• 2019-05-24
  • عمان
  • مسجد زياد العساف

رمضان شهر الصبر والانتصارات


الخطبة الأولى :

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُّ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما عنه نهى وزجر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).


رمضان شهر الصبر :
أيها الكرام؛ وما زلنا نتَفيأ أجواء شهر رمضان المبارك، وما زلنا نَتفيأ أجواء شهر الانتصارات، وشهر البطولات، وشهر التضحيات، وشهر المعارك والغزوات.
أيها الكرام؛ في شهر رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي سماها ربنا جلّ جلاله يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، وفي شهر رمضان كان فتح مكة، يوم المرحمة الذي فتح فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة من غير أن تسيل نقطة دم واحدة، فكان يوم المرحمة، وبينهما بين بدر ومكة، كانت غزوات ومعارك وانِتصارات، يجمعها عنوان واحد هو عنوان النصر مع الصبر.
أيها الأخوة الكرام؛ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة، الإيمان عناوين كثيرة، الإيمان بالله وملائكته وكتبهِ ورُسلهِ واليوم الآخر والقضاء والقدر، الإيمان أن تمد يد العون، الإيمان أن تقوم بالليل، الإيمان الإيمان، لكن النبي صلَى الله عليه وسلم لخص الإيمان في هذا الحديث الشريف بقوله:

{ أَفْضَلُ الإِيمَانِ الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ وَالْخُلُقُ }

[رواه البخاري]

الإيمان صبر وشكر
وقد نعلم جميعاً أن الإيمان نصفان: صبرٌ وشكر، لأن الإنسان في حياته إما أن يريد شيئاً فلا يستطيع أن يحققه فيصبر، أو يريد شيئاً فيحققه فيشكر، فنحن جميعاً بين صبرٍ وشكر، ما نلناه نشكر الله عليه، وما زواه عنا لحكمة بالغة جلّ جلاله نصبر على فراقه وتركه، وهذه هي الحياة، نحن قبل الإفطار نصبر على الجوع والعطش، وعند الإفطار نشكر على نعمة الطعام والشراب، فالإيمان صبر وشكر، ورمضان صبر وشكر، الشابُ قبل أن يأذن الله له بالزواج، ويُيسر له أسباب الزواج يصبر فلا يقع في المعصية، يصبر فيغض بصرهُ عن المحارم، يصبر فلا يذهب إلى أماكن لا ترضي الله عز وجل، ثم يرزقه الله زوجةً صالحة فيشكر الله على نعمة الزواج، الفقير يصبر على ترك المال، ويصبر على الفقر، ثم يكرمه الله بمال أو ببعض من مال فيشكر الله على نعمة المال، فحياتنا جميعاً بين صبرٍ وشكر، فنحن في الحالتين مع الله صابرين وشاكرين.
أيها الكرام؛ لذلك قالوا: رمضان شهر الصبر، لأننا نصبر فيه فترةً يومياً لمدة ثلاثين يوماً على الجوع والعطش وباقي الشهوات، نصبر من أجل الله، نصبر مرضاةً لله.

أنواع الصبر :
أيها الكرام؛ وقد قيل: الصبرُ ثلاثة أنواع؛ صبرٌ على الطاعة كما نفعل في رمضان، كما نفعل في الصلاة، كما تفعلون الآن في خطبة الجمعة، تصبرون على الجلوس على الأرض للاستماع لخطيب الجمعة، هذا الصبر صبرٌ على الطاعة:

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا
[ سورة طه: 132 ]

للصبر ثلاثة أنواع
الطاعة تحتاج صبراً، الإنسان أيها الأحباب عندما يطلق لنفسه العنان لا يحتاج صبراً، يفعل ما يحلو له، لكن عندما يقف بين يدي الله، أنت اليوم مساءً وفي كل يوم عندما تقف خلف الإمام في ثمان ركعات في ساعة كاملة فأنت صابر، تصبر على طاعة الله، بينما غيرك قد لا يصبر فيجلس في بيته ليتابع الشاشة، هذا الصبر صبرٌ على الطاعة، والنوع الثاني صبرٌ عن المعصية، فكلنا عندنا شهوات، تحركنا الشهوات، هكذا خلقنا الله تعالى، ولكن لا نتحرك إلا وفق منهج الله، فإذا عرضت شهوة لا ترضي الله من مال أو نساء أو مكانة في الأرض فإننا نصبر عنها، ونتركها إرضاءً لربنا جلّ جلاله، وهذا صبر عن المعصية، والنوع الثالث صبر على قضاء الله وقدره، فمن منا لم يصب بمرض؟ ومن منا لم يصب بفقد حبيب؟ ومن منا لم يصب بنقص من الأموال والأنفسِ والثمرات؟ لكننا نصبر على قضاء الله راضين محتسبين.

الصبر علامة المعرفة :
من يعرف يصبر
أيها الكرام؛ أيها الأحباب؛ الصبر علامة المعرفة، فمن يعرف يصبر، ومن لا يعرف لا يصبر، سأضرب لكم مثلاً يوضح هذه الحقيقة، اذهب أنت وابنك الصغير إلى طبيب الأسنان لعلاج أسنانكم، أقصد ابنك الصغير جداً لأسنانه اللبنية مثلاً، اجلس أنت على كرسي الطبيب، سيقول لك ربما مثلاً لن أستطيع أن أخدر الأسنان لعرض صحي عندك، ستتحملني قليلاً، وسيكون هناك بعض الآلام، فلا بد أن تصبر، تتشبث بالكرسي، وتتحمل الألم لأنك تعرف أن الطبيب إنما يفعل ما يفعل في أسنانك لصالحك، ومن أجل أن يزيل عنك ألم أيام وأيام بألم دقائق، فأنت تصبر بسبب معرفتك، وعندما يجلس ابنك الصغير على الكرسي نفسه وهو لا يدرك لماذا يفعل الطبيب ما يفعلهُ في فمهِ، فيملأ الدنيا صُراخاً، وقد يشتم الطبيب، وقد يتكلم بعبارات غير لائقة، فيضحك الطبيب، ويمسك به، ولا يأبه له، إن هذا الطفل الصغير لم يصبر، لماذا لم يصبر؟ لأنه لا يعرف، فمن عرف صبر، فالإنسان المؤمن يعرف ربه، ويعرف حكمة ربهِ، ويعرف عظمة ربه، فإذا جاءه شيءٌ في حياته بخلاف مراده فإنه يصبر، لأنه يعلم أن علم الله أعظم من علمه:

وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
[ سورة البقرة: 216 ]

فيصبر بسبب معرفته بحكمة ربه، وبعلم ربه، وبعدل ربه، فالصبر علامة المعرفة، ونحن عندما نصبر في رمضان، إنما نصبر لأننا نعرف الواحد الديان الذي أمر بالصيام، وإلا ما معنى أن يمتنع الإنسان عن المباحات في نهار رمضان؟

الحياة صبر فتمكين فشكر :
أيها الأخوة الكرام؛ سأل رجل الإمام الشافعي فقال: أيهما أفضل أن يُمكنَ الرجلُ فيشكر أم يبتلى فيصبر؟ كما قلت لكم نحن بين شُكر وصبر، هذه حالنا، فأيهما أفضل أن أُمكن في الأرض، أن يكون لي ما أريد فأشكر، أم أن يبتليني الله ببلاء وامتحان في جميع الأنواع فأصبر؟ أيهما أفضل؟ انظروا إلى فقه الإمام الشافعي بماذا أجابه؟ هل قال: أن تُمكن فتشكر، أم قال: أن تبتلى فتصبر؟ الحقيقة أنه لا قال هذا ولا ذاك، لكنهُ قال له لا يُمكن حتى يبتلى، هي سنة الله في الحياة، لا تنتظر تمكيناً قبل ابتلاء، فليس الموضوع أيهما أفضل، الموضوع أنت ما هو موقفك؟ فالحياة تسير وفق هذه السنة، يبتلى الإنسان فيصبر فيُمكن فيشكر هذه سنة الحياة، لن يكون هناك إنسان ممكن دائماً، ولا إنسان مبتلى دائماً، قال: لن يُمكن قبل أن يبتلى، يأتي الامتحان من الله في مالك ،في ولدك ،في شيء مما تحبه نفسك فيبتليك الله فتصبر على الامتحان فيمكنك الله، فتشكر.

التقوى مع الصبر طريق النصر :
أيها الأخوة الكرام؛ إن التقوى مع الصبر طريق النصر، قال تعالى:

وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
[ سورة آل عمران: 121]

يكيدون كيداً، اليوم تشيب لهوله الولدان، يكيدون كيداً كما قال الله تعالى:

وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ
[ سورة إبراهيم: 46]

لكن الله جعل الحل في أيدينا، نحن عندما قال:

وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
[ سورة آل عمران: 121]

الطاعة مع الصبر طريق النصر
لم يقل وإن تصبروا وتسكتوا وانتهى الأمر، قال: وتتقوا، لأن التقوى أي طاعة الله مع الصبر طريق النصر، لكن الصبر مع المعصية ليس بعده إلا القهر ثم القبر، صبر مع معصية قهرٌ وقبر، صبر مع تقوى نصر. كثير من المسلمين اليوم قد يقولون: نحن صابرون، لكن هل نصبر مع التقوى؟ قال:

وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
[ سورة آل عمران: 121]

نثابر على طاعة الله:

لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
[ سورة آل عمران: 121]


الإمامة موروثة عن الصبر واليقين :
أيها الأخوة الكرام؛ الإمامةُ في الدين موروثة عن الصبر واليقين، قال تعالى:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
[ سورة السجدة: 24]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[ سورة آل عمران: 200]

بل إن معية الله تكون للصابرين، قال تعالى:

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
[ سورة البقرة: 153 ]

بل إنه يوم القيامة يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، ما معنى بغير حساب، بالعرف الحديث هناك ورقة نقدية، شيك، دائماً يكون هناك مبلغ محدد، ألف، ألفا دينار، عشرة دنانير، الورق النقدية تحدد بمبلغ نقدي محدد، لكن لو أعطاك إنسان ورقة نقدية، شيك موقع مفتوح، ضع فيه الرقم الذي تريد.

إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
[ سورة الزمر: 10]

لأن الصبر كما قلت لكم علامة المعرفة، والله تعالى يكافئ الصابر بالإحسان.

سنن الله لا تُحابي أحداً :
علاقة الله مع خلقه مبنية على القوانين
أيها الأخوة الكرام؛ نحن عندما نتحدث عن شهر رمضان كما بدأت الخطبة نتحدث عن الصبر الذي يورث النصر، فالمسلمون عندما انتصروا في بدر انتصروا بصبرهم، لكن أيها الكرام سنن الله لا تحابي أحداً، ما معنى ذلك؟ ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنته تحويلاً، بمعنى أن الله عز وجل جعل العلاقة مع خلقه مبنية بالأعراف الحديثة على القوانين، أي ليس هناك تعامل مزاجي بين الله وعباده، أنت قد تكون في شركة مديرها يتعامل مع الموظفين تعاملاً مزاجياً بغير ضوابط، فلا تعرف ما يرضيه، ولا ما يغضبه، فقد يقرب إليه بعض أقربائه حتى ولو كانوا مقصرين بالعمل، ويبعد عنه بعض الأباعد عنه ولو كانوا مخلصين بالعمل، هذا موجود في واقعنا، فتحتار كيف تتعامل معه، تقول: لا أعرف كيف أتعامل مع المدير، ليس عنده قواعد ثابِتة، لكنك عندما تتعامل مع خالق السماوات والأرض فهو الذي يقول:

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
[ سورة الحجرات: 13]

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
[ سورة المجادلة: 11]

والعمل الصالح يرفعه، فأنت ترتفع عند الله بعلمك وعملك وتقواك، وليس بين الله وعباده أي نسب إلا التقوى، ومن أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه، إلى غير ذلك من النصوص المتناثِرة التي تؤدي بمجملها إلى أن التعامل مع الله يكون وفق القوانين والسنن.
في أحد عصا المسلمون أمراً في المعركة
أيها الكرام؛ سنن الله لا تُحابي أحداً بهذا المعنى، فالمسلمون في بدر انتصروا، لكنهم في أحُد لم ينتصروا، لماذا لم ينتصر المسلمون في أحُد؟ لأنهم عصوا أمراً من أوامر المعركة، فالنبي صلَى الله عليه وسلم أمرهم ألا ينزلوا من على جبل الرماة، قال: وإن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تنزلوا، أي لنجدتنا لا تنزلوا، فلما ظنوا أن المعركة قد انتهت، والغنائم بدأت تجمع، فقالوا: ما معنى بقائنا في قمة الجبل وقد انتهت المعركة؟ فنزلوا متغافلين عن أمر رسول الله صلَى الله عليه وسلم، فكانت هذه المصيبة لعصيان أمر واحد، والأمر تكتيكي وليس أمراً تشريعياً، أي ليس صدقاً وكذباً وخيانة وأمانة، الأمر تكتيكي أي الأمر إداري في المعركة، ومع ذلك لم ينتصروا لأن سنن الله لا تُحابي أحداً، فلن تحابي صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم، ولن تحابي المسلمين اليوم من النهاية.

رمضان شهر الانتصارات انتصار الإنسان المسلم على نفسه :
أيها الكرام؛ عندما علق الله تعالى في قرآنه على هذه الواقعة ماذا قال؟ واقعة أحد، غزوة أُحد، قال:

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ
[ سورة آل عمران: 156]

ما وقع مصيبة:

قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا
[ سورة آل عمران: 156]

قد عودكم الله الفضل منه سابقاً فأصَبتم في بدر ضعف ما أصابكم في أُحد:

وَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا
[ سورة آل عمران: 156]

كيف وقع هذا؟ الآنَ القرآن سيُجيبهم، لا تنظر إلى أجوبة البشر، انظر إلى جواب القرآن، ماذا قال لهم؟ هل قال: هو من عند قريش؟ هل قال: هو من عند أعدائكم؟ هل قال: هو من تآمر الدول عليكم؟ قال:

قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ
[ سورة آل عمران: 156]

رمضان شهر الصبر و الانتصارات
فوجههم فوراً إلى الداخل من أجل ترميم الداخل، من هنا أيها الأحباب أقول: إن الإنسان المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه عدوه في ساحة المعركة، فرمضان شهر الانتصارات لأن رمضان انتصر فيهِ الإنسان المسلم على نفسه، فضبطَ شهوته، وكبح جماح نفسه، فكان حقاً له أن ينتصر على عدوه، لأن الإنسان المسلم عندما يترك المباحات في رمضان فإنه يترك المحرمات من باب أولى، فهل يعقل أن نترك الطعام والشراب في نهار رمضان ثم أطلق بصري في الحرام؟ وهل يعقل أن أمتنع عن الطعام والشراب ثم أغشُ المسلمين؟ هذا لا يقبل عقلاً وليس شرعاً، قبل أن يكون شرعاً لا يقبل عقلاً أن يترك الإنسان شيئاً أباحه الله له في خارج رمضان ثم يدع الذي حرمه الله عليه في جميع الشهور والأعوام، فالمؤمن عندما ينضبط بتركِ الطعام والشراب ينضبط بترك المعصية، فينتصر على نفسه فيستحق أن ينصره الله على من هو أقوى.
من هنا كان رمضان شهر الانتصارات، وشهر الصبر، وشهر الرباط، ونحن في هذه الأيام أيها الكرام نستذكر مهمتنا التي أناطها الله بنا، وهي أن نكون جنداً لدينه، فلا نقلق على هذا الدين لأنه دين الله، لكن لنقلق على أنفسنا فيما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح لنا أن نكون جنوداً من جنوده.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، أستغفر الله.

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

المؤمن في ظلّ صدقته يوم القيامة :
أيها الأحباب؛ الجمع اليوم للتبرُعات في مساجد المملكة لصندوق الزكاة، الذي يتبع لوزارة الأوقاف، وقد حرصت مشكورة أن يكون عطاؤكم في هذا الأسبوع من هذا الشهر الكريم شهر الخير والجود والإنفاق كما تحدثنا في الخطبة الماضية أن يكون عطاؤكم لصندوقِ الزكاة، الذي يرعى الأسر المحتاجة، والأسر العاملة في هذا الأردن الطيب المبارك، فادفعوا يدفع الله عنكم كل مكروه، والله لا يضيع أجر من أحسن عملَاً، والمؤمن في ظل صدقته يوم القيامة حتى يفصل بين الخلائق، بارك الله بكم، وبارك بعطائكم.

الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصّرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذلُ من واليت ولا يعزُ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك، ونتوكل عليك، هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم لِقائك وأنت راضً عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، لا إله أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، اللهم بارك لنا في شهر رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، اللهم اجعلنا في هذا العشر من عتقائك من النيران، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، ونحن في عافية وفضل وستر يا أرحم الراحمين، اللهم إنك عفوٌ تحب العفوَ فاعفُ عنا، اللهم إنك عفوٌ تحب العفوَ فاعفُ عنا، اللهم إنك عفوٌ تحب العفوَ فاعفُ عنا، اللهم يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر أخوننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد، يعز به أهل طاعتك، ويهلك به أهل عصيانك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله .