وصية سيدنا عمر لسيدنا سعد

  • دروس وعبر
  • 2015-07-14
  • عمان

وصية سيدنا عمر لسيدنا سعد

بسم الله، الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، والصلاة والسلام على النبي العدنان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

وصية عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص في معركة القادسية :
القادسية معركة من معارك الإسلام الفاصلة
أيها الأخوة الكرام؛ اسمحوا لي أن أعود بكم عبر البعد الزماني إلى السنة الخامسة عشرة للهجرة، إلى الزمن الجميل زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونعود بكم عبر البعد المكاني إلى أرض القادسية، حيث كانت معركة من معارك الإسلام الفاصلة بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، والفرس بقيادة رستم حيث انتهت المعركة بنصرٍ مؤزر للمسلمين، وقُتِلَ قائد الفرس رستم، أحداث تلك المعركة كثيرة، والعبر التي يمكن أن تؤخذ منها أكثر، ولكنني اخترت لكم في هذا اللقاء الطيب مقطعاً واحداً من مقاطع هذه المعركة، إنها وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو يستعد لخوض هذه المعركة الفاصلة يقول له في رسالته:
تقوى الله أفضل العُدة على العدو
أما بعد فإني أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى العدة في الحرب، وأوصيك ومن معك بأن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون على عدوهم بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، فليس عددنا كعددهم، ولا عُدَّتنا كعُدَّتِهم، وإلَّا ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فإذا استوينا معهم في المعصية كانت لهم الغلبة علينا بالقوة، واعلموا أن في سيركم عليكم من الله حفظةً يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم ولا تكونوا في معصية الله و أنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شرٌ منا، ولن يُسلَّط علينا، وإن أسأنا فرُبَّ قومٍ سُلِّطَ عليهم شرٌ منهم كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمعاصي الله كفرة المجوس فجاسوا خلال الديار، وكان وعداً مفعولاً، اسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم.
هذا جزءٌ من وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يوصي سعداً وجنوده، وهم يتأهبون لخوض معركةٍ فاصلةٍ في تاريخ المسلمين، كان لها أثرٌ مستقبليٌ كبير، إنها معركة القادسية.

دروس و عبر من معركة القادسية :
1 ـ طاعة الله و تقواه سلاحنا الأول في النصر :
في هذه الوصية دروسٌ وعبر نستجلي بعض ملامحها في هذه النقاط، أولاً: سلاحنا الأول في مواجهة أعدائنا أعداء الحق والخير والإنسانية هو تقوى الله عز وجل، وطاعته، فالصبر مع التقوى يزيل كل أذى، قال تعالى:

وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
[ سورة آل عمران: 120]

إن الصبر مع التقوى يؤدي إلى النصر، لكن الصبر مع المعصية ليس بعده إلا القبر، إذاً أولاً في وصية عمر بن الخطاب سلاحنا الأول هو طاعة الله عز وجل وتقواه، وبذلك ننصر الله فنستحق نصر الله تعالى.

2 ـ الذنوب و المعاصي هي عدونا الأول :
بالذنوب والمعاصي نستوي مع عدونا
ثانياً: عدونا الأول هو الذنوب والمعاصي، هي عدونا قبل عدونا التقليدي، لأننا بالذنوب والمعاصي نستوي مع عدونا في بُعْدِنا عن الله تعالى، فتبقى الغلبة للأقوى، فالمعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق واحد، والله تعالى مع الحق، أما المعركة بين حقٍّ وباطل فإنها لا تطول، لأن الله مع الحق، ولا شك أن الله تعالى سينصر الحق مهما طال الوقت، وأما المعركة بين باطلين فإنها لا تنتهي.

3 ـ الرقابة الدائمة من الله تعالى لعباده تشعر الإنسان بالحياء منه سبحانه :
أيها الأحباب؛ النقطة الثالثة في وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرقابة الدائمة من الله تعالى لعباده مما يؤدي إلى استحيائهم منه، فالمقاتل في أرض المعركة يستحيي من الله تعالى أن يجده في مكانٍ نهاهُ أن يوجد فيه، أو أن يكون في مكانٍ نهى الله عز وجل عنه.

4 ـ عدم اجتماع الجهاد مع المعاصي :
لا يعقل أن تكون مجاهداً وتعصي الله
رابعاً: لا يعقل أبداً أن يكون الإنسانُ مجاهداً في سبيل الله وهو يعصي الله فهذان الأمران لا يجتمعان البتَّة، فكيف يكون الإنسانُ في ساحة الوغى يقاتل في سبيل الله وهو في معصية الله؟ فأي قتالٍ هذا؟

5 ـ عدم اتخاذ سلوكيات العدو ومعاصيه لله تعالى مبرراً لمعاصينا :
خامساً: لا ينبغي أن نتخذ سلوكيات العدو ومعاصيه لله تعالى مبرراً لمعاصينا و سلوكاتنا الخاطئة في مواجهة عدونا، قال عمر رضي الله عنه: لا تقولوا إن عدونا شرٌ منا، ولن يسلط علينا، وإن أسأنا أبداً لا ينبغي أن نتخذ السلوكات الخاطئة عند عدونا مُبرراً لسلوكاتٍ خاطئةٍ عندنا، إنما المعيار هو الطاعة لله تعالى، نقيس أمورنا، ونقيس طاعتنا لله عز وجل بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة.

6 ـ استحضار المعونة من الله :
لا بد من معونة الله
النقطة الأخيرة في وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دائماً نستحضر المعونة من الله تعالى، ونطلب منه جلّ جلاله أمرين اثنين، أولاً: أن يعيننا على أنفسنا، ثانياً: أن ينصرنا على عدونا، وكأن عمر رضي الله عنه يقول: لن تنتصروا على عدوكم قبل أن تنتصروا على أنفسكم، لذلك ندعو الله تعالى دائماً فنقول: اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، لأن المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملةً فكيف يواجه جيوشاً في أرض المعركة.

الدعاء للشام و أهلها :
أيها الأخوة الكرام؛ ونعود بكم من هذه المعركة معركة القادسية إلى أرض الشام لنسأل الله تعالى أن يفرج الهم، ويزيل الغم، وينفس الكرب، وأن ينصرنا على أعدائنا نصراً عاجلاً غير آجل، وأن يفرج عن أهل الشام ما أصابهم، وما أهمهم، وما أغمهم، إنه ولي ذلك، والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته