واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

  • الحلقة العاشرة
  • 2020-05-03

واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

السلام عليكم: الآية اليوم هي الآية التاسعة والتسعون من سورة الحِجْر وهي قوله تعالى:

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
(سورة الحجر: الآية 99)

أخرج البخاري في صحيحه:

{ قَالَ سَالِمٌ الْيَقِينُ هو الْمَوْتُ }

(أخرجه البخاري)

وفي الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري أيضاً في صحيحه:

{ أنَّ عُثْمانَ بنَ مَظْعُونٍ طارَ لهمْ في السُّكْنَى، حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنْصارُ علَى سُكْنَى المُهاجِرِينَ، قالَتْ أُمُّ العَلاءِ: فاشْتَكَى عُثْمانُ عِنْدَنا فَمَرَّضْتُهُ حتَّى تُوُفِّيَ، وجَعَلْناهُ في أثْوابِهِ، فَدَخَلَ عليْنا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أبا السَّائِبِ، شَهادَتي عَلَيْكَ لقَدْ أكْرَمَكَ اللَّهُ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما يُدْرِيكِ أنَّ اللَّهَ أكْرَمَهُ، قالَتْ: قُلتُ: لا أدْرِي، بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ قالَ: أمَّا هو فقَدْ جاءَهُ واللَّهِ اليَقِينُ، واللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو له الخَيْرَ، وما أدْرِي واللَّهِ وأنا رَسولُ اللَّهِ ما يُفْعَلُ بي، قالَتْ: فَواللَّهِ لا أُزَكِّي أحَدًا بَعْدَهُ، قالَتْ: فأحْزَنَنِي ذلكَ، فَنِمْتُ، وفَرِيتُ لِعُثْمانَ بنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخْبَرْتُهُ، فقالَ: ذَلِكِ عَمَلُهُ. }

(صحيح البخاري)

(لمَّا توفي عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُون) أبو السَّائِبِ، (وكانت أُمُّ العَلاَءِ تقول: هَنِيئًا لَكَ أبا السَّائِبِ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما يُدْرِيكِ أنَّ اللَّهَ أكْرَمَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا هُوَ) أي أبو السائب، (أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ) اليقين هو الموت، (أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو الله لَهُ الخَيْرَ، وما أدْرِي واللَّهِ وأنا رَسولُ اللَّهِ ما يُفْعَلُ بي) فعلَّم أم العلاء وعلَّمنا من بعدها أن لا نزكي على الله أحد، وإنما نرجو الخير للإنسان ونقول نحسبه من الصالحين ولا نزكيه على الله تعالى، (فقَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ).

اليقين هو الموت
تسمية الموت باليقين
إذاً اليقين في قوله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) هو الموت، فقد أمر الله تعالى نبيه وأمر أمته من بعده أن نكون على طاعة الله مستمرين دون توقف إلى أن تأتي ساعة الموت.
لماذا سمي الموت يقيناً؟ لأنه الحدث الذي لا بد منه، ولا يستطيع إنسانٌ في الأرض مهما كان شأنه ومهما كان مذهبه، لا يستطيع إنسانٌ في الأرض مسلماً كان أو غير مسلم، أن ينكر الموت أو أن ينكر أنه سيموت يوماً، فالموت هو اليقين الذي لا بد منه.
لكن العجيب هو ما قاله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: قال: " ما رأيت يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدون له ".

اليقين دافعٌ إلى العمل
ينبغي أن يدفعك اليقين إلى العمل
هذا اليقين عند الناس يشبه الشك، لأنَّ اليقين ينبغي أن يدفعك إلى العمل، فأنت إذا تيقَّنت يقيناً كاملاً بأنَّ موعد السفر قد حان فلا بد أن تقوم للاستعداد للسفر، أمَّا إذا لم تقم بالاستعداد فأنت لم تتيقن اليقين المطلوب، فقال عمر بن عبد العزيز: "ما رأيت يقيناً أشبه بالشك"، هذا اليقين يشبه الشك لأنَّ حركة الناس في الحياة إنما تدل على أنهم غير مُتيقِّنين من هذا الحدث، لكن لو واجهتهم وسألتهم هل ستموت؟ لا يستطيع أن ينكر، ولو أنكر لشككت في مقدراته العقلية، فالموت حاصلٌ لا محالة فهو يقين، لكن تعامل الناس معه، يتعاملون معه وكأنهم في شكٍّ من وقوعه فلا يستعدون له الاستعداد الكافي، أما المؤمن فيستعدُّ للقاء الله، ويستعدُّ لهذا الحدث الذي لا بد منه، ويكثر من ذكره ليزداد يقينه به فإذا ازداد يقينه بالموت عمل الأعمال الصالحة التي يلقى الله تعالى بها، وأنفق وقته في الحياة استثماراً لا استهلاكاً، فاستثمر وقته بما ينفعه بعد مضي الزمن وبعد الموت.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.