كلمة الدكتور بلال نور الدين خلال الملتقى الأول خريجي مجمع النابلسي الإسلامي

  • 2025-04-19

كلمة الدكتور بلال نور الدين خلال الملتقى الأول خريجي مجمع النابلسي الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، المُشرف العام على مُجمَّع الشيخ عبد الغني النابلسي، إخوتي المُدرّسين الكرام، والإداريين والموجّهين، إخوتي طلاب العلم وخريِّجي هذا المُجمَّع المُبارك، أسعد الله أوقاتكم بكل خير.

مقدمة:
سُعداء جداً بلقائكم بعد طول غياب، ونرى في وجوهكم مستقبل الخير إن شاء الله، لبلدنا ولأمتنا، هذا المُجمَّع الذي نحن في رحاب حرم مسجدٍ مباركٍ فيه، له تاريخٌ يمتد لخمسين سنة سابقة، ابتدأها شيخنا جزاه الله عنّا خير الجزاء، بالخطابة على هذا المنبر، وبالتدريس على تلك الطاولة، ابتدأها منذ خمسين سنة تقريباً، ثم بعد ذلك بتأسيس معهد القرآن الكريم، في رحاب المسجد، وغُرَف المعهد المُلحقة به، ثم قبل عشرين سنة تقريباً، بتأسيس ثانوية النابلسي الشرعية، إلى جوار المسجد، ليُصبح المُجمَّع يضم المسجد بما فيه من نشاطاتٍ، ودروسٍ، وخُطَب، ويضم معهد القرآن الكريم للبنين والبنات، والثانوية الشرعية للبنين والبنات.
خريِّجو هذا المُجمَّع ولله الحمد، انتشروا في كثيرٍ من البلاد العربية والغربية، وكنّا كلما سافرنا بمعية شيخنا إلى بلدٍ ما، نجتمع ببعض الخريِّجين، الذين يقومون على الدعوة إلى الله تعالى، بحالهم وبمقالهم ولله الحمد والمِنَّة.
اليوم نجتمع في المُلتقى الأول، والذي سيكون له ما بعده إن شاء الله تعالى، فنحن نُعوِّل عليكم بعد الله تعالى الكثير، للمُساهمة في هذا المُجمَّع وغيره، وفي كل مكانٍ تحلّون به، وهدفنا هنا التعارف أولاً، ثم استعادة ذكريات الماضي، ثم البناء عليها إن شاء الله، للتعاون في المرحلة القادمة، على إعادة المسجد والمعهد إلى دورهما المهم والطبيعي، كما كانا سابقاً.

الأُسس التي قام عليها العمل في المُجمَّع:
أُحب أن أُذكِّركم بالأُسس، التي قام عليها العمل في هذا المُجمَّع، نحن في الماضي وفي الحاضر ولاحقاً إن شاء الله، لم نطرح أنفسنا كجماعةٍ مغلقة، وإنما طَرحُنا دائماً أننا جزءٌ من الأمة، وأننا جزءٌ من كل، وأننا نعمل للإسلام ولا نعمل لفئةٍ أو لجماعة، هذا ما دَعونا إليه، وهذا ما تربّينا عليه، في الوقت نفسه نحن نُركِّز على بعض الأمور، التي نراها أساسيةً في بناء الفرد المسلم.
أولاً: معرفة الله هي الأصل، ولا يمكن الانتقال إلى الفروع قبل التمكُّن من الأصول، من هذا المنبر، ومن شيخنا سمعنا مراراً وتكراراً، إنك إن عرفت الآمر ثم الأمر تفانيت في طاعة الآمر، لكنك إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلُّت من أمره.
ثانياً: الاستقامة على منهج الله تعالى، فيها سعادة الدارين، من هذا المنبر سمعنا مراراً، التجارة لها نشاطاتٌ متعددة، ولكن في مُحصِّلة الأمر، إن لم تربح فلست تاجراً، يقول الشيخ: يمكن أن أُلخِّص لكم التجارة كلها بكلمةٍ واحدة وهي الربح، والدين فيه نشاطاتٌ متعددة، وإن لم تستقم فلن تقطف من ثمار الدين شيئاً، فكان حرصنا بالغاً على تربية الجيل على الاستقامة على المنهج

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)
(سورة هود)

الأمر الثالث: الذي كنّا نركِّز عليه هو العمل الصالح، وهو أساسيٌ في سلوك المؤمن، بل هو جزءٌ من حياته، من هذا المنبر سمعنا مراراً، العمل الصالح ليس وردةً تُزيِّن بها صدرك، ولكنه هواءٌ تستنشقه، فإن لم يكن لك عملٌ صالحٌ دائماً، فهناك مشكلة يجب أن تراجع فيها حساباتك، ومن هذا المنبر كنّا نسمع دائماً: المسلم ليس سكونياً لا بُدَّ أن تتحرك، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن، حتى تُعبِّر عن حركةٍ إيجابيةٍ نحو الخالق صلةً وإيماناً، ونحو الخلق بِراً وإحساناً.
هذه هي الأُسس التي كان التركيز عليها، محور دعوة هذا المسجد، وعلى رأسه شيخنا جزاه الله خيراً.

بعض ما أُنجز في المُجمَّع بعد خمسين عاماً:
اليوم بعد خمسين سنة، أو بعد خمسين عاماً، لأن البعض يقول أنَّ السنة للجدب

ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ(49)
(سورة يوسف)

بعد خمسين عاماً، أنجَز المُجمَّع الكثير:
• موقعاً إلكترونياً مُترجماً إلى سبع لغات، مع التطبيقات الحيَّة على الأندرويد والآيفون.
• عشرات الكُتب المطبوعة، وعلى رأسها تفسير القرآن كاملاً، الذي فُسِّر في هذا المسجد في معظمه، في عشرة أجزاء.
• آلاف الساعات التلفزيونية والحلقات المباشرة وغير المباشرة، التي بُثَّت عبر فضائيات العالم كله وعبر اليوتيوب.
ولن أُطيل في ذكر ذلك، ولكن أنتم وأمثالكم تبقون العنصر الأهم في الإنجازات كلها، فثقتنا بكم كبيرة، نؤمن إلى حدٍ كبير بقدرتنا وقدرتكم بمعونة الله تعالى، على أن تكونوا عناصر فاعلين إن شاء الله، في سورية الحرة الجديدة، نؤمن بأن تأليف القلوب أعمق أثراً، وأطول أمداً، وأنتم من أُلِّفت قلوبكم قبل تأليف الكُتب، في رحاب هذا المُجمَّع، وأنتم إن شاء الله مَن نُعوّل عليهم إلى تأليف قلوب الناس، وإلى دعوتهم إلى دين الإسلام بالحال قبل المقال.

العمل بيدٍ واحدة لنُعيد للمُجمَّع ألقه ورفده بالكوادر البنَّاءة:
لن أُطيل عليكم، فليس المقام مقام إطالة، وإنما أحببت أن أُوجز ما يمكن إيجازه في هذه العُجالة.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا ويوفقكم لكل خير، وأن يُيَسر لنا ولكم كل خير، وأن نكون جميعاً إن شاء الله يداً واحدة، في استعادة ألق هذا المسجد والمعهد بالمستوى الأول، ولا أذكُر الثانوية كثيراً، لأنَّ الثانوية ما شاء الله مُتألقة، أنا أتحدث إليكم ولا أُخفيكم سراً، أنَّ غيابنا الطويل عن المُجمَّع، الذي اقترب من أربعة عشر عاماً، بفضل الله رغم هذا الغياب، بفضل الثُلَّة المُباركة الطيبة التي عملت في الثانوية، فالثانوية ما زالت في صعودٍ ولله الحمد والمِنَّة، ولم تتأثر بهذا الغياب، وإنما المسجد والمعهد ربما تأثر نوعاً ما، كطبيعة كل المساجد في دمشق، التي تأثرت بالحال التي كنّا فيها.
الآن الحمد لله الأبواب مفتوحة، وكلنا يدٌ واحدة إن شاء الله، أولاً وفي أضيَق المستويات، لبناء هذا المسجد من جديد، ليس بناء العمران وإنما بناء الإنسان، وبناء المعهد من جديد ورفده بالكوادر، لإعادته إلى ألقه يوم كان يستقبل ألفُ طالبٍ وأكثر، وتعجُّ حلقات الذِكر في أرجائه، إن شاء الله نرى ذلك قريباً في الصيف، وثانياً ليأخذ كلٌّ موقعه ولو كان خارج هذا المُجمَّع، في أي مكانٍ، المهندس والطبيب وكل شخصٍ في مكانه، ليأخذ دوره إن شاء الله في نشر ما تعلَّمه، في أجواء هذا المسجد المُبارك، أشكر لكم حسن الاستماع والاصغاء، سائلاً الله تعالى أن يكون لهذا المُلتقى، ملتقى ثانٍ وثالث ورابع، وبرامج عمل وخُطط، ننهض بها مع بعضنا، في سبيل رفعة بلدنا وديننا وأمتنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.