أمين الأمة
أمين الأمة
أن تكون أمين الصندوق في مؤسسةٍ ما، فهذا يعني أنك مؤتمن على أموال الشركة. |
أن تكون أميناً عامَّاً في وزارةٍ ما، فهذا يعني أنك مؤتمن على تلك الوزارة بما فيها. |
ما معنى أن يكون رجُل من أمة محمد أميناً عليها، أي تكليفٍ وأي تشريف هذا؟! أيّة أمانة وأيّة مسؤولية تلك؟! |
أبو عبيدة أمين الأمة:
كيف كان حال أبي عبيدة رضي الله عنه، وهو يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ لِكلِّ أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ أمتي أبو عبيدَةُ بنُ الجرَّاحِ }
(أخرجه البخاري ومسلم)
وأي شرف أعظم، من أن يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، لمّا قدِم عليه أهل اليمن فقالوا: |
{ أنَّ وَفدًا مِن أهلِ اليَمَنِ قَدِموا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأرادَ أنْ يَبعَثَ معهم رَجُلًا، فقالوا: ابعَثْ معنا رَجُلًا، فقال: أبعَثُ معكم أمينَ هذه الأُمَّةِ، فبعَثَ أبا عُبَيْدةَ بنَ الجرَّاحِ، وفي موضِعٍ آخَرَ قالوا: يا رسولَ اللهِ، ابعَثْ معنا رَجُلًا يُعلِّمُنا، فأخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بيَدِ أبي عُبَيْدةَ بنِ الجرَّاحِ، فقال: لكلِّ أُمَّةٍ أمينٌ، وهذا أمينُ هذه الأُمَّةِ }
(أخرجه البخاري ومسلم)
أُحاول أن أتصور المشهد: رسول الله يمسك بيد رجُل من صحابته ويقول: (هذا أمين هذه الأمة). |
كيف قضى أبو عبيدة أيامه بعد هذه الشهادة؟ وإلى متى ظلَّ يستشعر حرارة تلك اليد الشريفة؟ التي لامست يده بقوة، أثناء تلك الشهادة الغالية! |
أبو عبيدة الرجُل الذي تخرَّج في دار الأرقم:
لا شك أنَّ الأمين يجب أن يكون خرِّيج جامعة عريقة مميزة، وأن يستجمع من صفات القوة والخبرة من جهة، ومن صفات الأمانة والإخلاص من جهةٍ أُخرى، ما يؤهله لهذه المهمة. |
ولقد كان أبو عبيدة ذلك الرجُل الذي تخرَّج في دار الأرقم، تلك الجامعة التي اختصَّت بأشرف العلوم، وخرَّجت أعظم الرجال، وآمنهم على دين الله. |
كان أبو عبيدة الأمين حين فتح بلاد الشام. |
وكان الأمين حين صار أمير دمشق. |
وكان الأمين حين جعله أبو بكر رضي الله عنه على بيت مال المسلمين. |
وكان الأمين على رسول الله ودعوة الإسلام، حين وقف في أُحُد مدافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحين نزع حلقتي المغفر من وجنتي رسول الله بأسنانه، فسقطت مع كل حلقة ثنية من ثناياه. |
ختاماً مَن يعرف قدر الرجال، يُدرك أنهم خيرٌ من الدنيا وما فيها. |
هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول لجلسائه يوماً: " تمنّوا، فقال أحدهم: أتمنَّى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأُنفقها في سبيل الله، فقال: تمنّوا، فقال آخر: أتمنَّى أن يكون ملء هذا البيت ذهباً ، فأُنفقه في سبيل الله، فقال عمر: لكني أتمنَّى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله" . |
رضي الله عن أبي عبيدة، وهيأ لأمة الإسلام أُمناء على دينه وكتابه. |