الإخلاص والطاعة لله عز وجل
الإخلاص والطاعة لله عز وجل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأُصَلِّي وأُسَلِّم على نَبَيِّنا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم عَلِّمنا ما ينفَعُنا وانفعْنا بما عَلَّمتَنا وزدنا عِلماً وعملاً مُتَقَبَّلاً يا رب العالمين، وبعد.
نبذة عن سورة الزمر:
سورة الزُّمَر مَكِّيَّة
|
سورة الزُّمَر مَكِّيَّة، نَزَلَت قبل الهِجرة، آياتها 75 آية. |
موضوعها العام هو التَّوحيد، تجريد التَّوحيد لله تعالى، الإخلاص لله في العبادة والطاعة، كل الآيات في سورة الزُّمَر تَدور حول هذا المحور، تستخدم السورة الأمثلة: |
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)[ سورة الزمر ]
وأحياناً الحقائق المُجَرَّدَة: |
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)[ سورة الزمر ]
كل ما يُستَخدَم في هذه السُّورة من أساليب بَلاغِيَّة، أو لُغَويَّة، هدفه الوصول إلى فكرة التَّوحيد وبناء التَّوحيد في النُّفوس، وما تَعَلَّمَتِ العبيد أفضل من التَّوحيد، التَّوحيد ألَّا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن يَدَ الله وحدها تعمل في الخَفَاء، وأنه ليس في الكون مُتَصَرِّفٌ إلا الله، و أن كل ما ترى ممن يَتَصَرَّف في هذا الكون إنَّما يتصرَّف بإرادة الله الكَونيَّة سواءً كان ما يحدث برضاه أم بغير رضاه فإنه يحدث بإرادته، قد يحدث شيء لا يرضاه ولكنه يحدث بإرادته، فلا شيء في الكون يَحدُث بغير إرادة لله، هو المَالِك ومن تَمامِ مُلكِه ألَّا يَحدُثَ في مُلكِه شيءٌ لا يُريده حاشاه جلَّ جلاله، فأن ترى يَد الله وحدها تعمل، وأن الله وحده هو المُتَصَرِّف، هذا مُحور هذه السُّورة، سورة الزُّمَر. |
القرآن تَنزيلٌ من الله نَزَل مُفَرَّقاً على حسب الوقائع والأحداث:
سُورة الزُّمَر بدأت بقوله تعالى: |
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)[ سورة الزمر ]
سورة ص قبلها اُختُتِمَت بقوله تعالى: |
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)[سورة ص]
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)[ سورة الزمر ]
فاختُتِمَت سورة ص بذكر القرآن الكريم (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) وافتُتِحَت سورة الزُّمَر بالحديث عن هذا الكتاب الذي هو ذِكرٌ للعالمين، هذا الرَّبط بين السُّورة وما قبلها. |
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
تنزيل: مصدر مصدر، فِعلُه: نَزَّلَ، نَزَّلَ تَنزيلاً، عَلَّمَ تعليماً، حَكَّمَ تحكيماً، وَفَّقَ تَوفيقاً، فكل فِعل على وزن فَعَّلَ يأتي المصدر منه على وزن تفعيل، فتنزيل أن الله نَزَّلَ هذا الكتاب تنزيلاً، هناك في القرآن نَزَّلَ وأَنزَلَ، غالباً نَزَّلَ في القرآن الكريم تأتي للدِّلالة على التَّنجيم، أي على نزول القرآن مُنَجَّمَاً أي مُفَرَّقاً بحسب الأحداث، لذلك قال تعالى: |
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)[ سورة القدر ]
لأنه نَزَلَ جُملةً واحدة من الَّلوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نُزِّلَ تنزيلاً على الوقائع والأحداث، شاءت حكمة الله تعالى أن ينزل القرآن مُفَرَّقاً، يأتي بعد حادثة، بعد سؤال، هذه أسباب النُّزول ليكون أدعى للتَّثبيت في النفوس، قال تعالى: |
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)[ سورة الإسراء ]
نَزَّلناه تنزيلاً، فالقرآن تَنزيلٌ من الله لأنه نَزَل مُفَرَّقاً على حسب الوقائع والأحداث فيأتي السؤال: |
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)[ سورة البقرة ]
أو يكون هناك حادثة وقَعَت فيأتي القرآن الكريم لبيان حُكمِها وهكذا. |
القرآن الكريم محفوظ في الصدور والسطور:
الكتاب والقرآن اسمَان لمُسَمَّى واحد
|
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)[ سورة الحجر ]
فالقرآن نُزِّل تنزيلاً وهو الكتاب لأنه مَكتوبٌ في المَصاحِف، يُقرَأ في السُّطور كما أنه يُحفَظُ في الصُّدور، فَيُنقَل مُشافَهَةً و يُنقَل كتابةً، وإذا قال الله تعالى: الكتاب، هذه ال التَّعريف تُفيد عَهداً مُعّيَّناً للكتاب في ذِهنك، فالكتاب هنا هو القرآن، أي إنسان تقول له: تنزيل الكتاب يفهم أن الكتاب هو القرآن، مع أن الكُتب كثيرة لكن الكتاب هو هذا الكتاب العظيم المَعهود في الذِّهن وهو كلام الله تعالى. |
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ) التَّنزيل يقتضي أن يكون هناك مُنَزِّلٌ ومُنزَّلٌ عليه ومُنَزَّل. أن يكون هناك مُنَزِّلٌ ومُنزَّلٌ عليه ومُنَزَّل، التَّنزيل يقتضي أنه يأتي من الأعلى إلى الأدنى، تنزيل من الأعلى للأدنى، فكلمة تنزيل تَنسِب إلى الله العُلو، فهو جلَّ جلاله فوق خَلقِه جميعاً و يُنَزِّل عليهم جلَّ جلاله، ثم المُنَزِّل هو الله، والمُنزَّلُ عليه هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، والمُنَزَّلُ هو الكتاب، وكلُّها لها شرفٌ عظيم، فالمُنَزَّل هو كلام الله، والمُنَزِّل هو الله، والمُنزَّلُ عليه هو رسول الله، فشَرَفُ المُنزَّل عليه من شرف المُنَزِّل جلَّ جلاله، فهو الذي نَزَّلَ، فالمُنزَّلُ عليه عظيم الشأن عند الله، والكلام المُنَزَّلُ عظيمٌ عند الله. |
تعظيم القرآن الكريم لأنه كتاب منزل من الله:
الآن (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ) للإشارة إلى هذا المعنى لأنك عندما تَعلَم من الذي نَزَّل فإنه يحصل لك التعظيم في القلب فهذا كلام الله، والله اسم عَلَم على واجِب الوجود جلّ جلاله، وفيه كل الأسماء الحسنى، فالله هو اللطيف القوي، أسماء الله الحسنى في الأصل يُمكن أن نقول هي صفات، لكن عندما كانت دائمة الذِّكر مع الله، إذا قُلتَ لإنسان: لطيف، هذه صِفًتُه، أمَّا الله فلطيف صِفَتُه، نعم، لكن هو اسمه أيضاً، هو اسمٌ من أسمائه الحسنى لأن اللطيف ليس صِفَةً في الله ولكنه أصبح دالَّاً عليه جلَّ جلاله، فالله هو اسم العَلَم، هو الذي يجمع كل أسماء الحسنى، فإذا قلتَ: الله، فكأنك قلت الرَّحمن والرَّحيم والَّلطيف والسَّميع والغفور والودود والقريب والمُجيب إلى آخر أسماء الله الحسنى. |
الله تعالى عزيز يحتاجه كل شيء في كل شيء:
العزيز هو الذي يَندُر وجوده
|
فعندما يقول تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ) هل يُمكِن أن يكون الله تعالى بحاجةٍ لتنزيل الأوامر علينا؟ أبداً، هو عزيز جلّ جلاله، فطاعَتُك لا تنفَعُه، ومَعصِيَتُك لا تَضَرُّه، وإنما نَزَّلَ الكتاب لك من أجلك أنت، فالأوامر التي فيه سعادتك في الدَّارين في الدنيا والآخرة، وهو لا يَضِرَّه إن لم تلتزم، ولا ينفعُه إن التزَمت، فقال: العزيز. |
الله تعالى حكيم وكل أفعاله وأوامره حكمة:
الإله يَطلِب الأشياء لصالحك أنت
|
لكن الله عز وجل حاشاه أن يكون كذلك، فهو عزيزٌ حكيم، هو غالِبٌ لا يُغلَب، ومع ذلك فأوامره كُلُّها حكمة، ليس فيها ما يُجانِب الحكمة والصواب حاشاه جل جلاله، فهو العزيز الحكيم. |
الحِكمَة في الأصل من حكمَة الفَرَس، كثير من المعاني تأتي في الأصل من المعاني الماديَّة المَحسوسَة، ثم انتقلت إلى المعاني المُجَرَّدة المعنوية. حكمَة الفَرَس التي تُوضع عند الِّلجام في فَمِ الفَرَس وتُمسَك بحبل، فإذا أراد الفَرَس أن يَنزِل إلى الأرض لِيأكل والوقت الآن ليس وقت طعام تَشُدّ له الحَكَمَة فيعود، وإذا أردتَ أن تترُكَه ليأكل من الأرض فإنك تُرخي الحَبل فيأكل، فَسُمِّيَت حَكَمَة يُتحكم بها بالفرس. |
فالحِكمَة من هنا جاء معناها أنك تضع الشيء في موضعه المناسب، فالحكيم لا يتصرف بخلاف ما ينبغي، كل تصرفاته تأتي بما فيه المصلحة، وبما فيه الحكمة، عَلِمَ من عَلِمَ وجَهِلَ من جَهِل، قد تجهَل الحكمة لكن تنكشِفُ لك بعد حين، أو يُترَك كَشفُها ليوم القيامة، لأنه حكيمٌ جلّ جلاله، كل أفعاله حكمة، فهو العزيز الحكيم. |
القرآن الكريم حق من الله تعالى لا تزيده الأيام إلا ثباتاً:
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)[ سورة الزمر ]
(إِنَّا أَنْزَلْنَا) الله تعالى (إِلَيْكَ) أحياناً يقول تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) وأحياناً عليك. عليك: من باب أن التَّنزيل تمَّ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم تخصيصاً، وعندما يقول إليك بمعنى أن هذا الإنزال تمَّ من أجلك، فعليك من باب الأعلى إلى الأدنى، وإليك من باب أن هذا التَّنزيل لصالحك. |
(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) بعد آيتين سيقول تعالى: |
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)[ سورة الزمر ]
أي جاء بالحق في الآية الثانية وفي الآية الخامسة، خَلْق السماوات والأرض كان بالحق، وإنزال الكتاب بالحق، ما معنى بالحق؟ الحق هو الشيء الثابت الذي له هدف، وليس الشيء العابِث أو الزَّائِل. |
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)[ سورة الإسراء ]
زائِلَاً، أما الحق فمن حَقَّ الشيء يَحُق إذا ثَبَتَ في مكانه ولم يتحرك، فالله تعالى أنزل هذا الكتاب بالحق بمعنى أنه لن يأتي شيءٌ في المستقبل أو في الحاضر أو في أي وقتٍ ينقُضه، مستحيل، لأنه بالحق: |
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)[ سورة الإسراء ]
فهو حقٌّ من الله تعالى، لا يمكن أن ينقُضَه شيء بل لا تزيده الأيام إلا رُسوخاً وثُبوتاً في نفوس الخلق، وهذا واضحٌ ملاحظ، لو كانت الهَجمَة التي تحصل دائماً على الإسلام والقرآن قد جرَت على أي كتابٍ في الكون لانمحَى من مئات السنين، لكن لأنه كلام الله تعالى فكل المحاولات التي حاولت النَّيْل من كتاب الله وقُدسِيَّتِه ومكانته في النفوس باءت بالفشل. |
العبادة والإخلاص:
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)[ سورة الزمر ]
العبادة والإخلاص صِنوان لا يتفرَّقان
|
فالخضوع المُطلَق لمنهج الله هو العبادة، وهذا الخضوع ينبغي أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ). |
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3)[ سورة الزمر ]
هنا تقرير للحقيقة بشكل قاطع (أَلَا): أداة للاستفتاح، للتَّنبيه، (لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) حَصْر وقَصْر. فلم يقل الدِّين الخالص لله وإنما قال: لله الدِّين الخالص، فأفادت الحَصْر والقَصْر عن طريق التقديم والتأخير، تقديم الخبر على المبتدأ، شبه الجملة على المبتدأ: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) أي ينبغي أن يكون دِينُك خالصاً لوجه الله، فلا تَدين لِصَنَمٍ ولا لبشرٍ، ولا لحجرٍ ولا لشهوةٍ، وإنَّما تُخلِصَ الدِّين له، أي الرجوع إليه وحده في كل شؤون حياتك (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ). |
الله تعالى مولى المؤمن والكافر لا مولى له:
الآن: |
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)[ سورة الزمر ]
تركوا عبادة الله تعالى واتجهوا إلى عبادة من هم دونه، لأن أي شيء تتخذه وَلِيَّاً لك سيكون من دون الله حتماً (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) الوَلَيُّ هو الله: |
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)[ سورة البقرة ]
فالوليُّ هو الذي يتولَّاك: |
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)[ سورة الأعراف ]
نحن وَلِيُّنَا الله
|
لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ (11)[ سورة محمد ]
من يتولَّى شأن الكافر؟ تأمَّل في شابٍ أو في طفلٍ له وَلي، أب يعتني به أو أم ترعاه، تأمَّل كيف تكون ثيابه، وكيف يكون في مدرسته، وكيف يكون تعامله مع الناس، وكيف يكون مؤَدَّبَاً في نُطقِه وفي لسانه، ثم انظر إلى طفلٍ يتيم واليتيم ليس الذي فَقَدَ أحد أبويه وإنما من تلقى له أماً تَخَلَّت أو أباً مشغولاً، فتأمَّل فيمن لا وَليَّ له، واسمع كلامه تَجدِ سوءاً في نُطقِه، واتساخَاً في ثيابه، ومعاملةً غير لائقة مع أقرانه، لأنه لا مَولى له (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ) فهؤلاء اتخذوا من دونه أولياء، لمَّا سُئلوا: لماذا اتخذتم من دونه أولياء؟ ما حُجَّتُهم؟ قالوا: |
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ (3)[ سورة الزمر ]
(زُلْفَىٰ) أي مكانةً ومَنزِلةً: |
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25)[ سورة ص ]
أي له مَكَانة ومَنزِلة : |
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)[ سورة الشعراء ]
أي قُرِّبَت. أما زُلفَى فهي المَكانة والمَنزِلَة، فهنا قال تعالى على لسان هؤلاء، ماذا يقولون؟ ما حُجَّتُهُم الباهِتَة التي لا قيمة لها؟ (مَا نَعْبُدُهُمْ) لهؤلاء الأولياء الأصنام اللات والعُزَّى الذين ادَّعوا أنهم ملائكةٌ ثم جعلوا لهم أصناماً (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ) حتى ترتفع مكانَتُنَا عند الله، وترتفع مَنزِلَتُنا عند الله، فنحن لا نعبدهم، نحن نعلم يقيناً أن الضَّار والنَّافِع هو الله، وأن المُعطي والمَانِع هو الله، وأنه خلقنا ويرزقنا، لكن هؤلاء اتخذناهم واسطة إلى الله لترتفع مكانتنا عند الله، هذه حُجَّتُهُم، (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ). |
الحكم يجب أن يكون دائماً لله عز وجل:
الجواب الإلهي: |
إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)[ سورة الزمر ]
القانون يُصدِر أحكامه بناءً على القانون الوضعي
|
هناك أناس مَرجِعيَّتهم الأعراف وهم موجودون في بلاد المسلمين بشكل كبير، وذكرهم الله تعالى في قرآنه، يوم كان يقول قائلهم: |
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)[ سورة الزخرف ]
أو مُقتدون ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ) الأعراف، تقول له: لماذا فعلتَ ذلك؟ هكذا ربَّاني والدي، هذا لا يجوز، لا، نحن في العائلة تربَّينَا هكذا، هذا مَرجعيَّتُه الأعراف والتقاليد، يقول لك: نحن هكذا نشأنا، هكذا تربَّينَا، العُرف. |
الحُكُم لمن ينبغي أن يكون؟ لله، المرجعيَّة ينبغي أن تكون الله، الله هو القضيَّة المركزية في حياة المؤمن إن صَحَّ التعبير، ليست القضية أن الله عز وجل أو منهجه أحد مصادر المعرفة، لا، لا، هو كل المعرفة (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أنتم الآن تدّعون ادَّعاء (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ) هذا ادَّعاء باطل. |
الحُكُم لمن في هذه المسألة للقانون أم للعُرف؟ لا، الحكم لله، أي المَرجعيَّة هي ما تدين لله تعالى به. |
(إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي اختلاف يقع بينك وبين أخيك مرجعيَّته ينبغي أن تكون الله: |
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)[ سورة شورى ]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)[ سورة النساء ]
الله تعالى يهدي من يشاء ويُضِلُّ من يشاء:
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)[ سورة الزمر ]
ربنا جلّ جلاله يصفهم الآن بالكذب (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) جاءت كاذب بصيغة على وزن فاعل، وكفَّار على وزن فعَّال مبالغَة من الكفر، لأن كَذِبَه أودى به إلى يُصبِح كفَّاراً يكفُر بنِعَم الله، ويكفر بوجود الله، ويكفر بوحدانيَّة الله، ويكفر بكمال الله، فاتخذ من دونه أولياء. |
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ وهذه الآية دليل على أن الله عز وجل يهدي من يشاء ويُضِلُّ من يشاء، لكن هذه المشيئة مُتَعَلِّقَةٌ بحال العَبِد، وليست تلك المشيئة كما يظن البعض مشيئة جَبر، لا أبداً. |
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)[ سورة المنافقون ]
لكن إذا رغب الإنسان في الهِداية فإن الله يهديه، وهنا إن الله لا يهدي من هو كاذب، لكنه يهدي من هو صادقٌ في طَلَبه، من يرد الحق يهده. |
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)[ سورة الصف ]
الله تعالى واحد لا شريك له:
ثم يقول الله تعالى: |
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)[ سورة الزمر ]
(لَوْ) حرف امتناع لامتناع، لو جئتني لأكرمتك، لكن لا أنت جئتني ولا أنا أكرمتك (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) أي هو ما أراد أن يتَّخِذ ولداً، لكن هذا افتراض، لو أراد الله أن يتَّخِذ ولداً، هم يدَّعون أن هؤلاء الملائكة بنات الله أو أولاد الله كما يَزعُمُون: |
سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)[ سورة الإسراء ]
واتَّخذوا لهم أصناماً يعبدونهم لِيُقَرِّبوهم إلى الله بِزَعمِهِم، فَيَرُد عليهم المولى جلّ جلاله بنقاش وحوار هادئ يُعلِّمُنا فيه طريقة هادئة في الحوار، افترِض ما يريده الخَصم ثم رُدَّ عليه، أحياناً يكون من الحكمة أن تستمع للخصم، وأن تُسَلِّم له ثم تَرُد عليه من مَنطِقِه هو، فيكون هذا أدعى لِثُبوت حُجَّتك عليه. |
فقال: (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) وهم يُسَلِّمون أن الله قد خَلَق، هم لا يُنازِعون الله في خَلقِه، المُشركون لا يُنازِعُون الله في خَلقِه، ما تَجَرَّأ مُشرِكٌ أن يقول: إن الله عز وجل لم يَخلُق، كما يَتَجَرَّأ اليوم من يُسمُّون أنفسهم المُلحدين وأنهم لا يؤمنون بوجود الإله وكذا، هذا كله ليس خِلاف الدِّين وإنما خِلاف الفِطرة والمنطق، فهم يُقِرُّون له بالخَلْق، فيقول لهم: ما دُمتُم تُقِرُّون بأنني قد خَلَقتُ كلَّ شيء، فعندما يريد الله أن يَتَّخِذَ ولداً حاشاه جلَّ جلاله، فإنه يختار من يشاء ليكون ولداً له، لا ينتظركم حتى تُعَيِّنوا له الأولاد (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ) لاختار، الاصطفاء هو الاختيار بعناية: |
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)[ سورة آل عمران ]
الاصطفاء هو أن يختار الإنسان شيئاً ويَصطَفيه
|
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)[ سورة الإخلاص ]
(هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، (الْوَاحِدُ﴾ واضحة مُناسَبتُها، هو الله الواحد من أسمائه لا شريك له ولا ولد ولا والدة، لا ولد ولا والد (الْقَهَّارُ) لأنه قَهَرَ خَلْقَهُ جميعاً، قهَرَهَم لأنهم بحاجةٍ إليه في كل شيء، في كل لحظة، وقهَرَهم بالموت، وقَهَرَهُم بالحَشر إليه يوم القيامة، فهو القهَّار جلَّ جلاله. |
(سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ولا يخفى أن القَهَّار صفة أو القَهَّار مُتَمِّمَة للواحد جلَّ جلاله، فهو واحد قَهَّار. |
تسخير الله عز وجل الكون للإنسان:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)[ سورة الزمر ]
كما أنه أنزَل كتابه بالحق، فقد خَلَقَ السماوات و الأرض بالحق، ما خَلَقَها عَبَثاً وإنما بالحق، السماوات والأرض هي كل شيء سوى الله: |
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)[ سورة الزمر ]
الأرض كُرة تدور حول نفسها وحول الشمس
|
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)[ سورة الحديد ]
التَّداخُل لا يمكن أن يَتِم، و التَّكوير لا يمكن أن يَتِم إلا من خلال شكل الكرة، أمَّا لو كانت بأي شكل آخر فلا يمكن أن يكون هذا الوصف مُنطَبِقاً عليها تماماً، لأن المُرَبَّع مثلاً فجأةً ينتقل لأن الخطوط غير ممتدة، الخطوط لها نهاية، لا يوجد خطوط تمتد إلى ما لا نهاية إلا على الكُرَة. فإذا بدأت بخط على الكُرَة ودُرتَ لا تتوقف، ستعود ثم ترجع وهكذا. |
فالتَّكوير والإيلاج، (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، و يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) لا يمكن أن يُفهَم إلا في ضوء المُعطيات العِلمِيَّة التي تؤكد أن الأرض كُرَة تدور حول نفسها وحول الشمس. |
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)[ سورة الزمر ]
التَّسخير لك، أنت المُسَخَّر له، وهو المُسَخِّر جلَّ جلاله، والمخلوقات هي المُسَخَّرة، فإذا استخدمتَ ما سُخِّرَ لك في طاعة الله، وشَكرتَ الله عليه، وتَعرَّفتَ إلى الله من خلاله، فأنت أكرَم على الله من كل ما سُخِّرَ لك. |
فإذا أَعرَض الإنسان عن الله، واستخدم ما سُخِّرَ له في معصية الله، أو لم يشكُر الله تعالى على ما سخَّره الله له، كانت الأنعام عند الله خيراً منه، قال تعالى: |
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚإِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)[ سورة الفرقان ]
لأن الأنعام سُخِّرَت لك فقامَت بما سُخِرَت له، فتَركَتكَ وانقادَت لك وذَبَحتَها وأكلتَ لَحمها وشَرِبتَ حليبها وانتَفَعَت بصوفها، لكنك أيها الإنسان الشَّارِدُ عن الله لم تقُم بما طُلِبَ منك فهي خيرٌ منك عند الله. |
المُسَخَّرُ له أعظم من المُسَخَّرات، متى؟ عندما يَستَخدِم ما سُخِّرَ له في طاعة الله، لكنها أكرَم على الله منه عندما تُحَقِّقُ الهدف من وجودها ولا يُحَقِّقُ الهدف من وجوده ووجودها. |
الشمس نجم مُلتَهِب يكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة
|
هذه الشمس مُسَخَّرَة لك أيها الإنسان، والقمر مُسَخَّر لك، القمر مُعتِم ليس مضيئاً يأخذ ضوءه من الشمس، والشمس ضياء، القمر نور والشمس ضياء: |
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)[ سورة يونس ]
هذه الشمس و ذاك القمر مُسَخَّران لك (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ) أي من الشمس والقمر وما في الكون كله: |
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)[ سورة يس ]
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)[ سورة الزمر ]
السُّرعات هائلة في الفضاء الخارجي
|
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)[ سورة الواقعة ]
ولم يقل بالنجوم ولا بالمسافات بينها، لأن صاحب الموقع قد لا يكون موجوداً في الموقع، هذا موقع النجم الذي نراه، نحن لا نرى نجوماً نحن نرى مواقعها، لأنها تمشي بسرعات هائلة، لكن لمَّا كانت بعيدةً عنا، يُقال: إن الفراعنة رأوا النجوم في الأماكن التي نراها نحن الآن، بسبب البُعد الهائل عنا، لكن هي تمضي، الله أعلم أين أصبحت، لكن أطلَقَت ضوءاً من عشرين مليون سنة واستَمَرَّت، أطلَقَت ضوءاً من مليار سنة واستَمَرَّت في جَرَيَانِها، وأنت الآن ترى الضوء الذي انبَعَثَ منها قبل آلاف السنوات أو ملايين السنوات، (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى). |
هناك في الكون ما يُسَمَّى الثُّقوب السوداء، التي يدخل فيها بعض النجوم والكواكب وتنطفئ وتصبح كثافتها عالية جداً، ويقال: لو دَخَلت الأرض فيها مثلاً لأصبحت بالوزن نفسه بحجم بيضة، بالوزن نفسه بحجم بيضة، تدخل لأجل مُسَمَّى، الله تعالى ما أخبرك ما هذا الأجل، لأجل مُسَمَّى لكنه مُحَدَّد عند الله، لا بد أن ينتهي كل شيء في الحياة، لا بد أن ينتهي، كلُ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه جلَّ جلاله. |
الله عز وجل عزيز غفار يغفر لعباده مع عدم حاجته إليهم:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)[ سورة الزمر ]
هنا العزيز الغفَّار، هناك العزيز الحكيم، (الْعَزِيزُ) مرهوب الجانب يَغلِبُ ولا يُغلَب، يحتاجه كل شيء في كل شيء لكنه لا يُجافي الحكمة في تصرفاته وأفعاله، ثم هو فوق ذلك غَفَّار، أحياناً العزيز لا يَغفِر، إذا كان في مَنصِب كبير يقول لك: إذا سامَحتُ أخاف أن تُنَتَقَص مكانتي، وأن ينال الناس مِنِّي، وأن يقولوا إنني مُتَساهِل، يقول لك: بعد قليل يركبون على أكتافي، أريد أن أكون حازماً، والله تعالى عزيز ومع عِزَّتِه ليس غافراً وإنما غَفَّار يغفر الذنوب رغم عدم حاجته للعباد حتى يغفر لهم، وعدم حاجته لأي شيءٍ منهم لكنه غَفَّار جلَّ جلاله (أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ). |