وصول موسى إلى الرجل الصالح

  • الدرس السادس - شرح الآيات 26 - 30
  • 2019-03-08

وصول موسى إلى الرجل الصالح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علماً يا ربّ العالمين.


الخوف حالة طبيعية بالإنسان :
مع اللقاء السادس من لقاءات سورة القصص، نحن في اللقاء الماضي وصلنا إلى قوله تعالى:

فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ
(سورة القصص: الآية 25-26)

الخوف شعور طبيعي
وصلنا إلى هنا، إذاً موسى عليه السلام سار إلى مدين، خرج من المدينة خائفاً يترقب، وصل إلى والد الفتاتين سواء كان شعيب عليه السلام أو غيره على خلاف الروايات، وصل إلى هذا الرجل الصالح الذي أمَّنه (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هو عندما قصّ عليه القصص ربما لم يذكر له أنه لما خرج من المدينة (خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لكن موسى كليم الله أدعيته مستجابة دائماً، فالرجل قال له: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هو خرج خائفاً، وقال: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فجاء الجواب الإلهي على لسان هذا الرجل الصالح (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) زال الخوف، وأَمِن من القوم الظالمين، موسى عليه السلام خاف ثلاث مرات، الخوف شعور طبيعي، أي لا يوجد إنسان لا يخاف، الإنسان يخاف، كان من الممكن ربنا عز وجل أن يجعل الإنسان أقوى مخلوق في الأرض مثلاً فلا يخاف، وممكن أن يكون هو أقوى من أقوى أسد في الغابة مثلاً، وقدرة ألا يمرض عالية جداً، لا يوجد مرض، الأجهزة كلها بدل القلب يوجد قلبان، إذا تعطل أحدهما يوجد الثاني، والكلية مثلاً يوجد كليتان عند الإنسان، واحد على عشرة من كلية واحدة تعمل يستطيع الإنسان العيش بها، لو جعلنا الاحتياطي ضرب مئة تصبح ألف قوة، و لما بقي غسيل كِلى، إذاً ربنا عز وجل باعتبار أنه واجب الوجود وسواه ممكن الوجود فكل شيء موجود في الكون يمكن أن يكون موجوداً على الحالة التي هو عليها، أو على خلاف الحالة التي هي عليها، هذا من عقيدتنا، إذاً ممكن أن نكون نحن موجودين أو غير موجودين في الأصل، وممكن أن نكون موجودين على هذه الحالة أو على خلاف هذه الحالة، إذاً ممكن أن يكون هناك قوة تؤدي إلى عدم الخوف، هذا الشيء وارد، لكن ربنا عز وجل جعل الإنسان يخاف، وهذا نبي خاف ثلاث مرات، أول شيء خاف (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا) قتل نفساً فخرج من المدينة خائفاً، خرج مطارداً، يريد أن يصل، يريد أن يؤمن على حياته، وفي المرة الثانية خاف فيها عندما ألقى الحبال والعصي:

قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ
(سورة طه: الآية 66-67)

بلحظة معينة، مع أن معه بيِّنات، ومعه رسالة، ومعه معجزات، ومعه سلطان من الله، لكن بلحظة معينة دخل الخوف إلى قلبه، وأثبت الله خوفه في القرآن، وفي الحالة الثالثة متى خاف؟ عندما وقف في طور سيناء عند البقعة المباركة:

اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
(سورة القصص: الآية 32)

الرهب شدة الخوف
الرهب شدة الخوف، عندما كان وحيداً في الصحراء وجاءه النداء الإلهي أمَّنه الله تعالى، إذاً موسى عليه السلام خاف ثلاث مرات، فالخوف هو حالة طبيعية بالإنسان.

الخوف نوعان خوف مقدس و خوف هو علامة ضعف الإيمان :
الخوف المقدس
لكن أنت مم تخاف؟ وممن تخاف؟ هناك إنسان يخاف من الأقوياء والطغاة ولا يخاف من الله، هذه مصيبة، وإنسان يخاف على دنياه ولا يخاف على آخرته، وهذه مصبية، إذاً الأمر أنا مم أخاف؟ أخاف ألا يقبل عملي، هذا خوف مقدس، أخاف أن أعصي الله فألقاه وهو عليَّ ساخِط، نسأل الله العافية، هذا خوف مقدس، أخاف من الله، هذا خوف مقدس، إذاً السؤالان ممن أخاف؟ ولم أخاف؟ فإذا كان كل خوفي على الدنيا، الإنسان يخاف على الدنيا، لكن الدنيا إذا كانت أكبر همي، وكل خوفي على الدنيا، وكل خوفي من مديري في العمل، ومن الطغاة، والأقوياء، ومن السجن والاعتقال، إذاً هذا علامة ضعف الإيمان، المؤمن يخاف أولاً وأخيراً من الله، ويخاف أولاً وأخيراً على آخرته، ثم تأتي الدنيا في المرحلة الثانية.

إشادة القرآن الكريم بالفطرة السليمة :
القوة صفة جسدية ونفسية
إذاً نعود إلى الآيات، الآن (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) هذه الفتاة إحداهما التي جاءته و(قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) ولعلها الآن هي التي قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) لعلها هي التي كانت زوجته، الأب لماح، هذه البنت ما الذي أعجبها في موسى؟ هو ما الذي أعجبه فيها؟ حياؤها، الذي لفت نظره هو الحياء، لأن القرآن ذكر أنها كانت (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالتْ) كما ذكرنا قولها حياء، ومشيتها حياء، فذكْر القرآن وجهنا عندما يعجب الرجل صاحب الفِطرة السليمة بالمرأة، ليس الرجل صاحب الفِطرة المشوهة، يعجبه فقط جمالها، أو تبرجها، أو سفورها، لا، القرآن يذكر الحالة الصحية السليمة، فهو لفت نظره حياؤها، هي ما الذي لفت نظرها؟ قوته وأمانته وعفته، لفت نظرها أنه سقى لهما ثم تولَّى إلى الظل، ما انتظر كلمة ثناء ولا شكر، لفت نظرها كما ورد في بعض الروايات عندما مشى وذهب إلى أبيها قال: أمشي أمامكما وأنتن تمشين خلفي وتلقون حجراً حتى تدلوني على الطريق من أين أذهب، ولم يرض أن يمشي خلفهما حتى لا تأتي ريح أو شيء فينظر إليهما، فمشى أمامهما، فلفت نظرها في موسى عفته، وطهارته، وقوته، وأمانته، ولفت نظره حياؤها، هذا الوضع الطبيعي، فالآن هي لعل نفسها قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القوة التي هي من ناحية الخبرة والأمانة، التي هي من ناحية الصفة النفسية، أي صفة جسدية وصفة نفسية، تماماً كما يفعل المحدثون يشترطون بالراوي: العدالة والضبط، الضبط هنا، والعدالة هنا، أخلاق وقوة حافظة، لا يكفي أن تكون قوة وحدها ولا أمانة وحدها، أمين لكن ضعيف، قوي لكن خائن، لا تنفع القوة مع الخيانة، ولا الأمانة مع الضعف.
الآن: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).

قضية الزواج قضية مفصلية ليس فيها حياء :
بدأنا هذا اللقاء السادس:

قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
(سورة القصص: الآية 27)

الزواج قضية مفصلية
أولاً: شعيب أو الرجل الصالح كما قلنا حتى لا نحسم الموضوع بقضية لم يرد بها نص واضح وإنما روايات، هذا الرجل لم يستح أن يقول: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ) والقرآن أثبت ذلك، ما استحى أن يعرض بمصطلح اليوم ابنته على رجل، لماذا؟ لأنه بالحلال، من المفارقات العجيبة في زمننا أن الفتاة تصادق شاباً ويخرجان معاً بغير حياء، ويلتقيان في أروقة الجامعة، ويتبادلان عبارات الحب، ويتبادلان على الواتس آب رسائل الغزل، ولا يوجد أي حياء، وعندما يأتي موضوع الزواج ليس من الجميل أن يعرض الأب ابنته للزواج، لماذا بالحلال نستحي وبالحرام لا نستحي؟ هذه مشكلة في الفطرة، أما هذا الرجل الصالح مباشرةً بكل وضوح أول ما وصل إليه قال له: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ) أنا لي رغبة بك، وصفت لي ابنتي من أخلاقك وسمو نفسك وعفافك وطهرك ما جعلني أرجو أن تكون زوجاً لابنتي، فأين المشكلة؟ مادام في الحلال ليس هناك مشكلة، وهذا وارد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أن امرأةً عرضت نفسها، وأبو بكر عرض ابنته على عمر، ومن هو خيرٌ منهما زوّجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، وغيره ورد عدة قصص في القرآن الكريم، الرجل الذي جاء بالصحيح يعرض ابنته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم أخطبها لكن ليس لنفسي بل لجليبيب، أي قضية الزواج هي قضية مفصلية، هي بناء أسرة مسلمة، بناء أسرة حقيقية تنجب خيراً للأمة، فليس فيها حياء، بمعنى ليس فيها خجل، أنا أقول: الدين كله حياء، فيها حياء لكن ليس فيها خجل، لأن الخجل مذموم، فلماذا أخجل بشيء شرعه الله عز وجل ما دام ضمن الضوابط؟ إذاً الأمر الأول: قال (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ) أي أزوجك (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتين) خَيَّرَهُ في الزواج من واحدة من الاثنتين، لعله يعلم من التي لفتت نظر موسى عليه السلام، ولعله يعلم أن ابنته تلك التي أرسلها هي الراغبة بالزواج، ولكنه ما أراد أن يفرض شيئاً عليهما، وما أراد أن يكون هو الذي يختار، فلعل ذلك يكسر بخاطر الثانية التي لن تتزوج، فيأتي الاختيار من الشاب فهو الذي رغب بهذه، هذه من اللطائف.

جواز أن يكون المهر منفعة :
هل يجوز أن يكون المهر منفعةً؟
(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ) على: أي يوجد مقابل؟ هذا هو المهر، ما هو المهر؟ قال: (عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الحجج هي السنوات وسميت سنوات لأن الحج هو المُمَيِّز في السنة، ما الذي يميز انقلاب العام أو السنة؟ الحج، الحج يأتي في العام مرة، فسميت السنة باسم الحج، والحج شريعة سيدنا إبراهيم، فلعلها بلغت هذا الرجل الصالح فإنه أمر غير مستغرب أن يقول: ثماني حجج في عصره، هو يقول له: (ثَمَانِيَ حِجَجٍ) (عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) هل يجوز في شريعتنا أن يكون المهر منفعةً؟ في الفقه يوجد مال ويوجد منفعة، المال: (أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ) على أن تعطيها مهراً هو ثلاث ليرات ذهبية، أو مئة ألف ليرة، أو ألف دينار، أو أو إلخ... هذا مال سائل وفيه منفعة، جمهور الفقهاء قالوا: يجوز أن يكون المهر منفعةً، ويستدلون بهذه الآية وإن كان شراع من قبلنا ليس دائماً شراعاً لنا، لكن يستدلون بها على أن المهر يجوز أن يكون منفعةً، بمعنى أنا أتزوج هذه المرأة وصداقها ومهرها وأجره- يسمى المهر أجراً- هو منفعةٌ أُقَدِّمُها لها، وهو أنني سأقوم ثماني سنوات برعي الغنم والسقاية وإلخ...، فأجاز الفقهاء أن يكون هذا، لكن استثنوا حالة واحدة - انظروا إلى عمق الفقهاء و نظرهم- من المنفعة التي يجوز أن تكون مهراً، قالوا: لا يجوز أن تكون المنفعة المشترطة أن يخدم زوجته، بمعنى أن يقول لها تزوجيني وأنا أخدمك، أغسل واطبخ وأصنع لك الطعام، لأن هذا فيه امتهانٌ للرجل، طبعاً الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مهنة أهله، لكن كان في مهنة أهله اختياراً إحساناً لا وجوباً، ففيه امتهان للرجل، لأنه في الأصل الرجل له عمل، القوامة والإنفاق، فقالوا: لا يجوز أن يكون العقد على أن يخدم زوجته، لأن هذا بخلاف مقتضيات العقد، أما أي منفعة أُخرى يقدمها للزوجة، مثلاً هي لها أعمال تجارية قالت له: أتزوجك على أن تستلم أعمالي التجارية خارج البيت، أنا أتزوجك لتصبح مدير أعمالي، تقوم بتجارتي وكذا، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، ما كان هذا مهرها لكن فعل ذلك صلى الله عليه وسلم مع خديجة كان يتَّجِرُ لها في مالها، فأنا عندي مال وأنت تعمل به، الجهد منك والمال مني، شركة مضاربة، وهذا مقابل الزواج، إذاً المنفعة جائز أن تكون مهراً بشرط أن تكون محددةً، وألا تكون المنفعة هي خدمة الزوجة الخدمة الشخصية المباشرة، يخدمها إحساناً في مرضها، وحتى من غير مرضها من باب الإحسان وليس كمهر، إذاً هنا جعل المهر هو خدمة ثماني حجج، قال: (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ) أي هذا الرجل الصالح بين الثمانية وبين العشرة، لماذا لم يحدد؟ لعله يطمح بالعشرة لكن وجدهم كثر بعض الشيء، فوضع له حد أدنى وحد أعلى، أي إذا وصلوا للثمانية مقبول والدليل أنه قال له بعد ذلك: (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) أي أنا ما فرضت عليك العشرة حتى لا يكون هناك مشقة، فأبقيت عشرين بالمئة للإحسان، وثمانية للوجوب (فَمِنْ عِندِكَ).

على الآباء ألا يشقوا على الخاطب ويكونوا صالحين مع أصهارهم :
لا تشق على الخاطب
(وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) استنبط الفقهاء وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ، لا تشق على الخاطب في المهر وفي متطلبات الزواج، لا تشق على الخاطب، بمعنى أي شاب يريد أن يتزوج اليوم عنده تكاليف عالية جداً، يأتي الأب لسبب أو لآخر ينسى كم تعب هو من أجل تأسيس بيت، ويطلب من الصهر المتقدم أن يكون بنفس إمكانياته المادية الحالية، فيفرض عليه أشياء وكأنه هو الذي يخطب الآن، أنت عندما كنت شاباً قبل ثلاثين سنة وتزوجت هل كنت تستطيع أن تؤمن ما تطلبه الآن من صهرك؟ أو من الممكن أن والده كان غنياً جداً فأمّن له أشياء كثيرة عندما خطب، فيقيس الصهر الآتي على قبل ثلاثين سنة عندما تزوج هو، الحياة تغيرت والأمور تغيرت، فاجعل شعارك يا ولي الأمر: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) لا تشق على الخاطب أي ضمن الحدود والإمكانيات، قال: (سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) قالوا: قال إن شاء الله تبركاً، قالوا: إن شاء الله تقال أحياناً تبركاً، بمعنى هو يصح أن يقول في هذا المقام: ستجدني من الصالحين، لأنه عندما تنوي أن تكون من الصالحين أي أنت تُعلق المشيئة على أشياء ستفعلها:

وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ
(سورة الكهف:الآية 23-24)

لا يجوز أن تقول: أنا غداً سأذهب، تقول: أنا غداً سأذهب إن شاء الله، أما إذا قلت: سأكون من الصالحين هي إن شاء الله طبعاً، لك أن تقول إن شاء الله أو بغير إن شاء الله، لكن قالها تبركاً (سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ) أي إن أَذِنَ الله ستجدني مِنَ الصَّالحين في تعاملي معك، أي لن تجد مني شيئاً يسُوءُك في هذه السنوات، وهذا أيضاً توجيه لأولياء الأمور أن يكونوا صالحين مع أصهارهم.

البيان يطرد الشيطان :
الآن موسى قال:

قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
(سورة القصص:الآية 28)

الأصل في العقود الوضوح
العقود الأصل فيها أن تكون واضحة، خذوا هذا درساً في حياتكم كلها، للمستقبل، لا تبنِ شيئاً على الغموض، تدينني؟ أُدينك، والورقة، اكتبوا عقداً فيما بينكم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ
(سورة البقرة: الآية 282)

على سبيل المثال: قال له: كم ثمن هذه القطعة؟ قال له: خذها ولن نختلف، كم ثمنها؟ يا أخي ليست بيننا خذها وامش، وبعدها نتحاسب، وبعد أشهر ذلك الشخص تذكر هذه القطعة أنه باعها لفلان، فاتصل به وقال له عن القطعة الذي أخذها من عنده ولم يحاسبه بها، فقال له: على عيني، قلت لك: أريد أن أحاسبك، قلت لي: فيما بعد، ما هو ثمنها؟ والله ثمنها عشرة، عشرة والله كثير؟ والله لو عرفت هذا لما أخذتها، هذا سعر السوق، صارت المنازعة بسبب الجهالة، مهما كان صاحبك لا تقل له: خذ وامش، قل له: هذه سعرها كذا، إذا كانت هبة قل له: هذه هبة مني لك، هدية، عادة المجاملات التي اعتادها الكثير من التجار لا تصلح في المعاملات المالية في الإسلام، إما هبة أو بثمن، إذا بثمن حدد الثمن، ولو كنت تريد تأجيل القبض، لي معك عشرة، هذه ثمنها عشرة، من الممكن أنه لا يريدها بهذا السعر، أخي خذها وامش ولن نختلف، لا بل نختلف، وقت الحساب سوف نختلف، فلا تقل: لن نختلف أنت مثل أخي، لا، لست مثل أخيك، ولو حتى كان أخاك، بالمعاملات لا تقل له: أنت مثل أخي، أنت مثل أخي على العين والرأس، لكن إذا أردت أن تهبه فهبه، وإذا أردت أن تحاسبه فحاسبه، وحدد، البيان يطرد الشيطان، والجهالة تفضي إلى المنازعة، فانظر إلى دقة موسى عليه السلام (قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) هذا عقد، أصبح عقد زواج مقابل منفعة، والمنفعة هي ثماني أو عشر حجج، فأصبح هناك تردد، (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) أي لا تراجعني في هذا الموضوع، ثماني حجج صح وعشر صح، لكن هو العقد ثماني حجج، والإتمام إحسان، لكن وضح له فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ، (وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) الله بيننا، الآن كما ورد في الحديث:

{ سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أيَّ الأجلَينِ قَضى موسى؟ قال: قضى أحسنهما وأطيبهما }

فموسى عليه السلام محسن، قال له: ثماني حجج أو عشر سوف يقضي عشر، لكن لمّا كان الأمر فيه عقد قال: (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) الوجوب بقي الإحسان هذا خِيار، فقضى هو العشر، لكن عند العقد ثبت أن ثماني حجج صحيح وعشر حجج صحيح.

إغفال القرآن عشر سنوات من حياة موسى نوع من أنواع البلاغة في الإيجاز :
الآن عشر سنوات، البيان القرآني طواها في القصة، طواها انتهينا، المشهد انتهى، اتفقوا على أن يجلس عشر سنوات، هذه السنوات العشرة ماذا حدث بهم؟ لم يذكرها القرآن الكريم، هذه اسمها الفجوة، بالقصة الأدبية هناك فجوة، الفجوة هي مكان لا تذكر فيه الأحداث، تترك للمتلقي أن يتخيل أو يتصور ما الذي حدث، لماذا تغفل جزءاً أو تنقل من مشهد إلى مشهد؟ نوع من أنواع الإمتاع الأدبي، نوع من أنواع الاختصار والبلاغة في الإيجاز، بالقرآن الكريم نوع من أنواع أنه لا يوجد حدث مهم في هذه السنوات العشرة، أي لا يوجد شيء مهم، هذه فترة إعدادية، أي لا يوجد حدث مركزي، فانتقل البيان القرآني فوراً:

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
(سورة القصص:الآية 29)

(فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ) طريق الذهاب والعودة، ماذا حصل في هذه السنوات العشرة؟ طبعاً التفاصيل لا نعرفها إلا ما أعلمنا القرآن به، نحن نتكلم في العموم، في العموم ما الذي حصل؟ موسى عليه السلام (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) ردَّهُ (وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) وعد لم يحصل بعد، حتى ربنا عز وجل يجعله من المرسلين هناك عشر سنوات إعداد.

التجارب التي خاضها موسى عليه السلام :
ربنا يعاملنا بالأسباب
سنتكلم عن التجارب التي خاضها موسى بشكل سريع، ما التجارب التي خاضها موسى عليه السلام؟ الرعاية والحب والتدليل، الله دلّله، بالعامية أو حتى بالفصحى دلّله، تدلل كثيراً سيدنا موسى عليه السلام دلاله وصل إلى مرحلة أنه تربى عند فرعون في قصر فرعون، أو برعاية فرعون، فربنا عز وجل يُعِدُّه، فخاض تجربة الرعاية والحب والدلال، وعاش حياة منعمة جداً، هو كان من جماعة القصر، لم يكن راضياً عما يحدث كما استشفينا فيما سبق، لم يكن راضياً عن الظلم والعدوان، لم يعش حياة القصر واستمرأ الحياة أنه في الطبقة المخملية، لا، كان هناك مشاكل ولذلك خرج خائفاً، وخاف بسبب قتل هذا القبطي، لأن فرعون شعر بتمرد داخل الأسرة الحاكمة إن صح التعبير، كان هناك مشكلات، لكن هو بالنتيجة كان بقصر فرعون، فعاش تجربة الرعاية والحب والدلال، عاش تجربة الاندفاع تحت ضغط النفس، فوكزه فقضى عليه، هذه تجربة الاندفاع، عاش تجربة الندم والاستغفار (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ)، عاش تجربة الخوف والمطاردة (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) ودخل خائفاً يترقب (عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) مطارد خوف وعزلة، عاش تجربة الغربة والوحدة، لوحده لا أنيس وهو في طريق مدين خرج وهو مطارد، و يشعر بالخوف والغربة والجوع، كله عاشه، عاش تجربة الخدمة ورعي الغنم، انتقل من حياة القصور إلى عشر سنوات رعى الغنم فيها، أي من اطلب تُعطى إلى اعمل تُعطى، يبدو أنه من غير الممكن أن يرسله الله تعالى، نتكلم بالأسباب، عند قدرة الله كله ممكن، لكن نتكلم بالأسباب، ربنا يعاملنا بالأسباب، تعبدنا بالأسباب، لا يمكن أن ينتقل إلى مرحلة الرسالة (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ) وهو يعيش حياة الدعة والقصر، واطلب تعطى:

اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ
(سورة النازعات: الآية 17)

لذلك ورد في الصحيح:

{ مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا إِلا رَعَى الْغَنَمَ }

(رواه مسلم)

الفكرة شيء والواقع شيء
يجب العيش مع المخلوقات الأخرى، مع الناس، مع البسطاء، مع الفقهاء، مع الذين يعانون شغف العيش، لا تستطيع أن تشعر بهم إن لم تخالطهم، هؤلاء الذين كانوا يسامون سوء العذاب إذا كنت تعيش في القصر لا تستطيع أن تراهم، ليس لأنك لا تراهم، بل لأنك لا تستطيع أن تراهم، لأن الحياة تحجبك عن رؤيتهم، بشكل طبيعي بقدر ما تكلمت الفكرة شيء والواقع شيء، أنا الآن إذا بقيت أتكلم ساعة عن مخيمات اللجوء والنزوح، وعمّا يعانيه الناس من برد ومطر ...إلخ، لا يعادل واحد بالمئة بأنك تنزل زيارة وتدخل وتراها، ورؤيتك لها عندما تنزل وتزورها لا تعادل واحد بالمئة عندما تبيت أنت في الخيمة، الفكرة شيء والواقع شيء، الذي يعيش الواقع غير الذي يتكلم عنه، غير الذي ينظر إليه، الكلام أدنى مستوى، النظر المستوى الثاني، فموسى عليه السلام كان ينظر ويرى ما يعانيه الناس من فرعون، ويؤلمه ذلك، لكنه لا يعيش حياتهم، هو بالنسبة له يأتي موعد الطعام فيأتي الطعام، فكان لا بد من الانتقال من حياة القصر لحياة الجهد والتعب والكد، هذا معنى قوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي
(سورة طه:الآية 39)

موسى عليه السلام صنع على عين الله، لا نريد أن ندخل الآن له عين، أو ليس له عين، له عين وليست كعيننا جلّ جلاله (لا تدركه الأبصار) (ليس كمثله شيء) له عينٌ الله أعلم من مراده منها نتوقف عند ما جاء في القرآن، لكن كمعنى (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي) ما معنى (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)؟ أضرب لكم مثالاً لأن الواقع دائماً يقرب الأمثلة، ولله المثل الأعلى، إذا أم تحب ابنها الصغير جداً وذهبت إلى مزرعة، والمزرعة فيها مسبح، والولد لا يعرف أن يسبح طبعاً، وفي البيت يكون الولد مضبوطاً أما في المزرعة فيركض، أي تقضي ساعات النزهة وهي لا تتنزه، الأم لا تتنزه في المزرعة ساعاتها كلها عينها على ابنها، أينما يذهب لا تغيب عينها عنه، ما غادرته عيني لحظة، عيني عليه لأنه إذا تحرك كثيراً سوف يقع في المسبح، فهي تقول لك: أنا طوال الوقت معه، (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي) موسى عليه السلام تدرج في رعاية الله، وعلى عين الله من اللحظة الأولى عندما ولد إلى اللحظة الأخيرة إلى أن توفي، وهو على عين الله صنع، فموسى صنع، فصناعة موسى عليه السلام على عين الله عز وجل اقتضت كل هذه التجارب، كله يحصل في قدر الله، كله، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ) (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(سورة الأنفال:الآية 17)

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
(سورة يونس:الآية 22)

إذاً موسى عليه السلام صنع على عين الله، وانتقل من حياة القصور إلى حياة شغف العيش، ورعي الغنم، مقابل أجر، المال مقابل العمل، وليس المال مؤمناً بشكل مستمر، وهذه التي تصنع الرجال، وهذه التي تصنع الناس الذين سوف يحملون رسالة، ويواجهون الناس في واقع الحياة.

رحلة عودة موسى إلى مصر والمواقف التي مرّ بها :
الإنسان يأنس بالآخرين
(فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ) وكما قلنا: الأجل لعله هو السنوات العشرة كما ورد في السنة، (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ) سار بهم، القرآن يعبر عن الزوجة والأولاد بالأهل، وهذا تعبير قرآني جميل، (وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ) والإنسان سمي إنساناً لأنه يستأنس بغيره، وقال بعضهم: لأنه ينسى، فنسي، والصحيح أنه يأنس، يأنس بالآخرين، فالإنسان من أشد العقوبات أن تضعه في سجن انفرادي - والعياذ بالله نسأل الله العافية- وإن كان هو يأنس بالله، فحبسي خلوة، وكم من مظلومين في السجون أنِسوا بالله، لكن أصل الإنسان أنه يحب الآخرين ويأنس بهم، يسمونه: اجتماعياً، (آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ) جبل الطور (ناراً) هناك نار مشتعلة يبدو الليلة باردة ومظلمة، يبدو الليلة باردة جداً، لماذا عاد موسى؟ لأنه يصنع على عين الله، ولا يوجد سبب آخر، أي ربما دفعه الحنين، الشوق للوطن، ربما رجع ليعرف الأخبار، ما الذي حدث بعد غيابه؟
النار تدل على وجود إنسان
ربما كانت أمه ما تزال على قيد الحياة فحن إليها، وإلى حضنها، ربما أراد أن يطمئن على أهله، عاد، لماذا عاد؟ لأن يد الله تعمل في الخفاء وحدها، وهو الذي يسيركم، هو عندما قضى الأجل كان من الممكن أن يبقى، لكن هو معد لرسالة ولم تنته مهمته، ليست مهمته أن يعيش، وأن يرعى الغنم، ويأكل، ويشرب، ويعيش مع أهله، ليس ذلك، هذه مرحلة إعدادية بعدها شيء، فسيَّره الله، فهو الآن (آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) ابقوا في مكانكم لأن حركة الإنسان وحده أسرع، ويستطيع أن يأتيهم بما يريد بأسرع وقت ممكن (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ) خبر، أي يجد أناساً يدلونه على الطريق، لعله هو في ظلمة الليل لم يعد يعرف طريقه من أين تماماً (لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ) بشيء يدلنا على الطريق، وإذا لم تكن كلمة خبر فالنار تدل على وجود إنسان، ما الذي أشعل النار؟ إنسان، إذاً سيجد إنساناً يسأله، أريد أن أذهب إلى مصر فمن أين الطريق فيدله، أو إذا لم يجد أحداً والنار مشتعلة أو الموجود ما استطاع أن يهديه إلى شيء فيأتيهم بجذوة من النار، أي شعلة، جذوة: شعلة، يأخذ حطبة من النار يتدفؤون بها، الليلة شاتية (لعلكم تصطلون) أي تتدفؤون، أي يحصل لكم الدفء بها فهي نور ونار، أي تضيء الطريق ويتدفأ بها الإنسان:

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
(سورة القصص:الآية 30)


الإبهام يعطي هيبة وجلالاً في النفوس :
الإبهام يعطي هيبة في النفوس
(فَلَمَّا أَتَاهَا) طبعاً النار (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ) النداء هنا جاء بالمبني للمجهول، ما قال: ناداه الله، قال: نُودِيَ، لماذا قال: نُودِيَ؟ أول شيء بالنسبة لحال موسى لأنه لا يعلم المنادي، مبدئياً لا يعلم المنادي، الأمر الثاني: البناء للمجهول باللغة العربية له أهداف، أحد أهدافه: عندما لا يُعلَمُ الفاعل كأن تقول: سُرقَ البيت وأنت لا تعلم من سرقه، لكن ليس دائماً يكون بسبب عدم العلم، أحياناً يكون بالعكس تماماً لشدة العلم به، فتقول: خُلِقْتُ من تراب، تقول: لماذا لا تقل: خلقني الله، ألا تعلم من خلقك؟ أعرف ولكن من شدة العلم بالخالق أصبح إيجازاً، تركت لك أن تقول: خلقني الله، طبعاً الله إذاً من الذي يخلق! فهناك أسباب، وأحياناً الإبهام يعطي هيبة في النفوس، يعطي جلالاً وهيبة لعل المعنى الثالث هنا هو المقصود (نُودِيَ) هناك شيء اسمه التصوير الفني في القرآن، التصوير الفني أي تشعر وكأنك ترى المشهد أمامك، فأنت تخيل موسى ترك أهله وذهب فوصل إلى مكان فنُودِيَ، لو قال: ناداه الله لا تتخيل بأن موسى بدأ ينظر يمنةً ويسرة، لكن (نُودِيَ) أي المشهد كان مهيباً، هو يقف في عمق الصحراء ويسمع نِداءً لا يعلم مصدره، العرب كانوا يقولون: هتفَ بي هاتفٌ، الهاتف هو الصوت الذي يصدر ولا يُعرف مُصْدِره، لذلك عندما اخترعوا الهاتف أسموه الهاتف، قبل أن يخترعوا كاشف الرقم، كان مثل هذا الهاتف يرن لا نعرف من المتصل، فهو هاتف يهتف بنا (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) ولعلها كانت الشجرة الوحيدة، لذلك جاءت ب ال العهد، كان هناك شجرة في هذا المكان (أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) هنا عرف المنادي، يقول: مما ينسب لسيدنا علي رضي الله عنه: كن لما لا ترجو أكثر رجاءً منك لما ترجو، أي أن هناك أشياء ترجوها شبه مؤكدة عندك، أنت مثلاً في آخر الشهر إذا كان الشركة محترمة يراودك شك في أنك ستقبض راتبك بدقته كما هو موقع في العقد؟ لا، أنت كل ثلاثين الشهر تذهب للمحاسبة وتأخذ الراتب، فهذا أنت ترجوه، أي مؤكد، فقال: كن لما لا ترجو، هناك أشياء لا ترجوها أبداً، هل تتوقع أن يأتيك فجأةً - وأنت راتبك ثلاثمئة دينار - ألف دينار؟ هذه لا ترجوها، فقال: كن لما لا ترجو أكثر رجاءً منك لما ترجو، أي الأشياء التي لا تتوقعها ولا تخطر في بالك كن راجياً لها أكثر من رجائك لأشياء تتوقع أنها لا يمكن ألا تحدث، لأن هذا كله في قدرة الله عز وجل سواء، فكن لما لا ترجو أكثر منك رجاءً، فقال: إن موسى ذهب، ما الذي كان يرجوه موسى في ذهابه؟ جذوة أو خبر، فبماذا عاد؟ عاد برسالة يكلمه الله تعالى، هو ذهب من أجل جذوةٍ من نار فعاد بالرسالة وأصبح نبياً مرسلاً، وأصبح ذكره إلى يوم القيامة، نذكره في كل وقت، وحين نقول نقول: عليه السلام.

الله تعالى ربّ العالمين يمد كل إنسان بما يحتاجه :
قال: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ) انظر النداء يعمل تحبُّباً، يا موسى، تخيل أن رب العزة جل جلاله يتكلم معه ويقول له: يا موسى، أنت إذا أبوك أو أمك في البيت قال: يا فلان، تقول له: لبيك، فإذا كان رب العزة يقول له: (يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ربنا عز وجل عندما يتحدث في القرآن الكريم عن أفعاله يتحدث بضمير الجمع يقول:

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ
(سورة ق: الآية 43)

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ
(سورة يس:الآية 12)

لكن إذا تكلم عن ذاته يتكلم بصيغة المفرد، لأنه واحدٌ أحد جلّ جلاله، فقال: (إِنِّي أَنَا اللَّهُ) باسم العلم على واجب الوجود جل جلاله، الله هو اسم الذات (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) انظر إلى رسالة التوحيد في كل زمان ومكان هي للعالمين، نحن في كل صلاة نقول:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(سورة الفاتحة: الآية 2)

الله رب العالمين
لا نقول: رب المسلمين، ولا نقول: رب الموحدين، نقول: رب العالمين، رب العوالم كلها، لأن الربوبية نشترك بها جميعاً، أصغر مخلوق من الذرة إلى المجرة تشترك في مفهوم الربوبية، لأنه من يُربيها؟ الله، من الذي يمدنا؟ الله، الرب هو الممد، هو الذي يمدك بما تحتاجه فهو رب العالمين، العالمين جمع، جمع الجمع، جمع العالم عوالم وعالمين، فهو رب العوالم كلها، عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الحيوان، وعالم النبات، وعالم الجماد، هو رب الحجر، ورب البشر جل جلاله، فقال:( إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) لأن الآن رسالة موسى رسالة عالمية، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) فبدأهُ بمفهوم الربوبية (إِنِّي أَنَا اللَّهُ) اسم العلم على واجب الوجود جل جلاله، وجاء بوصف الربوبية الذي تشترك به جميع المخلوقات، هو رب فرعون الذي سوف يذهب إليه، رب العالمين.

ابتداء الله عز وجل موسى بالمعجزة لتحميله الأمانة :
أما فرعون عندما قال:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ
(سورة القصص: الآية 38)

(مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) فرعون تعدى مفهوم الربوبية ووصل إلى مفهوم الألوهية، لأنه رأى نفسه أنه هو الذي يسير الكون، صار هو محور الكون، اليوم الطغاة كثير من الطغاة لا يقولون بلسانهم (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) لكن مفهومه للحياة الذي يراه أنه إله لأن بيده كل شيء، هكذا يظن، فقال: (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ):

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ
(سورة القصص: الآية 31)

التكليف شاق والأمانة ضخمة
ابتدأه بالمعجزة حتى يطمئنه حتى يحمله الأمانة، لأن التكليف شاق، التكليف صعب، والأمانة التي سيحملها موسى ضخمة جداً، أنت تخيل موسى يعلم مَن فرعون، وهو كان بقصره، ويعرف قوته، وفي القرآن عندما بدأ ربنا عز وجل السورة من بدايتها تكلم من هو فرعون، فرعون ليس شخصاً عادياً (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚإِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فموضوع فرعون ليس هو شخصاً عادياً، وموسى يعرف الوضع، فلا تستطيع أن تحمله التكليف قبل أن تعطيه أدوات التكليف، وتبين له القوة التي هي معه، السلطان، التي سماها ربنا عز وجل سلطاناً، فقال: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ) العصا بيد موسى هي كما في السور الأخرى:

قَالَ هِيَ عصاي أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ
(سورة طه:الآية 18)

المعجزة واقعة في حياتنا
العصا بِتَصَور موسى هي للاتكاء، أو ليهش بها على الغنم، ليس لها عمل آخر، تصور ربنا عز وجل جعل العصا مخلوقاً، كيف مخلوق؟ أي أنت مخلوق والعصا مخلوق، المعجزة هي شيء يستحيل عادةً لكن لا يستحيل عقلاً، أنت عندما ترى العصا تهتز تقول: يا لطيف العصا تحولت، وهذه النطفة التي لقحت بويضة، واستقرت بالرحم، وعلقت، وصارت تمتص غذاءها، ومن ثم انقسمت إلى خلايا متشابهة، وبعد ذلك صار هناك تمايز فاتجهت خلايا وشكلت العروق، وخلايا عملت بلورة العين، وخلايا عملت الأذان، وخلايا صارت تموت من أجل أن تشكل الأصابع، تكون اليد كتلة وتبدأ الخلايا تموت وتشكل الأصابع، هل هذا المشهد أعظم أم مشهد العصا التي أصبحت تتحرك مثل الأفعى! إذاً المعجزة موجودة، ولكن هي عادةً شيء ما ألفناه، أنت لست عصا، ليتك كنت عصا وتحولت إلى إنسان، لأنك إذا كنت عصا وأصبحت إنساناً مقبولة أكثر من أن تقول: نطفة لا ترى بالعين لقحت بويضة، والبويضة الملقحة التي لا ترى بالعين المجردة أصبحت إنساناً، طفل نزل من بطن أمه كاملاً مكملاً، له رأس ويدان ورجلان، فالمعجزة واقعة في حياتنا، كل شيء نعيشه في حياتنا هو معجزة حقيقية، لكن نحن ما ألفناها، أي ألفناها فأصبحت في نظرنا ليست معجزة، الخلق هو معجزة، حسبكم الكون معجزة كما قيل، فهنا عندما قال: (تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) أي مثل العفريت، قال: (وَلَّىٰ مُدْبِرًا) التفت، خاف سيدنا موسى، وتكلمنا أنه خاف ثلاث مرات وهذه واحدة منهم (وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يعد يلتفت، بإمكانك أن تتخيل نفسك بالصحراء، وأهلك تركتهم بعيداً، وذهبت لتحضر جذوة من النار، وألقيت العصا فأصبحت تتحرك، عادةً المظهر مخيف جداً (وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ) في كل مرةٍ يخاف فيها يأتيه الأمان، البطولة ليست ألا تخاف، لكن البطولة أن تأمن عندما يؤمنك صاحب الأمان جلّ جلاله، قال: (يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ) أَقْبِلْ، ارجع (وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) فأمّنه الله عندما نجا من القوم الظالمين (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وأمّنه هنا، وفي آية أخرى ( إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ):

وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
(سورة النمل:الآية 10)

يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ
(سورة القصص:الآية 31)

كنت أحب أن أكمل المقطع أو الحلقة بالقصة لكن طويلة تحتاج إلى تفسير أكثر:

اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
(سورة القصص:الآية 32)

إن شاء الله في اللقاءات القادمة نتابع.
أسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
والحمد لله رب العالمين