إرادة الله عز وجل - يوم الحشر
إرادة الله عز وجل - يوم الحشر
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
اللَّهم علّمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً وعملاً مُتقبّلاً يا رب العالمين، وبعد: |
هذا هو اللقاء السابع عشر من لقاءات سورة الأنعام ومع الآية (125) وهي قوله تعالى: |
فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُۥ يَشْرَحْ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَٰمِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُۥ يَجْعَلْ صَدْرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَآءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)
الحقيقة أن هذه الآية الكريمة قد يُشْكل فهمها على غير طلاب العلم وأما على طلاب العلم فهي واضحة، ربنا -جلّ جلاله- له إرادة وإرادته تنقسم إلى قسمين؛ من صفاته أنه مُريد -جلّ جلاله- وإرادته تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية. |
1-وأما الإرادة الشرعية: فهي ما يريده ويحبه ويرضاه كإيمان المؤمن وإحسان المحسن هذه إرادة شرعية. |
لا يليق بملك الملك أن يقع في ملكه شيء لا يريده
|
{ لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يكونَ هواه تبعًا لما جئتُ به }
(أخرجه ابن أبي عاصم، والخطيب، والبيهقي باختلاف يسيرعن عبد الله بن عمرو)
أي الإيمان الكامل المطلق، (حتَّى يكونَ هواه تبعًا لما جئتُ به) يحب الخير، يحب الحق، يحب أهل الحق، فهذا منشرح الصدر أيضاً، فالله تعالى يهدي عباده، بدايةً يهدي كل عباده، كل العباد هداهم الله؛ بمعنى أنه دلهم على الطريق، الهداية بمعنى الدلالة هذه حصلت لجميع الخلق، قال تعالى: |
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ (12)(سورة الليل)
تكفّل الله تعالى بهداية خلقه
|
وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَىٰهُمْ تَقْوَىٰهُمْ(17)(سورة محمد)
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ (5)(سورة الصف)
(فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُۥ يَشْرَحْ صَدْرَهُ) يهيئه لقبول الحق ثم يحبب الحق إليه ويزينه في داخله، فتجده منقاداً للحق، يحب الحق وأهل الحق، ومن يرد أن يضله لأنه أراد الضلالة وسعى إليها، فأراد الله له الضلالة ولم يأمره بالضلالة ولم يرضَ له الضلالة، كقوله تعالى: |
إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (7)(سورة الزمر)
قانون الجاذبية يجذب الأشياء إلى الأسفل
|
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلْءَاخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)(سورة التوبة)
فسمّى القعود في الأرض تثاقلاً، وهو أنه الأيسر على الإنسان أن يجلس في الأرض لأنه هو وفق قانون الجاذبية، ولكنه لما ترك معالي الأمور، لما ترك الخير، ترك كلمة الحق، ترك الجهاد بماله أو بنفسه فهو مُثّاقل إلى الأرض يريد الحياة الدنيا ولا يريد الحياة العليا، قال: (كَذَٰلِكَ) أي كحال هذا الذي يصّعد في السماء (كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ) أي العذاب (عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) بالله تعالى،(كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) أي كما أنه أضلهم وحجب عنهم الحق عندما رفضوا الحق فأصبحوا لا يطيقونه فبهذا السبب يستحقون العذاب من الله تعالى، واستحقاقهم للعذاب هنا دليل واضح على أنهم هم من أعرضوا عن الحق، وأن الله أضلهم تجسيداً لرغبتهم التي أرادوها وهي الضلال،(كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ثم يقول تعالى: |
وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ۗ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍۢ يَذَّكَّرُونَ (126)
الصراط هو الطريق السوي
|
لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (127)
هذه جملة اسمية(لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ) أصلها دار السلام لهم؛ دار: مبتدأ، ولهم شبه جملة: خبر، السلام: مضاف إليه أضيف إلى الدار، (دار السلام لهم) هذا أصل الجملة، ثم جاء الخبر قبل المبتدأ فقال -جلّ جلاله-: (لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ) وهذا إشارة إلى أن دار السلام لا يستحقه إلا المؤمنون، فالتقديم والتأخير يفيد التخصيص والحصر والقصر (لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ) كأنه قال: دار السلام لهم وحدهم، وهذا من بلاغة اللغة العربية الاختصار، لا داعي لأن نقول: دار السلام لهم وحدهم دون غيرهم،(لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ) إذاً وحدهم دون غيرهم، أما دار السلام لهم أي ولغيرهم إن لم تنص على خلاف ذلك، كما مر معنا قبل الآيات: |
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)(سورة الأنعام)
كلمة الدار أوسع من البيت
|
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مِّنَ ٱلْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلْإِنسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍۢ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِىٓ أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَىٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)
المعشر هم الأشخاص الذين يعاشرون بعضهم
|
خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107)(سورة هود)
لا يوجد شيء في الكون إلا بمشيئة الله
|
وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (129)
أي وكما ولينا المردة من الجن وسلطناهم على بعض الإنس (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا) أي ليس الأمر مقتصراً على الجن والإنس؛ أي ظالمَين فإن كلاً منهما يتولى الآخر (بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) أي بسبب ما كانوا يكسبونه من المعاصي، فالظالم ولي للظالم يناصره ويؤيده ويحثه على الشر، والثاني يفعل ذلك نفسه. |
يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِى وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَٰفِرِينَ(130)
وقدم هنا الجن على الإنس لأنه خاطبهم قبل آية (يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ) هو التقديم أيضاً تقديم زمني لأنه قد ثبت أن الجن خُلقوا قبل الإنس، قال تعالى: |
وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَٰهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ (27)( سورة الحجر)
وقال تعالى: |
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)(سورة الذاريات )
لكن هنا (يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ) التقديم له علاقة أيضاً بالحديث هنا عن الجن وفعلهم مردة الجن الشياطين، (يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ) هذا استفهام تقريري ليقرر لهم الحقيقة، (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ) والرسل عند جمهور أهل العلم لا يأتون من الجن وإنما الرسل من الإنس، واستدلوا على ذلك بأدلة ليس هنا مجال تفصيلها، فقالوا هنا: (رُسُلٌ مِّنكُمْ) أي من الإنس من أنفسكم من الإنس، وقد يكون مع شخص مئة دينار ومعه شخص آخر فتقول: معكما مئة دينار، والمقصود أن مع واحد منهما مئة دينار، (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ) أي من الإنس، والجن رسلهم هم رسل الإنس يسمعون ويبلغون كما حصل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: |
قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا (1) يَهْدِىٓ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًا (2)( سورة الجن)
الغرور أن ترى الشيء بأكبر من حجمه
|
يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ (6)(سورة الانفطار)
ظن أن الله -عزَّ وجلَّ- لن يحاسبه اغتر، الله يحاسب، فظن الشيء على خلاف ما هو عليه فاغتر به ثم تبين له أنه شيء آخر، إنسان اغتر بقطعة تلمع في الأرض فظنها ألماسة فلما أمسكها بيده إذا بها حديدة جاء عليها ضوء الشمس فلمعت اغتر، (وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَٰفِرِينَ) شهدوا على أنفسهم بأنهم كفروا بالله وبرسله وبآياته فاستحقاقهم للعذاب كان بعد أن شهدوا على أنفسهم بالظلم وبالكفر وبإقرارهم بأنهم كانوا كافرين، والحمد لله رب العالمين. |