تفسير سورة الفاتحة
تفسير سورة الفاتحة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
معاني البسملة :
1 ـ نقل النعمة إلى المنعم :
اليوم حديثنا عن سورة الفاتحة كما طلب أبو عوني جزاه الله خيراً. |
سورة الفاتحة من سبع آيات، باعتبار أن البسملة آيةٌ من الفاتحة، وهو على رأي أكثر العلماء أن البسملة آيةٌ من بداية سورة الفاتحة، ولن ندخل في التفاصيل الفقهية فلا تعنينا هنا، لكن البسملة جزء من الفاتحة كما يقول أكثر العلماء: |
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ *(سورة الفاتحة: الآية 1-7)
أمرنا النبي أن نبدأ أي عمل بالبسملة
|
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ(سورة النساء: الآية 113)
علمك اللغة، {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}: |
عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(سورة الرحمن: الآية 4)
ثم أعطاك يدين أمسكت الكتاب، أو أمسكت الهاتف الذي فيه ما تقرأه إلخ..، أي في كل نعمةٍ من نعم الله عز وجل لو أمضى الإنسان عمره وهو يعدها لما استنفدها، قال تعالى: |
وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(سورة النحل: الآية 18)
أنت عاجز عن إحصاء نعم الله عليك
|
2 ـ تطبيق منهج الله في الطعام و الشراب :
تطبيق منهج الله في الأكل والشرب
|
التمييز بين الرحمن و الرحيم :
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} الآن الرَّحْمَٰنِ والرَّحِيمِ، اسمان من أسماء الله تعالى، وقد اختلف العلماء في التمييز بينهما من (الرَّحْمَٰنِ)؟ ومن (الرَّحِيمِ)؟ (الرَّحْمَٰنِ) أرحج الأقوال اسم ذاته، والرَّحِيمِ: اسم أفعاله جل جلاله، كيف؟ (الرَّحْمَٰنِ) جل جلاله لا يطلق إلا على الله تعالى، لا يجوز أن تقول: فلان من العباد رحمن، أما يجوز أن تقول: لي صديقٌ رحيم، لكن الرحمن هو الله وحده لأنه اسم ذات، كيف اسم ذات؟ الآن انظروا في القرآن الكريم كل الآيات: |
وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(سورة الأحزاب: الآية 43)
الفرق بين الرحمن والرحيم
|
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(سورة مريم : الآية 45)
إذا قرأ الإنسان الآية لأول مرة يتبادر إلى ذهنه: أخاف أن يمسك عذابٌ من الجبار، من المنتقم، من العظيم، جاءت الآية {إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ} لأن الرَّحْمَٰن تقتضي رحمته جل جلاله أحياناً أن يسوق لعبده عذاباً أدنى دون العذاب الأكبر، لعله يرجع إلى ربه، ويؤوب إليه، حتى لا يميته إلا وهو على التقى والتوحيد، فالعذاب يأتي من الرَّحْمَٰنِ أحياناً {إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ} أما الرَّحِيمِ فهي صفة الفعل، وقد قال الشاعر: |
فقسا ليزدجروا ومن يكُ راحماً فلْيَقْسُ أحياناً على من يرحمِ ***{ أبو تمام - العصر العباسي }
أحياناً يقسو الإنسان على ابنه رحمةً به، هذا الفرق بين الرَّحْمَٰنِ والرَّحِيمِ. |
اختصاص الله تعالى بجميع المحامد ما علمنا منها وما لم نعلم :
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه (ال) قبل الحمد، هي (أل التعريف): لها أنواع في اللغة العربية، هذا النوع هنا هي (أل) الاستغراق (أل) الاستغراقية، أي جميع المحامد ما علمنا منها وما لم نعلم فهي لله وحده، هذه (أل) الاستغراق، وهناك (أل) العهد، وهناك (أل) الموصولية، هذه (أل) الاستغراقية. |
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي جميع المحامد ما علمنا منها وما لم نعلم هي لله تعالى وحده، يختص بها من دون كل خلقه جل جلاله. |
هناك حمد وهناك شكر
|
الربوبية و الألوهية :
رب الأسرة يتابع شؤون عائلته
|
الآن نفس المعنى ولله المثل الأعلى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} ماذا يعني رب العالمين؟ أي هناك بالأرض اليوم فقط من البشر، والعالمين كل العوالم حتى النباتات والحيوانات، لكن لو أخذنا البشر فقط، اليوم هناك في الأرض يوجد سبعة مليارات شخص، إذا كل شخص احتاج كل يوم رغيف خبز واحد أي نحتاج سبعة مليارات رغيف خبز، ناهيك عن اللحوم، وناهيك عن الماء، وناهيك عن الشراب، وناهيك عن أنواع النباتات، عن الأفلاك، يربّي جل جلاله، هو الرب، هو رب العالمين يربي كل شيء، الآن لا يربي فقط أجسامنا، الرب جلّ جلاله ليس فقط تنمو أجسامنا، ونأكل، ونشرب، وأعطانا زوجة وأولاداً، وبيتاً، ومسكناً، ومأوى، لا، يربي نفوسنا أيضاً، كيف يربي نفوسنا؟ إذا أحسنت تشعر بسعادة، هذا من مفهوم الربوبية، جلّ جلاله، إذا أنت فعلت معروفاً مع إنسان ألا تشعر في داخلك بسعادة؟ هذا السرور الذي في داخلك هو ربوبية من الله عز وجل، يربيك من أجل أن تعيدها، وإذا لا قدر الله إنسان أساء إساءة يقول لك: والله لم أنم، لماذا لم تنم؟ لأن فطرتك أزعجتك، هذا من مفهوم الربوبية، ربنا جلّ جلاله يربيك، فإذا أحسنت كافأك، وإذا أسأت نسأل الله السلامة عاقبك بشعور نفسي، أو بشيء، أحياناً يعاقبك بشيء تشعر هذا الشيء من أجل هذا الشيء، تقول: والله أنا أخطأت بهذا الموضوع، سبحان الله خرجت من المنزل جاء شخص فعل لي مشكلة، هذه مقابل هذه، هذه تربية، فالرب جلّ جلاله يربي الأجساد، فيمدها بما تحتاجه، ويربي النفوس بأن يدلها عليه جلّ جلاله من خلال بعض المصائب، من خلال بعض الإحسان، بعض المكافأة، إلخ...، فهو رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْعَالَمِينَ: كل خلق الله، العوالم أي عالم، الجن عالم، والحيوانات عالم، والنباتات عالم، والجمادات عالم، والله رَبِّ الْعَالَمِينَ، كل العوالم جلّ جلاله يربيها، هذا معنى رَبِّ الْعَالَمِينَ. |
تلخيص لما سبق :
رب العالمين مع خلقه بالرحمة
|
{ لا صلاةَ لِمَن لم يقرَأْ بفاتحةِ الكتابِ }
(رواه البخاري ومسلم)
الفاتحة ركن من أركان الصلاة :
الفاتحة ركن من أركان الصلاة
|
{ مَن صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرْآنِ فَهي خِداجٌ ثَلاثًا غَيْرُ تَمامٍ. فقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّا نَكُونُ وراءَ الإمامِ؟ فقالَ: اقْرَأْ بها في نَفْسِكَ؛ فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: قالَ اللَّهُ تَعالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ}، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: {مالِكِ يَومِ الدِّينِ}، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: {اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ }
(صحيح مسلم)
قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، انظروا مفهوم الرحمة {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ولعبدي ما سأل، هذا مفهوم الرحمة، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ}، قال: شكرني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالِكِ يَومِ الدِّينِ}، قال: مجدني عبدي، وإذا قالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، من العبد العبادة ومن الله الإعانة، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: {اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ. |
الله تعالى مالك كل شيء خلقاً وتصرفاً ومصيراً :
الله مالك كل شيء
|
الإيمان باليوم الآخر لتسوية الحسابات :
في سورة الفاتحة قال: {مالِكِ يَومِ الدِّينِ} إشارة إلى يوم الجزاء، يوم الدين هو يوم الجزاء الذي تدين فيه الخلائق لله تعالى فينبغي في كل صلاة، في كل ركعة، أن تذكر اليوم الآخر، لأنه لن يستقيم الإنسان على منهج الله تعالى إلا إذا آمن إيماناً يقينياً بيومٍ آخِر تسوّى فيه الحسابات، ولن يفهم حقيقة ما يجري في الوجود إلا بالإيمان باليوم الآخر، لا تستطيع أن تفهم، الحياة تنقضي فيها قوي وضعيف، ظالم ومظلوم، إنسان قتل وشرّد وانتهك وفعل وفعل ثم تنقضي الحياة هكذا؟ لا بدّ من مالك يوم الدين جلّ جلاله، لذلك ربنا عزّ وجل عندما وصف البعيدين عنه قال: |
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(سورة الروم: الآية 7)
لا بدّ من يوم تسوّى فيه الحسابات
|
عبادة الله و الاستعانة به :
الآن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} {مالِكِ يَومِ الدِّينِ} هذه المقدمات النظرية ما الذي ترتب عليها؟ الموقف العملي {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. |
قلت لكم منذ البداية بأنّ الربوبية هي كل شيء يأتي من الله للعبد، أي إذا قلت لك: من خلقك؟ الرب جلّ جلاله، من يرزقنا؟ الرب جلّ جلاله، طبعاً الله تشمل الرب، وتشمل كل الأسماء الحسنى، من أعطاك أولاد؟ الله ربنا، فهذا كله ربوبية، كل شيء يأتي من الله إليك فهو ربوبية، لكن كل شيء منك إلى الله فهو الألوهية، أي أن تتجه إلى الله، {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ما مشكلة المشركين؟ |
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ(سورة الزمر: الآية 38)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} إذا أردتم أن تتوجهوا لمن تتوجهون؟ إلى أصنامهم، ما هذا التناقض! {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} فالإنسان لا يكفي أن يؤمن أن الله قد أعطى ورزق وبيده كل شيء، لكن ينبغي أن ينتقل إلى أن يتوجه إليه، لأن كل شيءٍ بيده، انظروا إلى قوله تعالى: |
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(سورة هود: الآية 123)
العبادة اسمٌ جامعٌ لكل خير
|
أسلم طريق وأقصر طريق هو صراط الله المستقيم :
أسلم طريق هو صراط الله المستقيم
|
وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ(سورة الأنعام: الآية 153)
{ عن عبد الله بن مسعود، قال: خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، ثم قال: هذا سبيل الله "، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: " هذه سبل - قال يزيد: متفرقة - على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه "، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} }
(إسناده حسن)
ونحن عندما نقرأ قوله تعالى: |
يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ(سورة البقرة: الآية 257)
الحق واحد لا يتعدد
|
{اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ} صراط الله الكتاب والسنة الذي أمر الله بهم. |
صفات المغضوب عليهم و الضالين :
{صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} يصف هذه الصراط، صراط الخلق الذين أنعم الله عليهم بنعمة الهداية، هداهم إليه جلّ جلاله {غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} المَغْضُوبِ عليهم هم أشخاص عرفوا الحق ثم حادوا عنه وتركوه، مثلاً هناك شخص يقف في مكان، جاء شخص بسيارته وقال لك: الطريق إلى العقبة من أين؟ قلت له: من هنا، أنت دللته، الآن إدارة المرور وضعت له لوحة كبيرة مكتوب: العقبة مباشرةً، وإضافةً لذلك من أجل الليل وضعت له أنوار تشع، العقبة من هنا، وعندما فهم أن العقبة من هنا ذهب إلى اليمين، فهذا بالمصطلح الديني استحق الغضب من الله، لأنه عرف الطريق الصحيح |
الضال شخص تائه
|
أدب القرآن الكريم :
الآن انظر إلى أدب القرآن الذي نتعلمه من هذه الآية {صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم} أي أنعمت عليهم يا رب، ما قال: غير الذين غضبت عليهم، وغير الذين أضللتهم، قال: {غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} فعندما كان الأمر في الإنعام نسبه جل جلاله إلى ذاته، يا رب؛ أنت تتكلم مع ربنا؛ فعندما تتكلم معه في الإنعام قل له: يا رب أنت أنعمت عليّ، فإذا جاء الغضب والضلال {غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} هذا أدبٌ مع الله، بسورة الجن: |
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا(سورة الجن: الآية 10)
سيدنا إبراهيم عندما خاطب ربه قال: |
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(سورة الشعراء: الآية 79-80)
ثم قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ}، ما قال: وإذا أمرضني، قال:{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} فنسب الشفاء إلى الله، والمرض إلى نفسه، هذا الأدب مع الله، مع أن كل شيءٍ بيده جلّ جلاله، هذا معنى الحديث الصحيح: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ والخيرُ كلُّه في يدَيْكَ والشَّرُّ ليس إليكَ }
(صحيح مسلم)
الشر لا ينسب لله
|
فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا(سورة الكهف: الآية 81)
ولما جاء بدور الثاني قال: {فَأَرَدْنَا}، وفي الثالثة قال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ}: |
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا(سورة الكهف: الآية 79)
عندما جاء دور عيب السفينة، ما قال: فأراد ربك أن يعيبها، قال: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} حتى لا ينسب العيب إلى الله تعالى {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} لكن في الحقيقة كله جرى بأمر الله، لكن كله وظف من أجل تحقيق الخير، فالشر بيد الله، والخير بيد الله، لكن من أدب المؤمن مع الله تعالى أنه يقول: (والخيرُ كلُّه في يدَيْكَ والشَّرُّ ليس إليكَ)، هذا أدب مع الله، فلذلك قال: {صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم} فأنت في الصلاة تقول: {غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} وهو الله هو الذي غضب عليهم، وهو الذي أضلهم بناءً على ضلالهم هم، أي أضلوا فأضلهم الله: |
فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ(سورة الصف: الآية 5 )
فيأتي الإضلال من الله، والإزاغة من الله بناءً على ضلالٍ من الإنسان، وزيغٍ من الإنسان، {صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ}. |
هذه إحاطة سريعة، سامحونا قد يكون الكلام جافاً قليلاً لأنّ كله تفسير، وإن شاء الله بالأيام القادمة ننوع، لكننا أحببنا أن تكون سورة الفاتحة، حتى إذا قرأناها في الصلاة نستشعر معاني الربوبية، معاني الرحمة، معاني اليوم الآخر، ثم نستشعر التوجه إلى الله بطلب العون منه، وطلب أن يعيننا على عبادته جلّ جلاله، ثم طلبنا منه أن يهدينا إلى هذا الصراط المستقيم، وأن يعيذنا من الضالين، ومن المغضوب عليهم أجمعين. |