السفير

  • برنامج دار الأرقم - الحلقة 12
  • 2025-03-12

السفير


الضعف والفقر ليسا باعث على التجرد للحق:
ربما كان من الطبيعي، أن ترى في دار الأرقم، تلاميذ من أمثال بلال وخباب وعمار، أو قل: هكذا يظن الكثيرون، يعتقدون أنَّ الضعف والفقر وحدهما، باعث على التجرد للحق.
إنهم ضعفاء مكة، وقد جاء الإسلام ليحررهم ويرفع ذكرهم، وهذا سبب كافٍ لاعتناق الدين الجديد، الذي سيُعيد لهم إنسانيتهم المفقودة، رغم أنك إن نظرت إلى مآلات إسلامهم، وما فعله بهم سادتهم، فإنك ستُدرك أنَّ هذا المقصد وحده ليس كافياً لإسلامهم، فضلاً عن أنَّ هناك عبيداً كثراً آخرين، لم يُسلموا أو تأخر إسلامهم.
مصعب بن عُمير لم يكن ذاك الضعيف، ولا الفقير الذي ربما يعلّل سبقه إلى الإسلام بضعفه، أو فقره، بل كان فتى قريش المُدلل، قوة ونسب وثراء وجمال، وهذه كلها مقومات حياة يطمح إليها الكثيرون، وربما تجعل المرء يعد للمئة قبل أن يعرِّض نفسه لفقدها.
لقد كان مصعب أنعم شباب مكة، وكان يفيض جمالاً وأناقة، وكانت أمه خُناس تكسوه أحسن الثياب.
لو بقي مصعب على تلك الحال، الفتى المُدلل الأنيق، لما كان اليوم سيدنا مصعب، ولما كنّا اليوم نُعطِّر برنامجنا بالحديث عنه.
إسلام مصعب والتحاقه بدار الأرقم في وقتٍ مُبكِّر، حجة على كل شاب غرَّته قوته، وانشغل بأناقة ثيابه وتسريحة شعره، عن نصرة دينه كما كان إسلام، بلال حجة على كل من يحتج بضعفه، وأنه عبدٌ مأمور لا قرار له، فلا يتحرك لإعلاء كلمة الحق.

نموذج مصعب ونموذج بلال رضي الله عنهما حجة في أنَّ الإنسان مُخيَّر:
وكلاهما نموذج مصعب ونموذج بلال رضي الله عنهما، حجة في أنَّ الإنسان مُخيَّر وأنه صاحب قرار، وسيحاسب بناءً على اختياره.
شاء الله تعالى، أن يجلس مصعب مع عمار بن ياسر على مقعد الدراسة معاً، ويتعلَّما العلم نفسه، ويتخرَّجا في مدرسةٍ واحدة، ليكون كل منهما حجة على أمثاله.
مرَّت الأيام وحمل مصعب رضي الله عنه لقب السفير، وأدَّى المهمة على أحسن وجه، إذ أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ليُعلِّم أهلها الإسلام، ويقرئهم القرآن، ويؤمهم في الصلاة.
لا أُبالغ إن قلت: إنَّ مهمة مصعب في المدينة، كانت استنساخ تجربة دار الأرقم في المدينة الجديدة، وكان ذلك تهيئة من مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتصبح المدينة بعد عامٍ واحد، مُهيِّئة لاستقبال المُعلِّم الأول صلى الله عليه وسلم، وقد أسلم كثير من أهلها على يد مصعب رضي الله عنه.
مصعب رضي الله عنه، أنعم شباب أهل مكة، استشهد في أُحُد، ولم يجِدوا ثوباً يكفي لكفنه، ووقف مُعلِّم دار الأرقم يكرمه في شهادته العُليا وهو يقول: إني شهيد على هؤلاء بأن صدقوا الله ما عاهدوه عليه.