فقه التضحية
فقه التضحية
يتعلم المنتسبون إلى دار الأرقم فقه التضحية، ويذوقون حلاوة الفَقد، ويدركون أنَّ قيمة المرء ليست فيما يملكه من متاعٍ، ولكنها في قدرته على التخلي، عن هذا المتاع في سبيل القيمة. |
وكذلك يتعلمون فقه العاجل والآجل، وكيف يوازن الإنسان بينهما، وكيف تستطيع أن تترك العاجل في سبيل الآجل، كيلا تكون ممن قال فيهم تعالى: |
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ(20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ(21)(سورة القيامة)
منَع أهل مكة صُهيباً من الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهم ماله ليخلوا سبيله، فوافقوا، وفيه نزل قوله تعالى: |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ(207)(سورة البقرة)
وهل هناك أعظم من أن تنجو بنفسك، ولو قدَّمت الدنيا كلها في سبيل ذلك؟ |
ولمّا وصل الى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: |
{ وخرجت حتى قدمت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقِباء قبل أن يتحول منها، فلما رآني قال: يا أبا يحيى: ربح البيع، ثلاثا، فقلت: يا رسول الله ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام }
(رواه الحاكم)
نشأة صهيب الرومي:
صهيب الرومي من نينوى، أغار الروم على منازل قومه، وتعرَّض للسبي صغيراً، ثم اشتراه رجُلٌ من قبيلة كلب، وباعه لابن جدعان بمكة، ثم أعتقه بعد ذلك. |
لو قرأت هذه السيرة، لهالَك ما فيها من الظلم، ولربما كتبت رواية حولها، تثبت فيها أنَّ من تعرَّض لهذا الحجم من الظلم، سيكون بعد ذلك مجرماً، أو قاطع طريق، كردّة فعل طبيعية، على ما تعرَّض له، لكن صُهيباً لم يكن كذلك، ولم تحمله سيرة حياته المؤلمة، وطفولته البائسة كما يقال، على الشر، بل كان صاحب قرار، وكان من الأربعين الأوائل في الإسلام، بل كان من السبعة الأوائل الذين جهروا بإسلامهم. |
لا تقل لي بعد ذلك: كانت ظروفي سيئة، ولا تتعلَّل بطفولتك التعيسة، فلقد خلقك الله أقوى من الظروف، وجعلك حراً تختار طريقك الذي تريد. |
كان صُهيب ذلك الرجُل الذي ما زادته المِحن إلا ثباتاً، وما زادته الشدائد إلا إصراراً، ليكون قدوةً لكل من أحاطت به ظروف عصيبة، ولتكون رسالته في الحياة، أنَّ الألم يمكن أن يصبح أملاً، وأنَّ المِنحة الربَّانية تأتي بعد مِحنة عصيبة، وأنَّ الإنسان بإيمانه أقوى من الشدائد، وأنَّ القرار الذي يتخذه الإنسان بشأن مصيره ومستقبله، لا تزيده المِحن إلا رسوخاً، إن كان صادراً بحق عن إرادةٍ وإيمان. |