الشباب عمدة نهضة الأمة وركيزة حضارتها

  • 2019-05-30

الشباب عمدة نهضة الأمة وركيزة حضارتها

بسم الله، الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، والصّلاة والسّلام على النّبيّ العدنان وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.


تجهيز جيش بقيادة أسامة بن زيد لبث الرعب في نفوس الروم :
المنافقون يسعون لإثارة البلبلة
أيها الكرام؛ في السنة الحادية عشرة للهجرة جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً، وجعل سيدنا أسامة بن زيد أميراً عليه، كان عمر أسامة وقتها ثماني عشرة سنة، جعله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على جيشٍ فيه كبار الصحابة، وأمره أن يتوجه إلى البلقاء من أرض الشام، بهدف بث الرعب في نفوس دولة الروم، إذاً أسامة بن زيد الشاب يذهب أميراً على جيشٍ إلى بلاد الروم، اعترض المنافقون على تولية أسامة بن زيد ليثيروا البلبلة داخل الصف المسلم، فقال صلى الله عليه وسلم بعبارةٍ واضحة: أنفذوا بعثَ أسامةَ، ثم اشتد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالرفيق الأعلى.
تولى الخلافة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فبدأ المنافقون وبعض الصحابة الكرام بالحديث عن هذا البعث، وعن أهميته، وعن مدى إمكانية تولية هذا الشاب الصغير السن جيشاً كهذا الجيش المتوجه إلى دولة الروم، عندها قال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه: لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآن خرج الصديق رضوان الله عليه ليودع جيش أسامة، وخرج ماشياً، وأسامة قائد الجيش كان راكباً، همَّ أسامة بالنزول ليركب خليفة المسلمين، فقال له أبو بكرٍ رضي الله عنه: والله لا نزلت ولا ركبت، وما عليّ أن أغبر قدمي ساعةً في سبيل الله.
الآن من أغرب الأمور أن خليفة المسلمين أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه يستأذن قائد الجيش أسامة الشاب، يستأذنه في أن يُبقي له عمراً معه في المدينة ليعينه على أمور الخلافة، فيأذن له أسامة، ثم يودع أبو بكر الجيش ويوصيه خيراً.

الشباب مرحلة القوة و سبيل نهضة الأمة :
الشباب مرحلة القوة
أيها الكرام؛ أيها الشباب؛ عندما نتحدث عن أسامة بن زيد وهو في هذا السن، ونتحدث عن شبابنا اليوم وهم في سن أسامة، فكم هو البون شاسع، كم هي الهموم كبيرة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يحملون همّ أمةٍ بأكملها، همّ إيصال الرسالة إلى العالم كله، وكم يؤسفك أن ترى اليوم بعض شباب أمتنا وقد عزفوا عن معالي الأمور، واتجهوا إلى سفسافها ودنيئها.
الشباب أيها الكرام مرحلة القوة، يقول تعالى:

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ
(سورة الروم: الآية 54)

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) هذه قوة الشباب (ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) يضرب الله تعالى في القرآن الكريم أمثالاً لشبابٍ نشؤوا في طاعة الله، لشباب غيّروا وجه الأمة، غيّروا وجه التاريخ.
هذا يوسف عليه السلام:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ
(سورة يوسف: الآية 23)

وقد كان شاباً وسيماً، فقال: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، واجهته الشهوات فأعرض عنها ولم يقبل شهوةً إلا من حلال، وشبابٌ أُخَر تواجههم الشبهات، وما أكثر الشبهات اليوم في عصرنا التي تنطلق عبر وسائل الإعلام، لكن الشاب المؤمن يقف ثابتاً لا تُثنيه لا سبائك الذهب اللامعة وهي الشهوات، ولا سياط الجلادين اللاذعة، وقد تكون الشبهات لا تُثنيه عن مبادئ دينه، ولا عن قيمه، ولا عن خدمة أمته، ولا عن خدمة دينه، هذا موسى عليه السلام يتكلم ربنا عز وجل عنه فيقول:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا
(سورة القصص: الآية 14)

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وهذا اكتمال القوة الجسمية (وَاسْتَوَىٰ) وهذا اكتمال القوة العقلية ( آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا)، هذا يحيى عليه السلام يقول تعالى:

يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
(سورة مريم : الآية 12)

هؤلاء أصحاب الكهف يتحدث عنهم ربنا جل جلاله فيقول:

إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
(سورة الكهف: الآية 13)

حديث القرآن عن الشباب
القرآن الكريم أيها الأخوة يتحدث عن الشباب بلغةٍ تفيض حباً، وتفيض مودةً، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ }

(رواه الألباني)

لن تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَع؛ منها: وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟

{ لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ: عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ؟ }

(رواه الألباني)


ضرورة اتجاه الشباب إلى خدمة أمتهم :
شابٌّ نشأ في طاعة الله
وأخيراً: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ؛ أحدهم: شابٌّ نشأ في طاعة الله.

{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ }

(صحيح البخاري)

نريد لشباب أمتنا اليوم أن ينهضوا من كبوتهم، ومن غفوتهم، أن ينهضوا لمعالي الأمور، وأن يعرضوا عن سفسافها، أن يتجهوا إلى ما يخدم أمتهم، أن يتجهوا إلى طلب العلم، وإلى العمل الصالح، وإلى بناء الأمة، وإلى بناء الخير في النفوس.
نسأل الله عز وجل أن يحقق ذلك إنه ولي ذلك، والقادر عليه، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته