الحرام في القرآن الكريم
الحرام في القرآن الكريم
الأستاذ حسين الرواشدة:
السيدات والسادة، المستمعون والمستمعات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
حيّاكم الله بأطيب تحياته، وأهلاً ومرحباً بكم في مستهل هذه الحلقة الجديدة من اللقاء المفتوح، وبرنامجكم فِكرٌ وحضارة. |
عنوان حلقة اليوم: الحرام في القرآن الكريم، قال الله عزَّ وجل: |
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ(59)(سورة يونس)
صدق الله العظيم. |
مقدمة:
وردت كلمة الحرام بمشتقاتها في القرآن الكريم نحو ثلاثٍ وثمانين مرة، وجاءت على ثلاثة أوجه: |
المنع:
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ(12)(سورة القصص)
والتحريم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(87)(سورة المائدة)
والاحترام والشرف أيضاً:
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(97)(سورة المائدة)
معاني التحريم في القرآن الكريم:
ويرتبط التحريم في القرآن الكريم بمعنيين أساسيين، التحريم الكوني، والتحريم الشرعي، ويتوزع على الكبائر والصغائر: |
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ(32)(سورة النجم)
ويستند إلى قواعد أهمها واحدية المصدر، حيث لا حقَّ في التحريم إلا لله عزَّ وجل، والاستثنائية حيث الأصل هو الحلال، والحرام استثناء، كما أنه لا تحريم في الضروريات والاحتياجات، ولا حُرمة في الضرورات القاهرة. |
والحرام مبنيٌّ في الأصل على وجه المصلحة والحكمة، ومتعلقٌ بالخبائث والضرر، كما أنَّ الحلال متعلقٌ بالنفع والطيبات، وثمَّة مصطلحاتٌ أُخرى دالةٌ على الحرام والممنوع، كالمُنكر والسحت، والإثم والعصيان، وثمَّة نصوصٌ جاءت بمقتضى التحريم المباشر: |
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا(31)(سورة الإسراء)
وهناك تحريمٌ حاسم: |
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا 32)(سورة الإسراء)
وآخر تدرُّجي: |
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)(سورة البقرة)
وثالثٌ مؤقت: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43)(سورة النساء)
وقد وردت في إحدى السور، نحو أربعة عشر مسألةً مُحرَّمة منها الشرك بالله: |
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 151)(سورة الأنعام)
وارتكاب الفواحش: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ). |
وأكل مال اليتيم: |
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152)(سورة الأنعام)
وأكل الميتة: |
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(3)(سورة المائدة)
والتعامل بالرِبا: |
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275)(سورة البقرة)
وشهادة الزور: |
ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(30)(سورة الحج)
وغير ذلك. |
ومساحات التحريم والحرام في القرآن الكريم أقل بكثيرٍ من مساحات الحلال، والغايات من التحريم اعتقاديةٌ، وسياسيةٌ، واجتماعيةٌ، واقتصاديةٌ في الأثر، تدور حول هدفٍ واحد، وهو إقامة الدين وعمارة الأرض، بما يُحقِّق مصالح العباد في الدنيا والآخرة. |
في هذه الحلقة نستعرض مفهوم الحرام في القرآن الكريم، وفي مدونة الفقه الإسلامي ونتساءل: |
ما الحرام؟ ولماذا التحريم؟ ما الفرق بين المُحرَّم والمكروه؟ وبين حرَّم وغيره من المفردات الدالة عليه؟ كيف نفهم الحرام في سياق علاقتنا مع الله ومع ذاتنا ومع الآخرين؟ لماذا ارتبط التحريم بالفُحش والضرر؟ هل ثمَّة تحريمٌ أصلي، وآخر عارضٌ ومؤقت؟ هل ثمَّة مُحرَّماتٌ لا تُغفر، وأُخرى قابلةٌ للتوبة؟ أسئلةٌ كثيرة نطرحها في هذه الحلقة، ضمن مساحات التحريم كما ورد في القرآن الكريم. |
أُرحِّب بضيف هذه الحلقة، أستاذنا العزيز الدكتور بلال نور الدين، أستاذ الفقه والشريعة الإسلامي، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. |
الدكتور بلال نور الدين:
حيّاكم الله أستاذ حسين، بارك الله بكم، ونفع بكم، وشكراً لهذه الاستضافة الكريمة. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
موضوع الحرام في القرآن الكريم، على صعيد المرفوض، تكرر الرفض كما قلت ثلاث وثمانين مرة، في المشتقات حرَّم، يُحرِّم، الحرام وله دلالاته، وجاء أيضاً في سياقاتٍ أُخرى لم يرد فيها لفظ التحريم، لكن دالة التحريم، كيف نفهم هذه السياقات؟ وما هي مساحاتها؟ وما هو مفهوم الحرام بالأساس؟ |
الإسلام هو المنهج المتكامل الذي يضع كل حكم في مكانه:
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، الموضوع مهم، وواسع، وحيوي، وضروري، ابتداءً أخي الدكتور حسين بارك الله بك، كل قانونٍ وضعي، أو كل عُرفٍ اجتماعي، يضع شيئاً يمكن فعله وشيئاً لا يمكن فعله، هذا طبيعي، يعني اليوم هناك إنسان يقول لك: هذا لا أفعله، تقول له لماذا؟ يقول لك: لأنَّ أبي لم يكن يفعله، أعراف، آخر يقول لك: لا أستطيع فعل ذلك، تقول له لماذا؟ يقول لك: القانون رقم كذا يمنع من هذا الفعل، فكل القوانين الوضعية أو الأعراف التقليدية، تضع شيئاً يمكن فعله وشيئاً لا يمكن فعله، الإسلام العظيم هو هذا المنهج المتكامل، الذي يضع كل حُكمٍ في مكانه، ضمن منظومة الإسلام العظيم، وهي أنَّ هناك شيئاً يجب فعله وهو الواجب، وأنَّ هناك شيئاً يُندَب فعله، الأفضل أن تفعله لكن لا تؤاخذ إن لم تفعله، وهو المندوب، وأنَّ شيئاً يَحرُم عليك فعله، وإذا فعلته أثمت، لأنك أضررت بنفسك وبالآخرين، بدينك، بدنياك، بأُخراك، وهو الحرام، وشيءٌ يُفضَّل أن لا تفعله وهو المكروه، وشيءٌ افعله أو لا تفعله هذا لك، وهو المُباح، فهذه الأحكام الخمسة. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
هذه الضوابط، ضوابط حركة الإنسان. |
الدكتور بلال نور الدين:
هذه لا يستطيعها قانون ولا أعراف. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
لماذا؟ ما الفرق هنا بين اضبط بالقانون، واضبط بهذه التراتبية من الأفعال والنواهي؟ |
الإسلام يضبط المشاعر التي لا يستطيع ضبطها أي قانون:
الدكتور بلال نور الدين:
لأنَّ الضبط بالقانون يتعلق بالظواهر، بالرقيب، لكن الله تعالى قال: |
وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ(120)(سورة الأنعام)
فالقانون يمكن أن يصل إلى ظاهر الإثم، وضمن محدودية مُعيِّنة تتعلق بقدرته على المراقبة، فإشارة المرور لا تُقطَع والشرطي واقف أو الكاميرا موجودة، لكنها تُقطَع في الثانية ليلاً، حيث لا رقيب ولا حسيب، فلا يستطيع القانون أن يضبط حتى الأفعال الظاهرة، إلا ضمن نطاقٍ مُحدَّد بقدرته على الضبط، أمّا الباطن فلا يستطيعه أبداً، يعني القانون لا يستطيع أن يقول لك لا تأكل في بيتك، أريد أن آكل، لا يستطيع أن يقول لك لا تنظر، أريد أن أنظر، لا يستطيع أن يقول لك لا تفرح أو لا تحزن، لكن الإسلام يقولها، لا تفرح في مكانٍ وافرح في مكان، يعني الإسلام يضبط حتى المشاعر، وهذه لا يستطيعها أي قانون، يضبطها بقوة المراقبة لله تعالى، الذي يراك وأنت لا تراه. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
قوة الإيمان، ما دمت اعتقدت وآمنت بالله يجب أن تنضبط. |
ما هو الحرام؟
الدكتور بلال نور الدين:
نعم، في الاتحاد السوفيتي فيما أذكُر، والقصة معروفة عند الإخوة المستمعين، يوم أصدروا قانوناً لأنهم وجدوا أنَّ الخمر تُضر بالاقتصاد، وتُضر بالمجتمع، وفاقت أضرارها المساحات المحتملة كما يقال، فأصدروا قانوناً، وأحصيتُها مرةً، وأُنفِقت الملايين، وضُبط الطيران، وبعد سنواتٍ، بعدما أُعدم أشخاصٌ بتهمة الاتجار بالخمور، عادوا وأباحوها، لأنهم وصلوا إلى أمرٍ مفاده، أنه لا يمكن أن نقول للناس لا تشربوا الخمر، لكن الله تعالى لمّا قال: |
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ(91)(سورة المائدة)
سالت أودية في المدينة بالخمور، وألقوا كل ما في آنيتهم، وقالوا: بل انتهينا لأنَّ الرقابة فيه لله تعالى. |
فعندما نتحدث عن هذه المنظومة، نجد أنَّ الحرام يقع في الوسط، بين الواجب والمندوب، والمكروه والمُباح، الحرام يتوسط هذه المنظومة. |
كما تفضلتم لغةً هو المنع، وأوردتم على ذلك آيةً كريمة واضحة: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ) أي منعناه منها، هذا المنع الكوني الذي أراده الله تعالى. |
أمّا اصطلاحاً: فيُعرِّفه المناطق بتعريفٍ متعلقٍ بماهيته، والفقهاء بتعريفٍ متعلقٍ بثمرته. |
المتعلق بالماهية: ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً لا نقاش فيه، الحرام يجب أن يُترك. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
لعلته أو لحكمته، أم معاً؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
لعلته أو لحكمته، لكن هنا يمكن أن لا نفهم، لذلك قالوا: " عِلة أي أمرٍ أنه أمر، وعِلة أي تحريمٍ أنه تحريم" |
الأستاذ حسين الرواشدة:
يعني لمجرد ذاته، نحن نمتنع عن شرب الخمر لأنه خمر، لعلته لذاته، حتى لو أنه لم يُفقدنا وعينا، أو لم يتسبب لنا في أذى. |
الدكتور بلال نور الدين:
بالضبط، لذلك إذا سألك ابنك لماذا نترك شرب الخمر؟ قل له لأنَّ الله حرَّمه، لا تقل له لأنه يضر بالكبد، هذه حكمة تُحدِّثه عنها بعد ذلك، لكن ابتداءً قل لأنَّ الله حرَّم، أذكُر مرةً عندنا عالمٌ جليل جلس مع مسلم اعتنق الإسلام حديثاً، فطُرح موضوع في النقاش، وأنا سمعته عبر الإذاعة، مفاده تحريم لحم الخنزير، فبدأ هذا العالم الجليل، وقد أحصى الأدلة على هذا التحريم، مما يُناسب عقل المسلم الجديد، وبيَّن ما فيه من أضرار، والدودة الشريطية وإلى آخره، وتخلُّق الإنسان بخُلق الدابة التي يأكل منها، إلى آخره، فلمّا انتهى قال له المسلم الجديد: يا شيخنا الجليل، كان يكفيك أن تقول لي أنَّ الله حرَّمه، فالحرام يُترك لعلة أنه حرام، ثم ما فهمنا من الحِكم فعلى العين والرأس، وما لم نفهم نُسلِّم الأمر فيه لله تعالى. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
في قضية تحريم الخمر، وتعرف ويعرف السادة المستمعين، أنه حُرِّم بالتدريج، لم يُحرَّم منذ البداية، الإشارة الإلهية إلى أنه فيه ضرر وفيه منافع لماذا؟ هو حُرِّم لماذا كان هذا التدرج؟ |
المنهج الإلهي في التحريم لضمان سلامة المؤمن وليس حدَّاً لحريته:
الدكتور بلال نور الدين:
التدرج هو ليعلِّمنا، هو تعليمٌ لنا، أنك اليوم عندما تريد أن تُعلِّم ابنك شيئاً، أو يأتيك طالبٌ جديد، أو مسلمٌ جديد، فأنت تريد أن تُعلِّمه، فإذا بدأت معه من اليوم الأول، وقلت له هذه قائمة المُحرَّمات، وهذا لا يجوز، وذاك لا يجوز، واذهب وغيِّر حلاقة شعرك، وطريقة لبسك، وإلى آخره، لربما أعرض عنك، وقال لك لا أريد، إذا كان الدين بهذا التشدُّد كما يفهمه هو في البداية، لأنَّ فهم الناس للدين وللتحريم، على أنَّ ما حرَّمه الله تعالى وما منعنا منه، هو ضمانٌ لسلامتنا وليس حدّاً لحُريتنا، هذا يأتي في مراحلٍ متقدمة. |
المنهج الإلهي في التحريم، هو ضمانٌ لسلامتي وليس حدّاً لحريتي، يعني يشبه ذلك حتى أُمثِّل للإخوة المستمعين، أن يأتي شخصٌ وهو يقود سيارته، وهناك جسرٌ فوقه، جسر مشاة أو سيارات، وقد وضعوا عليه لافتةً تقول أربعة ونصف، ما معنى أربعة ونصف؟ أنَّ ارتفاع الجسر أربعة ونصف، وشاحنته ارتفاعها خمسة أمتار، فنظر يمنةً ويسرةً، قال لا يوجد شرطي إذاً سأمُر، الجسر سيُعاقبك وليس الشرطي، فأنت عندما تفهم أنَّ هذا الأمر هو حدٌّ لحريتك تتجاوزه، لكن عندما تفهم أنه ضمانٌ لسلامتك تتوقف. |
يجب أن نفهم أنَّ أوامر الدين هي ضمانٌ لسلامتنا وليست حدّاً لحريتنا، عندما تضع الدولة شاخصة توتر عالي، خطر الموت، لا تقترب، هذا توتر كهربائي عالي، لا تنظر يمنةً ويسرةً، لا تقترب أبداً، لأنَّ ذلك هو ضمانٌ لسلامتك. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
ولذلك الحرام دائماً ارتبط بالضرر والخبث. |
لماذا التدرج في الأحكام؟
الدكتور بلال نور الدين:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)(سورة الأعراف)
لكن هذا الفهم قد يصل إليه الإنسان متأخراً، لذلك نتدرج معه، حتى لا يفهم أنها حدٌّ لحريته، فلذلك الإسلام علَّمنا وأبقى الآيات المنسوخة في كتابه، حتى نتعلَّم التدرج في الأحكام، فإذا جاءك إنسانٌ ابدأ معه، ثم كن موضوعياً معه، القرآن لمّا تحدَّث عن الخمر، ما قال كلها، لو قال كلها أثم، لقالوا له نحن تجارتنا فيها، وأرباحنا فيها، هذه منفعة، فالإسلام يُعلِّمنا أيضاً إذا تكلمت تكلم بموضوعية، لا تقل له كما يحلو لبعض الدُعاة. |
مثلاً أن يقول له انظر إلى المرأة، يُشبهها بشيءٍ سيء، حتى يقنعه بالإعراض عن الزِنا، أو النظر الحرام، لا، المرأة مُحببة، ويدعوك أسبابٌ كثيرة إلى النظر إليها في الحرام، لكن الإسلام ينهاك عن ذلك، لطهارتك وعِفَّتك، وطهارتها وعِفَّتها، فكن موضوعياً عندما تطرح على طلابك، على أبنائك، قل له هذا الأمر فيه كذا وفيه كذا، لكن إثمه أكبر من نفعه، يعني حتى "أجلَّكم الله" حاوية القمامة ليست سوءاً كلها، قد يجد الإنسان فيها بعض الأمور الحسنة، لكنها في النتيجة قمامة، فلذلك علَّمنا الإسلام هذا التدرج حتى لا نقع بإشكالٍ في تعاملنا مع من نُخاطبه. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
التحريم متعلقٌ بمَن؟ بالله تعالى فقط؟ كيف نفهم ذلك؟ كيف نفهم مثلاً في قول: |
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(1)(سورة التحريم)
التحريم هو حقٌّ لله تعالى وحده:
الدكتور بلال نور الدين:
التحريم كما تفضلتم هو حقٌّ لله تعالى وحده، من حيث أنه لا يملِك أحدٌ في الوجود، أن يُحرِّم ويُحلِّل، مثل تماماً القوانين اليوم، هل يستطيع مواطنٌ أن يسُنّ قانوناً؟ لا يستطيع، الدولة هي التي تسنّ القوانين، والله تعالى يقول لك: أنا الذي أقول لك هذا حلالٌ وهذا حرام، لذلك قال تعالى: |
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ(116)(سورة النحل)
فالتحريم والتحليل حقٌّ لله تعالى، وأحياناً بعض الدُعاة يقول لك من باب الأيسر عليّ، كل ما سألك إنسان، قل له حرام، أحوط! لا، تحريم الحلال كتحليل الحرام في الإثم عند الله تعالى، كلاهما حرام، أن تُحرِّم حلالاً، أو أن تُحلَّ حراماً. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أي تحريم يحتاج إلى نصٍ واضح لا يقبل التأويل؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
نعم طبعاً، التحريم نَص واضح ظاهر، لا يقبل التأويل، أجمع عليه الفقهاء، بأنَّ هذا الأمر حرامٌ بالنَص، طبعاً نصوص التحريم معروفة في كتاب الله تعالى، يذكرها الفقهاء، يعني مثلاً النهي: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) هذا نهي واضح، هذا من صيغ التحريم، النهي المُطلق، مثلاً باللفظ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ). |
الأستاذ حسين الرواشدة:
ما الفرق هنا بين الآية التي تستخدم كلمة حُرِّم أو حُرِّمت، وبين النهي الذي أشرت إليه في درجات التحريم؟ هل هنالك تراتبية ما في التحريم، أم أنه ينصَبّْ في معنىً واحد، وهو المنع الجازم؟ |
القرآن الكريم ينوِّع بعبارة التحريم بحسب الأمر المُحرَّم:
الدكتور بلال نور الدين:
ينصَبّْ في معنىً واحد، وهو المنع الجازم، ولكن القرآن الكريم ينوِّع في العبارة بحسب الأمر المُحرَّم، يعني بمعنى لمّا كان الزِنا، يمكن أن تقود أمورٌ كثيرةٌ إليه، يعني كثيراً ما يبدأ الإنسان بإطلاق بصره في الحرام، ثم يصل إلى الزِنا، كثيراً ما يبدأ بالاختلاط غير المنضبط، بالخلوة بالأجنبية، بالحديث المائع مع امرأةً لا تحلُّ له، ثم يصل به الأمر إلى الزِنا، فاستخدم (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) حتى لا تحوم حول الحِمى، بينما الميتة مثلاً، ليس هناك شهوة في النفس لأكل الميتة فقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)، ما قال لا تقربوا الميتة، لأنه لا يقربها الإنسان، الإنسان يبتعد، لكن قال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)، فالقرآن يستخدم الأسلوب بحسب السياق. |
معنى الاجتناب:
الأستاذ حسين الرواشدة:
اجتنبوا مثلاً. |
الدكتور بلال نور الدين:
اجتنبوا تشبه لا تقربوا، وللأسف البعض فهموا أنَّ الاجتناب أقل من التحريم! لا أبداً، الاجتناب هو أن تجعل بينك وبين هذا الأمر جانباً، يعني أن تهجره بالمطلق، لذلك الاجتناب مثل: |
{ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا ، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ }
(أخرجه البخاري ومسلم)
هل نقول أنَّ السبْع المُوبِقات والعياذ بالله، العقوق، والشرك بالله، يعني اجتنبها على التخيير أو على المكروه؟ لا، الاجتناب مبالغة في التحريم، أن تجتنبه بمعنى، لمّا قال عن الخمر قال: اجتنبوها، لماذا؟ لأنَّ الخمر: |
{ لعَنَ اللهُ الخَمْرَ، ولَعَنَ شارِبَها، وساقيَها، وعاصِرَها، ومُعتَصِرَها، وبائِعَها، ومُبتاعَها، وحامِلَها، والمَحمولةَ إليه، وآكِلَ ثَمَنِها. }
(أخرجه أبو داوود وأحمد وابن ماجه)
فالاجتناب يعني أن لا تشارك بأي شيءٍ يؤدّي إليها، لذلك من قواعد الحلال والحرام، أنه ما أدَّى إلى الحرام فهو حرام، فالاجتناب أن تترك ما يؤدّي بك إلى الأمر. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
ما أدّى إلى الحرام فهو حرام، كيف يمكن أن نفهمه في سياق، أنَّ الله سبحانه وتعالى فصّل لنا ما هو حرامٌ في قوله تعالى: |
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ(119)(سورة الأنعام)
الدكتور بلال نور الدين:
ما أدّى إلى الحرام فهو حرام هذه قاعدة مستنبطة من التفصيل، بمعنى الإسلام قال لك الزِنا حرام، لكن أيضاً هو الذي قال لك: |
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)(سورة النور)
وهو الذي أمرك أن تجتنب الخلوة بالأجنبية، في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس أنا من أقول لأُحجِّر على الناس، أقول لهم هذا قد يؤدّي إلى الحرام فهو حرام، إلا أن تكون فتوى خاصة بشخصٍ مُعيَّن، أعلم منه أنه عندما يتمادى في هذا الموضوعٍ، قد يؤدّي إلى كذا، فأقول له: إذا أدّى بك إلى كذا فهو حرام، أمّا إذا لم يؤدِّ فليس حراماً. |
ما معنى اللمم من الكبائر والصغائر؟
الأستاذ حسين الرواشدة:
وكيف نفهم في هذا السياق، استثناء اللمَم من الكبائر والصغائر؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
لأنَّ الله تعالى عَلِم أنَّ هذا الإنسان تتنازعه الشهوة، ويأتيه الحكم الشرعي وهو بينهما، فموضوعية الإسلام أنه يُدرك أنَّ الإنسان ينسى، ليس مَلَكاً، فقال: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)، فيُلِم بالإنسان بعض الحالات، والإيمان يزيد وينقص، فلمّا يكون في ضعف إيمان، في حالة مُعيَّنة، قد يضعُف إيمانه فيقع باللمَم، يتكلم بكلمة، ينظر نظرة، فالإسلام لواقعيته قال لك أنا أغفر لك اللمَم، لن تكون مَلَكاً، لن تكون مُنقّى من العيوب، وكل شيءٍ، لا بُدَّ أن تُخطئ، هذه واقعية من الإسلام. |
لكن المؤمن ميزته أنه لا يرتكب الكبائر، ويتوب من الصغائر، يعني ميزته عن غيره، أنه لا يأتي ويقول لك: أخطأت فزنيت، وحتى لو زنا، التوبة مفتوح بابها، لكن بعد أن يستقر الإيمان في قلبه، يبتعد عن الكبائر ويستغفر الله من الصغائر، لكنه ليس خالياً من العيوب والمُحرَّمات. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
يوجد مصطلحات أيضاً تَرِد، مثلاً المُنكر، الرجس، في معناها توحي أنَّ ذلك أمراً ممنوعاً حراماً، هل تقع هذه في دائرة الحرام المُحرَّم؟ |
من أساليب التحريم التصريح بعدم الحلّ:
الدكتور بلال نور الدين:
في الأعم الأغلب نعم، إلا أن يرد قرينة أو شيء يصرفها عن هذا المعنى، يعني مثلاً من أساليب الحرام، التصريح بعدم الحِلّ، كقوله صلى الله عليه وسلم: |
{ لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. }
(أخرجه أحمد وابن حبان والبيهقي)
فلا يحلُّ يعني يَحرُم، مثلاً الأمر اجتنبوا، الأمر بالاجتناب، عندما يُرتب الله عقوبةً على أمرٍ مُعيَّن، يُرتب عليه أو يصفه بوصفٍ كما تفضلتم |
قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(145)(سورة الأنعام)
أو يُرتب عقوبةً عليه كقوله تعالى: |
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(2)(سورة النور)
لماذا نجلد؟ لأنه حرام، لكن هذا الآن أمرٌ واسعٌ في أصول الفقه، يعني أحياناً النهي يكون للكراهة، وأحياناً الأمر يكون ليس للوجوب وإنما للإباحة، هذه قرائن تصرِف موجودة في أصول الفقه، يعني مثلاً حتى يتضح ما أقوله، لمّا يكون الأمر بعد الحظر يكون للإباحة، يعني كقوله تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)(سورة المائدة)
أنا الآن أحللت من إحرامي وانتهى الحج، هل يجب عليَّ أن أصطاد لأنَّ الله قال: (فَاصْطَادُوا) ؟ لا هذا أمرٌ للإباحة، لأنه ورَدَ بعد الحظر. |
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(10)(سورة الجمعة)
هل يجب إذا قُضيت الصلاة أن أخرج وأبتاع، أم يمكن أن أذهب إلى بيتي وأنام؟ إذاً هو للإباحة، فحتى هنا لا بُدَّ من الفهم العميق. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
هنا إذاً تحريم مؤقت، في وقتٍ ما لا يجوز، لكن إذا انتهى هذا الوقت، أو انتهى هذا الزمن، أو انتهى الحال يصبح حِلّ؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
عند صلاة الجمعة لا يجوز أن أبيع وأشتري (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) فهناك أشياءً حرَّمها الله تعالى في ظرفٍ مُعيَّن، لا ينبغي أن أنقلها فأُعممها. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
مساحات التحريم في القرآن الكريم، أو في الإسلام عموماً هل هي واسعة؟ |
الأصل في الأشياء الإباحة وفي العبادات الحظر:
الدكتور بلال نور الدين:
مساحات التحريم ضيِّقة جداً، بدأ ذلك من بدء الخليقة، عندما قال الله تعالى لآدم عليه السلام: |
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35)(سورة البقرة)
(رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا) كل الأشجار مباحة (وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ) مهمة الشيطان كانت أن يُرغِّبه في المُحرَّم ويُزهّده في كل الحلال، فمساحة التحريم ضيِّقة جداً إذا ما قورنت بالحلال، يعني مثلاً الخمر حرام وما سواه من الأشربة مُباح، المُسكِر حرام وما سواه مُباح، المانغا، الأناناس، شراب البرتقال، الحيوانات أربعة مُحرَّمة والباقي حلال، كُل ما شئت، جمل، غنم، بقر، عجل، ما تريده، فمساحة الحرام قليلة، لذلك من هنا قال الفقهاء في القاعدة الرائعة "الأصل في الأشياء الإباحة، وفي العبادات الحظر". |
وهنا يخلط بعض المُتشدّدين، للأسف الشديد يجعلون الأمر بالعكس يقول: الأصل في الأشياء التحريم، يعني كله حرام، اليوم عندما تقول لي: ما دليلك على حلِّ ذلك؟ لا تسألني عن الدليل، بل قل ما دليلك على تحريم ذلك؟ لأنَّ الأصل هو الحِلّ والإباحة فلا تُشدِّد على الناس، العبادات الحظر أيضاً يُخطئ البعض، بأن يجعل الأصل في العبادات الإباحة. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
لكن كما قلت نحن اليوم عندما نرى في واقعنا المعاصر، في مجال الفتوى، في مجال الدعوة، حتى في مدونات الفقه، نرى أنَّ مساحات التحريم أوسع بكثير، ما قبل الفعل، وما بعد الفعل، والنيّة للفعل، والأشياء كلها مُحرَّمة. |
النص معصوم لأنه من الله تعالى:
الدكتور بلال نور الدين:
أولاً سيدي العصمة للنَص وليست لفهمه، أي نَص يمكن أن يُفهم على أفهامٍ متعددة، فنحن النَص عندنا معصوم لأنه من الله تعالى. |
لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42)(سورة فصلت)
لكن أفهام الناس، ينبغي من يفهم النَص على نحوٍ مُعيَّن أن يُقيم الحجة على ذلك، وإلا ففهمه مردودٌ عليه، مع الأسف، لا يعني ذلك لا نتساهل في الحرام، لكن في الوقت نفسه لا نُشدِّد فيه على الناس، (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فما دمت لا تملِك دليلاً على التحريم، الآن تقول فهمت النَص على أنه كذا وكذا، هذا الفهم يحتاج إلى أساليبٍ من اللغة والأصول والعلم، أمّا إذا لم يكن عندك علمٌ، لذلك قالوا: "مَن كَثُرَ عِلْمُه قَلَّ إنكارُه" الذي ما عنده علم كلما رأى شيئاً قال لك: تفعل مُحرَّماً لا يجوز، يُنكِر على كل الناس بسبب قلة العلم، أمّا لمّا يخوض الإنسان في بحار الفقه، وفي بحار فهم النَص، وفي بحار اللغة، يفهم النَص على النحو الصحيح، لذلك كان سفيان الثوري يقول: " الفقه عندنا هو الرخصة من ثقة، أمّا التحريم فيُحسنه كل أحد" حرام لا تفعل، فالفقه هو الرخصة من ثقة، أن تأتيني رخصة من شخصٍ عالم يقول لي هذا يجوز، أنت الآن بحالةٍ لك أن تجمع، أنت الآن بحالةٍ لك أن تمسح. |
ربما يلوموني البعض، لكن بما أنَّ الموضع قد فُتح فلا بُدَّ أن نقول، يعني أحياناً ليس في فقه الأئمة الكبار وإنما في بعض ما جاء بعدهم، في كتب الفقه، أصبح هناك حالةٌ من الترف الفقهي، كانوا يقولون أرأيت، "الفقه الأرأيتي"، هذا الفقه وإن كان فيه جمالٌ مُعيَّن، ولطفٌ مُعيَّن، وثروةٌ فقهية مُعيَّنة، واستشرافٌ للمستقبل كما يقال، جميل، حتى أنا كنت أستمتع به يوم كنت أدرُس الفقه، لكن بحدٍّ مُعيَّن ومكانٍ مُعيَّن، أصبح بعض الناس يُحلِّونه مكان النَص، وهذه مشكلة، هذا فهمٌ للنَص. |
والمشكلة الثانية أنه يقول لك أنا لا أُفتي إلا على مذهبي، يعني أنا شافعي وأُفتي على الشافعية، الإمام الشافعي على العين والرأس، رجُلٌ قدَّم للأمة ما نصغُر أمامه، لكن اليوم يجب أن يكون الفقيه بهذا الوضع الذي نحن فيه موسوعياً، يعني يُدرك أنَّ المسألة فيها أقوال، وقد يكون هناك قولٌ أرجح من قول، وقد يكون في حالة هذا الشخص قولٌ أيسر من قول، فيجب أن أكون مُلمّاً بفقه الأئمة، وقارئ صحيح للنَص وللغة، حتى أُعطي الناس ما يناسبهم، وأن لا أكون متشدِّداً في مسألةٍ يمكن فيها التيسير، أو مُيسِّراً في مسألةٍ يتضح فيها التحريم. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
كيف يمكن أيضاً أن نفهم موضوع موقع الضرورة عند التحريم؟ في قوله تعالى مثلاً الذي تليناه: (فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) وفي آياتٍ أُخرى إلا ما اضطررتم إليه أيضاً، من يُقدِّر هذا الاضطرار؟ وما هو حدوده؟ |
ما هو الاضطرار في الشرع وما هي حدوده؟
الدكتور بلال نور الدين:
الاضطرار يحدِّده عالمٌ ثقة، أو يحدِّده الشخص المُتجرد الذي يخاف على دينه، كلاهما يمكن أن يُحدِّد الضرورة. |
الضرورات: في الشرع معروفة عندنا، حتى في الحياة العامة، هناك ضروريات وحاجيات وتحسينيّات، فالضروريات هي التي بفواتها، لا يستطيع الإنسان الاستمرار في حياته بالشكل الطبيعي، يعني المسكن ضرورة، الطعام والشراب ضرورة، فاليوم إذا قال لك إنسانٌ، أنا ما عندي ما آكله إلا أن آكل لحم الخنزير الذي بين يدي هذه ضرورة، أو إذا قال لك: أنا ما عندي ما أسكنه إلا أن آخذ بيتاً، وليس هناك أي وسيلة إلا بقرضٍ ربوي، حتى أستأجر بيتاً يأويني، هذه ضرورة. |
ثم تأتي الحاجيات: وهي التي تستقيم حياة الإنسان بدونها لكن مع عنَت شديد، وهنا قال الفقهاء قد تتنزل الحاجات منزلة الضروريات، يعني قد تكون الحاجة شديدة، ليست ضرورةً لكنها شديدة، فيُنزلها المفتي منزلة الضرورة، فيقول له أنت في حكم المضطر، وإن لم تكن ستموت بلا ذلك، ولكنك في حكم المضطر. |
أمّا التحسينيات: فهي التي لا خلاف على أنه لا يجوز للإنسان أن يرتكب الحرام من أجلها، فيقول أخذت قرض ربوي حتى أشتري شاشةً كبيرة، أو حتى أُغيِّر هاتفي، أو حتى أوسِّع بيتي، فنقول له هذا لا يجوز أن ترتكب حراماً لأجل تحسيّني . |
أمّا في الضرورات فلا خلاف على ذلك، وهو أي شيءٍ يفوتك مصلحةٌ من عدم فعله، أحياناً الزواج يكون ضرورةً لبعض الشباب، يقول لك أنا أخشى على نفسي العنَت، الزِنا، أنا أريد أن أؤسِّس بيتاً، فقد نقول له تحتاج إلى قرضٍ أو شيءٍ أو كذا من المُحرَّمات، ولكن الضرورة تُقدَّر بقدرها، فلا يتجاوزها |
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(173)(سورة البقرة)
الأستاذ حسين الرواشدة:
ألا يفرض مثل هذا الفهم أيضاً، حين إنزاله على الواقع، مراجعة كثير من الفتاوى والنصوص الفقهية المتعلقة بالمُحرَّمات مثل الرِبا، ألا يستلزم ذلك؟ يعني أنت تتحدث مثلاً عن زواج المُضطر، البيت، السكن، الذي لا يجد مأوىً له، قد يضطر بالضرورة، ألا يستدعي ذلك أيضاً إلى إعادة النقاش في موضوع ما هو الرِبا؟ وكيف يحصل الرِبا؟ هل الرِبا الذي كان حُرِّم يختلف عن اليوم، عن القضايا المتعلقة، المراجعات هنا ضرورية؟ |
المراجعات ضرورية لإسقاط النصوص على واقعنا:
الدكتور بلال نور الدين:
المراجعات ضرورية لإسقاط النصوص على واقعنا، يعني في الفقه القديم موجود وواضح حدود الضرورة موجودة، لكن اليوم مثلاً لا يمكن أن تجد إنساناً، ربما في بلادنا يضطر إلى أكل لحم الخنزير، لأنك لا تجد لحم الخنزير في بلادنا ولله الحمد، أو مثلاً أنه كاد يختنق فلم يجد إلا خمراً أمامه، نقول له: وما أجلسك على مائدةٍ فيها خمر مثلاً؟! الماء موجود، فتغيرت الظروف التي فيها الضرورات، فلا بُدّ أن نُسقط من جديد الفقه على ضروراتنا اليوم. |
ضروراتنا اليوم مختلفة عن الضرورات السابقة، اليوم أصبح للإنسان بعض الضرورات التي لم تكن موجودة سابقاً، كان إذا أراد أن يتزوج فيتزوج خلال يومين، الآن يوجد مُتطلبات، هناك مَهر وعرس إلى آخره، فاليوم نحن بحاجةٍ إلى مراجعاتٍ ليس لثوابت المُحرَّمات، فهي واضحةٌ وثابتة، لكن لتطبيقاتها على واقعنا المعاصر وما نحتاجه اليوم. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أيضاً كيف نفهم التحريم في إطار العموم، لفظ العموم؟ مثلاً قوله تعالى: |
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)(سورة الأعراف)
الفواحش، ما هي الفواحش؟ اليوم ما يُرتكب من فاحشةٍ في مجتمعاتنا، استناداً إلى العُرف والتقاليد، يختلف عن ما يُرتكب من فواحشٍ في مجتمعاتٍ أُخرى، فالفاحشة هنا ليست الفاحشة هناك. |
ما هي الفواحش؟ وكيف أصبحت الفواحش في تاريخنا اليوم؟
الدكتور بلال نور الدين:
نعم الفاحشة هي ما فَحُشَ من القول أو الفعل، يعني الذي يجده الإنسان فاحشاً تعرفه الفِطر السليمة، التحريم العمومي في الأشياء، يعني هناك كما تفضلتم تحريمٌ خاص: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) فهذا مُحدَّد واضح، أمّا (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ) الفواحش هنا عامة، لماذا جاءت عامة؟ لأجل هذا المعنى الذي تفضلت به، جزاك الله خيراً، لأجل أنَّ الفواحش مختلفة بين عصرٍ وعصر، العموم أنَّ الله تعالى حرَّم على الإنسان الفواحش، أمّا الخصوص فلكل زمنٍ فواحشه. |
فاليوم من الفواحش أن يترك الإنسان أخاه دون نصير، ودون عَون، وهو يُقتَل، وهو بحاجةٍ إلى شيءٍ وهو لا يستطيعه، ربما هناك حالات اليوم لا يُتصوَّر سابقاً وجودها، كانت الفواحش عند العرب الزِنا، وربما القتل، يعني ما يتعلق بشرف الإنسان، هذه الفواحش عندهم، لكن اليوم الفواحش في مجتمعنا للأسف كما تفضلتم كثيرة، لذلك جعلها القرآن عامةً، وجعلها عامةً في آيةٍ أُخرى، لمّا قال وإن كان على منهج سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، لكن فيها إشارةٌ لطيفة قال: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) فكل ما تخبث به النفس فهو حرام، وكل ما تحلو به النفس فهو حلال. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
وهل النفس واحدة؟ هل سمات النفس الإنسانية واحدة؟ وبالتالي ربما أنا أرى طيِّباً ليس طيِّباً، ما هي المعيارية هنا؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
المعيارية هي الشرع. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
يعني مثلا لحم الخنزير والميتة، وو.... |
القرآن عندما يتحدث عن النفوس يتحدث عن الفطرة:
الدكتور بلال نور الدين:
هذا هو الخبيث، المُحدَّد بالنَص، وما بقي هو طيِّبات في دائرة الحلال، لكن أُضيف إضافة بسيطة، صحيحٌ أنَّ النفوس مختلفة، لكن القرآن عندما يتحدث عن النفوس يتحدث عن الفطرة، يتحدث عن أصل الخلقة، يعني اليوم لو أنَّ إنساناً لم يتعلم ولم يتلقَّ أي تعليم، لا شرعي ولا ديني، ولد مع أمه مثل فتى الأدغال، وعاش في غابة، لو أنه جاع وجاعت أمه، ثم استطاع أن يحصل على صيدٍ ليأكله، فأوى وحده إلى مكانٍ منعزلٍ، وأكله وحده وترك أمه جائعةً، ألا يشعر بمشكلةٍ في داخله؟ الفطرة تحركه. |
فربنا عندما يتحدث عن النفوس وعن المعروف، يتحدث عن الفطر السليمة، التي يدركها الإنسان المؤمن، وليس كل إنسان يقول لك اليوم، ربما تقول له: أنا لا أقبل أن تكون زوجتي في مكانٍ مع رجُلٍ آخر، فيقول لك: أنا ليس عندي مشكلة، هذه مصيبة! أنت مشكلتك في نفسك أكبر، فعندما يتحدث القرآن عن النفوس، يتحدث عن النفس التي خلقها الله تعالى، وهي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: |
{ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاء . }
(أخرجه البخاري ومسلم)
الأستاذ حسين الرواشدة:
هل هناك فرقٌ بين التحريم الكوني والتحريم الشرعي؟ مثلاً قلت أنَّ التحريم الكوني متصل، مثلاً: |
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ(12)(سورة القصص)
في القصة المعروفة لسيدنا موسى عليه السلام، وفي التحريم الشرعي مثلاً: |
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا(23)(سورة النساء)
ما الفرق هنا؟ |
التحريم الكوني جعله الله تعالى سُنَّةً لتستمر فيه الحياة:
الدكتور بلال نور الدين:
كما قلنا الحرام في اللغة هو الممنوع، وفي الشرع قلنا: ما يُثاب تاركه امتثالاً، ويستحق العقاب فاعله، هذا تعريفٌ بالثمرة، يثاب تاركه امتثالاً، أي لو تركه ليس امتثالاً لأمر الله، لا يُثاب ولكنه يُحصِّل المنافع الدنيوية في تركه، فالآن الحرام اللغوي يأتي للحرام الكوني، اللغوي أو الكوني، والتحريم الشرعي يأتي لهذا المعنى، التحريم الكوني جعله الله تعالى سُنَّةً لتستمر فيه الحياة، فهناك أشياء في الكون، يعني مثلاً لو قلنا جدلاً: إنَّ الله تعالى حرَّم على الشمس أن تُشرق من المغرب حتى تقوم الساعة، هذا تحريمٌ كوني، إنَّ الله حرَّم على الجذر أن يخرُج إلى الأعلى، وعلى الساق أن ينزل إلى الأسفل، فكل شيءٍ منعه الله تعالى في الكون وجعل له قانوناً، فهو تحريم من زاويةٍ أُخرى، فهذا التحريم من أجل أن تسير الحياة. |
وكأن الله تعالى يقول: الحرام الكوني قد تكفلت لكم به حتى تستقيم حياتكم، بقي لكم الآن أن تلتزموا بالأمر، لماذا لا تجعلون انضباطكم في هذا الأمر؟ الكون كله منضبط، بما يجب عليه وما يحرم عليه، فلماذا لا تنضبطون بما يجب عليكم وما يحرم عليكم؟ |
الأستاذ حسين الرواشدة:
هناك سورةٌ أُخرى في القرآن أيضاً، أنَّ هناك تحريم كان لبعض الأقوام، مثلاً بني إسرائيل حرَّمنا عليهم كذا وكذا...؟ |
تحريم التأديب أو العقوبة:
الدكتور بلال نور الدين:
هذا التحريم يُسمّيه الفقهاء تحريم تأديب أو عقوبة، هذا حكمته هو العقوبة والتأديب، مثلاً لمّا حرَّم ربنا الخمر، الخمر تُذهِب العقول، الخمر تُتلِف الكبد، الخمر لها مضار معروفة حتى في الطب، وهذه حِكم كما قلنا نتلمَّسُها، لكن الشحوم هي طيِّبات، في حدِّها المعقول هي طيِّبات، ومفيدة للجسم والعظام، لكن هذا تحريمٌ تأديبي، كأن تكون أنت في البيت، فتقول لولدك ثلاثة أيام لن تأخذ مصروف، المصروف مسموح، وهو يُنفقه في الحلال، لكن هذا للتأديب، فربنا عزَّ وجل مع قومٍ سابقين استخدم تحريم العقوبة والتأديب، لفعلٍ فعلوه وليس تحريم الشرعي العام. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
في هذا الإطار يمكن أن نفهم التحريم في إطارين، إطارٌ أصلي تحريم أصلي، منذ بداية الكون في كل الشرائع، على كل الناس، وتحريمٌ آخر عارض، إمّا كان عقابياً، أو كان في أزمنةٍ مُخصَّصة، أو أمكنةٍ مُخصَّصة، أو أحوالٍ مُخصَّصة؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
نعم، حتى في شريعتنا، يعني مثلاً النبي صلى الله عليه وسلم نهى في مطلع الدعوة، وهذا تحريم عن زيارة القبور |
{ كنتُ نهيتُكم عن زيارَةِ القبورِ ألا فزورُوها ، فإِنَّها تُرِقُّ القلْبَ ، و تُدْمِعُ العينَ ، وتُذَكِّرُ الآخرةَ ، ولا تقولوا هُجْرًا }
(أخرجه أحمد والحاكم)
انتهت العلة، والحكمة: أنَّ القوم حديثوا عهدٍ بدين، فذهابهم إلى القبور، يعود ليربطهم بالشركيِّات، فحتى يُبنى الإيمان في النفوس (كنتُ نهيتُكم عن زيارَةِ القبورِ ألا فزورُوها، فإِنَّها تُرِقُّ القلْبَ، و تُدْمِعُ العينَ، وتُذَكِّرُ الآخرةَ) بالمقابل، ترك النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً بعض الأمور، التي يريد أن يفعلها، فقال صلى الله عليه وسلم |
{ يا عائشةُ لَولا أنَّ قَومَكِ حديثُ عَهْدٍ بجاهليَّةٍ ، لأمرتُ بالبَيتِ ، فَهُدِمَ فأدخلتُ فيهِ ما أُخْرِجَ منهُ وألزَقتُهُ بالأرضِ ، وجعلتُ لَهُ بابَينِ : بابًا شَرقيًّا ، وبابًا غَربيًّا ، فإنَّهم قد عجَزوا عن بنائِهِ ، فبلَغتُ بِهِ أساسَ إبراهيمَ }
(أخرجه البخاري ومسلم)
فأيضاً هنا هذا يُفهم منه، أنك أحياناً قد تُضطر إلى عقوبةٍ مُعيَّنة في وقتٍ مُعيَّن، أو إلى ترك شيءٍ يجب أن تفعله وتأجيله، أو تركه لعلةٍ مُعيَّنة. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
البعض يقول أنَّ دائرة المُحرَّمات كما قلت مساحتها ضيِّقة، وقد وردت أظن في سورة الأنعام، في أربع عشرة حالة |
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151)(سورة الأنعام)
إلى آخر الآية، لكن في آياتٍ أُخرى، مثلاً في قضية تحريم الزواج من الأمهات، في قضية المشروبات، في قضية كذا، هل الأربع عشرة آية التي وردت هنا، هي بالضرورة مساحات التحريم فقط أم لا؟ |
أعظم المُحرَّمات أن تجعل لنفسك حق التحريم والتحليل:
الدكتور بلال نور الدين:
ليست بالضرورة مساحات التحريم بمعنى أنه غيرها غير مُحرَّم، لكنها أُمهات، العناوين الرئيسية، ويندرج تحتها الفرعيات، والجميل في هذه الآيات، وقد ذكرتها، أنها خُتمت بأعظم مُحرَّم لمّا رتَّب الله الفواحش ترتيباً تصاعدياً، إلى أن قال: |
إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(169)(سورة البقرة)
يعني جعل أعظم المُحرَّمات، أن تجعل لنفسك حق التحريم والتحليل، فتقول على الله بغير علم، تقول هذا حلال وهذا حرام، جعلها في رأس المُحرَّمات. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
هذه لطيفة، يعني اليوم هذه أهم دعوة، أنه لا تُصدر قرار التحريم من عندك. |
الحلال والحرام حقٌّ لله تعالى وحده:
الدكتور بلال نور الدين:
أبداً، هذا الحلال والحرام حقٌّ لله تعالى وحده، أنا أتعجب! أحياناً يأتيني مُحرَّمات، والله من يومين جاءني مُحرَّم لم أسمع به في حياتي، أتعجب من الناس! يتصل بي، يقول لي: سألنا شيخ قال هذا حرام، كيف حرام؟! أو هذا ينقض الوضوء، ما سمعت بفقيهٍ قال بأنه ينقض الوضوء، فأتعجب كيف الناس تجرؤ على هذا الأمر، نحن اليوم المهندس يتكلم في الهندسة، الطبيب يتكلم في الطب، لكن أنت أن تعطي لنفسك حق التحريم والتحليل، فهذا من أعظم الفرية، أن تفتري على الله كذباً، فهذا نُحذِّر منه الإخوة المستمعين. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
والخطورة كما قلت ليست في القضايا المنصوص عليها بشكلٍ ثابتٍ وواضح، أي مسلمٍ اليوم قول لك: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ) لا تحتاج إلى نقاش، واضح، لكن في التفاصيل، التحريم عندما يدخل في التفاصيل، يُعكِّر حياة الإنسان المسلم، عندما ترى كل الأبواب تُصَد أمامك، هذا حرام وهذا حرام وهذا حرام، وبعضها اجتهادات. |
الدكتور بلال نور الدين:
لذلك ربنا تعالى قال: |
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(5)(سورة الممتحنة)
الشريعة جاءت لمصلحة الناس:
يعني أنت أيُّها المسلم، عندما تُبيِّن الدين على غير النحو الذي أراده الله، فأنت تفتن الناس عن دينك، أنت تبعدهم عن دينك، كان ابن القيِّم رحمه الله تعالى يقول: " الشريعة عدلٌ كلها، رحمةٌ كلها، مصلحةٌ كلها، وأيُّة قضيةٍ أُخرِجت من العدل إلى الجَور، ومن الرحمة إلى القسوة، ومن الحكمة إلى خلافها، فليست من الشريعة وإن أُدخِلت عليها بألف تأويلٍ وتأويل"، فالشريعة جاءت لمصلحة الناس، والمصلحة لا يُحدِّدها الإنسان، يُحدِّدها الله تعالى، لكن المصلحة واضحة، فأنا عندما أُشدِّد على الناس بغير دليلٍ، أو أُبيح لهم ما حرَّمه الله، يعني بين التساهل والتمييع، أو التشدُّد، فأنا في الحالتين أُعطي الناس تديُّناً مغشوشاً، وأجعل حاجزاً بينهم وبين دين الله تعالى. |
لذلك تحبيب الناس بالله، وتحبيبهم بالدين، هو أُصلٌ من أصول ديننا، فيجب أن لا يفارقنا، هناك عِلمٌ مُغيَّب اليوم، موجود في بعض البلاد لكن في أكثرها مُغيَّب وهو العِلم المقاصد، مقاصد الشريعة يضبط إيقاعنا في علاقتنا مع الفقه ومع الحياة، وهو أن نضع نُصب أعيُننا دائماً، المقاصد الشرعية الكبرى، التي جاء بها الإسلام، وهذا العلم قليلٌ من يتقنه حقيقةً، مع أنه من أهم العلوم. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
يعني بصراحة اليوم، عندما يفتي المفتي في قضية الحرام والحلال، لا نريد أن نذهب في المعاملات، وما طرأ من مستجداتٍ في قضايا معروفة، في الحج مثلاً، أو في الصلاة، أو في العبادات العادية، أنت تعرف عندما يقول لحاج يسأله مثلاً: فعلت كذا وكذا؟ يقول له: حجتك غير مقبولة، ماذا يحدث من صدى، ومن كلفة، وحتى من إيمانٍ، ربما لفعلٍ فعله ، ربما فيه رأي في المذاهب؟ |
المنهج الإلهي واضح وفيه سعة لكن نحن أحياناً مَن نُضيِّق على الناس:
الدكتور بلال نور الدين:
للأسف، يعني في الحج مثلاً، وهو أكثر العبادات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها موسِّعاً على أمته، وكأنه صلى الله عليه وسلم بوحيٍ من الله تعالى، يدرك أنَّ الحج لن يكون ألف شخصٍ في العام، ولا ألفين، ولا عشرة آلاف، كما كانوا في حجة الوداع، وإنما سيكون ملايين الأشخاص، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل، فعلت كذا قبل كذا، فيقول افعل ولا حرج، ويعطينا منهجاً في أنه ما دام ضمن الإمكانية، وضمن الوسع، وضمن المقاصد العامة، هناك واجبات، هناك مندوبات من تقديمٍ، من تأخير، حتى الناس يتوزعوا في المناسك، فيقول له قدَّمت الهدي، فيقول له افعل ولا حرج، قدَّمت الطواف، افعل ولا حرج، فهو يُعلِّمنا كيف نتعاطى مع المسألة، ثم نحن نأتي فنأخذ بفتوى واحدة. |
وأنا سمعت من إخوةٍ كانوا في الحج في سنواتٍ سابقة، الحمد لله الآن الوضع تغيَّر، وأصبحت الأمور أسلس، لكن كم حصل من تدافعات من أجل فتوى مُعيِّنة من بعض المشايخ، بأنه يجب أن تخرج من مِنى قبل الغروب، والكل يريد أن يتعجَّل، إذاً لا بُدَّ أن نذهب معاً، إذاً لا بُدَّ أن تحدث التدافعات، ويقضي الناس، ولم ندرك مقصد الشريعة الأعظم، وهو الحفاظ على حياة الناس، وأنهم يخرجون من الحج وهم بقمة سرورهم، من غير هذا التدافع، من غير هذا الوضع العام. |
فإذاً المنهج الإلهي واضح، والمنهج الإلهي فيه سعة، لكن نحن أحياناً مَن نُضيِّق على الناس، لقلة فقهنا، وأقصد هنا بقلة الفقه، الفقه العام والفهم، وليس الفقه المذهبي، أو المعلومات التي نعلمها. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أُريد أن أسألك بصراحة يا دكتور، هل هنالك في مدونة الفقه عندنا، في أي مذهبٍ من المذاهب، توسُّع كبير في موضوع الحرام، يعني هذا الباب يبدو ضامراً ومحدداً، وبالتالي واضحاً؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
أزعم أنَّ هناك توسُّعاً، لا سيما في الكتب الكثيرة التي خرجت. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات؟ |
هناك بعض التوسُّع في الحرام في غير موضعه وهذا ناتج عن بعض الترف الفقهي:
الدكتور بلال نور الدين:
في العبادات والمعاملات، في العبادات أقل بكثير، تقريباً وضع العبادات محسوم، إلّا ممن يتشدَّد في قولٍ واحد، ويُعرِض عن باقي الأقوال، يعني تقريباً أمر العبادات محسوم، ليس فيها مُحرَّمات، بمعنى المُحرَّمات، الصلوات الخمس بهيئاتها المعروفة، جاء في الأزمان المتأخرة للأسف مَن يقول لك: إن لم تُحرك إصبعك بهذا الشكل، أو وضع يدك بهذا الشكل، هذا لا يُعوَّل عليه، بتفاصيل الصلاة، لكن بالعموم ليس هناك شيء مُحرَّم، بمعنى أنه يقال لك هذا تبطل صلاتك إلا ما ندر، لكن في المعاملات بين الناس، في المعاملات الأُخرى نعم ظهر، وهناك بعض التوسُّع في الحرام في غير موضعه، وهذا ناتج عن بعض الترف الفقهي من بعض أتباع المذاهب، وليس في أصل الفكرة، بأصلها ربما لا يكون ذلك موجوداً، لكن بالتطبيقات المعاصرة نشأ بعض ذلك للأسف. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
هل هنالك اليوم استدراكاتٌ فقهية فيما يتعلق بهذا الموضوع، موضوع الحرام، وبالتالي نحن اليوم يمكن أن نذهب إلى مسار إعادة الحرام إلى دائرة مساحته الحقيقية في الدين؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
هو يوجد استدراكات لكن ليست بالقدر الكافي حقيقةً، يعني الجهود للأسف، أنا من هذه الإذاعة الكريمة، أُطلق هذه الصيحة، الجهود دائماً تكون في رسائل الماجستير والدكتوراه لخرِّيجي الشريعة، دائماً العودة إلى القديم وتحقيق التراث، وأنا لا أُنكِر أنَّ هذا تراث ضخم ومهم وحيوي، لكن في الوقت نفسه يجب أن نعطي مساحةً أكبر من تحقيق التراث والقديم، للاستدراكات تلك في الواقع المعاصر، لدراسة واقعنا، هذا مهم جداً جداً اليوم في واقعنا أن نستدرك، وفي الوقت نفسه حتى لا ننسى، نشأ تيار اليوم، لأن التطرُّف يقود دائماً إلى تطرُّف. |
التوسُّع في المُحرَّمات نشأ عنه اليوم توسُّعٌ في المُباحات:
فالتوسُّع في المُحرَّمات نشأ عنه اليوم توسُّعٌ في المُباحات، وتحريمٌ للحلال، ونتابع على اليوتيوب كثيراً، عناوين من مثل: هل ما قالوه لكم صحيح؟ هل الخمر فعلاً حرام؟ هل الرِبا حرام؟ أصبحنا الثوابت التي جاءت بها نصوص شرعية ثابتة، يُشكَّك بأصولها، مطروحةً للنقاش حتى لباس المرأة أصبح مطروحاً للنقاش. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أليس هذا ربما يكون تقصيرٌ من بعض العلماء الموثوق فيهم، في مناقشة القضايا الأساسية، يعني اليوم في بعض المصطلحات مثلاً: في قضية الرِبا، ما هو الرِبا؟ وبالتالي عندما تُنزل الحكم الفقهي، أو الرأي الفقهي، بحاجةٍ إلى أن تفهم المُصطلح. |
نحن اليوم بحاجة إلى ضبط الخطاب الديني وإلى تصدي العلماء:
الدكتور بلال نور الدين:
طبعاً، أكيد يوجد تقصير، وبالوقت نفسه الفضاء الواسع اليوم، المفتوح في الإعلام، السوشل ميديا كما يقال، أصبح يتكلم المُختص وغير المُختص، العالِم وغير العالِم، ولا أُبالغ إذا قلت العالِم والجاهل، الجاهل نهائياً، أحياناً شخصٌ لا يُحسِن تلاوة آيات القرآن الكريم، يُخطئ في تلاوتها، يرفع منصوباً وينصُب مرفوعاً، ثم يريد أن يستخرج لنا الأحكام الشرعية من الآية، ويقول لك ما قالوه ليس صحيحاً، ثم ترى العَجَب فيه، يخوض في أحكام المواريث التي هي ثابتة مثلاً بلا خلاف، يخوض في تحريم المُحرَّمات الواضحة، فنحن اليوم بحاجةٍ إلى ضبط الخطاب الديني، وبحاجةٍ إلى تصدّي العلماء، لكن تصدّي العلماء يجب أن يكون مع السعة، يعني إذا بقينا مُتشبّثين بمواقفنا، دون أي مساحةٍ للحوار أو لإنزال الفقه على واقعنا، فنحن بطريقةٍ أو بأُخرى نسمح للطرف الآخر بالتجرؤ على ثوابت ديننا. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
اسمح لي أن أعود إلى الآيات الكريمة التي بدأت بقوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) بدأها بالشرك، وأنهاها بقوله: (وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). |
هناك بعض الآيات قطعية واضحة (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) مفهومة، وهناك بعض الآيات ممكن أن تخضع للفهم البشري، وبالتالي يُصبح فيها خلاف، مثلاً كما قلنا: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) القتل، ما هو القتل؟ هل القتل المقصود فيه إنهاء الحياة؟ أم أن القتل قد يكون أحياناً بنوعٍ آخر، قد يكون القتل معنوياً مثلاً، هل يدخل هنا أو كذا؟ بمعنى حتى هذه النصوص، هل تحتاج إلى فهومات في إطار الحرام أو تحديد الحرام؟ |
يجب أن يكون هناك ضوابط لتفسير وفهم المحرمات:
الدكتور بلال نور الدين:
جميل، هي بداية الآية (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ومن اللطائف أنَّ الفهم العام للآية: تعالوا بمعنى إتوني لأتلو عليكم، لكن من جميل ما قيل فيها (قُلْ تَعَالَوْا) من العلو، فإذا تعاليتم من وحل الأرض إلى وحي السماء، استمعتم إلى ما حرَّم ربكم عليكم، أمّا الذي يريد أن يبقى في وحل الأرض، ومع الشهوات والشُبهات، فما فائدة أن يُتلى عليه المُحرَّمات، وهو لا يريد أن يخرج من وحل الأرض! |
فلمّا ذكر ربنا هذه المُحرَّمات، كما قلتم هي متنوعة، الآن هذا الفهم للمُحرَّمات، نعم أحياناً هناك بعض المُحرَّمات التي تحتاج إلى فهم، تحتاج إلى تأويل، تحتاج إلى تفسير، ولكن هل ننطلق في هذا التأويل والتفسير من ضوابط أم بغير ضوابط؟ يعني هنا المعيارية، هل آخذ آيةً واحدة وأترك بقية القرآن، لعلَّ هذه الفواحش ظهرت في مكانٍ آخر، ما هي المقصود فيها في آيات أُخرى، لعلَّ النبي وضَّحها في السُنَّة في أحاديثٍ صحيحة متواترة، واضحة المعنى، في أنَّ معنى هذه الآية هو كذا، يعني لمّا قال ربنا جلَّ جلاله مثلاً: |
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)(سورة الأنعام)
قال بعض أصحاب رسول الله: هلكنا |
{ عَنْ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقالوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟! فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ليسَ كما تَظُنُّونَ؛ إنَّما هو كما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَاتُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] }
(أخرجه البخاري ومسلم)
إذاً عندما تُفسَّر الآية للناس، على أنه أنت لن تُحقق الأمن، إلا إذا لم تكن عندك ولا معصية، إذاً هلكنا جميعاً، من منّا لم يلبس إيمانه بظلمٍ، يخالطه بشيء؟ لكن هنا الظلم معناه الشرك. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أحسنت يعني سبقتني إلى ذلك، وخاصةً في المواضيع العمومية، مثلاً الظلم، النفاق، المُحرَّمات الكبرى، هذه من السهل أنك تُصدِر حُكماً على الشخص، يعني المنافقين كم كانوا أيام الرسول، وكشفهم القرآن، لكن لم يُصدِر عليهم أحكام. |
لا يجوز الخلط بين الكبائر والصغائر:
الدكتور بلال نور الدين:
نعم أبداً، حتى الخلط بين الكفر الأكبر الكفر الأصغر، الشرك الأكبر الشرك الأصغر، يعني اليوم إذا إنسان وقف عند قبر مثلاً، يظن أنه يتبرك به، يأتيه رجُلٌ يقول له: هذا شرك واسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: اتخذوا، أنا لا أتخذه، هذا خطأ، قل له هذا خطأ، لكن هذا ليس شركاً أكبر، يُخرجه من المِلَّة، وتجعله كافراً، هناك شركٌ أصغر وشركٌ أكبر، كفر أصغر وكفر أكبر، كفر دون كفر، وقع في الكفر ولم يقع الكفر عليه |
{ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ. }
(أخرجه البيهقي في شعب الإيمان)
لم يُعلق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه وقع في الكفر، لكن الكفر لم يقع عليه، كم من الأحكام الفقهية التي نأخذها على عمومها، دون أن نتبيَّن أنَّ الآية لها سياق، أنَّ الفسق هنا غير الفسق هنا، أن الكفر هنا ليس كالكفر هناك، أنَّ الفواحش لها تفسيرٌ مُعيَّن، وليس ما تطلقه أنت عليه أنه فواحش، ما هي كبائر الذنوب؟ هل كل إنسانٍ يُحدِّد ما هي الكبائر من ذاته، وما هي الصغائر، أم هناك نصوصٌ شرعية وضَّحت لك الكبائر، فلا تُكبِّر ما هو صغير، ولا تُصغِّر ما هو كبير. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
الكبائر محدَّدة؟ لا يوجد فيها زيادة ولا نقص، يعني لا يجوز كل عصر يقول لك هذه كبيرة يمسحها، ويقول لك هذه واحدة ثانية. |
الكبائر واضحة في كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله:
الدكتور بلال نور الدين:
أبداً، الكبائر واضحة، هناك كتاب اسمه الكبائر للإمام النووي، جمع فيه الكبائر من كتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله الصحيحة الواضحة، فهذه هي الكبائر، فإذاً المصطلح أحياناً يأخذ بُعد مُعيَّن عندنا، يجب أن نُعيد المصطلح إلى مكانه. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
وأن لا نقع في فخ فهم المصطلح، وبالتالي نُصدر الأحكام. |
الدكتور بلال نور الدين:
بالضبط، وهذا يتطلب معرفة رصينة باللغة العربية. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
ربما أنا لم أتطرق إلى موضوعٍ، أنت تحب أن تتكلم به، تفضل. |
في الحلال ما يُغني عن الحرام:
الدكتور بلال نور الدين:
والله أنا ما أُحب أن أقوله، هي قواعد سريعة جداً، فقط تعداد، دون أن أُعلق عليها لضيق الوقت، قلت بعضها ولم أقل بعضها، الأصل في الأشياء الإباحة وليس التحريم، التحليل والتحريم حقٌّ لله تعالى وحده، من الحرام أن تُحلِّل الحرام، أو تحرِّم الحلال، التعليل: إذا حرَّمت فابحث عن الحكمة، لأنَّ التعليل أسلوبٌ قرآني، حتى يقتنع المخاطَب منك، في الحلال ما يُغني عن الحرام. |
{ إنك لَن تدَع شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ إلا بدَلك اللهُ به ما هو خيرٌ لكَ منه }
(أخرجه أحمد)
ما أدَّى إلى الحرام فهو حرام، بنصوص القرآن الكريم كما أسلفنا. |
التحايل على الحرام حرام، بمعنى أن أتخذ وسيلة للحرام، أقول لك هذه ليست كذا، وكأن الله تعالى لا يعلم أننا نتحايل. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أليسَ عندنا فقه الحيلة؟! |
النيَّة الحسنة لا تُبرِّر الحرام:
الدكتور بلال نور الدين:
نعم، الحيل الشرعية المنضبطة التي تُخرجك من الحرام حقّاً، لكنها في عصرنا توسّعت جداً للأسف، النيَّة الحسنة لا تُبرِّر الحرام، أنا أخذت ماله لم يكن قصدي أن أسرق، لكن كان قصدي أن أُعيده له بعد حين، النيَّة الحسنة لا تُبرِّر الحرام، الحرام حرامٌ على الجميع، ليس في الإسلام تحريم على فلان دون فلان، طبعاً في المُحرَّمات العامة، وأُعيد ما بدأنا به، أوامر الدين ومُحرَّماته ضمانٌ لسلامتنا. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أنا أُريد أن أضيف قضية من قواعد الاضطرار، يعني أحياناً قد تضطر المجتمعات، أو قد يضطر الأفراد تحت ظرفٍ مُعيَّن، إلى كسر دائرة الحرام، هل يمكن ذلك؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
ضمن الضوابط الشرعية ممكن، إذا كان يوجد ضرورة ممكن نعم. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
أنا أشكرك دكتور بلال، ودائماً أنا سعيد والله في حضورك في هذه الحلقات، وتضيف لنا من فهمك وسعة علمك ما يُغنينا عن كثير. |
الدكتور بلال نور الدين:
وأنا بكم أسعد. |
الأستاذ حسين الرواشدة:
انتهى وقت هذه الحلقة، في نهايتها اسمحوا لي أن أشكر ضيفي العزيز، الدكتور بلال نور الدين، أستاذ الشريعة والفقه الإسلامي. |