قدرة الله عز وجل - من صفات المؤمن

  • اللقاء السابع من تفسير سورة المؤمنون : شرح الآيات 91- 99
  • 2024-11-30

قدرة الله عز وجل - من صفات المؤمن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

كذب المشركين ومصالحهم هو الذي منعهم أن يقولوا الحقّ:
هذا هو لقاؤنا السابع من لقاءات سورة المؤمنون، ونحن مع الآية التسعين من السورة، وهي قوله تعالى:

بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(90)
(سورة المؤمنون)

وقلنا في اللقاء السابق، بل هو حرف إضراب يفيد أنَّ ما قبله ليس بصحيح، وأنَّ ما بعده هو الصحيح، فما كان قبل بل، هو أنهم قالوا إن لله تعالى شريكاً

قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82)
(سورة المؤمنون)

وقالوا:

لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(83)
(سورة المؤمنون)

فلمّا ناقشهم القرآن الكريم

قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(84)
(سورة المؤمنون)

قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(86)
(سورة المؤمنون)

قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(88)
(سورة المؤمنون)

فلمّا أقام عليهم الحُجَّة قال: (بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ) إذاً ما دامت إجابتكم

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ(89)
(سورة المؤمنون)

إذاً (بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) كذبهم هو الذي يمنعهم من قبول الحق، مصالحهم أهواءهم، لكن ما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم، هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شكّ، ثم يقول المولى جلَّ جلاله:

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91)
(سورة المؤمنون)


الأسباب التي يتخذ بها الإنسان ولداً:
(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ) هذه مِن تفيد الاستغراق، يعني لو قال الله تعالى ما اتخذ الله ولداً، لعل بعضهم يقول الولد هو الذَكَر، وإن كان هو يشمل الذَكَر والأنثى، لعل بعضهم يقول ذلك، أو يقول لم يتخذ ولداً من البشر العادي، وإنما من الأنبياء، لكن لمّا قال الله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ) إذاً نفى جنس الولد مهما يكن، لأنهم ادَّعوا، النصارى ادَّعت أنَّ عيسى ابن الإله، والمشركون ادَّعوا البنات، أنَّ الملائكة إناثاً وأنهم بنات الله تعالى وغير ذلك، فلمّا قال: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ) نفى جنس أن يكون لله تعالى ولدٌ.
الولد يحتاجه الإنسان منّا لأسبابٍ، منها أنه يريد أن يدوم ذكره، يعني من أسباب الولد بأعماق الإنسان أنه يريد أن يبقى ذكره، لذلك عندنا عادات بأن يُسمّوا الولد على اسم جده، حتى يبقى ذِكر الجد، فلان يبقى موجود، فبالعموم من أسباب اتخاذ الولد بقاء الذِكر عند الناس، من الأسباب أن يُعينه، الإنسان يحب أن يكون له ولدٌ، حتى إذا كبر أعانه على شيخوخته فوقف معه، هذا أيضاً من الأسباب التي يتخذ فيها الإنسان ولداً، من الأسباب حب التملُّك، الإنسان بشكلٍ طبيعي يحب أن يقول هذا لي، ومن ذلك أن يقول هذا ولدي، وأحياناً يبلغ حب التملُّك عند بعض الآباء والأمهات مبلغاً مَرَضيّاً، فتجعل الأم مشاكل مستمرة بين الابن وزوجته دون وجه حق، سببه حب التملُّك، لأنها ترى أنَّ فلانة، خاصة عندما يكون الولد وحيداً، فترى أنَّ فلانة أخذت ابنها منها، فتبدأ تكيد، وهذا فيه ضعف إيمانٍ، لكن يجب أن يُعالج بالشكل الصحيح، لأن سببه الرئيس هو حب التملُّك.
وأحياناً الأب يصل إلى حب التملُّك، لدرجة أن يمنع ابنه من ممارسة أي شيءٍ يريده، يعني كل شيءٍ ينبغي أن ترجع فيه إليّ، يعني أنا أملِكك، وأملِك قرارك، والفرع الذي ستدرسه، والتجارة التي ستُتاجر بها، وهذا أيضاً مفهومٌ خاطئ، يجب التوجيه فيه للآباء وللأبناء معاً، كيف طريقة التعامل معاً ليس الآن مجاله، لكن بالعموم هذه الأسباب الثلاثة، هي أكثر ما يجعل الإنسان يرغب بالولد، وأحياناً الذَكَر أو الولد عموماً، وهي استمرار الذِكر، ووجود رغبة في الإنسان بالتملُّك، بأن يكون له شيء، ومن ذلك أن يكون له ولد

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(46)
(سورة الكهف)

فالمال تملُّك، والولد أحياناً، ابني، ولدي، من صلبي، ففيه نوعٌ من أنواع التملُّك بطريقةٍ أو بأُخرى، والإعانة خاصةً بالذكور أن يُعينه بكبره، وحتى أحياناً الإناث يُعينون أُمهاتهم وآباؤهم في كبرهم أكثر مما يفعل الولد، الولد قد يسافر، قد يعرض له شيء فيضطر للخروج، تبقى البنت مع أبيها ومع أمها، ففي العموم هذه هي الأمور الثلاثة.

الله جلَّ جلاله غنيٌّ عن عباده:
ربنا جلَّ جلاله ليس بحاجةٍ للولد جلَّ جلاله، لأنَّ ربنا قديم جلَّ جلاله، والولد حادثٌ وطارئ وهو لا يجري على القديم، فالله تعالى ليس بحاجةٍ للولد، لا لبقاء الذِكر حاشاه تعالى، فإن ذِكره على كل لسانٍ إلى يوم القيامة، وهو جلَّ جلاله غنيٌّ عن عباده، وله ملك السماوات والأرض، ولا يحتاج إلى مَن يُعينه حاشاه، فالولد هو من الصفات الخاصة بالبشر، فنسبه لله تعالى هو شركٌ عظيم والعياذ بالله، أن يُنسَب لله تعالى الولد، مهما كانت المُبررات، كأن يقولوا جاء ابن الله لينفي الفجور في الأرض وينشر العدل، هو ما يزال الفجور والشر موجودٌ في الأرض، فالله تعالى هو من يُقدِّر الفجور، ومن يُقدِّر الخير في الأرض بحسب حكمته جلَّ جلاله.
على كل حال قال: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ) أيضاً (مِن) للاستغراق، يعني الإله سواءً كان صنماً أو مالاً أو حجراً أو جاهاً أو منصباً (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ) يعني يُعبَد بحق، الإله هو المعبود بحق، فالله تعالى ليس معه إلهٌ يُعبَد بحق، قد يُعبَد بباطلٍ لكن ليس معه إلهٌ يُعبَد بحق، المشركون قالوا معه آلهتنا:

أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ(3)
(سورة الزمر)

لكن هل الحجارة تضر أو تنفع؟ لا تنفع ولا تضر إذاً هي ليست إلهاً، كان إذا أراد أن يعبُد ربه جعله من تمرٍ حتى إذا جاع أكله، ما هذا الإله الذي يؤكل عند الجوع؟ّ! لا يضره ولا ينفعه.
يروى أنَّ عمر بن العاص رضي الله عنه أيام شِركه، لمّا هاجر المسلمون إلى الحبشة، أرسلته قريش ليُقنع النجاشي بتسليمهم من خلال إبراز قولهم في مريم عليها السلام، فلمّا قال ما قاله، سُرَّ النجاشي سروراً عظيماً، في اليوم الثاني جاءه بشيءٍ جديد، قال له: اسمع منهم ما يقولون في مريم وفي عيسى:

{ عن أُمِّ سَلَمةَ -في شَأْنِ هِجرَتِهم إلى بِلادِ النَّجاشيِّ، وقد مَرَّ بَعضُ ذلك- قالتْ: فلمَّا رأتْ قُرَيشٌ ذلك اجتَمَعوا على أنْ يُرسِلوا إليه، فبعَثوا عَمرَو بنَ العاصِ، وعَبدَ اللهِ بنَ أبي رَبيعةَ، فجمَعوا هَدايا له، ولبَطارِقَتِه، فقدِموا على الملِكِ، وقالوا: إنَّ فِتْيةً منَّا سُفَهاءَ فارَقوا دِينَنا، ولم يَدخُلوا في دِينِكَ، وجاؤوا بدِينٍ مُبتدَعٍ لا نَعرِفُه، ولجَؤوا إلى بِلادِكَ، فبعَثْنا إليك لتَرُدَّهم. فقالتْ بَطارِقَتُه: صدَقوا أيُّها الملِكُ. فغضِبَ، ثُمَّ قال: لا لعَمرُ اللهِ ، لا أرُدُّهم إليهم حتى أُكلِّمَهم؛ قَومٌ لجَؤوا إلى بِلادي، واختاروا جِواري. فلمْ يَكُنْ شيءٌ أبغَضَ إلى عَمرٍو وابنِ أبي رَبيعةَ مِن أنْ يَسمَعَ الملِكُ كَلامَهم، فلمَّا جاءهم رسولُ النَّجاشيِّ، اجتمَعَ القَومُ، وكان الذي يُكلِّمُه جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ، فقال النَّجاشيُّ: ما هذا الدِّينُ؟ قالوا: أيُّها الملِكُ، كنَّا قَومًا على الشِّركِ؛ نَعبُدُ الأوْثانَ ، ونَأكُلُ المَيْتةَ، ونُسيءُ الجِوارَ، ونَستحِلُّ المَحارمَ والدِّماءَ، فبعَثَ اللهُ إلينا نَبيًّا مِن أنفُسِنا، نَعرِفُ وَفاءَه وصِدقَه وأمانَتَه، فدَعانا إلى أنْ نَعبُدَ اللهَ وَحدَه، ونَصِلَ الرَّحِمَ، ونُحسِنَ الجِوارَ، ونُصلِّيَ، ونَصومَ. قال: فهل معكم شيءٌ ممَّا جاء به؟ -وقد دَعا أساقِفَتَه، فأمَرَهم، فنشَروا المَصاحفَ حَولَه- فقال لهم جَعفَرٌ: نعمْ، فقرَأ عليهم صَدرًا مِن سورةِ {كهيعص}. فبَكى -واللهِ- النَّجاشيُّ، حتى أخضَلَ لِحيَتَه، وبكَتْ أساقِفَتُه حتى أخضَلوا مَصاحفَهم، ثُمَّ قال: إنَّ هذا الكَلامَ ليَخرُجُ مِن المِشكاةِ التي جاء بها موسى، انطَلِقوا راشدينَ، لا واللهِ، لا أرُدُّهم عليكم، ولا أنعَمُكم عَينًا. فخرَجا مِن عندِه، فقال عَمرٌو: لآتيَنَّه غَدًا بما أستأصِلُ به خَضراءَهم، فذكَرَ له ما يقولونَ في عيسى. }

(شعيب الأرناؤوط)

فازداد حنَق ابن العاص، فلمّا عاد إلى مكة وقف أمام صنمه وقال له: ألم ينفعني عندك كل ما قدَّمته وذبحته لك من الجِمال لتُعينني في هذه المهمة الصعبة، حتى أرجع مكسوف في النهاية، فبدأت النقمة على صنمه من هذه اللحظة، لأنه قدَّم له الجِمال فلم يُعينه في مهمته، ففي محصلة الأمر، الإله هو الذي يُعبَد بحقّ، الذي يملك لك النفع، يملك لك الضُرّ، الحساب يوم القيامة

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)
(سورة هود)

يعني هذه الفاء تُسمّى في اللغة العربية الفصيحة، لأنها تخفي شيئاً وراءها فتُفصح عنه الفاء، يعني إذا علمت أنَّ الأمر كله بيده فاعبده، لكن إذا ظننت أن الأمر بيد أصنام فإنك ستعبد أصنامك، وإن ظننت أن الأمر بيد أمريكا، اعبد أمريكا (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ) هؤلاء يتحركون، لكن يتحركون وهم في قبضة المولى جلَّ جلاله.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)
(سورة العنكبوت)


أنت تتحرك ضمن الكون الذي هو مُلك الله:
معنى (أَن يَسْبِقُونَا) أن يأتوا بشيءٍ ما أراده الله، يسبقوا إرادة الله، هم يتحركون ضمن الخطة الإلهية لا يخرجون عنها، مثلهم كمثل شخصٍ وقف على ظهر باخرةٍ، تنخر عباب البحر من المشرق إلى المغرب، وجعل يركض على ظهر الباخرة من المغرب إلى المشرق، يريد أن يُعاكس الرحلة، ولكنك على ظهر السفينة، فأنت تتحرك ضمن الكون الذي هو مُلك الله، فأنت لا تسبق الله حاشاه.
(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ) الآن النقاش عقلي، قال: (إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ) يعني إله السماء وإله الأرض، الذي خلق السماء يستقل بإدارتها، والذي خلق الأرض يستقل بإدارتها، وفي آيةٍ أُخرى قال تعالى:

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22)
(سورة الأنبياء)

(لَفَسَدَتَا) أي السماء والأرض، لأن الكون لا يسير إلا بتدبير جهةٍ واحدة.
هنا قال: (لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ) أي لاستقلَّ كلٌّ بمُلكه، إلهان مُلكان، ثلاثة ثلاثة أملاك، (وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) يعني ولغلب بعضهم بعضاً، أصبح هناك تغالب، يعني أنت اليوم إذا أردت أن تنشئ شركةً ولله المثل الأعلى، إذا أنت أسَّست شركة، وقلت هناك مديرين عامّين للشركة، يعني أحياناً يكون هناك مدير إداري، ويكون هناك مديرٌ فوقه، لكن المدير العام جعلته اثنين، قلت فلان وفلان كلاهما مدير عام للشركة، والاثنين لهم السُلطة، فالمدير الأول أصدر قرار بفصل الموظف، والمدير الثاني أصدر قرار بتثبيته، إذاً لم يعد هناك عقوبات من المدير، الأول أصدر قرار غداً عطلة، والثاني قال لا غداً دوام، (إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) أصبح هناك مغالبة، هذا حِجاج عقلي، أنكم لا تقبلون في حياتكم أن يكون المُلك في مكانٍ واحدٍ لشخصين، لأنَّ كل واحدٍ يذهب بمُلكه باتجاهٍ آخَر.
(وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) يعني يُنزِّه الله تعالى عن وصفهم الذي يصفون به الكذب، بأنَّ الله اتخذ ولداً أو كان معه إله.

من صفات الإله أنه يعلم الغيب والشهادة:
ثم وصف المولى جلَّ جلاله نفسه فقال:

عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ(92)
(سورة المؤمنون)

صفات الإله أنه يعلم الغيب ويعلم الشهادة، يعني هو يعلم ما شاهدته بعينك، ويعلم ما غاب عنك، لأنَّ كل شيءٍ إمّا أن يكون غيباً وإمّا أن يكون شهادةً، فالمولى الذي تُطيعه، والإله الذي تعبده، يجب أن يكون يعلم غيبك وشهادتك، أمّا إذا كان يعلم شيء من الشهادة

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7)
(سورة الروم)

فهذا لا يستحق العبادة.
(عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) يعني تعالى الله عن شِركِهم.

قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ(93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(94)
(سورة المؤمنون)

أي قل يا محمد صلى الله عليه وسلم: ربِّ أي يا ربِّ، أداة النداء محذوفة، خاطِب ربك قل يا ربّ (إِمَّا تُرِيَنِّي) إمّا هي إن زائد ما، يعني إن الشرطية، إن تُريني ما يوعدون، فإن أذنت يا رب بأن أرى ما وعدتهم من العذاب (فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) النبي صلى الله عليه وسلم لن يكون في القوم الظالمين بمعنى أنه سيكون ظالماً مثلهم حاشاه، ولكن الله تعالى إن أخذنا هذا المعنى فإنَّ الله تعالى أمر نبيِّه بأن يقول ذلك

{ إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ. }

(صحيح مسلم)

فهذا تعليمٌ لنا، أي أنت قل دائماً الحمد لله إذ لم يجعلنِ ظهيراً للكافرين، الحمد لله إذ لم يجعلنِ معهم أو فيهم، إذا نظرت إلى المعاصي والآثام، أو علمت بمهرجانٍ أُقيم هنا أو هناك فيه انحرافات، فقل الحمد لله إذ لم أكن معهم، ربي لك الحمد أن لم تجعلنِ في القوم الظالمين.

الاستئصال لا يحدث لقومٍ والنبي فيهم إكراماً له لأنه رحيم:
والمعنى الثاني: (رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ(93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لأنَّ الله تعالى في آيةٍ أُخرى قال:

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)
(سورة الأنفال)

فلا تجعلني فيهم أثناء إهلاكهم، إهلاك الاستئصال وليس الإهلاك الجزئي، فالله تعالى في بدر أراه بعض ما وعدناهم، والله تعالى قال:

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46)
(سورة يونس)

لكن الاستئصال لا يحدث والنبي فيهم، إكراماً له لأنه رحيم

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(128)
(سورة التوبة)

ولأنه كان دائماً يستشرف المستقبل.

{ أنَّها قالَتْ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا. }

(صحيح البخاري)

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يُهلَك القوم وهو فيهم وليس معهم، بمعنى أنه لن يكون موجوداً بينهم أثناء الإهلاك، لذلك خاطبه ربه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ).
وقال أحد السلف: هل قرأتم في القرآن الكريم ما يدل على قول من يقول: " كُرمى لعينٍ يُكرِم الله ألف عين"، يعني بالعامية كرمال عين تكرم مرج عيون، قال نعم: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)، فلكرامة محمدٍ على ربه صلى الله عليه وسلم، فإن الله ما أذِن باستئصالهم وهو فيهم، لكن لمّا قال نوح عليه السلام، وقد علم بالوقائع أو بإعلام الله له، أنَّ قومه ليس فيهم خيرٌ أبداً:

وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا(26)
(سورة نوح)

هذا عذاب الاستئصال والعياذ بالله.

إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(27)
(سورة نوح)

لم يعُد فيهم أمل أبداً، أمّا النبي صلى الله عليه وسلم فعلم أنَّ قومه فيهم أمل قال: (أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِم) في الطائف وفعلاً هذا ما كان، فالطائف أصبحت مؤمنة بالله تعالى بعد حين، وكان لمّا أراد عمر رضي الله عنه أن يقتل أحد أسرى بدر، وهو خطيب أبو عبد شمس خطيب قريش، فيقول له صلى الله عليه وسلم: " دعه يا عمر لعلك ترى منه موقفاً يسرك"، وفعلاً يوم فتح مكة رأى منه موقفاً يسره، ولعلك ترى ما وقف من مواقف، كان يقف ويقذع في الكلام عن محمد صلى الله عليه وسلم، فوقف وقال عكس ما كان يقوله.

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بقومه:
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان عنده رحمةً بقومه

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا(6)
(سورة الكهف)

تكاد تُهلِك نفسك أسفاً عليهم، هوِّن عليك، فلذلك قال: (رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ(93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي عند إهلاكهم.
فقال تعالى مجيباً له إذ أمره بقول ذلك:

وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ(95)
(سورة المؤمنون)

يعني كقدرة إلهية ربنا عزَّ وجل قادر أن يُريك ذلك، لكن الله تعالى قد يُريك بعضه، وقد لا يُريك شيئاً منه، وكل ذلك تابعٌ لحكمة الله.

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ(46)
(سورة يونس)

لأنَّ دورة الحقّ والباطل أطول من عمر الإنسان، فقد تموت ولم ترَ ما يحلُّ بالطغاة والظالمين، وقد يموتون ولا ترى ما حلَّ بهم، لكنك يوم القيامة ستراه، فحسبك أنَّ الله يعلم، وكفى به شهيداً وخبيراً وعليماً

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(17)
(سورة الإسراء)

ثم يخاطب نبيِّهُ:

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ(96)
(سورة المؤمنون)


دائماً في الجدال أو الحوار مع الخصوم استخدم الأحسن:
لمّا ذكر المولى جلَّ جلاله ما كان منهم، من افترائهم الكذب على الله تعالى، وجَّه نبيِّهُ ووجّهنا من بعده إلى طريقة التعامل معهم، يعني لعلَّ ما يقولونه يدفعك إلى أن يستفزك ذلك، نحن اليوم في عالمنا إذا أحدهم خالف معتقدك بشكلٍ جريءٍ جداً مُزعج، يعني أنت جالس معه فتكلم بكلامٍ يخالف معتقدك، حتى بالأشياء الدنيوية وليس بالأُخروية فقط، أو بالدينية، فإنك تشعر بالغيظ يأكلك، وقد تردُّ عليه ردَّاً مزعجاً، هذه طبيعة النفس، فالله تعالى هنا يوجِّه نبيِّهُ يقول له: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) ما قال ادفع بالحسنة السيئة، الحسنة تدفع السيئة، لكن قال: (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) دائماً في الجدال، في الحوار مع الخصوم استخدم الأحسن، مع أخيك استخدم الحسنة جيد، لكن مع المُجادل والمُخاصم ابحث عن الأحسن، فإذا وجدت أسلوبين فاتَّبِع أحسنهما، وإذا وجدت كلمتين كلتيهما تؤدي المعنى المطلوب، فخذ أحسنهما بالنسبة للمتلقي، لأن المُعاند عندما يُعاندك في شيءٍ، يربط أفكاره بكرامته، انتبهوا لهذه المسألة عند الخصام أو الحوار أو الجدال مع أي أحد، لك معه مالاً، مختلف تجارياً، هو يكون جاء إليك وقد ربط أفكاره بكرامته، بمعنى أنه يرى إذا نلت من فكرته فقد نلت من كرامته، وهذا ما جعل الكثيرين من العرب لا يؤمنون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم يعتقدون أنَّ اعتقادهم بفكرتك في نهاية الأمر، هو انتقاصٌ من كرامتهم، وعلى رأسهم أبو طالب.
أبو طالب قال: وتُعيِّرُني قريش، يعني أنا في نهاية الأمر تريدني أن أقبَل بفكرتك؟ وهو مقتنعٌ بها مئة بالمئة! قال: (ليس عليك هداهم) فأنت إذا عندك رحمة بالآخرين، أو فعلاً أنك طالبُ حقٍ، وطِّن نفسك أنك لست داخل بمعركةٍ مع المجادل (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) داخل لإحقاق الحق، فالآن انتقِ العبارة الأنسب التي تحقق بها كرامته، وتدعه يتنازل عن فكرته، وينسل منها بهدوءٍ، أمِّن له مخرجاً، افتح له ثغرةً، أي إذا كان لا يستطيع الخروج، ورأيته قد اقتنع، قل له مثلاً: ما أقوله أنا يشبه ما تقوله أنت، يمكن أنت خانتك العبارة، أنت تقصد أن تقول كذا، فيقول لك تماماً أنا هكذا أقصِد، معك حق بهذه الفكرة الأولى، ولكن أنا أتكلم عن الفكرة الثانية، أنت ابحث له عن مخرجٍ، أمّا الذي هدفه أن يُصغِّر الآخر، فهذا ليس هدفه إحقاق الحق، عندما تصبح الأمور شخصية، لم يعُد هناك نتيجة، لم يعُد هناك إحقاق حق، تصبح اتجاه معاكس، ففي الأصل نريد أن نصل إلى نتيجةٍ أنا وأنت، أنا من جئتك من الأسفل وأنت في الأعلى

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(24) قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ(25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ(26)
(سورة سبأ)

إذا عنده خطأ انسب له الخطأ لجهةٍ ثالثة غيرك وغيره، قل له يمكن فلان عندما قال ذلك أنت فهمت منه كذا، فوراً يقول لك: نعم فعلاً لقد وضعني في ورطة، هو يريد أن يخرج افتح له الباب، هكذا الناس يعلِّقون أفكارهم بكرامتهم، وقلة من الناس من يستعيد أن يقول لك عند نهاية الأمر، أنا كنت على خطأ أنت محق، موجودون لكن قلة، وإن قالها تسعين بالمئة منهم يقولها ثم يقول بعدها فقط أو لكن، ليجد مخرجاً، والله معك حق لكن أنا بصراحة كنت، لذلك قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) يقابلوك بالسوء، يقولوا لك: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ) أصنامنا، يحلفون لك باللات والعُزّى، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم طيلة دعوته، يريد أن يدخل مكة فاتحاً، وأبو سفيان ناصبه العداء يقول لهم:

{ مَن دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن دخل المسجدَ فهو آمنٌ، ومَن أغلق بابَه فهو آمِنٌ }

(الألباني صحيح)

أبو سفيان رجلٌ يحب الفخر، لا زلت زعيم مكة، وما زال الذي يدخل لعندك آمِن (ومَن دخل المسجدَ فهو آمنٌ، ومَن أغلق بابَه فهو آمِنٌ) الكل آمِن.
ما معنى (مَن دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ) رجُلٌ لا تنتقص من قدرِه، له مكانةٍ في قومه (مَن دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ) أسلم أبو سفيان وحسُن إسلامه، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) ما دام ربنا عزَّ وجل يعلم ما يقولون وما يكذبون، إذاً أنت عاملهم بالإحسان.

وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ(97)
(سورة المؤمنون)


الشيطان يريد أن يُشعل الحوار دائماً:
انتبه، ما الذي يجعلك دائماً بحالة استفزاز وردود أفعال؟ الشيطان، يريد أن يُشعل الحوار دائماً، وهذا الشيطان إمّا أن يكون إنس، وإمّا أن يكون جن، الإنس يكون جالس بالمنتصف، ويجعلهم يتشاجرون مع بعضهم، الجن يكون غير موجود بالمشهَد، ولكن يدخل للداخل، هذا يفعل الهَمَزات، الهَمَزة هي الوساوس التي يفعلها الشياطين (هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) أي وساوسهم أو نزغاتهم، يعني يُنخَس نخساً، (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) عندما تدخُل الشياطين، توسوس في داخل الإنسان.

وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ(98)
(سورة المؤمنون)

يعني لا أُريد فقط أن أنجو من وساوسهم، من هَمَزاتهم، أُريد ألّا يحضروا أبداً المجلس الذي أكون فيه، ما مناسبة ذلك بعد: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لأن هذه مهمة الشياطين، مهمة الشيطان أن لا يجعلك تدفع بالتي هي أحسن، فاستعذ بالله، إذا دخلت إلى مجلسٍ تريد أن تُحاور، دائماً قل: (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ(97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ(98)).

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99)
(سورة المؤمنون)

(جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) الموت يأتي للإنسان عملياً، الإنسان يسير نحو الموت بشكلٍ طبيعي، لكن الموت يأتيه

يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ(17)
(سورة إبراهيم)

فالموت يأتي، تكون أنت حيِّاً فيأتي الموت فيُنهي الحياة.

وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ(98) حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)
(سورة المؤمنون)

والحمد لله رب العالمين.