أسباب وشروط النصر

  • أمل وانتصار
  • 2015-06-22
  • عمان

أسباب وشروط النصر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.


النصر من عند الله :
أيها الأخوة الكرام؛ النصر كلمةٌ تهفو إليها النفوس، وتشرئب إليها الأعناق، ويرجوها ويفرح بها كل مؤمن:

وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ
[ سورة الروم: 4-5]

النصر لا يكون إلا من الله
لكن هذا النصر له قواعد في كتاب الله تعالى، له ثمن، وهو لمن يدفع ثمنه.
أيها الأخوة الكرام؛ بادئ ذي بدء الحقيقة الأولى أن النصر لا يكون إلا من الله، فهو منحةٌ سماويةٌ علوية لا شرقيةٌ ولا غربية، قال تعالى:

وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
[ سورة الأنفال: 10 ]

وما دمنا نطلب النصر من الله فهو آتٍ لا محالة طال الزمن أو قصر، أما حينما يطلب إنسانٌ النصر من غير الله تعالى فحليفه الهزيمة، ولن يطال النصر أبداً، أما سنة الله تعالى في النصر فهي في قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ
[ سورة محمد: 7 ]

فالمقدمة ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ﴾ والنتيجة ﴿يَنصُرْكُمْ﴾ وما لم نقدم ثمن النصر ومقدماته فلن نحصد نتائجه وهو نصر الله تعالى.

التعامل مع الله تعالى يكون وفق السنن الكونية فقط :
أيها الكرام؛ كيف ننصر الله تعالى؟ أولاً: التعامل مع الله تعالى لا يكون وفق الانفعالات العاطفية، ولكنه يكون وفق السنن الكونية، بعيداً عن الانفعالات، وبعيداً عن العواطف، ومع تحكيم لغة النص ولغة العقل لابد أن نقدم ثمن النصر:

إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
[ سورة محمد: 7 ]

فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا
[ سورة فاطر: 43 ]

في القرآن الكريم ثلاثة نماذج لثلاث معارك
في القرآن الكريم ثلاثة نماذج لثلاث معارك، وهذه المعارك متكررة إلى قيام الساعة، وهذه النماذج تتكرر كل يوم وكل حين، بدر، أُحد، حُنين.
في بدر قدم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمن النصر فتحقق النصر رغم فقد معظم مقوماته المادية، قال تعالى:

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ
[ سورة آل عمران: 123 ]

النموذج الثاني: أُحد، قَصَّرَ بعض الصحابة الكرام في تقديم ثمن النصر حينما تركوا أمر القائد، ونزلوا لجمع الغنائم، قال تعالى:

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ
[ سورة آل عمران: 152 ]

كان هذا في بداية المعركة:

حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ
[ سورة آل عمران: 152]

أراكم ما تحبون من النصر:

مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ
[ سورة آل عمران: 152]

حينما اختل شيءٌ من مقدمات النصر وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم مع خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم فالله تعالى لم يحقق لهم النصر التام الكامل.
المعركة الثالثة: حُنين:

وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
[ سورة التوبة: 25 ]

لله تعالى سنةٌ في النصر
في حُنين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم توجهت القلوب إلى العدد والعدة، وتركت التوجه لرب العدد والعدة جلّ جلاله فكانت الهزيمة، إذاً الله تعالى له سنةٌ في النصر، وهذه السنن لا تُحابي أحداً، ولا تتغير من أجل أحد، إنها سنة الله في قوله تعالى:

إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ
[ سورة محمد: 7 ]


كيفية نصر الله تعالى :
1 ـ إعداد العدة :
أمرنا الله أن نعد العدة المتاحة
أيها الكرام؛ كيف ننصر الله تعالى؟ أولاً: بإعداد العدة، بأن نعد العدة المتاحة، ومن رحمة الله تعالى بنا أنه لم يأمرنا بإعداد القوة المكافئة لقوة عدونا، فهذا قد لا يكون في مقدورنا، ولكنه أمرنا أن نعد العُدة التي هي بإمكاننا، وضمن وسعنا، قال تعالى:

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
[ سورة الأنفال : 60 ]

وجاءت كلمة قوة نكرة لتفيد العموم، لتشمل كل أنواع القوة بدءاً من القوة في القتال والحرب إلى القوة في السياسة والقيادة إلى قوة الإعلام، إلى قوة التعاون والتناصح والتشاور:

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
[ سورة الأنفال : 60 ]

ننصر الله بإعداد العدة لعدونا، باتخاذ الأسباب التي أمر الله تعالى أن نتخذها.

2 ـ عدم توجه القلوب إلا إليه سبحانه :
ثانياً : ننصر الله تعالى بألا تتوجه القلوب إلا إليه وحده، لا نتوجه لا إلى أفراد، ولا إلى جماعاتٍ، ولا إلى دولٍ، ولا إلى أممٍ، إنما نتوجه إلى الله وحده، نطلب منه النصر على عدونا وعدوه.

3 ـ تقوى الله وطاعته :
ننصر الله بتقواه وطاعته
ثالثاً: ننصر الله تعالى بتقواه وطاعته، نطيعه فيما أمر، وننتهي عما عنه نهى وزجر، فإن ذنوب الجيش أخوف على الجيش من أعدائهم، وإنما نُنْصَر على عدونا بطاعتنا لله ومعصيته هو لله، فإذا استوينا معه في المعصية كانت له الغلبة علينا بالقوة.

4 ـ الصبر :
رابعاً: ننصر الله تعالى حينما نصبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا }

نتعامل مع الله تعالى وفق سننه، نطيعه فيما أمر، وننتهي عما عنه نهى وزجر، وعندها نرجو أن يحقق الله لنا نصره:

وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ
[ سورة الروم: 4-5]


النصر لا يكون إلا بالانتماء إلى الإسلام وتطبيق تعاليمه :
النصر يكون بتطبيق الدين في حياتنا
خلاصة الأمر أيها الأحباب أنه لا يمكن أن يتحقق النصر بمجرد الانتماء للإسلام، لابد أن ننتمي إلى الإسلام شكلاً، وأن نطبق تعاليمه مضموناً، فالنصر على الأعداء لا يكون بالانتماء إلى الدين، ولكنه يكون بتطبيق الدين واقعاً في حياتنا، وندعو الله تعالى فنقول: اللهم انصرنا على أعدائنا وأعدائك، أعداء الحق والخير والإنسانية نصراً عاجلاً مؤزَّراً تُعز به أوليائك، وتذل به أعدائك، إنك ولي ذلك، والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته