ما هي أسماء الله الحسنى التي تتجلى على أهل غزة؟

  • قناة الجزيرة مباشر- اللقاء 03
  • 2024-03-31

ما هي أسماء الله الحسنى التي تتجلى على أهل غزة؟


المذيع:
مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم في حلقةٍ جديدة من برنامجكم أيّام الله، يقول الله تعالى في سورة الأعراف:

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الحُسنىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(180)
(سورة الأعراف)

ويقول سبحانه في سورة الإسراء:

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الحُسنىٰ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (110)
(سورة الإسراء)

ويقول جل شأنُه في سورة الحشر:

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
(سورة الحشر)

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

{ إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. }

(صحيح البخاري)

ويقول ابن القيِّم رحمه الله: " مفتاح دعوة الرُسل وزُبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تُبنى مطالب الرسالة كلها، من أولها إلى آخرها".
عن معرفة أسماء الله الحُسنى وفضل إحصائها، تأتيكم هذه الحلقة من برنامج أيَّام الله، التي نَسعَد باستضافة الداعية الإسلامي الدكتور بلال نور الدين، أهلاً وسهلاً بفضيلتك دكتور بلال وكل عام وأنتم بخير.

الدكتور بلال نور الدين:
وأنتم بألف خير، حيَّاكم الله، بارك الله بكم، وشكراً لهذه الاستضافة الكريمة.

المذيع:
بارك الله بك دكتور بلال، كما نَسعَد مشاهدينا الكرام أن نستقبل أسئلتكم واستفساراتكم.
بدايةً فضيلة الدكتور بلال ما هي أسماء الله الحُسنى؟

ما هي أسماء الله الحُسنى؟

الدكتور بلال نور الدين:
السلام عليكم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أسماء الله الحُسنى: هي الأسماء التي سمَّى الله تعالى بها نفسه في كتابه مثل: الخالق، البارئ، المصوّر، أو على لسان أنبيائه ورُسله مثل الرفيق، الشافي، السُبّوح، التي جاءت في أحاديث صحيحة، أو استأثر بها جلَّ جلاله في عِلم الغيب عنده، فلا نَعلمُها، لا يُشبِهَهُ في هذه الأسماء أحدٌ من خلقه، ولا يُماثله في حُسنها أحدٌ من مخلوقاته جلَّ جلاله، هذه هي الأسماء الحُسنى، أسماء سمَّى الله تعالى بها نفسه، بالغةً مبلغ الكمال في الحُسن، وهذه الأسماء وردت في كتاب الله تعالى، أو في سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو استأثر الله بها في عِلم الغيب عنده جلَّ جلاله، قال تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الحُسنىٰ)، وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الحُسنىٰ فَادْعُوهُ بِهَا).

المذيع:
نعم، بارك الله بكم دكتور بلال، دكتور بلال هذه الأسماء التي سمَّى الله تعالى بها نفسه، سبحانه وتعالى، وذكرها في كتابه أو ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، ما أهمية أن يتعرف عليها الإنسان المسلم.

أهمية أن يتعرف الإنسان على أسماء الله الحُسنى:

الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، الحقيقة هذا أهم سؤالٍ في هذا الباب، ما أهمية أن يتعرف الإنسان إلى أسماء الله الحُسنى؟
الحقيقة أنَّ العلوم ثلاثة: عِلمٌ بالله، وعِلمٌ بأمره، وعِلمٌ بخلقِه، عِلمٌ به جلَّ جلاله، وعِلمٌ بأمره افعل ولا تفعل، يجوز لا يجوز، حلال حرام، وعِلمٌ بخلقِه، رياضيات، فيزياء، كيمياء، لُغات، علوم إنسانية، هذه علومٌ بخلق الله تعالى.
فأين يندرج العِلم بأسماء الله الحُسنى؟ إنَّه يندرج تحت أشرف العلوم، وهو العِلم به جلَّ جلاله، بمعنى أن تعرفه، أنت بالشرع تعبُده، افعل ولا تفعل، يجوز لا يجوز، حلال حرام، لكن الأهم من ذلك أو قبل ذلك يجب أن تعرفه، من هو الله؟ ما أسمائه الحُسنى؟ ما صفاته الفُضلى؟ كيف نُحبُّه؟ كيف نتقرب إليه؟ كيف نكسب وِدَّه جلَّ جلاله؟ فالعِلم بالله هو أشرف العلوم، لأنَّ الإنسان حينما يعرف الله تعالى، يتفانى في تنفيذ أمره وطاعته، لكنه حينما لا يعرف ربَّه، يبحث عن ألف سبيلٍ وسبيلٍ، من أجل أن يتفلّت من أمر الله تعالى، فالعِلم بالله أولاً ثم العِلم بأمره، فأشرف العلوم أن تعرفه جلَّ جلاله، وكيف تعرفه؟ من خلال كلامه، من خلال قرآنه، من خلال خَلقِه، ومن أعظم الأبواب التي تُعرِّفك بالخالق جلَّ جلاله، أن تتعلم أسمائه الحُسنى، فهو يَدلُّك عليه من خلال أسمائه، فيقول لك: أنا العزيز، أنا الحكيم، أنا الغفور، أنا الرحيم، أنا الودود، أنا الرفيق، أنا القريب، أنا المُجيب، فتتعرف على هذا الإله العظيم من خلال أسمائه الحُسنى.
فالعِلم بالأسماء الحُسنى جزءٌ مهمٌ من معرفة الله تعالى، ويجب أن نُربّي أنفسنا وأن نُربّي أُسَرَنا وطلابنا ومن نعرفهم في كل مجالسنا، على التعرف على الآمر جلَّ جلاله، التعرف على الله من خلال أسمائه الحُسنى وصفاته العُلا.

المذيع:
بارك الله بكم دكتور بلال، في الطريق إلى معرفة أسماء الله الحُسنى ما هي القواعد والضوابط لذلك؟

أهم الضوابط للتعرف إلى أسماء الله الحُسنى:

الدكتور بلال نور الدين:
الطريق إلى معرفة هذه الأسماء الحُسنى مُتعدّد ومُتنوع، وله أبحاث كثيرة، لكن كما تفضّلت هناك ضوابط ينبغي من خلالها أن نتعرف إلى الأسماء الحُسنى.
أهم ضابط من هذه الضوابط أنَّ أسماء الله الحُسنى توقيفيَّة، ما معنى توقيفيَّة؟ يعني تعبُديَّة، يعني لا يُقاس عليها، فلا يجوز أن نُسمّي الله تعالى بغير ما سمّى به نفسه، فنقتصر على ما ورد في الكتاب والسُنَّة، نقتصر على ما ورد في الكتاب والسُنَّة من الأسماء الحُسنى، بمعنى آخر، باب الصفات أخي الكريم أوسع من باب الأسماء، باب الصفات والأفعال أوسع من باب الأسماء، فالله تعالى يغضب، وقد ورد ذلك في أحاديث صحيحة أنَّ الله تعالى يغضب جلَّ جلاله، لكن هل يصحُّ أن يُسمَّى الخالق جلَّ جلاله الغاضب أو الغضوب؟ لا يصحّ ذلك أبداً، الله تعالى جلَّ جلاله يمكُر، بمعنى أنَّ يَردُ على مكر الأعداء، فيُبطِل مَكرَهم، ويكيد

إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
(سورة الطارق)

لكن لا نطلق عليه جلَّ جلاله اسم المَكر أو اسم الكيد حاشاه جلَّ جلاله.
والله تعالى يكوِّر الليل على النهار وهذا فعلٌ من أفعاله:

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
(سورة الزمر)

لكن هل نُسمّي الله المُكوِّر لأنه يكوِّر الليل على النهار؟ لا يصحُّ ذلك أبداً، أخطأ البعض وإن كان خالفوا الإجماع في ذلك، في أنهم اشتقّوا من كل صفةٍ أو من كل فعلٍ اسماً من الأسماء، هذا ليس صحيحاً أبداً، أسماء الله، أهم ضابطٍ فيها أنَّها توقيفيَّةٌ، تعبديَّةٌ لا يُقاس عليها، الله تعالى سمَّى نفسه، الخالق، البارئ، المُصوّر، العزيز، الحكيم، وفي السُنَّة نقل لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الله هو الجميل، وهو الحييّ وهو الرفيق جلَّ جلاله، السُبّوح، فنُسمّي الله تعالى بما سمَّى به نفسه من صفات المدح، والثناء، والكمال عليه جلَّ جلاله ولا ننتقل إلى ذلك ولا نتعدّاه أبداً، هذا أهم الضوابط التي ينبغي أن نضبط بها معرفتنا بأسماء الله تعالى الحُسنى، وصفاته العُلى، وأفعاله الجليلة جلَّ في عُلاه.

المذيع:
دكتور بلال كُلنا نحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي قلناه في المُقدّمة (إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ.) فهل هذا على سبيل الحصر لأسماء الله تعالى، أم أنَّ لله تعالى أسماء أكثر من ذلك؟

أسماء الله الحُسنى ليست محصورة بعدد:

الدكتور بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً، الحقيقة أنَّ أسماء الله الحُسنى ليست محصورةً بعدد، وهذا ما عليه إجماع الأُمَّة، ليست محصورةً بعدد، ودليل ذلك الدعاء النبوي الشهير:

{ ما أصاب أحدًا قط همٌّ و لا حزنٌ، فقال : اللهمَّ إني عبدُك، و ابنُ عبدِك، و ابنُ أَمَتِك ، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، و نورَ صدري، و جلاءَ حزني، و ذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ ألا نتعلَّمُها؟ فقال بلى، ينبغي لمن سمعَها أن يتعلَّمَها }

(أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني)

وإلى آخر الحديث، فهذا الدعاء يُبيّن أنَّ أسماء الله الحُسنى ليست محصورةً بعدد، فمنها ما يُعلّمه جلَّ جلاله لمَلَكٍ مُقرَّب، أو نبيٍّ مُرسل، ومنها ما يُعلِّمها لعبدٍ من عباده الصالحين، تلك الأسماء التي تكلّمنا ونتكلم عليها، ومنها ما يستأثر بها جلَّ جلاله في عِلم الغيب عنده فلا نَعلمُها، فالأسماء ليست محصورةً بعدد، لكن (إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ.) هذه ليست للحصر على أنها فقط هذه الأسماء، ولكن هذه لبيان أنَّ هناك مِن أسمائه الحُسنى تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنَّة، فهذا الحديث لبيان فضل جُزءٍ من أسمائه الحُسنى التي علَّمها لعباده، ولكنها ليست كُلَّ الأسماء الحُسنى، فأسمائه جلَّ جلاله لا يُحيط بها عدد ولا يحصرها عادٌّ ولا مُحصٍ.

المذيع:
بارك الله بك دكتور بلال، دكتور أسماء الله الحُسنى إذا تعايشنا معها فإنَّ الله عزَّ وجل يتجلى بهذه الأسماء علينا، ونحن الآن في العشر الأواخر من رمضان، أهم الليالي على مدار العام، والليلة التي خيرٌ من ألف شهر، ليلة القدر، ما اسم الله الذي يتجلى علينا به في هذه العشر الأواخر من رمضان.

يتجلى الله على عباده في العشر الأواخر من رمضان بإسم الله العفوّ:
الدكتور بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً، نحن دخلنا في العشر، ولله الحمد والمِنَّة، وهذه العشر كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، وكان إذا دخل العشر أحيا ليله وشدَّ المِئزر، أحيا ليله وأيقظ أهله، إلى الصلاة والقيام والعبادة والطاعة، ومن أعظم الأسماء الحُسنى التي يتجلى الله بها على عباده في العشر الأخير، هو اسم الله العَفوّ، فكما تعلم ليلة القدر هي في الليالي العشر الأخيرة، وهي أرجى في الليالي الوتريَّة، في ليلة الواحد والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين، فهذه الليالي الوتريَّة فيها ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، والسيدة عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إذا أنا أدركت ليلة القدر فبِما أدعو؟ فعلّمها النبي صلى الله عليه وسلم، اسماً من أسماء الله الحُسنى فقال: قولي اللهم إنك عَفوّ تُحب العَفوَ فاعفُ عني.

{ قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيْتَ إنْ وافَقتُ لَيلةَ القَدْرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنَّكَ عَفوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ. }

(أخرجه الترمذي وابن ماجه والنسائي وأحمد)

ففي ليالي العشر يتجلى الله على عباده بكل أسمائه الحُسنى، لكن أعظم اسمٍ يتجلى الله تعالى به على عباده، أن يتجلى بإسم الله العَفوّ، والعَفوُّ جلَّ جلاله، هو على وزن فَعول من العَفو، فهو الذي يعفو عن عباده، بمعنى أنَّه يمحو سيئاتهم ويترك عقابهم جلَّ جلاله، وجلَّ جلاله يغفر لهم ذنوبهم، فهو العَفوّ قال تعالى:

فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)
(سورة النساء)

فهو يمحو السيئات، يتجاوز عنها، وحظُ المؤمن في هذه الليالي العشر، أن يدعو الله تعالى بإسمه العَفوّ، فيقول: يا عَفوّ اعفُ عني، يا غفور اغفِر لي، يا رحيم ارحمني، ثم حظه أيضاً في ليالي العشر أن يعفو هو عن الناس، فيتعلّم مِن اسم الله تعالى العَفوّ، أن يتجاوز عن الناس، أن يقول يا رب إني سامحت من أساء بحقّي، إني تجاوزت عن من أساء إليّ، إني عَفوت عن من ظلمني، فحظُ المؤمن في هذه الأيام الجليلة، أيام العشر الأخير من رمضان، ولياليها المُباركة، حظُه من أعظم أسماء الله الحُسنى وهو العَفوّ، أن يدعوه بإسم العَفوّ فيقول: اللهم إنَّك عَفوٌّ تُحب العَفوَ فاعفُ عني، وأن يعفو هو عن الناس، فيتجاوز عن زلّاتهم، ويغفر لهم إساءتهم له، ويترك مُحاسبتهم، والله تعالى يُثيبه الثواب الأعظم والأكبر.

المذيع:
فضيلة الدكتور لو وقفنا قليلاً نتأمل هذا الدعاء الذي عَلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنَّك عَفوٌّ تُحب العَفوَ فاعفُ عني"، لماذا خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الليلة المباركة بمعنى العَفوّ، لأنَّ هناك مطالب كثيرة، الإنسان مثلاً يطلب من الله البركة والزيادة والمغفرة ودخول الجنَّة، لماذا خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء بالعَفوّ؟

الدكتور بلال نور الدين:
نعم أيام العشر الأخير هي أيام العِتق من النار، بل أيام رمضان كلها هي أيام العِتق من النار، فحتى يُعتِقنا الله تعالى من النار، ويُعتِق رقابنا ورقاب آباءنا وأمهاتنا، نسأل الله أن يجعل لنا ولكل مسلمٍ نصيباً من هذا العِتق من النار، حتى يُعتِق الله المؤمنين الذين أقاموا ليل رمضان، وصاموا نهاره، حتى يُكافئهم بجائزة العِتق، فإن ذلك يسبقه العَفو، فالعَفو هو، دعني أقول لك أنَّ العَفو هو الموصِل إلى العِتق من النار، لذلك اختصّه النبي صلى الله عليه وسلم بليالي العشر، لأنَّنا دائماً نقول إنه عندنا تخليَّة وعندنا تحليَّة.
يعني أضرِب مثالاً بسيطاً حتى أوضّح ما التخليَّة، وما التحليَّة، أنت لو كان عندك كأس، وهذا الكأس مُتّسخ، فلا تستطيع أن تملأه بشرابٍ نفيسٍ وتقدّمه لضيف، والكأس مُتّسخ، لا بُدَّ من التخلية قبل التحليَّة، تنظفه وتُلمّعه ثم تملأه بأطيب شراب، ففي ليالي العشر نحن نطلب من الله التَخليَّة، العَفو، التَجاوز عن الذنوب، حتى نخرج من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، حتى نتحقق من قوله صلى الله عليه وسلم:

{ مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. }

(صحيح البخاري)

{ مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. }

(صحيح البخاري)

حتى إذا جاء الأول من شوال، كُنّا مستعدين للتحليّة فنقول الله أكبر، نُكبِّره على ما هدانا في أيام رمضان، وفي ليالي رمضان، وفي ليالي العشر، وفي ليلة القدر، فالعَفو هو التخليَّة، أن نَخرُج من رمضان بصفحةٍ بيضاء مع الله، أن نَخرُج في نهاية رمضان وقد مُحيَّت كل الذنوب، وهذه صفحةٌ جديدةٌ مع الله، في الأول من شوال، لذلك فيما أعتقد وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإكثار من الدعاء بإسم الله العَفوّ في ليالي العشر من رمضان، حتى نختم رمضان بصفحةٍ بيضاء نظيفة مع خالقنا جلَّ جلاله.

المذيع:
اللهم آمين يا دكتور بلال، ويكون هذا رمضان العَفو عن الجميع إن شاء الله بإذن الله.
دكتور ما هو اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعيَّ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى؟

ما هو اسم الله الأعظم؟

الدكتور بلال نور الدين:
الحقيقة أخي الحبيب اسم الله الأعظم ورد في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف المحدّثون والمُفسّرون في تحديد هذا الاسم على وجه الخصوص، فذهبوا إلى أقوال عديدة، ربما يضيق المقام عن ذكرِها، نعم قال بعضهم أنَّ اسم الله الأعظم هو الله، وهو اسم العَلَم على واجب الوجود جلَّ جلاله، وذهب بعضهم فقالوا هو الحيُّ القيوم، وذهب بعضهم فقالوا هو الأحد الصمد، وذهب بعضهم إلى تعليق لطيف ربما يكون هذا من لطائف المُفسّرين، فقالوا اسم الله الأعظم، هو الاسم الذي تكون أنت في حاجةٍ إليه في لحظةٍ مُعيّنة، ففي هذه اللحظة يكون لك اسم الله الأعظم فهو مُتبدِّل، مُتغيِّر، بمعنى المظلوم، اسم الله الأعظم له هو الجبار المُتكبِّر المُنتقم جلَّ جلاله، ومن كان بحاجةٍ إلى مال وافتقر، فإسم الله الأعظم بالنسبة له في هذه اللحظة هو الرزاق، فيدعو الرزاق جلَّ جلاله فيُجيبه الله، اليوم إخواننا في غزَّة في فلسطين، وهم يُعانون ما يُعانون من مكرِّ الأعداء ومن هذه الإبادة التي يتعرضون لها، اسم الله الأعظم لهم الناصر، الوليّ، وليُّ من لا وليَّ له، ناصر من لا ناصر له، ففي كل حالةٍ يكون لك مع الله تجربة بإسمٍ من أسماء الله الحُسنى، فيكون هذا الاسم في تلك اللحظة هو اسم الله تعالى الأعظم، هذا تفسيرٌ دقيق، لكن هناك من حدّد الاسم الحيُّ القيوم، ورد في الأحاديث الصحيحة، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُواً أحد"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله تعالى باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعيَّ به أجاب.

{ سمعَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ رجلًا يدعو وَهوَ يقولُ:اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنِّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الأحدُ الصَّمدُ، الَّذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يَكُن لَهُ كفوًا أحدٌ، قالَ: فقالَ: والَّذي نَفسي بيدِهِ لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الأعظمِ الَّذي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعطى }

(صحيح الترمذي)

وورد أنَّه سمع رجلاً أيضاً يدعو فيقول: "اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت المنّان"، المنّان أيضاً من الأسماء التي ذُكِر أنها من أسماء الله العُظمى، المنّان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم.

{ أنَّهُ كانَ معَ رسولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وسلم جالسًا ورجلٌ يصلِّي ثم دعا: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ يا حيُّ يا قيُّومُ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لقد دعا اللَّهَ باسمِهِ العظيمِ الَّذي إذا دعيَ بِهِ أجابَ وإذا سئلَ بِهِ أعطى }

(صحيح أبي داوود)

قال كثيرٌ من أهل العِلم، الحيّ القيوم هو اسم الله الأعظم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا بإسم الله الأعظم الذي إذا دُعيَّ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فهذا مُجمل ما يمكن أن نقوله في موضوع اسم الله تعالى الأعظم، وتلك بعض الأقوال التي وردت في هذا الشأن.

المذيع:
لو توقفنا فضيلة الدكتور عند معنى اسم الله المنَّان، ما معناه؟ اسم الله المنّان الذي ذكرته في الحديث وأنَّه من أسماء الله العُظمى، ما معنى هذا الاسم المنَّان؟

معنى اسم الله المنّان:

الدكتور بلال نور الدين:
نعم، المنَّان اسمٌ من أسماء الله الحُسنى، ورد في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يرِد في القرآن لكنه وَرَد في السُنَّة الصحيحة، بأنَّ الله تعالى هو المنَّان، فالمنّ لله تعالى ولرسوله، والمنّان جلَّ جلاله هو الذي يُعطي عباده ابتداءً، فيُبادِئهم بالإحسان جلَّ جلاله، فله المنّ جلَّ جلاله، لأنَّه المُعطي، فالله تعالى من أسمائه الحُسنى المُعطي، ومن أسمائه المنّان، فهو يمنُّ على عباده فله المنّ، الإنسان المؤمن حظُه من اسم الله المنَّان، أن ينسب المنّ لله تعالى فلا يمنُّ على عِباد الله، قال تعالى:

الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
(سورة البقرة)

فلا يَمنُّ على عباد الله، فيقول لعبدٍ من عباده أنا أعطيتك، لأنَّ المال مال الله، وهو عندما أعطاه إنَّما أعطاه من مال المنَّان، فالمنُّ لله لأنَّه صاحب الفضل، أمَّا العبد فليس له أن يَمُنَّ على عباد الله تعالى، فكان الصحابة الكرام لمَّا النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بعض المؤلفة قلوبهم، ولم يُعطي الأنصار شيئاً، ووجدوا في أنفسهم عليه، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يُكلّمهم في بعض فضّلهم، الذي كان لهم
" صدّقتموني وقد كذّبني الناس، وآويتموني وقد طردني الناس" فكانوا يقولوا المنُّ لله ولرسوله، بل الله ورسوله أمَنّ، فيُعلّمنا اسم المنَّان، أن ننسب المنَّ لله، فهو المُعطي بلا حساب جلَّ جلاله، وهو المُعطي ابتداءً من غير أن نُبادِئه بشيء، فأعطانا ابتداءً جلَّ جلاله، فالمَنُّ له وحده، وأمَّا ما نَبذِله نحن من أموالنا، من قوّتِنا، من مكانتنا، فإنما نَبذِله من الله تعالى فله المَنُّ وحده.

المذيع:
سبحانه وتعالى، فضيلة الدكتور في الآية الكريمة يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الحُسنىٰ فَادْعُوهُ بِهَا)، وهنا أمر، فهل هذا الأمر على الوجوب أم ماذا؟ لكن نسأل عن فضل الدعاء، دعاء الله عزَّ وجل بأسمائه الحُسنى وكيف نفعل ذلك؟

كيف ندعو الله بأسمائه الحُسنى؟

الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، الحقيقة قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الحُسنىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) هذا أمر، وكل أمرٍ في القرآن الكريم أو السُنَّة يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينةٌ على خلاف الوجوب، فالله تعالى يأمرنا هنا أن ندعوه بأسمائه الحُسنى، إذاً هناك فضلٌ عظيم للدعاء بأسمائه الحُسنى، فما معنى أن ندعوا الله بأسمائه الحُسنى؟
المعنى المُتبادر إلى الذهن وهو المعنى البسيط المعروف، أن ندعوه بأسمائه، بمعنى أن نقول يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، يا قوي انتصر لي من أعدائي، هذا المعنى المُتبادر إلى الذهن، يا توّاب تُبّ عَليّ، يا وهّاب هبّ لي ذريةً صالحة، يا رزّاق ارزقني مالاً أجود به على عباد الله، إلى آخره، هذا من دعاء الله بأسمائه الحُسنى، والله تعالى يُجيب العبد إذا دعاه بأسمائه الحُسنى.
أمّا المعنى الثاني وهو المعنى الأعمق، والمعنى الذي أُريد أن نُعرِّج عليه لأهميته، فمعنى الدعاء لله تعالى بأسمائه الحُسنى، أن تأخذ نصيبك من كل اسم، حتى إذا دعوت الله تعالى أجابك، لأنك أخذت نصيبك من اسم الله تعالى منه.
مثال: أنت مثلاً اسم الله الرفيق من أسمائه جلَّ جلاله الرفيق، فإذا أردت أن تدعو الله بإسم الرفيق، يجب أن تكون رفيقاً بزوجتك و بأولادك، فعندئذٍ تدعو الله بإسم الرفيق، أمّا من يكون عنيفاً مع زوجته ومع أولاده، ثم يقول يا رفيق ارفق بي، وهل رفقت أنت بعباد الله، حتى تدعو الله بأسمائه الحُسنى؟! فقال العلماء ( فَادْعُوهُ بِهَا) أي خُذّ حظك ونصيبك، من اسم الله تعالى الرحيم، حتى إذا دعوته أن يرحمك تجلى عليك بالرحمة لأنك رحمت عباده.

{ مَن لا يَرحَمُ لا يُرحَمُ، وَمَن لا يَغفِرُ لا يُغفَرُ لَه، وَمَن لا يَتوبُ لا يُتابُ عليهِ. }

(أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي)

أنت عندما تدعو الله تعالى بإسمه الودود، هل كنت ودوداً مع عباده؟ عندما تدعو الله تعالى بإسمه الحكيم، فهل كان أسلوبك حكيماً في تعاملك مع الناس؟ أم اتبعت خِلاف الحِكمة فأفسَدت وفَسدت؟
إذاً ( فَادْعُوهُ بِهَا) معنيان:
المعنى الأول: أن تقول يا رزّاق ارزقني، يا غفّار اغفر لي.
والمعنى الثاني: أنَّك إذا أردت أن تسأل الغَفور، فاغفِر لعباده حتى يغفر لك، إذا أردت أن تدعو الرفيق فارفُق بعباده حتى يرفُق بك، إذا أردت أن تدعو الرزّاق، فجُد بمالك على عباد الله، حتى يجود عليك الرزّاق من خزائنه جلَّ جلاله، فهذا أمرٌ في القرآن الكريم يقتضي أن نتعامل معه بجديَّة، وأن يكون لنا نصيبٌ من أسماء الله الحُسنى، وأن نتخلَّق بهذه الأسماء الحُسنى، حتى إذا دعونا الله تعالى بها، أجابنا وأعطانا سؤلنا جلَّ جلاله.

المذيع:
بارك الله بك دكتور بلال، دكتور بلال حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ). من أحصاها بمعنى من حَفِظَها، هل من حَفِظ الأسماء الحُسنى دخل الجنة حتى لو كان مُرتكباً للكبائر؟

الإنسان عندما يُحصي أسماء الله الحُسنى لا يمكن أن يعصيه:
الدكتور بلال نور الدين:
نعم الحقيقة أُريد أن أُعرِّج على مفهوم الإحصاء، حتى نُجيب على هذا السؤال المُهِم.
أولاً: النصوص الشرعيّة ينبغي أن تُفهَم بشكل مُتكامل، يعني لا نأخُذ نَصّاً وحده ونعزله عن باقي النصوص ثم نفهمه مُجرّداً، يجب أن نفهم النصوص بشكل متكامل، فالمعصية معصية، والإحصاء للأسماء الحُسنى شيء، ولا بُدّ أن نفهم الأمرين معاً، وسؤالك لمّاح من هذا الباب، الذي يجب أن يصل إلى الناس، من أحصاها دخل الجنَّة، الإحصاء شيء والعدّ شيءٌ آخر، ودليل ذلك قوله تعالى:

لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
(سورة مريم)

فلو كان الإحصاء شيئاً، والعدُّ شيئاً آخر لَمَا قال (لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا)، فالإحصاء شيء والعدُّ شيءٌ آخر، ما معنى الإحصاء؟ أنت مُعلِّم في صف، أقول لك كم طالباً في الصف؟ تقول لي عندي ثلاثون طالباً، هذا عدّ، لكن لو قلت لكَ احصِ الطلاب، فإنك تقول لي عندي ثلاثون طالباً، ثلاثة منهم أمهاتهم مُطلقة، عندي أربعة منهم فقراء، سبعة مُتميزون، ثلاثة عندهم حالات فردية خاصة، يجب مراعاتهم، فالإحصاء أوسع من الحِفظ والعدّ، هو عملية فَهم، عملية أن يعمل الإنسان بمقتضى هذه الأسماء الحُسنى، وهنا أصِل إلى الجواب على سؤالك الكريم، عندما يُحصي الإنسان الأسماء الحُسنى كما يريد الله، أقول باختصار لا يرتكب الكبائر، بمعنى عندما يعلم أنَّ الله تعالى هو الرزّاق ويُحصي هذا الاسم حقيقةً أنَّ الله هو الرزّاق، كيف يَغشُّ المسلمين؟! كيف يسرق أموالهم وهو يعلم أنَّ الله تعالى هو الرزّاق؟ لا يستقيم ذلك، عندما يعلم أنَّ الله هو الرقيب، كيف له أن يزني؟! كيف له أن يأكل المال الحرام؟! كيف له أن يقتل نفساً حرَّم الله إلا بالحقّ؟! كيف له أن يُرابي وأن يأخذ المال بالرِبا؟ لأنَّه عَلِم أنَّ الله رقيب أحصى ذلك، فلمّا عَلِم أنَّ الله رقيب، أي يُراقبه ويطَّلع عليه، فإنه لا يرتكب الكبائر، نعم قد تَزِلُّ قدمه، فيقع في بعض المعاصي والآثام، فيُبادر فوراً إلى باب الله، ويُصلِح ما بينه وبين الله، لأنه فَهِم أيضاً اسم الله تعالى التوّاب، وأحصاه وفهم كيف تكون التوبة.
باختصار أخي الحبيب، عندما يُحصي الإنسان أسماء الله الحُسنى، لا يمكن أن يرتكب الكبائر والآثام لأنه فَهِم وتعرّف إلى خالقه جلَّ جلاله ومن يعرف الآمِر لا يعصِ الآمِر، وقد كان السلف الصالح يقولوا: " لا تنظر إلى صِغَر الذنب ولكن انظر على من اجترأت" ، فمَن يعلم أنَّ الله تعالى هو العليم، وهو الحكيم، وهو القوي، وهو الجبّار، وهو المُتكبِّر، هذه أسماء الجلال، هل يمكن بعد ذلك أن يقتل نفساً بغير حقّ؟ أو أن يعقَّ والديه؟ أو أن يسرق أموال الناس؟ أو أن يقع في أعراضهم؟ إذاً هذا السؤال جوابه أنَّ الإنسان المُحصي لأسماء الله الحُسنى، هو حُكماً مُعرِضٌ عن المعاصي والآثام، وإن زلّت قدمه فهو حتماً يُبادر إلى التوّاب، الغفور، العَفوّ، جلَّ جلاله.

المذيع:
نعم، لكن فضيلة الدكتور، النبي صلى الله عليه وسلم، علَّم الصحابة وربَّاهم وهم خير القرون، ومنهم من زلّت قدماه في المعصية وفي الكبيرة، وتاب ورجع إلى الله، هل عندما أتى بهذه الكبيرة لم يكن مُحصياً لأسماء الله الحُسنى؟
كنت أسألك أنَّ الصحابة الكِرام، هُم من تربّوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم خير القرون، وفي سيرة الصحابة، هناك من الصحابة من زلّت قدماه في الكبيرة، وفي المعصية، فهل نفهم أنه عندما قام بعمل الكبيرة والمعصية، لم يكن مُحصياً لأسماء الله الحُسنى؟

المؤمن هو من تسرَّه حسنته وتسوؤه معصيته:

الدكتور بلال نور الدين:
نعم، الحقيقة أنَّ الإنسان خطّاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ }

(أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه)

فنحن لا نقول إن المؤمن لا يُذنِب، هذا لا يقول به أحد، المؤمن يقع في المعصية، ولكن المؤمن كما يقول صلى الله عليه وسلم، هو من تسّرُهُ حسنته، وتسوؤه معصيته.

{ مَن سَرَّتْه حسَنتُه، وساءَتْه سيِّئتُه فهو مؤمِنٌ. }

(أخرجه شعيب الأرناؤوط وهو صحيح)

فالفرق بين المؤمن وغير المؤمن، أنَّ غير المؤمن ذنبه كذبابٍ وقع على أنفه فقال هكذا فَطار، يعني شيء يسير، تقول له فعلت كذا، فيقول لا تدقق، لا تُحرِّج على الناس، بينما المؤمن، قال ذنبه كأنه جبلٌ جاثمٌ على صدره، فالمؤمن تسرّهُ حسنته، وتسوؤه سيئته، فنحن لن نصل إلى مسلم لا يعصي الله تعالى، لكننا سنصل إن شاء الله من خلال الأسماء الحُسنى، إلى مسلمٍ تسوؤه سيئته، ويُبادر إلى باب التوّاب، يعني يُحسِن التعامل مع الله، ويفهم على الله، فيحاول جهده في تَجنُّب المعاصي والآثام، فإن زلّت قدمه بادر فوراً إلى باب الله تعالى، وأناب إليه، ورجع إليه ولم يستمرئ المعصية، ولم يذهب بها بعيداً، والمسلمون متّفقون كما تعلم أهل السُنّة، على أنَّ الكبائر إذا تاب الإنسان منها، تاب الله تعالى عليه، وغفر له، وأنه إذا مات وهو عليها، فأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له، ولكنه توّعد عباده بالعذاب، فينبغي أن نخاف هذا العذاب، وأن نسعى جهدنا أن لا تزِل قدمنا في كبيرة، وحتى في صغيرة، ولكن باب التوبة مفتوح، ولن يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها.

المذيع:
بارك الله بكَ دكتور بلال، يتعايش المسلم مع أسماء الله الحُسنى، كيف يُصيغ المسلم حياته بأسماء الله الحُسنى؟

كيف يصوغ المؤمن حياته بالتعامل مع أسماء الله الحُسنى؟
الدكتور بلال نور الدين:
الحقيقة أخي الكريم، المؤمن يمكن أن يبني حياته، أو أن يصوغها بالتعامل مع أسماء الله الحُسنى، من خلال شيئين اثنين.
الأمر الأول: أن ينظر في أثار الأسماء الحُسنى في الكون، بمعنى الله تعالى له:
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
{ لبيد بن ربيعة }
فالمؤمن ينظر في مخلوقات الله، فيستشعر أسماء الله الحُسنى من خلال مخلوقاته، فإذا نظر في اسم الخالق، ينظر إلى ابنه الصغير الذي هو مُستلقٍ في سريره أمامه، قد ولد قبل ساعات، أو قبل أيام، فينظر في خلق الله تعالى، ينظر في العين، ينظر في الشعر، في رأس كل واحد مِنّا ثلاث مائة ألف شعرة، لكل شعرةٍ غدةٌ دهنية وغدةٌ صبغية، وعضلةٌ وعصبٌ، وشريانٌ ووريد، والله تعالى خلق كل هذا، فينظر في اسم الله الخالق، في مخلوقاته، ينظر في اسم اللطيف، يرى أن ابنه الصغير، إذا سِنّه اللبني، قبل الأسنان الدائمة، تظهر الأسنان اللبنية، الله تعالى لطيفٌ بعباده، الطفل يأكل وأثناء أكله يسقط منه سنّه بلطف، ينظر إلى حركة الهواء، فيرى أن الأرض تتحرك بسرعة ثلاثون كيلو متر في الثانية، ومع ذلك لا نشعر بها، لأن الله لطيف جلَّ جلاله، ثبّت الأرض بالأوتاد، فحظُ المؤمن الأول ليصوغ حياته مع أسماء الله الحُسنى، أن ينظر في صنع الله، يعني أن يرى الرحمة في الخلق، أن يرى لطف الله في خلقه، أن يرى عظمة الله عز وجل، في النبات في الحيوان، في كل ما خلق الله تعالى، أن ينظر في هذه الأسماء الحُسنى في مخلوقات الله.
الأمر الثاني: وهو مُهم جداً، وقد مَرَرنا عليه مروراً سريعاً، أن يأخُذ حظّهُ من أسماء الله الحُسنى، وهذا الحظ يختلف بين اسمٍ وآخر، فإذا تعلّم اسم الله اللطيف، فإنه يتعلّم اللطف من اللطيف، فيتعامل مع خلق الله تعالى باللطف، فلا يقسوَ عليهم، لا يقسوَ على أهل بيته، ولا على جيرانه، ولا أحبابه، وإذا أخذ اسم الله تعالى الجواد جلَّ جلاله، فإنه يجود على أقربائه بماله، وعلى جيرانه وعلى أحبابه، وعلى الفقراء وعلى المساكين، فيأخذ نصيبه من هذا الاسم، ثم يعكسه سلوكاً في حياته، رَحمةً، رِفقاً، ليناً، ودّاً مع الآخرين، فالمؤمن إذاً يتعامل ويصوغ حياته مع أسماء الله الحُسنى، من خلال نَظره في مخلوقات الله، من خلال أسماء الله، فيتفكّر فيها، فيصل إلى الغفور والرحيم والودود، من خلال خلق الله تعالى، ثم يأخذ لنفسِه نصيباً، من كل اسمٍ من أسماء الله الحُسنى، ليجعله سلوكاً في حياته، حتى مثلاً اسم المُتكبِّر، لو قيل كيف آخُذ نصيبي من اسم المُتكبِّر؟ هل أتكبَّر؟ لا على العكس تماماً، عندما تعلم أن الله تعالى هو المُتكبِّر، فإنك تتواضع لخلق الله تعالى، وتتواضع لله، وهكذا يصوغ المسلم حياته وفق أسماء الله الحُسنى، وصفاته الفُضلى.

المذيع:
بارك الله بك دكتور بلال، دكتور بلال بعض المسلمين يُركِّز على اسم مُعيَّن من أسماء الله الحُسنى، ويردده كثيراً، بنية الشفاء، هل يجوز فضيلة الدكتور العلاج البَدني أو الروحي بأسماء الله الحُسنى؟

هل يجوز العلاج بأسماء الله الحُسنى؟

الدكتور بلال نور الدين:
أخي الكريم الحقيقة بادئ ذي بدء، النبي صلى الله عليه وسلم، كان يستشفي بأسماء الله الحُسنى، بشكل عام، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقول للمريض: << بسم الله، اللهم ربّ الناس، أذهِب البأس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفائك>>.

{ اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاس، مُذهِبَ الباسِ، اشْفِ أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، اشفِه شفاءً لا يغادِرُ سَقَمًا }

(أخرجه البخاري والترمذي وأبي داوود)

نحن في أدعيتنا نطلب بأسماء الله الحُسنى، في القرآن الكريم:

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
(سورة البقرة)

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)
(سورة آل عمران)

فنطلب الهِبة من خلال اسم الله الوهّاب، نقول في القرآن:

قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)
(سورة المائدة)

أمّا وهنا المُهِم، أمّا أن آخُذ اسماً مُعيّناً من أسماء الله الحُسنى، فأقول كرّروا هذا الاسم ألف مرّة، مائة ألف مرّة، عشر مرّات، مائة مرّة، وهكذا، لهذا المرض المُعيَّن، لمرض السرطان، عافانا الله وإياكم أو لغيره، كرِّروه على موضِع مُعيَّن من الجسم، واستشفوا به، فهذا مُجافٍ للصواب، السبب أنَّ العبادات في الإسلام مبناها على الحظر، ولا تُشرّع عبادةٌ إلا بدليل، فمن يأتي بهذا الكلام، نقول له بهدوء وبلطف، ائتنا بدليلك، النبي صلى الله عليه وسلم، ما ترك شيئاً يُقربنا من الله، إلا أمرنا به، وما ترك شيئاً يُبعدنا عن الله إلا نهانا عنه، فلو كان هذا الذي تقوله، بهذا العدد وبهذا الحصر، نعم أسماء الله الحُسنى نافعة، وأسماء الله الحُسنى نستشفي بها، وندعوا الله بها، لكن عندما تحدد لي شيئاً معيّناً، فأرجو منك أن تأتيني بالدليل، فإن لم يكن لديك دليل، فلا تأتي للناس بأشياء من البِدع التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، حتى لا يصبح الدين بعد ذلك، مائعاً يأتي كل إنسانٍ بشيءٍ فيه.

{ مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ }

(أخرجه البخاري ومسلم)


المذيع:
فضيلة الدكتور حضرتك كنت تحدثت عن فكرة أنَّ الإنسان يتعامل بِقُرب مع أسماء الله الحُسنى، فإذا شَعَر الإنسان بِضيق، والهموم تكالبت عليه، والكروب، ما الاسم الذي له أن يُردّده، حتى يستشفي روحيّاً من هذه الهموم والكروب؟

كيف نستشفي بأسماء الله الحُسنى روحيّاً؟
الدكتور بلال نور الدين:
الحقيقة أخي الحبيب، الدنيا فيها متاعب، وهي مبناها على الابتلاء، وقد تتكالب عليه كما تفضّلتم هموم الدنيا، وتكثُر عليه فيلجأ إلى الله تعالى، ويدعوه بأسمائه الحُسنى، ويسأله بها، والله تعالى إذا سئُل بأسمائه الحُسنى أعطى جلَّ جلاله، فالفقير الذي همّه المال، ابتُليَ بنقصٍ من الأموال والأنفُس والثمرات، فيدعو الله تعالى بإسمه الرزّاق، فيقول يا رزّاق هَبّ لي رِزقاً واسعاً، حلالاً طيباً، ومَن ثَقُلت عليه الهموم، علّمه النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقول: (أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، و نورَ صدري، و جلاءَ حزني، و ذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).
ففي السُنّة الصحيحة، وفي الآثار الواردة عن السلف الصالح، ما يُغنينا عن كل مُستحدَث، فيمكن أن ندعوا الله بأسمائه الحُسنى، لِما ورَدَ في الأحاديث الصحيحة، والآيات القرآنية الواضحة ( وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، (وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، إلى آخر ما في ذلك من الدعاء بأسماء الله الحُسنى والاستشفاء بها.

المذيع:
فضيلة الدكتور لم يتبقَ إلا دقائق، وهناك أسئلة كثيرة، سنأخُذ منها بعض الأسئلة المناسبة لهذه الحلقة.
السؤال يقول صاحبه: كيف تتجلى أسماء الله الحُسنى، فيما يحدث الآن في غزَّة؟

كيف تتجلى أسماء الله الحُسنى الآن في غَزَّة؟

الدكتور بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً، يعني مُهم أن لا نترك لقاءً إلا و نُعرِّج على ذِكر أهلنا في غَزَّة، فهذا أقل الواجب، غَزَّة هي الجرح النازف، والأمل الواعد، والألم الشديد مع الأمل الواعد، غَزَّة في وجدان كل مسلم، وكل عربي، وكل مسلم على وجه الأرض، يوحِّد الله، غَزَّة في وجدانه وضميره، فلا بُدَّ أن نُعرِّج عليها في كل لقاء، مع الدعاء لأهلها بالفَرَج، الحقيقة أنني في غَزَّة يمكن أن أستشعِر أسماء عظيمة من أسماء الله الحُسنى، وسأضرِب أمثلة لضيق الوقت، الشهيد أهلنا في غَزَّة، إن غابت شهادة الناس على دمائكم، وعلى انتهاك حُرماتكم، فلا تنسوا أن الله تعالى الشهيد، يشهَد كل ما يجري على أرض غزة، لا تنسوا أنه يشهَد إجرام أعدائكم، ويشهَد صَبركُم، ويشهَد ثباتكم، ويشهَد قوّتكم، ويشهَد رِضاكم عنه جلَّ جلاله.

فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
(سورة محمد)

ولن يُضيّع أجوركم، حاشاه جلَّ جلاله، هو يشهَد شهدائكم، وينظر في حالهم، ويعلم أنهم قَضوا في سبيله، ويعلم العليم جلَّ جلاله، أنَّهم إنَّما ماتوا رِضاءً له جلَّ جلاله، ونُصرةً لدينه فهو العليم جلَّ جلاله، اسم القدير، اعلموا يا أهل غَزَّة، أنَّ الله هو القدير، فهو على كل شيءٍ قدير، تعلّقت قدرته بكل المُمكنات، عنده طلاقة القُدرة.

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
(سورة محمد)

اعلموا أن الله تعالى إنَّما يؤخِر نصركم، ليبلوكم بلاءً عظيماً، فيستحق أهل الجنَّة الجَنَّة، ويستحق الخائنون مع أعداء الله، يستحقوا العذاب الأليم من الله، إن جئت إلى اسم القهّار، فاعلموا أيها المسلمون، واعلموا يا أهل غَزَّة، أن الله عز وجل، غالبٌ على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون،

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
(سورة يوسف)

نعم قد تغيب صفة القهر حيناً عند ضِعاف الإيمان، فيظنون أن القهر للأعداء، أبداً لم يقهر أعداء الله المسلمين، إنه القهّار جلَّ جلاله، الذي يقهر عباده، وينصر أوليائه، ويُعزُّ دينه، ويرفع راية الإسلام إن شاء الله، هو الوَليّ جل جلاله، هو وليّكُم.

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ (11)
(سورة محمد)

يكفيكم أن الله وَليُّكم، ويكفينا نصراً على أعدائنا، أنَّ الله معنا، وأنَّهم من حزب الشيطان، يكفينا أننا قد انتسبنا إلى خالقنا جلَّ جلاله، يكفينا أن يكون وليُّنا الله تعالى، ولتكن الشياطين، وليكن الخائنون أولياء لكم، فلن ينفعوكم شيئاً، فالله تعالى هو الوَليّ، وهو الحميد، وهو الشكور، الذي سيشكر لكم على أعمالكم، وسَيشكر لكم صبركم على الجوع، وصبركم على مصاعِب الدنيا، ويوم القيامة إن شاء الله يكون جلَّ جلاله، الودود، يُسعدكم بِقربه، ويؤنسكم به.
هذه بعض الأسماء الحُسنى، التي تتجلى عند أهلنا في غزَّة، والله إذا ذهبت إلى كل ما ورد في السُنّة، والقرآن الكريم من أسماء الله الحُسنى وطبّقتها اليوم على غزَّة، لوجدت لها تطبيقاً، ولكن حسبُنا هذا القدر، لضيق الوقت، نسأل الله أن ينصر أهلنا في غَزَّة، وأن يُعظِم أجّرَهم، وأن يتجلى عليهم بأسمائه الحُسنى، وصفاته العُلا، إنه نِعمَ المولى ونِعمَ النصير.

المذيع:
في دقيقتين دكتور هناك سؤالان.
السؤال الأول: ما الحُكُم الشرعي في تلحين أسماء الله الحُسنى؟ وما حكم الرقص في الأفراح، عند سماع الأشرطة التي فيها ذكر الله، وذكر سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم؟

حُكُم الإنشاد بأسماء الله الحُسنى:

الدكتور بلال نور الدين:
نعم جزاكم الله خيراً، الحقيقة أنه لو وجِد مُنشِد بصوت جميل، تغنّى بهذه الأسماء الحُسنى، لا أجِد ما يمنع من ذلك شرعاً.

{ ليسَ منَّا من لم يتغنَّ بالقُرآنِ }

(صحيح أبي داوود)

و الأسماء الحُسنى يمكن أن نتغنَّى بها فنُنشدها على نحوٍ لطيف، لنوصِل من خلالها المعاني إلى أطفالنا، إلى شبابنا، إلى نساءنا، إلى شيوخنا، لا أجد ما يمنع من ذلك، لكن أن يتحوّل الأمر إلى حفلات رقص وطقوس مُعيّنة، تجري وترتبط بهذه الأسماء الحُسنى، فأنا أرى أنَّ في ذلك شيئاً من الامتهان، يقول تعالى:

ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
(سورة الحج)

دينُنا يا كرام منهج حياة، يبدأ من العلاقات الأُسريّة، وينتهي بالعلاقات الدولية، لا ينبغي أن نحوّله أو أن نجعله ضمن حفلات، ورقص، وغناء، وموسيقى صاخبة، وغير ذلك، والله أنا للأمانة، وأشكر لك أنك سألتني، أجِد أنَّ في ذلك عدم تعظيم لشعائر الله تعالى، لكن لو أنَّ مُنشِداً بصوته الرخيم، الجميل، أنشَد هذه الأسماء، بطريقةٍ توصِلها إلى الناس بخشوع، بأدب، بوقار، فوالله نِعمَ ما يفعل، لسنا ضد ذلك أبداً، فيه جمال الروح، لكن أن تتحول إلى مادة للرقص والطرب وغير ذلك، فهذا مِما لا يليق بأسماء الله تعالى الحُسنى، ولا يليق بديننا أصلاً.

المذيع:
دكتور السؤال الأخير في أقل من دقيقة، هناك من يقول أنَّ في كف اليد اليُمنى،هناك رقم مكتوب هو ثمانية عشر، وفي اليد اليُسرى رقم واحد وثمانون، لو جمعناهم سوياً يصبح الرقم تسع وتسعون، هُم أسماء الله الحُسنى، ما صحة ذلك فضيلة الدكتور؟

الدكتور بلال نور الدين:
يعني هي لطيفة من اللطائف، لا أجاوز قولنا إنّها لطيفة، يعني لا نَجزِم بها على وجه الجزم، ولا نُنكِرها، هي لطيفةٌ من اللطائف، أن نَجمَع ما على الكفيّن، ثمانية عشر، وواحد وثمانون، فينتج تسع وتسعون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا)، ندعها في مجال اللطائف، أو الأشياء التي تخطُر في بال الإنسان، ولكن لا نجعلها ديناً أو شيئاً ثابتاً، قاطعاً، لأنَّ الثابت والقاطع في العقيدة، يؤخَذ من كتاب الله تعالى، ومن سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

المذيع:
أشكرك شكراً جزيلاً فضيلة الأستاذ الدكتور بلال نور الدين، الداعية الإسلامي على وجودك معنا في هذه الحلقة، شكراً جزيلاً لك.