأة مع زوجها، الله تعالى في قرآنه الكريم وصف العلاقة بين الزوجة وزوجها بكلام.
قلت مرة لأحد مدرسي اللغة الانكليزية أو الفرنسية: هل تستطيع أن تترجم لي هذه الكلمات بكلمات قليلة بحيث تعبر عن المعنى؟ قال: لا والله، هذه بلاغة اللغة العربية وبلاغة القرآن الكريم، لا أستطيعها.
قال تعالى في وصف تلك العلاقة:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ...(187)
[ سورة البقرة]

اللباس لصوق
اللباس أيها الكرام هو هذا الذي نلبسه، الآن وأنت تحدثني وأحدثك ما ألصق شيء فيك على الإطلاق؟ ألصق شيء فيك الآن لباسك الذي تلبسه، لا شيء أقرب إليك من اللباس الذي تلبسه، فاللباس لصوق، يجب أن تكون المرأة ملتصقة بزوجها، قريبة منه، وأن يكون الزوج ملتصقاً بزوجته قريباً منها، أما المرأة التي تمضي ساعات على الجوال مع صويحباتها، ثم لا تجد دافعاً لتحدث زوجها مساءً بأحاديث طيبة تدخل السرور إلى قلبه، فقد ابتعدت عن مفهوم: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) باللصوق.
هل تصدقون أن عائشة رضي الله عنه تجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول له قصة أوردها الإمام البخاري في صحيحه، ربما في صفحة كاملة، عن أزواج وزوجاتهن، والقصة تعبيرية، أي افتراضية ليست واقعية، كل واحدة لها زوج، واحدة منهن تقول:

{ عن عائشة رضي الله عنها: قالت: جَلَسَ إِحدى عَشْرَةَ امرأَة، فتعاهدْنَ وتعاقدْنَ أَن لا يكتُمن من أخبارِ أَزواجهن شيئاً. قالت الأولى: زوجي لَحْمُ جملِ غثّ، على رأس جَبل وَعْر، لا سهل فيُرْتَقَى، ولا سَمين فيُنْتَقَل - وفي رواية البخاري: فينتقي، هكذا قال الحميديُّ ولم أجدها في كتاب البخاري. قالت الثانية: زوجي: لا أبُثُّ خَبَرَه، إِني أخاف أنْ لا أذَرَهُ، إِن أذكُرْهُ أذْكُرْ عُجرَه وبُجَرَه. قالت الثالثة: زوجي: العَشَنَّقُ، إِن أنْطِقْ أُطَلَّقْ، وإِن أسكُتْ أُعلَّقْ قالت الرابعة: زوجي: كَلَيْلِ تِهامةَ، لا حَرّ، ولا قَرّ، ولا مَخافةَ، ولا سَآمَةَ. قالت الخامسة: زوجي: إِن دخلَ فَهِدَ، وإن خرج أسِدَ، ولا يَسألُ عما عَهِدَ. قالت السادسة: زوجي: إِن أكل لَفَّ، وإِن شرب اشْتَفَّ، وإن اضطجع التَفّ، ولا يُولج الكَفَّ، ليعلم البَثَّ. قالت السابعة: زوجي: عَياياء - أو غياياء، طَبَاقاءُ، الراوي شك - كلُّ داء له داء، شَجَّكِ أَو فَلَّكِ، أو جمع كُلا لَكِ. قالت الثامنة: زوجي: الرِّيحُ ريحُ زَرْنَب، والمسُّ مسُّ أرنب. قالت التاسعة: زوجي: رفيعُ العِماد، طويلُ النِّجاد، عظيمُ الرَّماد، قريب البيت من النادي. قالت العاشرة: زوجي: مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إِبل كثيراتُ المبارِك، قليلاتُ المسارح، إِذا سَمِعْنَ صوتَ المِزْهر أيقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالكُ. قالت الحاديةَ عشرةَ: زوجي: أبو زَرْع، فما أبو زرع؟ أناس من حُليّ أُذُنيَّ، وملأ من شَحْم عَضُدَيَّ، وبَجَّحَني فبجِحَت إِليَّ نفسي، وَجدني في أهل غُنَيْمَة بِشِقّ، فجعلني في أهل صَهِيل وأطِيط، ودائس ومُنَقّ، فعنده أقولُ فلا أُقَبَّحُ، وأرْقُدُ فأتصبَّحُ، وأشرب فأتقنَّحُ - وللبخاري: فأتقمَّحُ -. أُمُّ أبي زرع، فما أمَّ أبي زرع؟ عُكومها رَدَاح، وبيتُها فَساح. ابن أَبي زرع: فما ابن أبي زرع؟ مَضْجَعه كَمَسَلِّ شَطبَة، ويُشبعُه [ ذراع ] الجَفْرَةِ. بنت أبي زرع: فما بنت أبي زرع؟ طَوعُ أَبيها، وطوع أُمِّها، ومِلْءُ كسائها، وغَيْظُ جارتها. جارية أبي زرع: فما جارية أبي زرع؟ لا تَبُثُّ حديثنا تَبْثيثا، ولا تُنقِّثُ مِيْرَتنا تَنقِيثا، ولا تملأُ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطابُ تُمْخَضُ، فلقيَ امرأة معها وَلَدَان لها كالفَهْدين، يلعبان من تحت خَصْرها بِرُمَّانتين، فطلَّقني ونكحها، فَنَكَحْتُ بعده رجلاً سَرِياً رَكب شريّا، وأخذَ خَطِّيّا، وأراح عليَّ نَعَما ثَرِيّا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كُلي أمَّ زرع، ومِيْرِي أهْلَكِ، قالت: فلو جمعت كلَّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغرَ آنيةِ أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: كنتُ لكِ كأَبي زرع لأمِّ زَرْع، وفي رواية نحوه وقال: عياياء طَباقاء، ولم يشك، وقال: وصفْرُ رِدائها، وخيرُ نسائها، وعَقرُ جارتها، قال: وأعطاني من كل ذابحة زوجا }

[أخرجه البخاري ومسلم]

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع لعائشة في تلك القصة الافتراضية الجميلة إلى أن وصلت إلى أبي زرع وأم زرع، وروت له ما كان من حب بينهما فيقول صلى الله عليه وسلم لها: (كنتُ لكِ كأَبي زرع لأمِّ زَرْع).
أيها الكرام؛ اللباس لصوق، وينبغي أن تكون المرأة لصيقة بزوجها، وأن يكون الرجل لصيقاً بزوجته، لا أن يبتعد كل منهما عن الآخر وعن هموم الآخر، يجب أن يكون هناك لصوق.

اللباس ستر ولصوق وجمال:
الزواج ستر للرجل وللمرأة
اللباس قبل ذلك يحقق مفهوماً آخر، وهو الستر، لماذا نلبس ثياباً؟ لنستتر، الزواج ستر كما أن اللباس ستر، كانوا يقولون سابقاً: الزواج ستر للمرأة، وأنا أقول: والزواج ستر للرجل وللمرأة، لأن كلاً منهما يستر نفسه بصاحبه، لذلك يرفض الإسلام رفضاً قاطعاً، ويجعل ذلك من أعظم المحرمات، أن يفضي الرجل إلى امرأته وأن يحدث بما كان بينهما، أو أن تفضي المرأة إلى زوجها ثم تحدث بما كان بينهما، فهذا ينهى عنه الإسلام أشد النهي، هو ستر ينبغي أن يبقى ستراً، لا ينبغي أن تخرج أسرار البيت إلى خارج البيت، أكبر خلاف بين زوجين يحل في أربع وعشرين ساعة إن بقي داخل البيت، وأصغر خلاف بين الزوجين إن خرج خارج البيت، وبدأ الأطراف يعززونه، فإنه يمكن أن يكبر ليصبح لا حل له، لا ينبغي أن يخرج الخلاف إلا عند الحاجة والضرورة، وإلى من نستشير ويُشير، لا أن يخرج إلى كل شخص من الأشخاص، حتى إن القرآن الكريم في ملمح دقيق عندما يتحدث عن نشوز الزوجة يأمر الرجل فيقول:

وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ..(34)
[ سورة النساء]

أي في غرف النوم، أي حتى الهجر لا ينبغي أن يكون خارج الغرفة، كأن يخرج الرجل وينام في غرفة الجلوس، فيستيقظ الأولاد ويقولون: ماذا في الأمر؟ لماذا أبي في غرفة وأمي في غرفة؟ فيفهمون أن هناك إشكالاً، أي حتى الأولاد ينبغي ألا يعلموا بالخلاف، لأن أكثر ما يحطم الأولاد أن يروا أباهم وأمهم على غير وفاق، وأعظم ما يربي الأولاد تجد البيت دافئاً فيه حنان وعطف ولطف، إن أردت أيها الرجل أن تعاتب زوجتك على شيء فعاتبها في غرفتك بينك وبينها، وإن أردت أن تراجعي زوجك وتعاتبيه في شيء فاجعلي ذلك بينك وبينه، تعاهدا على ذلك، لا ينبغي أن يخرج الخلاف إلى الأولاد.
اللباس ستر، واللباس لصوق، وفوق الستر واللصوق، اللباس جمال، قال تعالى:

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
[ سورة الأعراف]

(قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) هذا الستر (وَرِيشاً) هذا الجمال (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) فهناك جمال ينبغي أن يكون بين الزوج وزوجته.

الإعفاف أحد أهم أسباب الزواج:
يجب أن تتزين المرأة لزوجها
من المتبادر إلى الذهن أن المرأة يجب أن تتزين لزوجها، وهنا أؤكد على النساء الفضليات الكريمات المسلمات في أي مرحلة حياتية سواء كنت عروساً في العشرين، أو امرأة في الخمسين يجب أن تتزيني لزوجك لأن أحد أهم أسباب الزواج الإعفاف، فينبغي أن يُعف الزوج أن ينظر إلى خارج البيت، لا أقول إنه ليس هناك حالات تعفه زوجته ثم يخرج ببصره، نسأل الله السلامة والهداية، لكن كثير من الحالات يكون سبب جنوح الزوج إلى خارج البيت بعد حين من الزواج تترهل العلاقة، وتهمل الزوجة نفسها، وفي الوقت نفسه حتى لا يقول قائل أوجه النساء، ولا أوجه الرجال:

وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
[ سورة البقرة]

هذه درجة قيادة البيت لما يملكه الرجل من إنفاق في المال، فله القرار النهائي، وهذا أيضاً له باب لن أدخل فيه.
أيضاً أيها الرجل، وإلى من يتابعنا من الرجال، أيضاً أيها الرجل الكريم، أيها الزوج الفاضل: يجب أن تتزين لزوجتك، لا تطلب منها ما لا تفعله لها، يقول عمر رضي الله عنه لبعض الرجال: تزينوا فإنهن يحببن منكم ما تحبون منهن، كما أنت تحب منها أن تكون أنيقة أمامك، وأنت كن أنيقاً أمامها، هذا من أجل الجمال في اللباس (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) اللباس ستر، ولصوق، واللباس جمال.

الجمال الحقيقي:
الجمال ليس فقط جمال المظهر
انظروا إلى هذا الموقف الجميل، حتى لا يقول الإنسان: اقتصرنا على جمال المظهر، وهو مهم جداً كما قلت، مهم أن تتزين الزوجة لزوجها، ويتزين الزوج لزوجته، طبعاً بالزينة المشروعة لكل منهما، فزينة الرجل شيء، وزينة المرأة شيء آخر، وهذا مفروغ منه لكن ليس فقط جمال المظهر وإنما جمال المخبر والمضمون، الجمال يكون في الموقف، ويكون في الكلمة.
السيدة عائشة رضي الله عنها مرة من المرات يقول لها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في ليلتها، النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده زوجات، وفي كل ليلة يبيت عند زوجة بالعدل كما أمره الله، فكان في ليلة عائشة، فيقول لها:

{ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزور فقال: أقول يا أمة كما قال الأول: زر غباً تزدد حباً، قال: فقالت: دعونا من بطالتكم هذه، قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي، قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره، قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بلّ لحيته، قالت: ثم بكى حتى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً لقد نزلت عليّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إن في خلق السماوات الآية كلها }

[أخرجه ابن حبان]

صدقوا أيها الكرام؛ نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يريد أن يقوم لصلاة قيام الليل، ليس الفرض، الفرض لا يحتاج إلى استئذان من أحد، لكنه قيام الليل، النافلة، فيستأذن عائشة للقيام، لأن الليلة ليلتها، ولعلها تريده، ولا تريد أن يغادرها، انظروا إلى هذا الأدب والجمال الراقي في موقف السيدة عائشة: (قال: يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي).
الآن أنتم لو أن أحدكم لا يعلم هذا الحديث، أو إحداكن لا تعلم، بماذا تتوقعون أجابت عائشة رضي الله عنها؟ لعل قائلة تقول له: قم وتعبد لربك حتى تعطيه ما يريد، ولعل قائلة تقول: بل لا أريد أن تقوم لأني أحبك، حتى تتودد له، هذا موقف، وهذا موقف، لكن عائشة ما اختارت هذا ولا ذاك، عائشة رضي الله عنها أجابت جواباً جميلاً، قالت له: (قلت والله إني لأحبّ قربك وأحبّ ما يسرك) هذا الجواب الجميل، أحبّ قربك ولكني أؤثر ما يسرك، فلو قالت: ابقَ أمامي لمنعته من أهم ما يحب، وهو الوقوف بين يدي الله، ولو قالت له: قم وصلِّ لعل في هذا جفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك).

اللباس مواءمة:
إذاً أيها الأحباب، أيها الكرام، أيها الأخوات الكريمات الفضليات؛ نفع الله بكن إن شاء الله، اللباس ستر وجمال ولصوق، بقيت واحدة، اللباس مواءمة، أحدنا اليوم إذا أراد أن يلبس لباسه، المرأة تريد أن تلبس مثلاً فستاناً معيناً كما يقال، أو الرجل يريد أن يلبس بذلة مثلاً، فإنه يختار المقاس المناسب له، فلا يلبس ضيقاً يزعجه، ويظهر بمظهر غير جميل أمام الناس، ولا يلبس فضفاضاً يضيع في داخله كما يقول العوام، وإنما يختار مقاسه المناسب فهذا يعني المواءمة، فاللباس مواءمة ومناسبة.
أيتها الزوجة: أنتِ لك طباع تعودتِ عليها، وزوجك قد لا يحب بعضها، فينبغي أن تتواءمي معه، وأنت أيها الرجل لك طباع لعل زوجتك لا تحب بعضها، فينبغي أن تتواءم معها، والآن سامحوني بكلمات لكن هو الحق، الزوج والزوجة كلاهما ينبغي أن يتواءما، كل منهما ينبغي أن يتنازل قليلاً لنلتقي بالمنطقة الوسط كما يقال، لكن الزوجة يُطلب منها ذاك بشكل أكبر ليس ذكورية كما يقول البعض، نحن نجلّ المرأة وهي على العين والرأس، لكن لأن الشرع دائماً جعل للرجل مزيةً، ولأنه ينفق من ماله، وبخروجه من البيت، وما يواجهه من صعوبات الحياة فينبغي لزوجته أن تكون مطواعة له، وهذا لا يعني أنه ينبغي ألا يتنازل من أجلها.
فهذا اللباس، اللباس ستر ومواءمة ولصوق وجمال، والزواج، والعلاقة بين الزوجين ستر ومواءمة ولصوق وجمال.

السكنى بين المرأة والرجل:
أيها الأخوة الكرام؛ أيضاً ربنا جلّ جلاله عندما وصف العلاقة بين الرجل والمرأة قال:

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
[ سورة الروم]

المرأة والرجل متكاملان
ما معنى السكنى؟ السكنى تعني أن هناك طرفين كل منهما ينقصه شيء فهو يكمِّل نقصه بالطرف الآخر فيسكن إليه، ولو أنهما كانا متشابهين تماماً لحصل التنافر، ولم تحصل السكنى، فالرجل عنده قوة قيادة، والمرأة عندها قوة عاطفة، فهي تكمل نقصها به، وهو يكمل نقصه بها، هذه العلاقة الزوجية في الأسرة الواحدة، أن الرجل يأخذ من زوجته ما ينقصه، وهي تأخذ منه ما ينقصها.
مرةً حضرت برنامجاً في قناة الجزيرة الوثائقية فيما أذكر والله أعلم، ذكروا أنهم أجروا تجربة، جمعوا مجموعة من الرجل والنساء في قاعة، وأعطوهم ورقة، وطلبوا منهم رسم دراجة، دراجة هوائية خلال دقيقة واحدة وتؤخذ الأوراق، كانت المفاجأة ولا أذكر النسب تحديداً، لكن كانت المفاجأة أن معظم النساء ربما تسعون بالمئة رسموا الدراجة دون أن يضعوا هذا المسنن، أو الجنزير الذي يصل طرفي الدراجة بين العجلتين، الدراجة إذاً لن تمشِي، النساء لم ينتبهن إلى هذا التفصيل الدقيق، بينما معظمهن وضعوا راكباً على الدراجة، جاؤوا إلى الرجال فوجدوا العكس، قليل من الرجال من وضعوا راكباً على الدراجة، لكن معظمهم اهتموا بالتفاصيل، ووضعوا الجنزير الذي سيحرك الدراجة.
فالفروقات بين الذكر والأنثى ليست مجرد كلام في الهواء، والدعوة إلى المساواة هي دعوة سخيفة في الواقع، حقيقة الأمر وواقع الأمر أن هناك تبايناً تكاملياً، وليس تبايناً تنافرياً، تباين تكاملي بحيث يكمل كل من الطرفين نقصه بالآخر، ليس الرجل أفضل من المرأة، وليست المرأة أفضل من الرجل، ولكنهما يتكاملان لتحقيق مسيرة مجدية ونافعة للأسرة.

المودة والرحمة تحكمان العلاقة بين الزوج وزوجته:
المودة هي التعبير عن الحب
إذاً أيها الكرام؛ عندما نتحدث عن علاقة الزوج بزوجته قال: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) فكل من الطرفين يكمل نقصه بالآخر، قال: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) فرسم العلاقة بين الزوجين بأنه يحكمها كلمتان؛ المودة والرحمة، قال بعض المفسرين: هم الأولاد، وقال بعضهم: بل المودة هي التعبير عن الحب، فأنت تحب زوجتك، وهناك مشكلة أيضاً أريد أن أشير إليها: الزوج يحب زوجته لكنه لا يجد من المناسب، أو من عادته أن يعبر لها عن حبه لها، وهذه مشكلة، وهي ضعف التعبير عن المشاعر، ما دمت تحبها فلماذا لا تحضر لها طعاماً طيباً تحبه تخصها به؟ ما دمت تحبها لماذا لا تقول لها: أنا أحبك؟ وما دمت تحبين زوجك فلماذا لا تعبرين عن ذلك بمرافقته صباحاً إلى باب البيت عند عمله وتوديعه؟ لماذا لا تعبرين له عن ذلك بكلمة: أنا أحبك؟ التعبير عن المشاعر مهم حتى تبقى العلاقة قائمة، فقال: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) فالمودة هي التعبير عن الحب.
وأما الرحمة فما ينوب عن المودة لغيابها لسبب أو لآخر، فالزوج قد يفتقر، لكن المرأة لا تترك زوجها إذا افتقر، فهذه رحمة، وربما المرأة تمرض على سبيل المثال، ولكن الزوج لا يتخلى عن زوجته إذا مرضت، بل يخدمها، وهذا واقع يشاهد في حياتنا اليومية.
اليوم أخبرني أحد الأخوة الكرام؛ أننا نوجه هذه الدورة التخصصية والكلام فيها لنسائنا ولرجالنا في المغترب، والله أيها الأخوة أنا بحكم عملي في تلقي أسئلة الناس، أصبحت أنزعج عندما أستقبل الأسئلة التي تحدث عن دمار الأسرة في بلاد المغترب، هل هو ضعف تدين؟ نعم، وهل هي قوة قانون هناك تجعل ضعيف العقل والإيمان يلجأ إلى القانون بدل اللجوء إلى أحكام الشرع؟ نعم، أيضاً تجد امرأة تطالب بنصف أملاك زوجها وتقول: القانون سمح لي بذلك عند الطلاق، وتستغرب أن تجد امرأة تمنع زوجها أن يرى الأولاد لأنه غضب فعلا صوته في البيت، فاتصلت بالشرطة فأخرجوه ومنعوه من أولاده، هذا كله واقع مشاهد، ليس من نسج الخيال، الوضع في الغربة صعب، دخل إلى البيت غاضباً، ربما أنّب ولده، ربما أخطأ فضرب ولده، تُحضر له الشرطة، تستغرب عندما تجد زوجاً قد ذهب إلى هناك فترك زوجته هملاً، وانشغل بالموبقات والعياذ بالله، تستغرب عندما تجد امرأة عندما تقول: ليس له سلطان عليّ، وأنا الآن عندي راتب من الدولة يكفيني ويكفي أولادي، تستغرب هذه الممارسات التي أقل ما يقال عنها: إنها خارجة عن قيم الإسلام ومبادئه، ليس هناك حياة وردية.
الحياة الطبيعية لا تخلو من المنغصات
اليوم كنت أسجل برنامجاً سيعرض في رمضان إن شاء الله، كنت أقول للناس: هذا الذي يسمونه اليوتيوبر يخرج هو وزوجته كل يوم في مطعم، وكل يوم في مكان، هذان في المساء أنفسهما - سامحوني بهذا الكلام – يشتمان بعضهما، لكن عندما نراهم على اليوتيوب نرى العالم الوردي، العلاقة الزوجية التي لا يوجد فيها مشكلات أبداً، وأنهما يحبان بعضهما، وأنه يهديها هدية، فيظن الناس أن الحياة هكذا بالإعلام؟ لا، هذه للكاميرات، هذه للكاميرات فقط من أجل أن يحصلوا مشاهدات فقط، من أجل أن تراهم، وهنا يحصدون مشاهدات ويأخذون لايكات وإعلانات هم يعيشون عليها، أما الحياة فليست هكذا، ليست هناك حياة كحياة الإعلام، الحياة الطبيعية فيها منغصات، فيها رجل يختلف مع زوجته، والزوجة تختلف مع زوجها، وأولاد يضنون آباءهم أحياناً، الحياة ابتلاء، لا يوجد حياة وردية، وعندما ننظر إلى الإعلام دائماً بين الرجل والمرأة الرجل يرسم في ذهنه صورة للزواج غير موجودة، والمرأة ترسم في ذهنها صورة للزواج غير موجودة، في الزواج يوجد مشكلات، ما خلا بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وحبيب الحق من المشكلات.

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلَتْ إِليه إِحدى أُمهات المؤمنين بِصَحْفَة فيها طعام، فَضَرَبتِ التي هو في بيتها يَدَ الخادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحفَةُ، فانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِلَق الصَّحفَةِ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غَارتْ أُمُّكم، غارتْ أُمُّكم ثم حبس الخادم، حتى أُتيَ بِصَحفَة من عند التي هو في بيتها، فدفعها إِلى التي كُسِرَتْ صَحْفَتُها، وأمسك المكسورة في بَيْتِ التي كَسَرَتْها }

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي]

خرج رسول الله فتبعته، خرج إلى المقبرة، فتبعته لتنظر إلى أين يذهب، السيدة عائشة، فنهزها في صدرها، فقال:

{ عن محمد بن قيس بن مخرمة رحمه الله قال يوماً: ألا أُحدِّثكم عنِّي وعن أُمِّي؟ فظننا أنَّه يريد أمَّه التي ولدتُهُ، قال: قالت عائشةُ أُمُّ المؤمنين: ألا أُحدِّثُكم عني وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى، قال: قالت: لمَّا كانت ليلتي التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طَرَف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا رَيثما ظَنَّ أني قد رَقَدْتُ، فأخذ رداءه رُوَيداً، وانتعل رويداً، وفتح الباب رويداً، فخرج، ثم أجافه رُويداً، وجعلتُ دِرْعي في رأسي، واختمَرتُ وتَقَنَّعْتُ إزاري، ثم انطلقت على إثْره، حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه - ثلاث مرات - ثم انحرف فانحرَفْتُ، فأسْرَع، فأسرَعتُ، فهروَل، فهرولتُ، فأحَضر، فأحضَرْتُ، فسبقته فدخلتُ، فليس إلا أن اضطجعتُ، فدخل فقال: مالك يا عائشةُ؟ حشيا رابية، قالت: قلت: لا شيء، قال: لَتُخْبرِيني أو لَيُخْبِرنِّي اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسولَ الله، بأبي أنت وأُمي، فأخبرتُه، فقال: فأنتِ السَّوادُ الذي رأيتُ أمامي؟ قلت: نعم، فلَهَزَني في صدري لَهْزَة أوجعتني، ثم قال: أظننتِ أن يَحيفَ الله عليكِ ورسولُه؟ }

[أخرجه مسلم والنسائي ومالك]

تكلمت بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحا حزبين حتى أنزل الله تعالى:

إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
[ سورة التحريم ]

البيوت لا تخلو من المشكلات، لكن الحمد لله في بيوت المسلمين ينبغي أن تخلو من المشكلات الكبيرة، مشكلة الخيانة لله ولرسوله، من مشكلات الزنا، من مشكلات الخمر، أما المشكلات الطبيعية فتكون، فهذا الذي يرسم في الإعلام على أنه يعيش مع زوجته، يفتح لها باب السيارة وتنزل، هذا فقط أمامنا فتح لها باب السيارة، في الواقع ينزل ويدعها هي تفتح باب السيارة، وهي تنزل الأولاد، وهو يمشي قبلها ويتركها، وهي أيضاً في الإعلام تظهر: أنا أحبك، وفي الواقع تتمرد عليه في البيت، فلا تصدقوا، لا تصدقوا الإعلام، هذا على الهامش.

علاقة المرأة بأولادها:
الحاجة إلى تدعيم الأسرة في بلاد الغرب
إذاً أيها الكرام، أيها الأحباب، أيتها والأخوات الفضليات، أيها الأخوة الكرام؛ حياكم الله جميعاً، ونفع بكم؛ وأعلى قدركم، وجهت الكلام هنا إلى من يعيش بالغرب، نحن بحاجة إلى تدعيم الأسرة في بلاد الغرب، أن نتكاتف أكثر، المسؤولية على الطرفين، على الرجل والمرأة، تكاتف أكثر، تحمل لبعضنا أكثر في الغربة، تعاطف مع بعضنا بشكل أكبر، رعاية لأولادنا بشكل أكبر، هذا عن علاقة الرجل بالمرأة في البيت، علاقة الأولاد، الوقت ضيق ربما لا يحتمل إلا أن نذكر موضوعاً واحداً هو العلاقة الزوجية، لكن أنا حسب ما أنظر في الساعة بقي سبع إلى ثماني دقائق إن شاء الله، فأحب أن أدلي بموضوع الأولاد قليلاً.
في الغرب تحديداً، إذا فرضنا أن للتربية وحدات، كيف يقولون مثلاً بالكهرباء واط، أو بالضغط باسكال، المهم يوجد وحدات، لو فرضنا أن التربية لها وحدات في التعاطي، كم وحدة تربية تحتاج؟ إذا كنت في بلد تقام فيه شعائر الله، وهو بعيد كثيراً عن التفلت، الآن كل البلاد فيها تفلت، لكن الموضوع نسبي، فإذا كنت في بلد كل ما فيه يعينك على الطاعة، قد تحتاج إلى عشر وحدات في التربية مثلاً، فإذا كنت في الغرب تحتاج إلى مئة وحدة، لأن كل ما هناك يأخذ ولدك منك، وأنت تريد أن تضمه إلى الأسرة، فبتعزيز الأسرة، وتعزيز مكانتها، وجعل البيت جنة فيه ما يحب الطفل من طعام، وشراب، وأناقة في طاعة الرحمن طبعاً، والابتعاد عن المشكلات، تضمه إلى البيت، وتجعله في حرزٍ من أصدقاء السوء، ومن البعيدين عن الله عز وجل.
علاقة المرأة مع أبنائها أنها هي المربية، باختصار هي المربية، الرجل يقوم على بعض الأمور لكن مرحلة الطفولة المبكرة تبدأ الأم بتربية الطفل وهو في بطنها في بعض الدراسات، تهلل له بكتاب الله، أي بالحمل، ثم بالإرضاع، ثم بالطفولة المبكرة يكون الدور عليها مئة بالمئة، بعد أن يكبر الولد، أي الصبي يصبح بحاجة والده ربما أكثر من والدته، تبقى البنت إلى أن تتزوج بحاجة والدتها حوالي تسعين بالمئة، ووالدها عشرة بالمئة، فالدور الأكبر في العملية كلها هو للأم، فهي مربية الدار والمسؤولة عن الأولاد.

الخوف من الله أعظم ما تربي الأم عليه أبناءها:
الطفل يحتاج إلى تنمية المراقبة والحب
لذلك قالت خولة بنت ثعلبة: إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتم إليّ جاعوا، فالتربية تقوم عليها الآن، أعظم ما تربي الأم عليه أبناءها، وهذا ما أختصر به الموضوع مراقبة الله تعالى، اليوم أقول لبعض الأمهات: ربّي أبناءك وبناتك على العقيدة، لا تتركي وسائل الإعلام أن تربيهم، أنتِ ربيهم على العقيدة، تقولين لي: العقيدة؟ صعب، لا يا أختي ليس صعباً، أنا لا أقول عقيدة أي حدثيهم عن توحيد الإلوهية، وتوحيد الربوبية، ودلائل وجود الله، لا، لا، العقيدة البسيطة جداً جداً، مراقبة الله عقيدة، التوحيد عقيدة، أن يحب الله عقيدة، إيمان، أن يخاف أحياناً، لكن الحب أهم للطفل، أي ليس مناسباً أن تقولي لابنك: صلّ وإذا لم تصلِّ سوف تذهب إلى النار، بل قولي له: صلِّ، إن صليت تذهب إلى الجنان، الطفل يحتاج إلى جانب تنمية المراقبة والحب أكثر من تنمية جانب الخوف.
يوم كنا صغاراً كانت معلمة المدرسة الابتدائية تروي لنا قصة مشهورة، كان عمر رضي الله عن عمر يجوب ليلاً في المدينة فسمع كلام فتاة:
قالت بنية قومي فامزقي اللبنـــــا فالماء سوف يزيد الوزن والثمنا قالت لها البنت: يا أمــــاه معــذرةً فقد نهى عمـــــــــرٌ أن نخلط اللبنـا قالت الأم: أنى يرى عمر صنيعنا إنما الفاروق ليــــــــــــــــس هنــــــــــــــا قالت البنـــــت: لا تفعلــــــــــــي أبداً فالله يعلـــــــم منا الســــــــــر والعلنـــا إن لم يكن عمر الفاروق يبصرنا فإن رب أبي حفصٍ هنـــــا معنــــــــا
{ بائعة اللبن - جدة عمر بن عبد العزيز }
فوضع علامة على البيت حتى لا يضيع عنه، وفي الصباح أرسل خادمه، فقال: انظر من في البيت؟ فإذا فتاة في عمر الزواج، ومعها جدتها، فذهب عمر، وأقسم على أولاده ليزوجنها لأحدهم، قال: والله لو كان بي حركة إلى النساء لتزوجتها، لكن أنا رجل كبير، لكن أريد أن أزوج هذه البنت لولد من أولادي، لأن عمر أدرك أن هذه أماً فاضلة، ستربي أبناءها على المراقبة، على مراقبة الله لا مراقبة الناس، على الحرام لا على العيب، العيب خوف من الناس، والحرام خوف من الله، فعلم أنها تراقب الله فقال: لأزوجنها، فقال عبد الله: لي زوجة، وقال الآخر: لي زوجة، وقال عاصم: أنا ليس لي زوجة فزوجني يا أبي، فزوجها لعاصم، فكانت هذه الفتاة جدةً لعمر بن عبد العزيز الذي أعاد للخلافة راشديتها، وأصبحنا نقول اليوم: عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل، عمر بن الخطاب جد عمر بن عبد العزيز أدرك أن فتاة تقول: إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا لا يمكن إلا أن تنشئ جيلاً مختلفاً تماماً فزوجها وكان من نسله ما كان.
لذلك أهم ما تربين به أولادك في علاقتك معهم أن تعززي مراقبتهم لله، وخوفهم من الله، الله يرانا.
سهل بن عبد الله التستري، كان يقول: كنت أنظر إلى خالي محمد بن سوار وهو يقوم في الليل، يقوم في الليل خاله ويصلي، فكنت أنظر إليه، ويتعجب من صلاته، قال فقال لي يوماً، كان سهل طفلاً صغيراً عمره خمس سنوات أو ست، فكان يقول لي: يا سهل قل: الله شاهدي، الله مطلع عليّ، الله ناظر إليّ، قال: وما كنت أفهم، لكن جعلت أقول: الله شاهدي، الله ناظر إليّ، الله مطلع عليّ، قال: قلها ثلاث مرات بقلبك، ثم قال لي: اجعلها سبع مرات، فجعلتها، قال: ثم وجدت لذلك حلاوة في قلبي، فقال لي خالي يوماً: يا سهل من كان الله شاهداً عليه، ناظراً إليه، مطلعاً عليه، أيعصيه؟ قلت له: لا، قال: إياك والمعصية.

الأم هي المعول عليها في تربية أبنائها:
في الطفولة المبكرة المسؤولية الكبرى على الأم
الذي أريد أن أقوله: الأم في البيت هي مربية الجيل، هي المعول عليها في تربيته، إياكن لمن كان منكن عندها خادمة في البيت أن تترك الولد للخادمة، وللنساء اللواتي هن في بلاد الغرب إياكن، طبعاً في بلاد العرب، لكن في المغترب أكثر، إياكن أن تتركن الولد للمدرسة، وللرفاق، وللمعلمة، تحتاجين إلى بذل جهود مضاعفة يومياً، اجلسِي معه بعبارات لطيفة محببة، بلعب، بمداعبة، بكلام طيب، دعِي الجوال جانباً، دعي الآيباد جانباً لا تعبثي بشيء، ولا بشاشة، هذه ساعة لك، اسمعِي منه، فليحدثك ما جرى في النهار، لا تنزعجي من سماع القصص التي تبدو لك سخيفة، إنها قصص مهمة جداً يرويها عما حصل معه اليوم، عما قال له رفاقه، تفهمين منه، توجهين، هذا صح، وهذا غلط، وهذا حرام، وهذا حلال، بلطف، بهدوء، بمحبة، بقبلة على وجنته، لا بد أن نربي أبناءنا، لا بد أيتها الأخت الفاضلة أن تقومي بالدور، لا أقول وحدك، الأب مسؤول، والزوج مسؤول، لكن أقول: في الطفولة المبكرة المسؤولية الكبرى على الأم، وفي كل المراحل المسؤولية الكبرى على الأم للبنت، فالبنت تكون مع أمها، وإذا قلنا: والقسوة؟ فما عادت تجدي اليوم نفعاً، الحزم مسموح في بعض المواقف، عندما يحبك وتحبك ابنتك يسمع منك بحزم قليل، لكن القسوة اليوم مرفوضة لأن العالم موحش جداً جداً في الخارج، فإن وجد قسوة قد يخرج من البيت، لا أقول يخرج بجسده، وقد حصل حالات يخرج بجسده، لكن يخرج بفكره، يصبح تفكيره خارج البيت مع رفاقه، مع المطاعم، مع النزهات، ولا يلتفت إلى بيته، فاجعليِ بيتك جنة، قفي مع ابنك، قولِي له: أُمني في الصلاة، مسموح للطفل المميز أن يؤم في الصلاة، هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم، ابنك عشر سنوات، قولي له: أريد أن أصلي وراءك وأسمع صوتك، حفظت قل هو الله أحد أريد أن أسمعها منك، أريد أن أصلي وراءك المغرب، أنت إمام، أنا أحب ابني يقف ويؤمني في الصلاة، عززي هذه الجوانب الإيجابية في الطفل، أنت مسؤولة.

{ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ' كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها، والخادم في مال سيده راع، وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ ' قال: فَسمِعتُ هؤلاءِ من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسِبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ' والرجلُ في مالِ أبيهِ راعٍ، ومَسْؤولٌ عن رعيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّتِهِ '. وفي رواية مثله إلا قَوْلَهُ: ' والرجلُ فِي مَالِ أبيهِ '. وفي أخرى: ' والعبدُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ، وهو مسؤولٌ }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي]

البطولة أن نصل إلى دار السلام بسلام، الدنيا فانية، نحن أبناء الآخرة، جئنا إلى الدنيا مؤقتاً لندفع ثمناً، لا أقول لندفع ثمناً وإنما لنقدم سبباً لدخول الجنة، دارنا هناك، نحن في دار مؤقتة، فلنبذل كل جهد لإرضاء الله تعالى، ولعمارة الأرض بالخير، ولتربية جيل يؤمن بربه، ويدافع عن أمته، ويعتز بدينه، وقيمه، وحضارته.
والحمد لله رب العالمين