لماذا نسعد في رمضان؟

  • الحلقة الثامنة
  • 2020-05-12

لماذا نسعد في رمضان؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:بسم الله (الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) والصلاة والسلام على نبينا العدنان وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، إخوتي الأكارم أخواتي الكريمات أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
سؤالٌ يخطر في بالي ونحن في شهر الرحمة، لماذا نسعد في رمضان؟ لماذا نشعر بالأنس في رمضان؟ لماذا تمتلئ قلوبنا حباً وخيراً في رمضان؟ وجدت جواب هذا السؤال في شيئين اثنين:

1. الانشغال بالهدف الذي خلقنا من أجله في رمضان
الأول: أننا في رمضان مشغولون بالهدف الذي خلقنا من أجله وهذا سر سعادتنا، كيف ذاك؟
هدف الطالب النجاح في الامتحان
سأضرب مثلاً: لو أن طالباً عنده امتحانٌ مصيريٌّ، سيقرر مستقبله، وجاء إليه رفاقه قبل يومٍ من الامتحان وأصروا عليه أن يذهب معهم في نزهةٍ جميلةٍ، فاستجاب لهم وذهب معهم في هذه النزهة وجلس في أجمل مكان وتناول أطيب طعام ومتع ناظريه بأجمل المناظر، لكنه طول فترة النزهة يشعر بانقباضٍ في داخله، لماذا هو منقبض؟ لأنه منشغلٌ بشيءٍ يتناقض مع هدفه الذي يسعى له، أمَّا لو أنه جلس في بيته في غرفته وحيداً دون طعامٍ طيبٍ، ولا رفاقٍ يؤنسونه ولا مناظر خلابة يستمتع بمرآها، جلس وحده وفتح كتابه وقرأ المادة المقررة وأتقنها وحفظها وراجعها فإنه يشعر بسعادةٍ غامرة تملأ قلبه، لماذا؟ لأنه الآن قد شغل نفسه بالهدف الذي يريد أن يحققه غداً وهو النجاح في الامتحان.
في رمضان ننشغل بأشياء خلقنا من أجلها
لو طبقنا هذا المثال على حياتنا الدنيا وعلى حياتنا في رمضان، نحن طوال العام، وفي معظم أوقاتنا للأسف وعند كثيرٍ من المسلمين نحن مشغلون بأشياء لم نخلق من أجلها، كجمع المال والجدال ومتابعة الأخبار وهذه الأشياء منها محرم ومنها مباح، لكنها في المحصلة في مجموعها لم نخلق من أجلها، فنحن مشغلون بأشياء لم نخلق من أجلها، فلذلك لا نشعر بالسعادة التي نشعرها في رمضان، لكننا في رمضان وجهنا كلَّ طاقتنا إلى ما خلقنا من أجله، من صيامٍ وصلاةٍ وزكاةٍ وصدقةٍ وذكرٍ لله تعالى وقراءةٍ للقرآن، وهذه الأمور كلُّها تصبُّ في الهدف الذي وجدنا من أجله فلذلك نشعر بهذه السعادة تغمر قلوبنا لأننا مشغولون بالهدف الذي وجدنا من أجله، قال تعالى:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
(سورة الذاريات: الآية 56)

طبعاً العبادة بمفهومها العام، فحتى في رمضان ليست العبادة بمعنى قيام الليل وصيام النهار وإنما تتعداها إلى خدمة الخلق وإلى الأعمال الصالحة وإلى الربح الحلال الذي نقوي به أنفسنا وأمتنا وإخواننا وعوائلنا وأسرنا والمسلمين جميعاً.

2. إدخال السعادة إلى قلوب الآخرين في رمضان
أما الشيء الثاني الذي يسعدنا في رمضان فهو في قول من سُئِل:
من أسْعَدُ الناس؟ قال: من أسْعَدَ الناس
{ منقول }
السعادة في العطاء وليست في الأخذ
فنحن في رمضان نحاول بكل قوتنا أن ندخل السرور إلى قلوب الآخرين، فنسعد بسعادتهم، فالسعادة في العطاء وليست في الأخذ، فغالب المسلمين يخرجون زكاتهم في رمضان ويزيدون من صدقتهم في رمضان امتثالاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان جواداً، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، كَانَ كالرِّيحِ المُرْسَلَةِ.

{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ }

(صحيح البخاري)

فعطاؤنا للآخرين يُسعدنا، فإذا أردت أن تسعَد فأسعِد الآخرين.
نحن نسعد في رمضان لأننا مشغلون بالهدف الذي خلقنا من أجله، ولأننا نعمل جهدنا لإدخال السعادة إلى قلوب الآخرين، بدءاً بكلمةٍ طيبةٍ، مروراً بصدقةٍ وانتهاءً بأعمالٍ صالحة من تفطيرٍ للصائمين ودفعٍ لزكاة الفطر ومد يد العون لكل من يحتاجها في هذا الشهر الكريم.
أسأل الله تعالى أن يعيننا على الصيام وعلى القيام وأن يتقبل منا شهرنا وأن يضاعف لنا فيه الأجر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.