فقه الجهاد
فقه الجهاد
كثيراً ما يُسيِّرنا قضاء الله دون أن نشعر، ويصوغ المولى حياتنا دون أن ننتبه، نحن في الحياة أشبه بطفلٍ صغيرٍ لا يملِك كثيراً من أمره، ولكنه مرتاح، لأن أمره بيد حكيم يحبه، ويعرف صالحه أكثر مما يعرفه هو. |
زيد بن حارثة الصحابي الوحيد الذي خُلِّد ذكره في القرآن باسمه:
زيد بن حارثة وقع في الأسر وهو في الثامنة من عمره، ثم عُرض للبيع في سوقٍ قريبةٍ من مكة، ليشتريه حكيم بن حزام، لخديجة بنت خويلد، ولتهديه بدورها لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
هكذا حرَّكت يد القدرة الإلهية زيداً، وسارت به ليكون في بيت خاتم النبيين، وليطَّلع بعينه على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وليكون بعدها من أوائل المسلمين، ثم ليكون الصحابي الوحيد الذي يُخلَّد ذكره في القرآن باسمه: |
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا(37)(سورة الأحزاب)
ثم ليكون قائد جيش المسلمين في مؤتة، ثم لينال الشهادة في سبيل الله، على أرض الشام المباركة. |
لم يكن يخطر له على بال، أنَّ الله تعالى يُسيِّره ليكون في بيت النبوُّة، وليكون تلميذاً نجيباً في دار الأرقم، وليتخرَّج فيها مجاهداً ثم شهيداً، وهو يحمل راية المسلمين، ويقود جيشهم لحرب الروم. |
لم يكن في دار الأرقم ما يوحي، بأنَّ هؤلاء الخرِّيجين سيقودون جيوشاً، وسيفتحون أرضاً وقلوباً، وسينشرون ضياءً ونوراً. |
عليك إلا أن تبدأ ببناء نفسك ثم تعقد العزم على نصرة دينك:
ما عليك إلا أن تبدأ ببناء نفسك، ثم تعقد العزم على نصرة دينك، ثم تبحث لك عن موضعٍ، تُحقِّق فيه مشروعك، والله تعالى يتولى أمرك، ويُهيئ لك الموقع الذي يناسب طموحك. |
أعجز الناس من يعجز عن النية الصالحة، قد لا تملِك المقومات، ولكنك تملِك نيتك، ونية المؤمن خيرٌ من عمله، انوِ الخير فإنك بخيرٍ ما دمت ناوياً للخير. |
قادة معركة مؤتة ثلاث، وكل منهم كان يسلم الراية لمن بعده، حسب ترتيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمُلفِت للنظر أنَّ جعفراً وزيداً كانا من خرِّيجي دار الأرقم، بينما أسلم عبد الله بن رواحة على يد خرِّيجٍ ثالث، هو مصعب بن عُمير رضي الله عنهم أجمعين. |
قل إن شئت: إنَّ مادة الجهاد في سبيل الله، كانت حاضرةً في دار الأرقم، وقد بدأ الجهاد عندهم منذ أسلموا، فكان كل واحد منهم يجاهد نفسه ليحملها على طاعة الله، وكان كل منهم يجاهد الآخرين بتعليمهم دين الله، وكان كل منهم يجاهد في بناء أمة الإسلام، ونصرة دين الله تعالى، ومضوا على ذلك سنواتٍ والقرآن يقول لهم: كفُّوا أيديكم، إلى أن أُذِن لهم بالقتال، فكانوا مجاهدين بحق. |
وبين (كفُّوا أيديكم) و (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) كان جهاد وبناء وإعداد، أهَّلَ خرِّيجي دار الأرقم ومن بعدهم، لحمل راية الإسلام والدفاع عنها حتى الرمق الأخير. |