أمة غائبة

  • محاضرة في الأردن
  • 2024-08-12
  • عمان
  • الأردن

أمة غائبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم عَلِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزِدنا عِلماً وعملاً مُتقبّلاً يا ربَّ العالمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القُربات.

شاءت حكمة الله أنَّ تكون الدنيا دول بين الناس:
وبعد أيُّها الإخوة الأكارم: فإنني أصدقكم القول وأنتم من القريبين إلى القلب، أنه ما مرَّ بي وقتٌ تمنيت فيه الصمت وآثرت فيه ترك الكلام كما هو في هذه الأيام، وليس ذاك من يأسٍ، فإنَّ اليأس ليس من صفات المؤمنين، ونسأل الله تعالى أن نكون من المؤمنين الصالحين، فالمؤمن لا يَيأس من روح الله:

يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)
(سورة يوسف)

ولكن هذه الرغبة في الصمت نابعةٌ من كثرة المصائب، وحجم الخُذلان الذي لم يُسبق، حجم المأساة كبير لكنه مسبوق، فالأمة لمن يقرأ التاريخ نجد الخُذلان نجده أيام التتار، والمغول، وأيام الصليبيين، المأساة مُتكررة، وهذه الأمة شاء الله تعالى لها كما شاء للدنيا كلها أن تكون دولةً متداولةً.

إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
(سورة آل عمران)

فنحن أمة الإسلام لم نكن في وضعٍ مستقر بشكلٍ دائم، ولا في وضعٍ مُضطرب بشكلٍ دائم، وإنما شاءت حكمة الله أنَّ الدنيا دوَل:
فَيَومٌ عَلَينا وَيَومٌ لَنا وَيَومٌ نُساءُ وَيَومٌ نُسَر
{ النمر بن تولب }
هذا حال الدنيا، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) لكن الذي يلفت النظر في مأساتنا الأخيرة ليس حجمها وإنما حجم التخاذل عن القضية، وحجم التخاذل عن نصرة أبناء ديننا، وملّتنا، وجوارنا، هذا الذي يدعو الإنسان أحياناً أن يصمت لأنه كما قيل:
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
{ الأخطل }
فالكلام في القلب، وأحياناً لا يجد الإنسان من اللغات ما يُعبِّر به عن ما يجول في خاطره وعن ما يعتلجه من أفكارٍ فيؤثِر الصمت لأنَّ اللغة لا تُسعفه.

المجتمع الدولي هو المُتآمر إلى إبادتنا بصمته:
وفعلاً عندما نصحو كل صباح وقبل يومين على مجزرةٍ تتلوها مجزرة، إخوتنا في مدرسةٍ يُصلّون صلاة الفجر، وقد تداعوا لها لنصرة دينهم وقراءة كتاب ربهم، فينالهم القصف الإجرامي وسط صمتٍ، لا أقول أنه صمتٌ مريب كما يقولون، ولكنه صمتٌ مُبرَر واضح في أنَّ هنالك تآمُراً عالمياً على بقعةٍ جغرافيةٍ مساحتها ثلاثمائة وخمسٌ وستون كيلو متر مربع، تبلغ مساحتها واحد فاصلة ثلاثة وثلاثين من مساحة فلسطين كاملةً، يعيش فيها أكثر من مليوني شخص، يُحاصَرون، يُجَوَعون، تُمنع عنهم أسباب الحياة، يُقصفون، يُبادون، وما يُسمّى المجتمع الدولي صامت.
والحقيقة كنت أنظر في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ما أجد أنه استنجد يوماً بالمجتمع الدولي، ما سمعت أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم استنجد بالفرس أو الروم كمجتمع دولي قوي لحمايته من أذى المشركين، وما سمعت صوت بلال الحبشي رضي الله عنه، وهو في صحراء وهجير مكة، توضع فوقه الحجارة ويُحرق على رمال مكّة، ما سمعته يستنجد بالمجتمع الدولي، ولا بفارس ولا بالروم، وإنما كان يقول: أحدٌ أحد، وعمار بن ياسر لمَّا كان يُعذَّب مع أهله، ما استنجد النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء وإنما كان يقول:

{ صبرًا آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ. }

(أخرجه الطبراني)

فأنا لا أدري عن أي مجتمعٍ دولي يتحدثون، فعلاً هذه الكلمة أصبحت ممقوتة، يعني أن يقال مجتمع دولي، ما معنى مجتمع دولي؟! يعني هذا المجتمع الدولي هو المُتآمر على إبادتنا، يعني هو يقوم بهذا الأمر، يقولون لك: صمتٌ مُريب من المجتمع الدولي! ليس مُريباً إنما هو شريكٌ في الجريمة، هم يتبادلون الأدوار، أنت الآن تُفاوض أنا أستنكر، الثاني الآن دوره في الشجب، الثالث دوره في التنديد، الرابع يقول: هذه ليست مقبولة، الخامس يقول: جريمة حرب، هي تبادل أدوار، ووالله لو لم يكن لأهلنا في غزَّة من مَزية إلا أنهم كشفوا لنا زيف هذا المجتمع الذي يُسمّى مجتمعاً دولياً لكفاهم، يعني أننا صحونا من غفلتنا، أنَّ شبابنا بل أطفالنا اليوم أصبحوا يعون أنه ليس هناك شيءٌ اسمه مجتمع دولي، متى تَدخَّل المجتمع الدولي لنصرة المسلمين؟! أنا لا أعلم أنه تَدخَّل يوماً، من كان عنده خبر فليُعلِمنا، أنا أعلم أنه تَدخَّل من أجل النفط، من أجل مصالحه، من أجل اقتصاده، من أجل إنعاشه، من أجل أن يُخزِّن البترول في بقعةٍ جغرافيةٍ مُعيَّنة، ويتركها احتياطياً له إلى السنوات القادمة، هذا ما تَدخَّل به، أمّا لم يتدخَّل يوماً، أنا لا أنكِر أنَّ هناك شعوباً أو بعض الشعوب حيّة أو تنبض بالحياة، هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهؤلاء نشكر لهم، ونعتز بموقفهم، ونقول لهم شكراً لكم من أعماقنا، هبَّ البعض في مظاهرات يستنكرون ذلك لأنه يتعارض مع فطرتهم التي فطرهم الله تعالى عليها، لكن عندما نتحدث عن حكومات وعن تخاذل دولي، وبعض عربي غير مسبوق، فليس هناك مجتمع دولي، وإنما هم جميعاً متآمرون، لأنَّ هذه البقعة ثلاثمائة وخمس وستون كيلو متر مربع أصبحت تشكل خطراً وجودياً عليهم.

الحرب على غزَّة لأنَّ أهلها يشكلون خطراً على المجتمع الدولي بدينهم وقرآنهم:
لأنَّ وجودها يعني وجود من يقول لا لمشاريعكم، ووجودها يقول: نحن أقوياء بالقرآن، ووجودها يقول: نحن أقوياء بديننا، وجودها يقول: قد حاصرتمونا عشرون سنة فخرَّجنا أجيالاً وليس جيلاً واحداً، فوجودها أصبح يُهدّد وجودهم، فأصبحت الحرب عليها من هذا المنطلق، أنا لا أُقلِّل أبداً من حجم أي فعلٍ يفعله إنسان في سبيل النُصرة، وأنتم جميعاً أعتقد وأحسبكم كذلك ولا أزكّيكم على الله، قمتم كل إنسان بما يستطيعه وما زال يقوم، القرآن الكريم يُخلِّد دمعةً نزلت في سبيله، يُخلِّدها في كتابه قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، يقول تعالى يرفع الحرج عن بعض الناس المُتألمين قال:

وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92)
(سورة التوبة)

ليس عندي راحلة لتحاربوا تذهبوا في الجهاد، فخلَّد القرآن الكريم الدمعات التي سالت نصرةً لدين الله عزَّ وجل، حزناً أنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، فما بالكم بالدعوات التي انطلقت، والله هذه تُخلَّد عند الله، وكل إنسان فينا قام من الليل ودعا لأهلنا في غزَّة هذا سيجده عند الله عزَّ وجل، فما بالكم بالأموال التي يُقدمها الإنسان؟ ما بالكم بالدعم المعنوي، بكلمةٍ يكتبها على وسائل التواصل يُذكِّر بأهله، يُذكِّر بهؤلاء الذين تعامى الناس عنهم وغفلوا عن قضيتهم.

نحن من خذلنا إخواننا بتغافلنا عن ديننا:
أحبابنا الكرام: الحقيقة المُرَّة خيرٌ ألف مرَّة من الوهم المريح، والقرآن الكريم يوجّه دائماً أصابع الاتهام إلى النفس، لا يوجهها إلى الخارج، الإصبع الذي يقول دائماً: أنت فعلت، أنت كذا، أنت أنتَ، دائماً متوجه بهذا الشكل، هذه إصبع غير منطقية وغير واقعية وغير قرآنية، الإصبع القرآنية هي الإصبع التي تقول: أنا فعلت، أنا المسؤول، أنا الذي خذلت، أنا الذي يجب أن أنصُر، أنا الذي يجب أن أفعل، أنا بالمعاصي والآثام التي ارتكبتها أخّرت نصر المسلمين، أنا بانشغالي عنهم وعن قضيتهم بالمُحرَّمات، لا أقول بالمباحات كلنا مشغولٌ بالمباحات أسأل الله تعالى أن يغفر لنا تقصيرنا، ولكن أتحدث عن من ينشغلون بالمُحرمات في هذه الأوقات، فيُشير إصبع الاتهام إلى النفس إلى الداخل وليس إلى الخارج، هذه الأُصبع إصبع منطقية، كان محمد بن واسع الأسدي في المعركة وبين صفوف الجند، إذا جنَّ الليل أثناء المعركة، يذهب ويرفع أُصبُعه إلى السماء، ويدعو الله تعالى ويستنصره، ويطلب منه المدَد والعون، فلمّا جمع القائد الجنود في المعركة قال لهم: أين محمد بن واسع، وهو تابعي جليل؟ قالوا له: إنه هناك في الميمنة يا أمير رافعاً أُصبُعه إلى السماء يدعو الله تعالى، فقال: دَعوه لا تنادوه للاجتماع، لا نريده، دَعوه فإنَّ هذه الأُصبُع والله أحبُّ إليَّ من ألف سيفٍ شهير يحملها ألف شابٍ طرير، يعني ذو شاربين، أُصبُعه أحبُّ إليَّ وهو يدعو الله ويناجيه، لأنَّ من طرق الدعاء رفع الأُصبُع كما من طرقه رفع اليدين، فمن هنا أقول: إنَّ الأُصبُع التي تشير إلى الداخل هي أُصبُع قرآنية يُحبها الله، التي تقول أنا ما الذي فعلته؟ أنا ما الذي قدَّمته؟ يقول تعالى متحدثاً عن هزيمة أُحد:

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
(سورة آل عمران)

(قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا) أي في بدر، (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) لم يقل قل هو من تخاذل أعدائكم، من تخاذل أصدقائكم، مع أنَّ هذا كله واردٌ وصحيح، لكنه أشار بالاتهام إلى الداخل (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) لمّا غفلنا عن ديننا، يعني مضى على نكبتنا اليوم أكثر من خمسة وسبعين سنة، ومضى على نكستنا أكثر من خمسة وخمسين سنة، ونحن ما الذي صنعناه في هذه السنوات؟ ما الذي صنعناه كأُمّة؟ لا أتحدث كأفراد، أفراد الحمد لله هناك كُثر بُرآء عند الله إن شاء الله، يعني يَلقَون الله يقول: يا رب أنا فعلت كذا وكذا، لكن على مستوى العمل الجماعي نحن في هذه السنوات لم نفعل شيئاً، فلا بُدَّ أن ندفع ضريبة ذلك التأخر، أهلنا في غزَّة عملوا عمل جماعي مهم جداً، شهد له العدو قبل الصديق، يعني قاربنا على العام وما زالوا صامدين، فهم منصورون من الآن، فائزون فوزاً عظيماً، لأنَّ الله اشترى منهم أنفسهم وأموالهم فقدَّموها

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
(سورة التوبة)

واتخذ الله منهم شهداء ففازوا فوزاً عظيماً، وإن شاء الله منصورون بعد الفوز بما أعدَّه الله تعالى للمجاهدين، وبما أعدَّه للمرابطين، وبما أعدَّه للشهداء، هم أيضاً إن شاء الله منصورون.

وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
(سورة الصف)

وهذا ظنُّنا بالله، ونحسب الأمر كذلك إن شاء الله لأنَّ الله لا يُخيِّب من دعاه.

التعلُّق بملذات الدنيا هو سبب الوهن الذي أصاب الأمة في عصرنا:
لكن على مستوى الأمة بشكلٍ عام هناك تقصيرٌ واضح، (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) أمة الإسلام اليوم تعد ملياري مسلم، أو مليار وثمانمائة مليون مسلم تقريباً، يعني يشكلون ربع سكان الأرض، ربع سكان الأرض مسلمون، كلمتهم ليست هي العليا، أمرهم ليس بيدهم، للطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، لم يستوعبوا القانون العُمَري العظيم: " نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العِزة بغيره أذلنا الله"
فهذا التخاذل الطويل أو الركون الطويل إلى الدنيا لا بُدَّ أن ندفع ثمنه، هذه سُنَّة الحياة، والله تعالى لا يُحابي أحداً، وسُننه لا تُحابي أحداً، يقول صلى الله عليه وسلم، هذا للمجتمع الدولي يقول:

{ يوشك الأممُ أن تتداعى عليكم، كما تتداعى الآكلةُ إلى قصعتِها، فقال قائلٌ : ومن قلةٍ بنا نحن يومئذٍ؟! قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيلِ ، ولينزعنَّ اللهُ من صدورِ عدوكم المهابةَ منكم، وليَقذفنَّ في قلوبِكم الوهنَ، قال قائل: يا رسول اللهِ! وما الوهنُ؟! قال : حبُّ الدنيا، وكراهيةُ الموتِ. }

(أخرجه الألباني صحيح )

مجتمعون اليوم، ثلاثمائة وخمسة وستون كيلو متر مربع اليوم تُخيف العالم بأسره، يتداعون عليها من كل حدبٍ وصوب، إلا من رحم ربي، معظم العالم يتداعى عليها بالعلن أو بالسر، من أجل إنهاء هذه القضية، (يوشك الأممُ أن تتداعى عليكم، كما تتداعى الآكلةُ إلى قصعتِها) ما الذي يتبادر إلى ذهن الصحابة الكرام؟ شيءٌ واحد وهو القِلَّة، قلة العدد، لا يعرفون أنَّ هناك شيئاً يُجرِئ الأعداء علينا إلا من قلة عددنا، فقالوا: (ومن قلةٍ بنا نحن يومئذٍ؟!) هل المشكلة بالعدد؟ (قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل) إذا نزلت أمطارٌ شديدة وسالت السيول يظهر عليها زَبَد أو رغوة هذا الغُثاء، هذا يزول، بمجرد هدأة السيل يزول كل هذا، هذا من شدّة حركة الماء يظهر ثم يزول (ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيلِ ولينزعنَّ اللهُ من صدورِ عدوكم المهابةَ منكم، وليَقذفنَّ في قلوبِكم الوهنَ، قال قائل: يا رسول اللهِ! وما الوهنُ؟! قال : حبُّ الدنيا، وكراهيةُ الموتِ)، التعلُّق بالدنيا، التعلُّق بالمال، التعلُّق بالمتاع، التعلُّق بالمنصب الزائل، التعلُّق بما في الدنيا من منجزات وأشياء تلفِت النظر وتأخذ بالألباب، هذا كله من الوهن الذي أصاب الأمَّة في عصرنا، والحياة المادية دائماً تُنتِج هذا الوهن، يعني شدّة الحياة المادية تُنتِج هذا الوهن، لأنَّ الإنسان قد تعلَّق بأشياءٍ يخشى فواتها بالموت، أمّا شدّة الحياة وضنك العيش كما يحدث مع أهلنا في غزَّة اليوم، يعني لماذا الواحد منهم استوى عنده الموت مع الحياة؟ والتِبر مع التراب؟ لأنه لا يخاف على شيء، يريد أن يلقى الله عزَّ وجل هذا ما يتمناه، فعندما يغتال الأعداء أحد القيادات أو أحد الناس يُقربون إليه ما كان يريد أن يصل إليه، طبعاً هم لا يُقربون شيئاً هو قضى في أجله، ولكن هو بالنسبة له أعطوه ما يتمنى، أوصلوه إلى غايته أما المُتعلِّق بالدنيا فما يُحب لقاء الله تعالى كما ينبغي إلا المؤمن، نسأل الله أن يجعلنا من المؤمنين.

الأمة الإسلامية أُمة غائبة:
فأحبابنا الكرام اليوم هذه الأمة أمة المليارين تقريباً هل هي حاضرة؟ أنا أقول الأمة غائبة، كنت أقولها دائماً من أيام مأساة سوريا، وألقيت خطبة على منابر عمّان هنا وسمّيتها حلب المأساة والأمة الغائبة، والأمر مُتكرر دوماً الأمة الغائبة، يقول لك كيف الأمة الغائبة ونحن موجودون ولنا ثقلنا؟! نحن موجودون ولكننا لسنا حاضرين، الحضور شيء والوجود شيءٌ آخر، الآن نحن في هذا المجلس حضور لأننا نتفاعل مع ما نتكلم به من قضايا، وبعد قليل ربما نتحاور فيه فنحن حضور، لكن إذا كان طالب في صف من صفوف التوجيهي موجود ولم يفقه شيئاً مما قاله المعلم فهل هو حاضر؟ ليس حاضراً، موجود، فالحضور شيء والوجود شيءٌ آخر، الوجود جسمي لكن الحضور روحي، الحضور أن تكون فاعلاً، مرةً قالوا: اللاعب الفلاني أو اللاعب الفلاني بالساحة العسكرية أو بالساحة السياسية، فقالوا لهم: ونحن أين؟ قالوا لهم: أنتم الكُرة، فأنت موجود ولكن أن تكون الكرة يتقاذفها اللاعبون فهذه مشكلة، فأن أكون حاضراً بمعنى أن أكون فاعلاً غير مفعول به فأكون حاضراً، أمّا أن أكون موجود في موقع المفعول به دائماً فأنا لست حاضراً، فالأمة اليوم فيها إشكال.

النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى الأمة بعثها:
النبي صلى الله عليه وسلم لمّا جاء إلى الأمة ما الذي فعله بالأمة؟ بعثها، دار الأرقم ابن أبي الأرقم التي هي بجوار الصفا، اليوم الصفا الحجارة البيضاء بين الصفا والمروة، بجوار الصفا هناك مكان مرتفع قليلاً بحيث تُطل على الكعبة المُشرَّفة هذه دار الأرقم، دار الأرقم لم يكن فيها تكييف، ولا تدفئة، ولا جوالات، ولا تصوير، ولا فيس بوك، لم يكن هناك شيء في دار الأرقم، ولا وسائد للجلوس ربما، دار بسيطة جداً جداً من الذي تخرَّج منها؟ الخلفاء أبو بكر، عثمان، علي، تخرجوا من دار الأرقم، الشهداء جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة تخرجوا في دار الأرقم، السُفراء مصعب بن عمير تخرج من دار الأرقم، الضُعفاء الذين كانوا يُسامون سوء العذاب، بلال بن رباح، عمار بن ياسر، خباب بن الأرت تخرجوا من دار الأرقم، الممولون للدعوة دافِعوا المال، عبد الرحمن بن عوف تخرج في دار الأرقم، المُبشرون بالجنَّة معظمهم تخرجوا في دار الأرقم،هذه الدار البسيطة جداً، ما الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدار؟ كان يبعث الأمة، ما الذي فعله في بيعة العقبة الأولى والثانية وفي هجرة الحبشة؟ هي بعث الأمة، أن تكون الأمة موجودة، أن يكون لها حضور، وفعلاً بعد سنواتٍ قليلة، ثلاثة عشر سنة في مكّة، بهذه الثُلَّة البسيطة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أسس جيش وهزم قريش بجبروتها، وبعد سنواتٍ واجهوا الفرس وواجهوا الروم، وتمَّت الفتوحات في العصر الأُموي والعبَّاسي وغيره.

الأمة اليوم غائبة لأن القرآن وتعاليمه غير موجود في مدارسنا وبيوتنا وأعمالنا:
فبعث الأمة هو المطلوب اليوم، أن نعتني بالأمة، أحسب ولا أُزكيهم على الله أنَّ إخواننا في غزَّة اعتنوا بالأمة، أنت عندما تُربّي الجيل على القرآن الكريم، عندما تمتلئ المساجد فأنت تبعث الأمة، اليوم قل لي ما الذي دفعك لأن تقول الأمة غائبة؟ الذي دفعني ببساطة أنني إن وفَّقني الله تعالى وأنا مُقصِّر أسأل الله أن يغفر لي تقصيري، إن وفَّقني الله وذهبت إلى صلاة الفجر لا أجد الأمة هناك، لا أجد الأمة في صلاة الفجر ولا في صلاة العشاء، أجد صفاً ونصف الصف، إذا ذهبت إلى مدارسنا لا أجد القرآن هو المادة الأساسية التي يُعلمها الطلاب، أجد أنَّ اللغة الإنكليزية هي التي يُعتنى بها، وأنا لست ضد الاعتناء باللغة الإنكليزية بل أُشجِّع على ذلك، لكن هل نعتني بالقرآن كما نعتني على الأقل باللغة الإنكليزية؟ ليس كذلك الأمر، فأجد أن الأمة غائبة لأن الحضور القوي لها هو في مساجدها، في مدارسها، في بيوتنا، في أعمالنا، إذا ذهبت إلى البنوك أجد من الذين يفتحون الحسابات الربويّة في البنوك؟ المسلمون، يعني بلد المسلمون فيه ثماني وتسعون بالمئة، من الذي يفتح الحسابات غير المسلمين؟ المسلمون هم الذين يفتحون الحسابات، من الذي يقيم الحفلات الماجنة في أروقة الفنادق؟ المسلمون، عندما أجد في كل شارع محل لبيع الخمور في بلد أغلبيته مسلمة من الذي يشتري الخمور؟ المسلم! فإذاً الأمة غائبة، ما تزال غائبة الأمة.

لا تقلل من قيمة الدعاء فيكفي أنك في عبادة:
طبعاً هذا الكلام ليس جلداً للذات أنا والله لا أحب جلد الذات، وأنا أعتزّ بأهلنا في غزَّة وأعتزّ بمن نصرهم، وبرهن كثيرٌ من الناس في هذه الأزمة أنهم مع أهلهم ومع قضيتهم، وشاهدنا من قاطع لله، وشاهدنا من انتفض لله، ومن هبَّ لله، وقلت لكم أنَّ الدمعات خلَّدها القرآن الكريم فكيف بالدعوات؟! وشاهدنا الأئمة وهم يقنطون في صلواتهم، وهذه لا تستهينوا بها، يعني لا يقول إنسان والله من يومين كنّا في مسجد ودعا الإمام في الصلاة وأطال، ولمّا قضى الصلاة وقف أحد المصلين وقال له: نحن ندعو وهم يزدادون قوةً! كلام غير صحيح، استهانة بقيمة الدعاء لا ليس صحيحاً، لا تُقلِّل من قيمة الدعاء، يكفي أننا في عبادة، يكفي أننا التجأنا إلى الله، أمّا ما الذي فعله الدعاء؟ أنا لا أعرف، مشكلتنا أننا لا نربط النتائج بالدعاء، أحد الناس يقول: يا رب اشفِ لي ابني، لا يُشفى ابنه ثاني يوم أو ثالث يوم، بعد أسابيع من العلاج والعمل الجراحي يُشفى ابنه، لا يقول أنا دعوت الله فأجابني، يقول أنا ذهبت إلى المشفى الممتاز فتمّ العلاج وتمَّت العملية الجراحية! لا هذا أثر الدعاء، ربما تتم العملية ولا تنقضي إلا بوفاة المريض، لكن الله عزَّ وجل شاء أن يشفي لك ابنك بدعائك السابق لله تعالى، فنحن لا ندري كم ردَّ الله من الأذى عن أهلنا في غزَّة بدعائنا، لا ندري كم ثبَّت أقدام المجاهدين، وهم يطلبون دائماً في كلماتهم، وفي تغريداتهم، وفي منشوراتهم، يطلبون يا أخي ادعو لنا، لا تستطيعون أن تقدِّموا فقدِّموا الدعاء، فكل شيءٍ نفعله هو أمرٌ حسن، ورأينا من الناس بفضل الله هبَّةً جيدة جداً، لكن هل هي من كل الناس؟ طبعاً لا، هل هي مستمرة من جميع الناس؟ لا هناك أُناس عادوا إلى حياتهم، ومرةً ثانية أُكرر العودة للحياة ليست مثلباً، الحياة مستمرة، لا أقول نتوقف عن تزويج أولادنا أو الفرح بهم، أو إذا إنسان نجح ابنه بشهادة أن يُهنئه، لكن أقصد من ذهبوا إلى المُحرَّمات، يعني من عاد إلى المُحرَّمات وأهلنا تحت القصف، فهذا سوف يُسائله الله تعالى يوم القيامة:

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
(سورة الحجر)

سوف يُسأل، أهلك يُقصفون وهم في صلاة الفجر ومئات الشهداء وأنت في معصية الله والعياذ بالله!

نحن نُقصّر عندما نبالغ في مباح غير مُبرر أو عندما نكون في معصية:
أحبابنا الكرام يمكن قلت في البداية، أنا أؤثر الصمت لكن انطلق لساني، فهذا من توفيق الله تعالى وحده، ومن الوجوه الطيبة فأنا أتكلم بأنفاس الحاضرين لكن والله الخطب جليل جداً، وما لم نكن على قدره وفي مستواه فهناك حساب عند الله عزَّ وجل، يعني يرتعد الإنسان دائماً عندما يفكر في أن يكون مُقصِّراً يوم القيامة، هذه دماء تسيل، هم شهداء نحتسبهم عند الله شهداء، وهم كذلك إن شاء الله لأنهم ماتوا في أرض المعركة، هذه شهادة لكن المشكلة عندنا نحن في أن نُقصِّر أو أن نكون لا سمح الله في معصية، أو أن نُبالغ في مُباحٍ من غير مبرِّر، أو نُظهِر فرحاً بحدودٍ زائدة، يعني إذا إنسان جاره المقابل لبيته عنده عزاء لا ترتفع الزغاريد في البيت، تفرح وتُهنئ ابنك لكن لا ترتفع الزغاريد، تقول جاري عنده مشكلة، جيراننا ليس عزاء شخص، جيراننا عزاء خمسون ألف شهيد، جيراننا عزاء أكثر من مائتي ألف مُصاب، جيراننا عزائهم في بنية تحتية مُهدَّمة بالكامل، الدمار الموجود في هذا القطاع لم يُسبق، حجم الحرب التي تُشنّ اليوم هائلة جداً.

الابتلاء امتحان فهل نجحنا في الابتلاء؟

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
(سورة محمد)

فالله تعالى قادرٌ على أن يقلب الموازين، قد ننام اليوم ونصحو على أخبارٍ تُفرح قلوبنا.

وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)
(سورة إبراهيم)

وننتظرها إن شاء الله (ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ) لأنه صاحب القدرة المطلقة التي لا يحدُّها حدّ، (وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) فهل نجحنا في الابتلاء أم خسرنا؟ وباعتبار البث ليس لكم فقط بل للجميع فالخطاب للجميع، هل نجحنا أم خسرنا؟ الابتلاء امتحان، هل نجحنا في الابتلاء أم لا؟ ابتلاءنا جاء على شكل ربما أن لا نأخذ منتجاً يدعم عدونا فهل نجحنا؟ جاء على شكل دعاء أن لا ننساهم في دعاءنا في كل صلاة فهل بعد أشهُر انتهى الأمر؟ ابتلاءنا على شكل أن لا نُظهِر الفرح لا أن لا نفرح، أن لا نظهِر فرحنا فهل حصل ذلك؟ ابتلاءنا على شكل أن نلتزم بأوامر الله فقط، هم تحت القصف في المساجد، فهل نحن ملتزمون بأمر الله في افعل ولا تفعل أم لا؟ (وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)

سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
(سورة محمد)


علينا أن ننظر بعينين عين الشهادة وعين الغيب حتى نكون في توازن:
النظر من زاوية الدنيا مؤلم جداً ومُحبِط ومُيئّس لا أبالغ، النظر من زاوية الدنيا أن يشعر الإنسان بلحظة مُعيَّنة أنَّ هناك عدواً يتحكم بشكل كبير، تدعمه جيوش الأرض، وأموال الأرض كلها، ويدعمه بعض بنو جلدتنا أحياناً لإفنائنا، الأمر مُحبِط جداً، مؤلم، يدخِل على القلب من الألم ما الله به عليم، ولكن إذا ضممنا الدنيا إلى الآخرة نتوازن، أو الآخرة إلى الدنيا نتوازن، قال تعالى:

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
(سورة الروم)

فنحن إن شاء الله لسنا غافلين عن الآخرة، نحسب أنَّ هؤلاء عند ربهم الآن أحياء يرزقون، أحدهم ما مسَّه من الألم الذي مسَّنا إلا كمثل القرصة كما ورد في الصحيح، الشهيد نزل عليه صاروخ من السماء، أنت تقول: الله أكبر ما الذي عاناه؟ قطعت رجله وكذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كما القرصة، كيف إذا كنت نائماً وجاءت بعوضة وقرصتك؟ هذا ألم الشهيد وهو يودِّع الدنيا

{ ما يجدُ الشَّهيدُ من القَتلِ إلَّا كما يجدُ أحدُكم من القَرصةِ }

(صحيح ابن ماجه)

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
(سورة يس)

فالنظر بعينين عين الشهادة وعين الغيب، عين الدنيا وعين الآخرة يجعل الإنسان في توازن، والله لولا التوحيد لكانت الحال صعبة، اليوم من يتابع الناس الغافلون غافلون، نسأل الله أن يصحوا من غَفلتهم قبل أن يلقوا ربهم في غَفلتهم، لكن نحن الذين إن شاء الله تعالى من المؤمنين.

علينا أن نربط إيماننا بالثوابت لا بالمتغيرات:
الناس على قسمين: القسم الذي ينظر فقط إلى عدوٍ يتربص بنا، ويكيل لنا، ونحن عاجزون عن الحراك والفعل وأصبحنا في موقع المفعول به، فهذا قد يؤدي والعياذ بالله إلى سوء الظنّ بالله، وبعض الشباب يؤدي بهم والعياذ بالله إلى الإلحاد وهذا ما حصل، لأنه ربط إيمانه بالمتغيرات، النصر والهزيمة تبني عنده الإيمان وعدم الإيمان، يعني ربنا جعل النصر والهزيمة متغيرات وليست ثوابت قال: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا) بدر وأُحد ، طبيعة حركة الحياة هي كذلك، فجعلها متغيرةً لحكمةٍ بالغةٍ من الله عزَّ وجل، فلمّا جعلها البعض من الثوابت فكأنه يقول: أزيد في إيماني إذا انتصرنا، وينقص إيماني إذا انهزمنا، إذاً أنت تربط إيمانك بالمتغيرات، أمّا القسم الثاني الذين نسأل الله أن نكون منهم، فهم الذين ارتبطوا بالثوابت، فإيماننا لا يتزحزح بالله، سواءً انتصرنا أو انهزمنا، سواءً فزنا أم خسرنا إيماننا لا يتزحزح، لأنَّ إيماننا بالله هو الثابت الذي لا يتغير، وأمّا الأيام فدوَل بين الناس.
أسأل الله تعالى أن يُفرِّج عن أهلنا في غزَّة، اللهم أهلنا في غزَّة كن لهم عوناً ومعيناً وناصراً وحافِظاً ومؤيداً وأميناً.
اللهم ارحم شهدائهم، اللهم ارحم شهدائهم، اللهم ارحم شهدائهم، واشفِ جرحاهم، وعافِ مبتلاهم وردَّهم إلى دورهم سالمين غانمين لم ينالوا شرّاً يا أرحم الراحمين.
اللهم يا أكرم الأكرمين كن لهم عوناً ومعيناً وحافِظاً وأميناً.
اللهم أدخل إلى قلوبهم من السعادة والفرح أضعاف ما أدخلته إلى قلوبنا يا أرحم الراحمين.
اللهم مُجري السحاب، هازم الأحزاب، منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الصهاينة المعتدين ومن والاهم، ومن وقف معهم ومن أيَّدهم في سرٍّ أو علن.
اللهم اجعل هذا الجمع جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل التفرُّق من بعده معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منّا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
وصلِ إلهي وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى أله وأصحابه أجمعين والحمد لله ربِّ العالمين.