الوعود الغيبية لأهل فلسطين

  • لقاء في برنامج مع الحدث - إذاعة القرآن الكريم نابلس
  • 2024-02-14

الوعود الغيبية لأهل فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق والمُرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحبابنا الكرام، مُستمِعينا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقةٍ جديدة من برنامجكم مع الحدث، إخواننا الكرام، في هذه الحلقة من برنامج مع الحدث والتي خَصصناها للحديث عن بعض الأمور التي تخص إخواننا في قطاع غزَّة كما كان حال هذا البرنامج، وهذه الحلقة بإذن الله ربِّ العالمين ستكون تحت عنوان: الوعود الغيبيّة لأهل فلسطين، التي وعدنا الله سبحانه وتعالى إياها في كتابه الكريم، ورسوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث النبويّة الطيبة الشريفة، من الأمور الغيبيّة، من الأجر والثواب، من الرباط، من الشهادة، من الأمور التي يُكرمنا الله عز وجل بها أجراً، وثواباً واحتساباً عنده سبحانه وتعالى.
لنتطرق لهذا العنوان، ولمحاور هذا العنوان بشتى جوانبه، ينضم إلينا ضيفاً كريماً عزيزاً من الأردن الشقيق، ومن عمّان بالتحديد، فضيلة الدكتور بلال نور الدين الداعية المعروف والمشهور، ينضم إلينا مباشرةً بالصوت والصورة عبر صفحة الفيس بوك، وعبر الأثير مباشرةً، شيخنا و دكتورنا العزيز السلام عليكم ورحمة الله.

الدكتور بلال نور الدين:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حيّاكم الله وبارك بكم، ونَفَع بإذاعتكم الكريمة.

المذيع:
حفظكم الله شيخنا وأكرمك رب العالمين، وبارك بِكَ، نسعد بكم ونتشرّف بحضوركم وبكلامكم الطيب إن شاء الله..

الدكتور بلال نور الدين:
نتشرّف بكم يا سيدي، نحن لنا الشرف بأن نكون مع أهلنا في فلسطين الحبيبة.

المذيع:
الله يحفظكم ويُكرمك يا شيخنا الفاضل.
شيخنا العزيز: يعني في هذه الأحداث، الله سبحانه وتعالى وعد وعود ربانيّة كثيرة لأحبابنا ولنا في فلسطين، وعوداً كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، كفضل وثواب لأهل فلسطين، كيف ينظر إليها شيخنا الفاضل فضيلة الشيخ بلال؟ وكيف ينظر إليها خصوصاً من هو خارج فلسطين، عندما تنظرون إلى فلسطين، ويُنطَق اسم فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، ماذا يتبادر إلى ذهنكم، من أجورٍ وثوابٍ، ومكانةٍ، لفلسطين والمسجد الأقصى المُبارك وما حوله؟

مكانة وبركة المسجد الأقصى المُبارك وما حوله:

الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم وحفظكم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أيُّها الإخوة المستمعون الأكارم، والمتابعون الأفاضل، الحقيقة أنّنا نعيش ببركة المسجد الأقصى جميعاً والله تعالى في مُفتَّتح سورة الإسراء، والأمة الإسلامية تستذكر في نهاية شهر رجب من كل عام، ذكرى الإسراء والمعراج، في مُفتَّتح السورة قال:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
(سورة الإسراء)

فنحن نشعر في عمّان وفي كل مكان يُجاور فلسطين الحبيبة، ويُحيط بالمسجد الأقصى، أنّنا نعيش بهذه البركة، فالله تعالى جعل البركة في الشام، لأنَّ الشام حول المسجد الأقصى المُبارك، الذي جعله الله تعالى قِبلة المسلمين الأولى، وجعله مَسرى نبينا صلى الله عليه وسلم.
أيُّها الأخ الحبيب، أيُّها الإخوة الأكارم والأخوات الكريمات، نحن عندما نتحدث عن بركة أهل الشام، وبركة المسجد الأقصى، فإنما نتحدث عن قضيةٍ في صُلب عقيدة المسلم، هي ليست قضيةً هامشيةً أو قضيةً ثانوية، نحن نتحدث عن مُقدّسات، نتحدث عن أماكن مُقدّسة قدّسها الله تعالى وليس البشر.

الله عز وجل فضّل بعض الأزمنة والأمكنة والأشخاص:
الله تعالى له خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فالأزمنة عديدة، لكن شهر رمضان الذي نحن على أعتابه، نسأل الله أن يأتي بالفرج، والنصر، والتمّكين، مع هذا الشهر الكريم، هذا الشهر المُبارك هو زمان من الأزمنة، لكن الله تعالى فضَّله وخصَّصه، والأشخاص كُثر، لكن الله تعالى اختار منهم أنبيائه ورُسله، ثم اختار من الرُسل أولو العزم، ثم اختار من أولو العزم محمداً صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما نتحدث عن الأماكن، فالأماكن كثيرة، لكن الله تعالى يُقدّس ما شاء من الأمكنة، ومن الأمكنة التي قدّسها الله تعالى، وجعل البركة فيها، بل في ما حولها ببركتها المسجد الأقصى.
لذلك نحن عندما ننظر إلى المسجد الأقصى ونستشرف هذا النظر، أحياناً أنا من عمّان نذهب إلى أماكن في مدينة عمّان، ونُدعى إلى أماكن، فيكون الداعي يريد أن يحثّنا على القدوم إليه، فيكون مما يُشجّعنا به على القدوم يقول: أنا من بيتي تنظروا إلى فلسطين، أنا من بيتي إذا كان الجو صحواً ترون المسجد الأقصى، نبادر حتى نراه ولو من بعيد، في القلب غُصَّة، لكن يُفرحنا أننا ننظر من إطلالة، إن كان في طريق البحر الميت، أو من الناعور أو من أي مكان، إلا أنَّنا الآن ننظر إلى فلسطين الحبيبة، التي غابت عن أعيُننا ولكنها لم تَغِب عن قلوبنا، وعن أفئدتنا، ففلسطين قضية، والمسجد الأقصى عقيدة، ووعد الله لا يَتخلّف، والله تعالى لمّا قال في كتابه الكريم:

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
(سورة إبراهيم)

ألا يُطمئننا أنَّ مكرهم عند الله؟ الله يعلم مكرهم، قال: (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
بربك أخي الكريم لو أنَّ أهل الأرض اجتمعوا ليُحرّكوا جبلاً من مكانه هل يستطيعوا؟ لا يستطيعوا، وصف الله هذا المَكر الكُبّار بأنه تزول منه الجبال، ما الذي جاء بعد هذه الآية مباشرةً مع هذا المكر العظيم قال:

فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47)
(سورة إبراهيم)

فنحن نؤمن بوعد الله وننتظره، وأعيُننا تتطلّع دائماً إليه، وقلوبنا تَحِنُّ إلى المسجد الأقصى المُبارك، ونحن حوله نستشرف بركته، ونستشعر قُدسيته التي بارك الله تعالى به وبما حوله.

المذيع:
أكرمك الله وجزاك خيراً، ثقتنا بالله عز وجل أن لا نبقى ننظر إلى المسجد الأقصى المُبارك من بعيد، شيخنا يمكن أنت تستغرب، والمُستمعين الكرام ومن يُشاهدنا خصوصاً من خارج فلسطين، أنه نحن أهل الضفة الغربية نقف في بعض الأماكن، ونسترق النظر إلى المسجد الأقصى المبارك وقُبّة الصخرة، لأننا أيضاً محرومين من الوصول إلى المسجد الأقصى المُبارك ونقولها بكل أسف، يعني نستطيع أن نصل إلى أقصى بقاع الأرض وأبعد نقطة، بتأشيرة وبفيزا وبغيره، لكن المسجد الأقصى المُبارك القريب منّا، وربما يبعد خمسين كيلو متر فقط، لا نستطيع أن نصل إليه، لكن أملنا بالله عظيم أنَّ ربنا سبحانه وتعالى يُكرمنا بالفرج القريب بإذن الله تعالى ربِّ العالمين.
حسناً شيخنا العزيز، تحدثت عن الكثير من الأمور الغيبية التي وعدنا الله سبحانه وتعالى بها، الآن والأمر لا يخفى على أحد، حال إخواننا وأحبابنا في قطاع غزَّة وفي فلسطين بشكل عام، لو حدثتنا شيخنا الفاضل عن بعض الوعود الغيبيّة التي تُخفِّف عن مُصاب إخواننا في غزَّة ، وفي فلسطين، وفي الضفة الغربية وفي القدس أيضاً، وفي كل بقعة من البقاع، وتكون لهم خير سلوان وخير مُثبِّت ومُصبِّر، وتُنبِت في قلوبهم الرضا بأنَّ وعود الله سبحانه وتعالى قريبة، وتُخفِّف عنا هذه الآلام، ويكون الفرج قريب بإذن الله ربِّ العالمين.

وعد الله لا يُخلف فهو صاحب القدرة المُطلقة:
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، أولاً وعد الله تعالى لا يُخلف، لماذا؟ البشر قد يقطعون وعوداً ثم يحول بينهم وبين تحقيقها حائل، قد أعِدُك أنني سأخرج معك في حلقةٍ من هذا البرنامج، ثم نسأل الله العافية للجميع، يصيبني شيءٌ يمنعني من الخروج فلا أستطيع، قد ينقطع النت عندي فلا أستطيع، فأنا عندما أعِدُك بشيء، أعِدُك به لكن لا أملك تحقيقه مئةً بالمئة، وإنما أقول إن شاء الله، أمّا عندما يَعِدُ المولى جلَّ جلاله، فهو صاحب القدرة المُطلقة، اللامحدودة فوعده لا يَتخلّف، لذلك:

وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
(سورة الروم)

فإذا سمعت وعداً من الله تعالى فاعلم أنه وعده كان مفعولاً، وعد الله مفعول لا محالة.

وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)
(سورة الإسراء)

والله تعالى كان وعده مفعولاً في الإفسادة الأولى:

فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5)
(سورة الإسراء)

ورأينا وعود الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، أجلى هؤلاء المُفسدين وقضى على إفسادهم، ثم رأينا وعد الله تعالى مع فاتح القدس عمر رضي الله عنه وأرضاه، ورأيناها مع مُحرِّر القدس من الصليبيين، صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ورضي عنه، فالوعود مُتحقِّقة، والله تعالى يعِدُنا بالوعد الآخر فقال:

إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
(سورة الإسراء)

فوعَدَ الله جلَّ جلاله، والكُرة في ملعبنا، فنحن عندما نكون أهلاً لتحقيق وعود الله، وأحسب أن هذه الأحداث المؤلمة وهذه الأحداث التي تُدمي القلب، أحسبها أنها دوراتٌ تدريبيةٌ تأهيليةٌ، لأنَّ أشدَّ ساعات الظُلمة تكون قبل الفجر.

الإنسان جُبِل على الاستعجال والله أمرنا بالصبر:
خباب بن الأرت، جاء إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسدٌ بُردةً له في ظل الكعبة، وقال له : "يا رسول الله ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ والحقيقة كنت أحسب أن يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقف وهو بجوار الكعبة، فيُناجي ربه ويسأله النصر، ويسأله التمكين"، وهذا ما نفعله دائماً وهو مطلوب حتماً بلا خلاف، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أحسَّ من كلام خباب أنَّ بعضاً من اليأس بدأ يتسلل إلى النفوس، بأنَّ النصر قد طال أمده، وبأن الطُغاة قد زاد إجرامهم، وبأنَّ.. وبأنَّ... ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم غاضباً، واحمر وجهه فقال:

{ أتَينا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ متوسِّدٌ بُردةً في ظلِّ الكعبةِ فشَكَونا إليهِ فقُلنا ألا تَستنصِرُ لَنا ألا تدعو اللَّهَ لَنا فجلسَ مُحمرًّا وجهُهُ فقالَ قد كانَ مَن قبلَكُم يؤخذُ الرَّجلُ فيُحفَرُ لَه في الأرضِ ثمَّ يؤتى بالمنشارِ فيُجعَلُ علَى رأسِهِ فيُجعَلُ فَرقتينِ ما يصرِفُهُ ذلِكَ عن دينِهِ ويُمشَّطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ عظمِهِ من لحمٍ وعصَبٍ ما يصرفُهُ ذلِكَ عن دينِهِ واللَّهِ ليُتمَّنَّ اللَّهُ هذا الأمرَ حتَّى يسيرَ الرَّاكبُ ما بينَ صنعاءَ وحَضرموتَ ما يخافُ إلَّا اللَّهَ تعالى والذِّئبَ علَى غنمِهِ ولَكِنَّكم تَعجلونَ. }

(أخرجه البخاري وأبو داوود)

فبيّن صلى الله عليه وسلم الإشكال البشري في الطبيعة البشرية وهو أنّنا نستعجل:

خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
(سورة الأنبياء)

في النصر، في العزّ، في التمكين، في الرفعة، في الثناء، في التحرير، (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)، إذاً نحن جُبِلنا على الاستعجال، لكننا أُمِرنا بالتريُث والصبر، فالوعود مُتحقِّقة هذا لا خلاف فيه، لأنه وَعدُ الله، ولأنَّ وعَدَ الله لا يُخلف، لأنَّ الله صاحب القدرة المُطلقة التي لا يَحدُّها شيء، ولا يُنازعها شيء، ولكن متى يأتي وعد الله عز وجل؟ هذا يأتي عندما يُقرره المولى جلَّ جلاله، وعندما يكون هذا حِكمةً، وعندما يكون هذا رَحمةً في حقِّنا، أما نحن فقد نستعجل، وقد نريد الآني المُستعجل والله تعالى يُخبئ لنا الأفضل، والأكمل، والأكثر عِزّاً، وتمكيناً لشأننا ولديننا ولرفعتنا.

المذيع:
بإذن الله ربِ العالمين، جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل.
شيخنا كلام طيب وجميل جزاك الله كل خيراً على هذا الكلام وعلى التذكير بآيات الله سبحانه وتعالى، وما تفضّلت به، لكن البعض يقول نحن مسلمين ومؤمنين، وخطابنا أيضاً لهذه الفئة، لكن مع إيماننا الكامل بالغيب ووعود الله سبحانه وتعالى، نُريد شيء على أرض الواقع من المُشاهدات، يعني نحن نؤمن بالغيب لكن نريد أن نرى بأُم أعيُننا انتصاراً للمسلمين، نريد أن نرى بأُم أعيُننا والله سبحانه وتعالى يقر عيوننا بهزيمةٍ ساحقة لأعداء الله سبحانه وتعالى، نريد أن نرى بأُم أعيُننا صلاة في المسجد الأقصى المبارك، يكون فيها عزّ للإسلام والمسلمين، هل هذه تحتاج وقت طويل؟ هل هذه تحتاج أمور معيّنة؟ متى نرى وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين على أرض الواقع، ونراه عياناً في هذا الأمر، ماذا تقول في هذا الجانب شيخنا؟

الله تعالى يتعامل مع عباده بالقوانين والسُنَّن:

الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم سؤال جميل، الحقيقة نحن كل يوم من فضل الله تعالى، صحيح أننا نعيش اليوم ألماً لا يكاد يوصف بكلمات، ولكننا في الوقت نفسه نستشرف في كل يوم أملاً، ما نراه اليوم من هَبّةٍ في الشعوب لنصرة إخوانهم، ما نراه اليوم من حمية، أنا أعيش اليوم في عمّان، وأرى الناس يومياً، وأُلقي الدروس يومياً في مجموعات كثيرة من الناس، ما أراه اليوم من بوادر النصر، وبوادر التعاطف، والتكاتف، الذي جعله الله تعالى أساساً للنصر والتمكين، فالله تعالى له سُنّن أخي الحبيب، الله تعالى لا يتعامل مع عباده بالأماني وإنما جلَّ جلاله يتعامل بالقوانين، يعني المقدمات تعطي النتائج:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
(سورة محمد)

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
(سورة النور)

فلا بُدَّ أن نُحقق ما علينا من العبادة لله تعالى، فالله تعالى له سُنّن وله قوانين، وبعد كل ذلك جلَّ جلاله يُخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو أحبُّ الخلق إليه، فيقول له، يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ (46)
(سورة يونس)

(بعض) لم يقُل كُل.
إذاً أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد لا يُتاح لك أن ترى نتائج عملك وثماره، النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكّة، لكنه كان يستشرف وهو في الخندق ويقول فُتحت فارس، فُتحت الروم، ما رأى ذلك كله، ولكنه صلى الله عليه وسلم قضى إلى ربه وقد أسس الطريق، إذاً نحن نريد أن نرى النصر وهذا فرح

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
(سورة الروم)

ولكن يكفينا نصراً أننا ما غيّرنا، هذا نصر، هل أصحاب الأخدود أخي الحبيب، أصحاب الأخدود يوم شُقَّ لهم الأخدود وأُلقوا فيه وأُحرِقوا، هل تحققوا من النصر الذي وعِدوا به؟ لم يتحققوا، لكنهم انتصروا وأثنى الله عليهم، ما هذا النصر الذي حققوه؟ النصر المبدئي، نصر الثبات، نصر الثبات على المبدأ، اليوم يكفي المسلم شرفاً في كل مكان في الأرض أنه ما غيَّر، وأنه ما هادن، وأنه ما طبَّع، وأنه لم يجعل هذه القضية قضيةً ثانوية، وأنه لم ينشغل بسفاسف الأمور عن معاليها، وإذا قضينا إلى الله تعالى ونحن ثابتون على العهد، فوالله لقد انتصرنا، يكفينا نصراً أننا في طاعة الله، ويكفي عدوّنا هزيمةً أنَّه في معصية الله تعالى، أنا لا أقول هذا الكلام أبداً من أجل التخفيف، أو مُجاملةً، أو التعتيم، أبداً، أنا أقوله وكلُّ خليةٍ في جسمي مُقتنعةٌ به، والله يكفينا نصراً على عدونا أننا ثابتون، والله هذا الكيد الذي يُكاد لإخواننا في غزَّة وفي فلسطين عموماً، منذ الثماني والأربعين وحتى اليوم، سبعون سنة ويُكاد لهم، ومازالوا موجودين ومازالت الجموع تأتي إلى المسجد الأقصى، هذا أعظم نصر، سُنّة الله في الحياة أنَّ دورة الحقّ والباطل قد تكون أطول من عمر الإنسان.
يعني مثلاً والمثل للتوضيح:
هبّ أنَّ رمضان يأتي في كل ثلاثٍ وثلاثين سنة يأتي في شهر تموز مرةً، هناك إنسان عمره كله ستين سنة، فما أُتيح له إلا أن يرى رمضان مرة واحدة، قال هل أراه مرة ثانية في تموز؟ لم يراه لأنَّ عُمره أقصر من دورة رمضان، عُمر الإنسان أحياناً يكون أقصر من دورة الحق والباطل، فقد يقضي إلى الله ولم يصل إلى هدفه الذي يريده، ولكن يكفيه أنه مات وهو في الطريق، لم يمت وقد حادَ عن الطريق، اقرؤوا التاريخ، المغول، التتار، الصليبيون، كم دخلوا إلى البلاد، وكم عاثوا؟ واحد وتسعون سنة المسجد الأقصى أسيراً في أيديهم، ثم قيَّض الله تعالى له من يُحرِّره، أبو طاهر القرمطي دخل إلى المسجد الحرام وأخذ الحجر الأسود وانتزعه من مكانه، قال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجّيل؟ وبقي الحجر الأسود عشرين عاماً بعيداً عن الكعبة المُشرَّفة، وصلت الهزيمة النفسية عند التتار أن يقول التتري للمسلم، ابقى مكانك حتى آتي وأُحضِر سيفي فأقتلك فيبقى في مكانه، الحمد لله ما وصلنا إلى ذلك، نحن اليوم أقوى عزيمةً وأشدُّ إصراراً، ونحن اليوم نقف كلنا صفاً واحداً مع أهلنا في فلسطين، هذا نصر، هذا نصر أنَّ الشعوب اليوم كلها تقف مع قضيتنا، هذا نصر عظيم.

الشعب الفلسطيني انتصر نصر الثبات:

المذيع:
هذا كلام يُثلِج الصدر شيخنا ويُفرح القلب، جزاك الله خيراً، وأنا كم فرحت بهذا اليقين الذي تتحدث به، عندما قلت كل خلية في جسدي تؤمن بنصر الله سبحانه وتعالى وبأحقّية الشعب الفلسطيني، وفرج الله قريب، أكرمك الله عز وجل، هذا شيء أكثر من رائع نسمعه ويُثلِج صدورنا بإذن الله ربِّ العالمين، هذه هِمَم ومعنويات الشعب الفلسطيني دائماً مُرتفعة كما تفضّلت شيخنا، ولن يُهزم بإذن الله ربِّ العالمين، ولن نصل لبعض من وصل إلى استسلام أو هزيمة لا سمح الله، أو ما شابه ذلك.
يقول أخونا الكريم الأخ طايل، وتأكيداً على كلامك شيخنا الفاضل أنَّ دول كبيرة جداً وأعدادها ملايين، وعَتادها لا يُقارن بالشعب الفلسطيني المسكين، وتدريب، وجيش وكذا وما إلى ذلك، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى ثُلة قليلة مؤمنة بالله سبحانه وتعالى، وبأعداد قليلة وببقعة صغيرة جداً جداً، ثبتت بما يزيد عن أربعة أشهر، ربما لا يصمد في هذا الوقت دول عظيمة، وبلاد وعباد، لكن أكرم الله أهل فلسطين بالثبات، وثقتنا أنه سيُكرمهم بالثبات حتى يستعيدوا أقصاهم بإذن الله ربِّ العالمين.

الدكتور بلال نور الدين:
بإذن الله، أنا قال لي أحدهم من أيام، أعجَب من تآمر هذه الدول، كيف تآمروا علينا؟! كيف تآمروا إلى هذا الحدّ على هذه البقعة الجغرافية الصغيرة؟! كيف تآمروا على المسلمين سابقاً ولاحقاً؟! قلت له والله أنا الذي أعجَب له أكثر أننا ما زلنا صامدين وموجودين وثابتين، وأنَّ الدين ينتشر، وأنَّ الحقَّ يعلو ولا يُعلى عليه رغم كل هذا التآمر.

المذيع:
نعم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:

{ لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ }

(صحيح مسلم)

يعني يدل هذا الحديث أنه سيكون هناك خُذلان، وسيكون هناك بُعد عن النصر، وسيكون هناك بُعد عن فلسطين وتنازل إن صحَّ التعبير عن قضية فلسطين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول رغم هذا الأمر هذا لن يضر الشعب الفلسطيني.

الحقَّ لا يقوى إلا بالتحدي والله تعالى لن يَخذل أهل الحقّ:

الدكتور بلال نور الدين:
يا سيدي الكريم هذه سُنَّة، والله تعالى له سُنَّن وسُننه أنَّ الحقَّ لا ينفرد أبداً بالساحة، و أنَّ الباطل لا ينفرد بالساحة، وأنَّ هناك تدافُعاً مُستمراً بين الحقِّ والباطل، كان من الممكن أخي الكريم ونحن الآن نتحدث بشكل بسيط، كان من المُمكن والله تعالى على كل شيءٍ قدير، أن يجعل المجرمين في كوكب ونحن في كوكبٍ آخر، إذاً ليس هناك حروب، ولا دماء، ولا شهداء ولا شيء من هذا، وكان من الممكن أن يخلقهم في حُقبة ويخلقنا في حُقبةٍ أُخرى، عام ألف وسبعمائة لهم، وعام ألف وتسعمائة لنا وانتهى الأمر إلى غير رجعة.
شاءت حكمة الله أن نجتمع جميعاً أهل الحقِّ مع أهل الباطل في زمنٍ واحد، وعلى بُقعةٍ جغرافيةٍ واحدة، لأنٍ الحقَّ لا يقوى إلا بالتحدي، ولأنَّ أهل الحقّ لا يستحقون الجنَّة إلا بالبذل، والتضحية، والفداء، فقدرنا أن نجتمع معاً، وأن نتصارع، وأن تكون الغلبة لنا لأنَّ الله عز وجل مع الحقّ، ولا يمكن أن يترك الباطل ينتصر، مستحيل، فلذلك نحن الابتلاء قدرنا، والامتحان قدرنا، فلا بُدَّ أن نعيَّ أن المعركة خطيرة، النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذهب إلى ورقة بن نوفل، وعرض عليه ما يأتيه من الوحي، قال: "هذا الناموس الذي كان يأتي الأنبياء من قبلك، ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك، فالنبي صلى الله عليه وسلم تعجّب واستغرب قال: أوَ مخرجي هُم؟! أنا الصادق الأمين، أنا المحبوب، أنا الرجل المعروف، أنا القُرشي، أنا الهاشمي، أنا منهم من قومي، هل من المعقول أن يُخرِجوني؟! قال له: وهذه سُنَّة، قال: ما أتى أحدٌ بمثل ما أوتيت به إلا عُودي".

{ عَنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أنَّها قالَتْ: أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه - وهو التَّعَبُّدُ - اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلى أهْلِهِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِها، حتَّى جاءَهُ الحَقُّ وهو في غارِ حِراءٍ، فَجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقْرَأْ، قالَ: ما أنا بقارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ (2) اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ} [العلق: 1- 3] فَرَجَعَ بها رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فَدَخَلَ علَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ وأَخْبَرَها الخَبَرَ: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ، فانْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وكانَ امْرَأً تَنَصَّرَ في الجاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العِبْرانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بالعِبْرانِيَّةِ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ، وكانَ شيخًا كَبِيرًا قدْ عَمِيَ، فقالَتْ له خَدِيجَةُ: يا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فقالَ له ورَقَةُ: يا ابْنَ أخِي ماذا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَبَرَ ما رَأَى، فقالَ له ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ اللَّهُ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحْيُ. }

(صحيح البخاري)

ما يمكن أن تأتي بالحقّ ثم لا يُعاديك أهل الباطل، فاليوم لا يضرّهم من خذلهم نعم هذا قانون، مادمت تريد أن تقول أنا صاحب حقّ ولن أتخلى عن حقي، أنا صاحب مبدأ وسأعيش من أجله، أنا مسلم وسأرفع رأسي بإسلامي، إذاً هناك من أهل الباطل من سيُعاديك، ثم سيأتي من هُم محسوبون على أهل الحقّ، والحقّ منهم بَراء، يخذلوك في هذا الموقف الذي تقفه، هذه سُنَّة.

{ ما من امرئٍ مسلمٍ يخذل أمرأً مسلمًا في موضعٍ ينتهك فيه حرمتُه، وينتقصُ فيه من عِرضه ؛ إلا خذله اللهُ تعالى في موطنٍ يحب فيه نصرتَه، وما من امرئٍ مسلمٍ ينصر مسلمًا في موضعٍ ينتقصُ من عرضِه وينتهك فيه من حرمتِه ؛ إلا نصره اللهُ في موطنٍ يحب نصرتَه }

(أخرجه أبو داوود وأحمد)

والله إن ما سيجدونه هؤلاء الذين خذلوا إخواننا في فلسطين، ما سيجدونه من خذلان الله تعالى لهم في الدنيا وفي الآخرة، لا يُساوي شيئاً خذلانهم الذي خذلوه، لا يساوي شيئاً أمامهم، لأنَّ الله عز وجل شديد العقاب، عزيز، جبار، منتقم، فالويل كل الويل لمن لا يخاف الله تعالى.
النبي صلى الله عليه وسلم كان في معراجه، لمَّا عَرج من بيت المقدس إلى السماء، هناك شمَّ رائحةً طيبة لم يَشُم مثلها قط، طيبة جداً، قال: << يا جبريل رائحة مَن هذه؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون، قال: مَن هي؟ وما شأنها؟ قال: كانت تمشّط شعر بنت فرعون، فسقط المشط من يدها، نزلت لتأخذه فقالت: بسم الله، فقالت لها بنت فرعون: أبي؟ تعرف أن أباها هو الله، قالت: لا ربُّكِ وربُّ أبيكِ الله، قالت لها: أُخبِر أبي، فأخبرت أباها، فأمر بقِدرٍ كبيرةٍ، بقرة من نحاس حُمّيَت، ووضع الزيت يغلي فيها ثم جاء بها وبأبنائها، فلما جعل يضع أبنائها في القِدر وجاء دور الرضيع، كأنها تقاعست كما يقول جبريل عليه السلام لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، كأنها تقاعست، فقال هذا الرضيع، وتعلّموا الآن من هذا الرضيع الذي أنطقه الله تعالى، نتعلّم منه الآن، قال لأمه: يا أُمّه اثبتي أنت على حقّ، إنَّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة>>، هذا هو الإيمان بالغيب، هناك عذاب ينتظر في الآخرة، وهناك نعيم يوم القيامة، عندما يُغمَس أهل الإيمان، يؤتى بأنعم أهل الدنيا في الدنيا، أنعم شخص، عاش القصور والسيارات الفارهة، أنعم أهل الدنيا فيُغمَس غَمسةً في نار جهنم فيقول: لم أرَ نعيماً قط! وفي المقابل يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا، فيُغمَس غَمسةً في الجنَّة فيقول: لم أرَ بؤساً قط! هذا هو ما عند الله، هذا ما أعدّه الله، الله تعالى لا يقبل أن يُعطينا دنيا زائلة، لكنه يُعطينا آخرةً باقية، ويعطينا وعداً وتمكيناً ونصراً في الدنيا إن شاء الله، ولكن الرصيد الختامي يوم القيامة عند الله.

المذيع:
بإذن الله، نسأل أنَّ ربنا سبحانه وتعالى أن يُكرمنا بهذه الوعود، يعني هذه القواعد الربانيّة وهذه القوانين الإلهية التي تحدثت بها شيخنا وما أجمل هذا الكلام وأسأل الله ربنا أن يُكرمك، ويثلِج صدرك بالإيمان كما أثلجت صدورنا بهذا الكلام الطيب، وعودةً على السؤال الذي كنت أريد أن أطرحه، كيف أعكس هذا الإيمان، وأنت لفتت نظري بهذه العبارة، رائعة يقينية عند الله سبحانه وتعالى عندما قلت: كل خلية بجسمي تؤمن بهذا الكلام، ونحن إن شاء الله وإيمان الشعب الفلسطيني وأهلنا في غزَّة أثبت أنَّه إيمان حقيقي وربما لم يسبق له مثيل، كل هذا القتل وكذا، والرضا كامل بالله سبحانه وتعالى، كيف أعكس هذا الإيمان على سلوكي، على أرض الواقع، وأُجذِّر سلوكي بإيمان حقيقي يرتبط بوعود الله سبحانه وتعالى الأُخرَوية؟

إيماننا بوعود الله تعالى هو إيمان بالغيب وهي أول صفة للمؤمنين:

الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، سؤال مهم جداً، اليوم نحن عندنا عالم الشهادة، وعندنا عالم الغيب، الشهادة ما أُدركه بحواسي الخمس، والغيب ما غابَ عني، الناس جميعاً متّفقون على الإيمان بالشهادة، يعني أنا الآن في غرفة فيها أشياء أراها بعيني لا مجال لإنكارها أبداً، ولكن الناس يتفاوتون في مدى إيمانهم بالغيب، فيما غاب عنهم، نحن نؤمن بالغيب، أول صفة في سورة البقرة للمؤمنين قال:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)
(سورة البقر)

قبل ويقيمون الصلاة، (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فإيماننا هو غيب، نحن نقرأ وعود الله تعالى فنؤمن بها وكأننا نراها، لمّا قال تعالى في قرآنه الكريم لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
(سورة الفيل)

هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل ربُّه بأصحاب الفيل بعينيه؟ لا، إذاً لماذا لم يقُل له ألم تسمع، لماذا قال ألم ترَ؟ لأنَّ وعود الله ينبغي أن تتلقاها وكأنك تراها.

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)
(سورة الفجر)

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)، فإيماننا بالغيب قد يكون أشدَّ إيماناً من إيماننا بالشهادة، من هنا قال أحد السلف الصالح قال: " رأيت الجنَّة والنار بعيني، قالوا له: انظر فيما تقول فوالله ما أحدٌ رأى الجنَّة والنار قال: ولو لقد رأيتهما بعينَيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لهما بعينَيّ رسول الله أصدق عندي من رؤيتي لهما بعيني، لأنَّ بصري قد يزيغ وقد يطغى أما بصره صلى الله عليه وسلم:

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17)
(سورة النجم)

فنحن نؤمن بالغيب، هذا هو ديننا هذه عقيدتنا.
اليوم عندما نسمع عن هذا الصحابي الجليل حرام بن ملحان، خال أنس بن مالك رضي الله عنهم جميعاً، لمّا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سبعين قارئاً وقتلوهم وجاء أحدهم وطعنه بالرمح، ماذا قال حرام بن ملحان؟ قال: "فُزت وربُّ الكعبة"، حسناً الآن الناس ماذا يقولوا عندما ينظروا؟ خسر حياته، العوام يقولوا: مسكين ذَهَب بعز شبابه، قضى في عزّ شبابه، وهو يقول: " فُزت وربُّ الكعبة" ما الذي رآه هذا الرجل؟ هو الإيمان بالغيب.
والله اليوم عندما نرى مشاهد أهلنا في فلسطين الحبيبة، وفي غزَّة الصامدة نستذكر هذه القصص، أنا كنت أُعِّد برنامجاً أُسميه الخلف الصالح، هناك سلف صالح ولله الحمد اليوم نرى الخلف الصالح، اليوم عندما ترى شخصاً يخرج من مسافة صفر ويضع القذيفة على الدبابة، وعندما تسمع أُمّاً تقول رضيت بقضاء الله وقدره، وعندما ترى رجلاً يقول لا تبكِ يا رجل نحن مشاريع شهادة كلنا، وعندما تسمع الثالث والرابع والخامس ماذا نرى؟ وعندما تسمع الآخر وقد ولّعت في العدو فقفز قفزةً في الهواء، نرى اليوم بأُم أعيُننا هذه المظاهر، هؤلاء ما الذي يُحرّكهم؟ ما الذي دفعهم إلى الصبر؟ إلى الثبات، إلى الرضا، إلى اليقين؟ إلى أنهم يبيعون الله عز وجل أنفسهم، وأجسادهم، وأرواحهم، ودمائهم، ما الذي دفعهم لذلك؟ الإيمان بالغيب، هناك شيءٌ ينتظرهم لا يدركه هؤلاء الذين يفرّون من أرض المعركة، والذين يتحصّنون بدباباتهم.

لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)
(سورة الحشر)

لا يدركوا ما هذه القضية، يُقاتلون شعباً يؤمن بالغيب، يؤمن بوعود الله، يؤمن بأنَّ ما ينتظره عند الله أعزُّ من ما هو في الدنيا بكثير.
جُئتك بقومٍ يحبون الموت كما تُحبون أنتم الحياة
{ خالد بن الوليد }

المذيع:
شيخنا وحبيبنا ربما لم يتبقى الكثير من الوقت، أنا الحقيقة كان لدي محاور عديدة أردت أن نتطرّق لها، وأسمع إجابتها منكم ولكن ربما الوقت يضيق لذلك، يعني في دقيقة أو دقيقتين لو تسمح اختِم بما تشاء من الكلام فكل كلامك طيب ما شاء الله، بدقيقة أو دقيقتين ماذا تقول؟

يكفينا نصراً أننا ثابتون وفي رعاية الله عز وجل:
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، والله أنا أقول لأهل فلسطين الحبيبة، وأقول لأهل غزَّة، وأقول لكل من يسمعنا الآن يكفينا أننا على حقّ، يكفينا أننا في طاعة الله، يكفينا أننا ثابتون، أننا لم نُغيّر، ولم نبدِّل.

مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
(سورة الأحزاب)

فمن قضى نَحبَه وحقّق هدفه صار عند ربٍّ عظيمٍ كريم، لا يسعُنا إلا أن نغبطه.

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
(سورة يس)

اللون لون الدم والريح ريح المسك، أما نحن فنسأل الله أن يجعلنا ممن ينتظرون دورهم ليقدّموا كل ما يملكونه في سبيل الله وأن لا نُبدِّل تبديلاً، وأن لا ننحرف عن طريق الحقّ، وأن لا نُغيّر وأن لا نُهادن، وأن لا نُطبِّع، وأن لا نستسلم، وأن لا نخون، وأن لا نُخذِّل، وأن لا نكون في الصف الآخر، والعياذ بالله، لأنَّ الله تعالى مع الحقّ، والحقُّ هو الله، والله تعالى ناصرٌ دينه ومعزٌّ أهل دينه إن شاء الله، والنصر لنا والتمكين لنا، وطريقنا الصبر، وهي محفوفةٌ بالأشواك وليس بالورود والرياحين، ولكن نهايتها مشرقةٌ عظيمةٌ عند الله تعالى.

المذيع:
بإذن الله تعالى، جزاكم الله خيراً شيخنا الفاضل، أستاذنا وحبيبنا فضيلة الدكتور بلال نور الدين كنت معنا في هذا اللقاء، وفي هذا اللقاء كنا نشتَّم صوت شيخنا و أستاذنا وحبيبنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، والذي إذاعة القرآن الكريم تُحبُّه ويحبها بإذن الله، وأنا أعلم أنك من أحباب و من المقربين لشيخنا الفاضل.

الدكتور بلال نور الدين:
نعم كنت معه قبل قليل، وقلت له أنه عندي لقاء، ويهديكم سلامه ويُهدي سلامه لكل المتابعين.

المذيع:
وعبر البث مباشرةً إن أذِنت أن توصل سلامنا الحار له، سلام أسرة إذاعة القرآن الكريم، و إذاعة القرآن الكريم وأحباب ومتابعين إذاعة القرآن الكريم، الذين دائماً يسألون عن برامجه وصوته، واعتادوا أن لا يغيب عن إذاعة القرآن الكريم، نسأل الله تعالى أن يحفظه، ويتم عليه تمام الصحة والعافية، وأنتم شيخنا الحبيب حفظكم الله، وأكرمكم الله بكل خير وشكراً على هذا اللقاء الطيب.
جزاكم الله كل خير من الأردن الشقيق، ومن عمّان بالتحديد، فضيلة الدكتور بلال نور الدين الداعية الإسلامي المعروف جزاكم الله كل خير، بارك الله بك، وأنتم مستمعينا الكرام بارك الله بكم على حسن المتابعة، ونلقاكم في حلقةٍ جديدةٍ على خيرٍ وبركة بإذن الله رب العالمين، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.