مخففات الصيام

  • تدبر القرآن الكريم - آيات متفرقة من سورة البقرة
  • 2023-03-13

مخففات الصيام

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات وبعد:
أيها الإخوة الكرام، نحن على أبواب شهر رمضان، ويفصلنا عنه أيام معدودة، وهذا الشهر الكريم فيه آيات، ذكرها الله تعالى في سورة البقرة، في تشريع الصيام، فقال جلّ مِن قائل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
(سورة البقرة)


فوائد آيات الصيام:
وهذه الآيات من سورة البقرة تتحدث عن فرضية الصيام، وفيها فوائد.
أولاً- الله تعالى خفف على عباده فيها بخمسة مخففات، خمسة مُخفِّفات في هذه الآيات، كأن الله تعالى عندما أراد أن يفرض على عباده تلك الفريضة أراد أن يخفف عنهم، وهذا من رحمته جل جلاله، فالله تعالى لا يُسأَل عما يفعل، يُكلّف عباده بما شاء، ولا يُسأَل عما يفعل جل جلاله، لكن رغم ذلك يعلمنا جل جلاله أننا إذا أردنا أن نُكلِّف بشيء فينبغي أن نتلطّف في التكليف به.

مخففات الصيام:
هذه المخففات:

المخفف الأول_ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب للمؤمنين
في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وهذه المقدمة جاءت في أكثر من 80 آية، في كتاب الله تعالى بحدود 80 آية تبدأ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وهذا فيه تلطُّف، وتحبُّب، وكأن الله تعالى يقول: يا من آمنتم بي، بعدلي، بحكمتي، برحمتي، كأن هناك عقداً إيمانياً كما يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله كأن هناك عقداً إيمانياً بيني وبين عبادي. هذا العقد يقتضي منهم أن يفعلوا كذا وكذا وكذا، كأن تقول لطلاب الجامعة: يا من سجلتم في هذه الجامعة، ووقعتم على نظامها الداخلي، أرجو منكم أن تلتزموا بما وقعتم عليه، فهذا أدعى للالتزام، وأخف على النفس.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إذاً الخطاب للمؤمنين؛ لأنه ما معنى أن نقول لإنسان يحب الطعام والشراب والشهوة المباحة، أن نقول له كفّ عنها من ساعة كذا إلى ساعة كذا إلا أن يكون ذلك بدافع من إيمانه، لذلك ربنا جل جلاله في مطلع سورة البقرة قال:

ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)
(سورة البقرة)

لأنه لا معنى أن يقيم الإنسان الصلاة، أنت اليوم قل لإنسان خمس مرات، وأنت في عملك، ويمكن هذا العمل فيه أرباح، ولا يوجد عندك وقت، أو تجلس خلف الشاشة وهناك مباراة رياضية تتابع نتائجها، أو هناك دراما وتتابع أحداثها بشوق وتنتظر ماذا سيحصل، قل له أذّن الظهر قم وقف بين يدي الله، لا معنى لذلك إلا أن يسبقه الإيمان، لذلك كانت السيدة عائشة رضي الله عنها كما في البخاري تقول: أوتينا الإيمان قبل القرآن:

{ كنَّا معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ فتيانٌ حزاورةٌ فتعلَّمنا الإيمانَ قبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ ثمَّ تعلَّمنا القرآنَ فازددنا بِه إيمانًا. }

(سنن ابن ماجه)

يعني تقصد بذلك الأحكام القرآنية، فلما أوتينا الإيمان نفّذنا الأحكام، أما أن تقول لإنسان افعل ولا تفعل من غير إيمان بقضية، لذلك انظر اليوم إلى الأحزاب الوضعية التي تقوم على أسس سياسية أو اجتماعية أو...إلخ، كثير من الناس ينتسبون لها، ولكن من الذي يلتزم بأهدافها؟ المؤمن بأهدافها، غير المؤمن قد يلتزم إذا كان هناك مصلحة، أما إذا لم يكن هناك مصلحة مادية من خلف التزامه بالحزب لا يلتزم به، فالفكرة حتى تُنفَّذ ينبغي أن تكون فيها قوة بالفكرة تدفعك إلى الإيمان بها، والتضحية من أجلها.

الصحابة فدوا الدين بأرواحهم:
الإيمان بالغيب أصل التضحية
الصحابة الكرام رضوان ربي وسلامه عليهم فدوا دين الله -عز وجل- بأرواحهم، كان الواحد منهم يحمل الراية كجعفر -رضي الله عنه- تُقطَع يمينه فيأخذها بشماله، لا يقول خذوني وأسعفوني، هذه التضحية العظيمة التي عندما ينظر الإنسان لها يصغر أمامها، ويتعجب كيف كانوا يفدون الإيمان بأرواحهم، هو إيمان بفكرة، أصله إيمان بالغيب، إيمان بموعود الآخرة.
لما دخل ربعي بن عامر على رستم، قال" "من أنتم وما الذي جاء بكم"؟ يعني بالعامية من أين ظهرتم لنا كنا نعيش بخير، والآن جئتم لتفتحوا البلاد!
قال له: "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى رب العباد"، قال" "وما لكم على ذلك"؟ قال: "إن متنا فلنا الجنة"، عندنا هدف، هناك موعود ننتظره، فهذا الإيمان بالغيب ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ هو الذي يدفع الإنسان أن يقيم الصلاة، وأن ينفق، سواء كانت علاقة بالله أو علاقة بالمخلوق ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ علاقة بالله ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ علاقة بالمخلوق، فالذي يدفع الإنسان لغير مصلحة أن يُحسِن صلته بخالقه، وأن يُحسِن صلته بمخلوقات الله، فيعطيهم مما أعطاه الله هو الإيمان بالغيب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هذا مخفف في الصيام، يعني يا من تنتظرون ما وعدكم الله -عز وجل-، يا من تنتظرون جنة، يا من تنتظرون باب الريان الذي يدخل منه الصائمون، يا من تنتظرون ثواب من قال:

{ قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إِلَّا الصِّيَامَ، هو لي وَأَنَا أَجْزِي به فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. }

(صحيح مسلم)

الكريم يقول: (وَأَنَا أَجْزِي به)، الصيام ثوابه شيء مختلف تماماً، فمن تنتظرون كل ذلك بدافع من إيمانكم بالله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ هذا أول مخفف.

القرآن يعبر بالكتابة عن الفرض:
كُتِبَ يعني فُرِض، والقرآن يعبر بالكتابة عن الفرض:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)
(سورة البقرة)

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
(سورة البقرة)

الكتابة في القرآن تأتي للأشياء الشاقة على النفس
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ ودائماً الكتابة في القرآن تأتي للأشياء التي هي شاقة على النفس ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ الصيام خلاف رغبات النفس، وكذلك ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ تقيم حكم الله -عز وجل- وتُقطَع عنق القاتل، أو من يستحق القتل في دين الله -عز وجل-، التارك لدينه المفارق للجماعة...إلخ.
فتأتي الكتابة على شيء مكتوب أن تفعله ولو كان خلاف ما تهواه نفسك.
فقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ هذا المخفف الثاني، كان في بعض الغزوات أو بعض الأسرى في الإسلام يقول: "مَن لاقى مثلما لاقيت؟" يقول فلان وفلان، فيخف عليه الابتلاء عندما يرى أناساً آخرين قد أصابهم ما أصابه، واليوم نحن إذا ذهبنا إلى إنسان قد ابتلاه الله بمرض من الأمراض، فمن المخففات أن نقول له: غيرك كذلك، مثلاً أيضاً عمي أصيب بالمرض نفسه، ولكن أعانه الله -عز وجل- وصبّره، وتمّت الأمور بخير، فإيمانك بالله كبير، وتوكل على الله، فأخفف عن الناس بالجماعة.

النفس تميل إلى أن تكون مع الجماعة:
حتى إن النفس –وهذا قضية في العمق- عموماً تميل إلى أن تكون مع الجماعة، ولو كانت أحياناً على باطل، ومن الأمثلة الشعبية المعروفة "حط راسك بين الروس وقل يا قطاع الروس" فيقول لك: المشكلة مع المجموعة تهون، كلنا مع بعض، لذلك ربنا -عز وجل- قال في القرآن:

وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
(سورة الزخرف)

الناس عموماً يميلون لتعميم الخطأ
يعني لا تظن أن الذين يستحقون العذاب كُثر، فربنا -عز وجل- من غير المعقول أن يعاقب الجميع، قال: ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ وكأنه يشير جل جلاله إلى هذه القضية النفسية التي تتعلق بأن الإنسان عندما يجد أن كثيراً من الناس قد عصوا الله -عز وجل- فيظن أنه ينجو من العذاب معهم، لذلك اليوم في واقعنا إذا قلت لإنسان الربا حرام، يقول لك: كل الناس يأخذون الربا، أول كلمة يقولها لك كل الناس يأخذون، هل أنت خارج هذا العصر! إذا قلت لإنسان غض بصرك، يقول لك: أنت تعيش في هذا العصر أم في عصر آخر! كل الناس تطلق بصرها، أين أنت؟ فالناس عموماً يميلون لتعميم الخطأ، حالة نفسية هي تعميم الخطأ، حتى يقول لك كل الناس كذلك، حتى الطفل الصغير في بداية عمره، إذا ذهب إلى المدرسة ولم يكتب واجبه، وقال المدرس: من لم يكتب واجبه اليوم يضع رأسه خلف ظهر زميله، ويقول: أستاذ ما كتبنا الواجب اليوم، لا يقول ما كتبت، يحاول أن يقول كلنا ما كتبنا، لعل المدرس يجد من الصعوبة أن يعاقب الطلاب جميعهم، فيتركهم وشأنهم، وطبعاً هذا خطأ تربوي من الأب، أو المدرس، أو المعلم، إذا أعطى توجيهاً أو واجباً ألا يكافئ المحسن، ويعاقب المقصر، وإلا أصبح الجميع مقصرين، ولم يعد المربي مربياً، يعني إذا وجد أن هناك عشرين طالباً لم يكتبوا الواجب فألغى العقوبة، والطلاب مجموعهم ثلاثون، ففي اليوم الثاني الثلاثون لن يكتبوا؛ لأنه بشكل طبيعي مادام لا يوجد عقوبة "من أمن العقوبة أساء الأدب" هذا خطأ، ولكن هذا ما يجري أحياناً مع كثير من المعلمين والمربين، يقول لك سأعاقب كل الصف؟ كلهم هربوا من أعاقب؟ يجب أن يُعاقَب المسيء وأن يُكافَأ المحسن ولو كان واحداً، وأن يعاقَب المسيؤون ولو كانوا مئة، فهذا من أصول التربية. ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾.
فقال: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ انطلاقاً من هذه الرغبة عند الناس، هي رغبة جيدة إذا وجدت أن معك في الطريق إلى الله أشخاصاً، بل هي مطلوبة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
(سورة التوبة)

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
(سورة الكهف)

فلها جانب إيجابي هو كل ما خلقه الله من صفات في النفس لها جوانب إيجابية، ولها سلبية، الجانب الإيجابي في موضوع الحالة النفسية بأنك ترجو دائماً أن تكون مع الكل، وليس فرداً، هي هذه الناحية، أن يتخذ الإنسان في طريقه إلى الله من يعينه على ذلك، يقول لك أنا مع أربعة أشخاص اتفقنا وتعاهدنا أن نصلي الفجر في جماعة، فوجدت نفسي عندي حماس أكثر لهذا الموضوع، لأنني إذا تغيبت يتصل بي الأربعة صباحاً يسألون أين أبو فلان؟ فأصبح أكثر تصميماً على الحضور، فهذه الناحية الإيجابية، أما الناحية السلبية أن يقول الإنسان أنا مع المجموع، وقد ورد في ذلك حديث ولو كان فيه ضعف:

{ لا تَكونوا إمَّعةً، تَقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلَموا ظلَمنا، ولَكِن وطِّنوا أنفُسَكُم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا،هذا الناحية الإيجابية وإن أساءوا فلا تظلِموا. }

(ضعيف الترمذي)

وطّن نفسك أن تكون مع المجموع في الإحسان
يعني وطّن نفسك أن تكون مع المجموع في الإحسان لا في الإساءة، لذلك قالوا: "أنت الجماعة إذا كنت على الحق، ولو كنت وحدك، وهم القلة إن كانوا على الباطل وإن كانوا العالم كله". القلة هي السيئة، والجماعة هي الحسنة ولو كان شخص واحد، الحق هو الجماعة، ليس العبرة بالأكثرية، لذلك في القرآن الكريم يوجد آيات كثيرة:

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
(سورة سبأ)

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)
(سورة يوسف)

فالقضية ليست في الأكثرية، فعلى كل المخفف الثاني قال: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ يعني هذا سنة ماضية من سنن الله بغض النظر عن الشريعة، يعني عن طريقة التطبيق، الصيام مفروض، لكن مدته، نوعه، كيفيته، أيامه تختلف من شريعة إلى شريعة، لكن كل دين فيه صلاة، وكل شريعة فيها صلاة، وكل شريعة فيها صيام ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ فهذا المخفف الثاني.

المخفف الثالث: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
المخفف الثالث ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ما وجه التخفيف في هذا الأمر؟

لا بد من بيان الحكمة من الأمر المطلوب:
الإخبار بالحكمة أدعى للالتزام بالأمر
وجه التخفيف أن الله تعالى يعلمنا أنك إذا أمرت بأمر مما يخفف على الناس تطبيقه، أن تخبرهم بالحكمة منه، فإن ذلك يكون أدعى لالتزامهم به، حتى على مستوى الطبيب، الأطباء وقتهم ضيق، يكتبون الوصفة ويجرون الفحص السريري وينظرون في التحاليل والتصاوير، ولا يتكلمون بكلمة، يخرج المريض لا يدري لماذا سيأخذ هذه الوصفة، ولماذا سيمتنع عن هذا الطعام، ولماذا سيأكل هذا الطعام، الطبيب حكيم، ومن حكمته أن يتكلم لدقائق للمريض عن الحالة، فيقول له :هذا الدواء من أجل كذا، وهذا بعد أسبوعين إن شاء الله ستشعر بتحسن في كذا، ومنعتك عن ذلك لأنه يرفع الدهون الضارة، وأمرتك بالإكثار من هذا لكثرة الفيتامينات فيه، يخرج المريض مرتاحاً أكثر؛ لأنه أخذ الحكمة، فهم لماذا سيفعل ذلك، حتى ابنك إذا قلت له لا تفعل، بابا لماذا لا أفعل، خاصة جيلنا اليوم متعلم على لماذا كثيراً، فيقول له: هكذا وفقط، أنا أبوك، وأقول لك لا تفعل، هذا قد تحتاجه مرة من عشر مرات لا تستطيع أن تفهمه لماذا، تقول له أنا والدك، وأعرف مصلحتك، لكن بالتسع مرات الأخرى إن كان كان هناك حكمة أخبره بها، فربنا جل جلاله الغني عن عباده مع ذلك كثير من الأوامر يبين حكمتها يقول:

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
(سورة التوبة)

هذه الزكاة طُهرَةٌ لكم وزكاة، تطهّر مالكم، وتزكو بها أنفسكم، صارت الزكاة مريحة، اليوم لماذا يتهرب الناس من الضرائب؟ لأنهم لا يعرفون الحكمة منها، ولا يرون أثرها في واقعهم، ولماذا كثير من الناس في بلاد الغرب يلتزمون بالضرائب؟ لأنهم يرون أثرها في الحدائق العامة، ولأولادهم في الطرقات، وفي المدارس، ويرون سلطتهم على الحكومة بأنهم دافعو الضرائب، فيلتزمون بدفعها، وفي بعض البلاد من شدة الالتزام بها يعيبون على المتهربين ويصفونهم بالخيانة؛ لأنك تقصر في حقي، أما في بلاد كثيرة من بلدان العالم الثالث إن صحت التسمية، قالناس تتهرب من الضرائب؛ لأنها لا تعلم لها حكمة، تعلم أنها تدفع فقط، لكن لماذا لا تعلم، لا ترى أثرها، فعموماً بيان الحكمة، وبيان سبب الأمر أمر جيد في التربية، وما استطاع الإنسان يبنغي أن يلتزم به، ولا يعني أنه لو لم تبين الحكمة فلا يكون التطبيق، هذا من الله وحده، لو لم يبين الحكمة ينبغي أن نبادر إلى التطبيق، وعلمنا ذلك مع إبراهيم عليه السلام:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
(سورة الصافات)

ما قال له لماذا تذبحني، لكن هذا مستوى عالٍ، أما عموم المؤمنين إن كان هناك حكمة واضحة فبيّنها، لكن لا تربط التطبيق بها، يعني لا تقل للناس: إذا ما وجدت التقوى تحصّلت لا تصم غداً، لا، هو ليس كذلك، لكن ينبغي أن تحصّل التقوى، لكن الصيام فرض سواء حصّلت منه التقوى، أو قصّرت في ذلك فلم تحصّل، لكن ينبغي أن تمتنع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

الصيام عبادة الإخلاص:
الصوم ترك وامتناع
فقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ بين الحكمة وهذا مخفف ثالث على النفس، عندما يعلم أن هذا الصيام يؤدي إلى أن يتقي عذاب الله -عز وجل-، ويرجو نعيمه، فيعلم أن هذا الصيام لصالحه؛ لأنه يحقق في داخله التقوى، لذلك في الحديث الصحيح: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إِلَّا الصِّيَامَ، هو لي وَأَنَا أَجْزِي به) قد يقول قائل: أليست الأعمال الأخرى كلها لله؟ يعني الصلاة لمن؟ لله، والزكاة لله، لماذا قال: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له) لأن كل عمل من أعمال بني آدم فيه نصيب للنفس لأنه فعل، فالزكاة دفع مال، فقد يكون فيها نصيب من نفس الإنسان بالرياء، الصلاة حركات وسكنات، والحج طواف وسعي، فالعبادات الثلاثة فيها فعل إلا الصوم فهو ليس فعلاً وإنما هو ترك، هو امتناع. كل تعاريف:
الحج تقول: هو الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، نعرف أفعالاً
الصلاة: هي أفعال وأقوال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
الزكاة: هي أن تدفع للفقير، تقوم بفعل
الصوم فيه الترك، امتنع، توقف، فلذلك الإخلاص فيه لله -عز وجل- مرتفع جداً، لأن أي إنسان يستطيع أن يترك هذا الامتناع دون أن يشعر به أحد، أو أن يراه أحد، حتى أهل بيته لا يدرون أنه شرب الماء، يدخل إلى الحمام ويأخذ كأس ماء ويشربها في هذا الصيف الحار، ويخرج ولا أحد يدري به، فالامتناع الإخلاص فيه مرتفع، فلذلك قال: (إِلَّا الصِّيَامَ، هو لي وَأَنَا أَجْزِي به) لي وحدي لأنه لا يدخله حظ النفس؛ لأن الإنسان يستطيع أن يتركه، ومثله في طاعات الإخلاص غض البصر، أيضاً هو امتناع عن النظر، أيضاً يستطيع الإنسان أن يطلق بصره متى شاء دون أن يشعر به أحد، فإذا كان يغض بصره عما حرمه الله فهو من عبادات الإخلاص، قال ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

المخفف الرابع: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾
المخفف الرابع قال: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ يعني 30 من 360 أو 354 يوماً، ثلاثون يوماً يعني نسبة أقل من 10% من السنة، فكل العبادات حتى الزكاة، الزكاة ربع العِشر، واحد من أربعين، والصلاة ساعة من 24 ساعة، الخمس صلوات ساعة من 24 ساعة.

نسبة المُحرَّم إلى المُحلَّل نسبة قليلة
خيرات رمضان لا أحد يتمنى أن تنتهي
وفي المحرمات شراب من ألف شراب، ولحم من عشرين نوعاً من اللحوم، فدائماً نسبة المُحرَّم إلى المُحلَّل نسبة قليلة، فالله -عز وجل- قال: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ والناس جميعاً يحبون رمضان، ويستقبلونه بأجمل استقبال، أقصد الناس المؤمنين طبعاً، لكن بعد 22، 23 يبدأ التعب مهما كان الحب كثيراً لرمضان، فلا أحد يقول بلسانه يتمنى أن ينتهي، لا، لأن خيرات رمضان لا أحد يتمنى أن تنتهي، لكن سبحان الله ربنا عالم بالنفوس، فأعطاك ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ وترك لمن يريد النفل أن يتنفّل، لكن الفرض ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ ربع العِشر فرض، وإن أحببت أن تتصدق بما شئت تصدق، خمس صلوات وأحببت أن تقوم الليل قم، والضحى والنوافل افعل، وهكذا، الحج في العمر مرة، وإن أحببت أن تحج في كل سنة مرة ومرتين وثلاثة فافعل، فأعطاك الحد المفروض، وترك لك التنفل المطلق، من ذاق عرف، إنسان يقول لك أحببت الحج، ممكن أن تكرره نفلاً، أو ممكن أن تكرر عمرة، لكن الحج:

{ خطَبَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: «يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ كَتَبَ عليكم الحَجَّ». فقامَ الأقْرَعُ بنُ حابِسٍ فقالَ: أفي كُلِّ عامٍ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: «لوْ قلتُها لوَجَبَتْ، ولو وَجَبَتْ لمْ تَعمَلوا بها -أوْ: لم تَستَطيعوا أنْ تَعمَلوا بها- الحجُّ مرَّةً، فمَنْ زادَ فتَطَوُّعٌ" }

(المستدرك على الصحيحين)

{ ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فاجْتَنِبُوهُ، وما أمَرْتُكُمْ به فافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ، كَثْرَةُ مَسائِلِهِمْ، واخْتِلافُهُمْ علَى أنْبِيائِهِمْ. }

(صحيح مسلم)

قلنا لكم مرة واحدة، لو قلنا لكم نعم كل سنة يوجد حج، تصور أنه في كل سنة على الحجاج جميعاً أن يذهبوا إلى الحج، هذا غير ممكن أصلاً.
فربنا جل جلاله جعل هذه المخففات في أن المطلوب، المفروض، قليل بالنسبة للأيام الأخرى، في الوقت وفي النوعية، في الكم والنوع، فقال: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾.

المخفف الخامس_ ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾:
المخفف الخامس ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ مباشرة أعطاك الفُسحة للخروج، فيُسر الإسلام يتجلى في شيئين: الشيء الأول التكليف البسيط بالنسبة للوقت والنوع.
ثم رغم أنه تكليف بسيط فتح مجال الترك في حال عدم القدرة.
فالصلاة ساعة من 24 ورغم ذلك إذا كنت مسافراً، تصير الساعة نصف ساعة "عرض"
الصيام ثلاثون يوماً وإن كنت مريضاً أو مسافراً تؤجل وتصوم بعد حين، وإن كان مرضاً مزمناً فـ ﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ يفتح الله لك أبواب اليُسْر

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)
(سورة البقرة)

بعد قليل في آيات الصيام.
والزكاة لها نصاب، فإذا كنت تملك ذهباً تحت النصاب "85 غراماً" فليس هناك زكاة.
والحج له استطاعة:

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)
(سورة آل عمران)

ربنا جل جلاله خفف على عباده
رغم أن التكليف بسيط، لكن ربنا -عز وجل- أيضاً يعفي منه في حالات معينة من عدم القدرة، قال: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وطبعاً قاس العلماءعلى المريض من هو في حكمه كالحامل والمرضع إذا خافت على نفسها، أو على جنينها، وكذلك في الأحاديث أُسقِط الصوم عن الحائض وتقضي، وعن النُّفَساء وتقضي، ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ أيضاً العجوز، والشيخ الكبير الفاني، الذي ليس مريضاً لكن لا يقوى على الصيام، لشدة ضعف جسمه، فيصل إلى الغروب وهو مُنهَك القِوى، فأيضاً أجازت له الشريعة الفطر وهكذا.
فربنا جل جلاله خفف على عباده، بعد أن خفف في التكليف جعل له مخارج لمن لايستطيع أداء هذا القليل، حتى القليل لمن لا يستطيع أداءه خففه الله عليه.

الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال:
الصلاة هي الفرض الذي لا يسقط
وفي الحقيقة ليس هناك فرض في الإسلام لا يسقط إلا الصلاة، يعني لا يوجد فرض، ممكن إنسان ألّا يدفع الزكاة، ولا يستطيع الحج؛ إما لعدم وجود نفقة، أو لعدم الاستطاعة البدنية، أو لعدم وجود المحرم بالنسبة للمرأة مثلاً، فلا يستطيع الزكاة، ولا يستطيع الحج، ولا يستطيع الصيام عنده مرض، والطبيب قال له عليك الإفطار، ودفع الفدية لأن مرضك مزمن، فهو ليس مكلفاً لا بزكاة، ولا بصيام، ولا بحج، لكن الصلاة هي الفرض الذي لا يسقط، يُخفَّف لكنه لا يسقط، يُخفَّف بالسفر بوقته وبكميته، ويخفف بنوعيته عند المرض، قال:

{ صلِّ قائمًا فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنبٍ فإن لم تستطعْ فمستلقيًا. }

(صحيح البخاري)

بالطريقة التي تستطيعها، أو ولو بالإيماء، إذا إنسان مُنِع من الصلاة، أو مسجون أو شيء يتيمم ويصلي بالإيماء، لكن لا تترك الصلاة، جعل الله هذا الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، أما باقي الفروض فتسقط عن غير القادر من تكاليف الشريعة.
فقال: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ يعني فأفطر ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ هنا يوجد كلمة محذوفة نفهمها بدلالة النص، يعني إنسان كان مريضاً أو مسافراً وصام، هل عليه ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾؟ بالتأكيد لا، لكن المقصود فأفطر ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ لكن ببلاغة اللغة العربية البلاغة في الإيجاز ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ يعني فأفطر فعليه عدة ما أفطره من أيام أُخَر، وترك له السنة كلها ليصوم.

قضاء الصوم:
بالمناسبة والشيء بالشيء يذكر صيام ما أفطرته في رمضان يجب خلال السنة قبل أن يأتي رمضان القادم إلا لعذر؛ كامرأة ما تزال ترضع، أو مريض ما يزال في مرضه ويُرجى شفاؤه إن شاء الله، وهكذا، لذلك كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول:

{ كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا في شَعْبَانَ؛ الشُّغْلُ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَوْ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. [وفي رواية]: وَذلكَ لِمَكَانِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. [وفي رواية]: لم يُذكَرْ في الحَديثِ الشُّغْلُ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. }

(صحيح مسلم)

فبيّن كلامها أن القضاء يكون في السنة نفسها، يعني هو على التراخي، لكن ضمن السنة القمرية قبل أن يأتي رمضان القادم يجب أن يؤدي الإنسان ما عليه من القضاء، لأن هذا من الحقوق الواجبة عليه.
فهذه مخففات في آيات الصيام، ثم يقول تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
ثم تأتي آية عظيمة نتكلم عنها في اللقاء القادم إن شاء الله:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
(سورة البقرة)

ثم تتابع الآيات الحديث عن الصيام:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
(سورة البقرة)

أحكام خاصة متعلقة بحكم أن يأتي الرجل امرأته في ليل رمضان.
هذا والله تعالى أعلم وأجلّ وأحكم.
والحمد لله رب العالمين.