الإنسان بين الاستجابة لله وإما اتباع للهوى

  • الدرس العاشر - شرح الآيات 47 - 51
  • 2019-06-21

الإنسان بين الاستجابة لله وإما اتباع للهوى

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.


تلخيص لما سبق :
مع اللقاء العاشر من لقاءات سورة القصص، نذكّر شيئاً من الماضي.
سورة القصص سورة مكية يدور محورها الأساسي حول رعاية الله عز وجل لأوليائه، وحول أنّ الله تعالى غالبٌ على أمره، وحول أن إرادة الله تعالى هي المحققة:

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
(سورة القصص: الآية 5)

الطغاة إلى زوال
وأن الطغاة والبغاة والظالمين مهما امتد بهم الأمر، ومهما ظهر من بطشهم، وعلى رأسهم فرعون، فرعون موسى، مهما امتد بهم الأمر فهم إلى زوال، وإرادة الله تعالى هي النّافذة، هذا محور السورة، تتضافر القصص الموجودة في السورة إضافةً إلى المعلومات المجردة تتضافر مع بعضها لتحقيق هذا الهدف، ورأينا كيف عُرضت قصة موسى عليه السلام في هذه السورة بتفاصيل محددة خاصة بهذا الهدف، فجاء عرض القصة متعلقاً بموسى عليه السلام، وكيف رعته عناية الله جل جلاله عندما كان صغيراً في التابوت، إلى أن رعته في مدين يوم خرج (خَائِفًا يَتَرَقَّبُ):

فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(سورة القصص: الآية 21)

إلى أن عاد إلى مصر، تحركه أشياء لا نعلمها إلا أنها قدرة الله عز وجل التي أرادت له أن يعود وكيف في طريق عودته (آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا):

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
(سورة القصص: الآية 29)

وكان اللقاء التاريخي بينه ويبن رب العزة جل جلاله، وحُمِّلَ الرسالة، وكُلِّفَ بالأمانة، وعاد موسى عليه السلام بالآيات التي معه، وبشّره الله تعالى (بِآيَاتِنَا أَنتُمَا) موسى وهارون (وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ):

بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ
(سورة القصص: الآية 35)

ثم اختصرت القصة السياق في هذه المرحلة، وأعطت الأخذ السريع الذي حصل.

محور القصة هو النظر إلى عاقبة الظالمين و أن قدرة الله هي النافذة :
قال:

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ
(سورة القصص: الآية 40)

النظر بإمعان لعاقبة الظالمين
محور القصة (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)، أي محور القصة من أجل أن تنتهي بك إلى أن تنظر نظراً فاحصاً، إلى أن تنظر نظراً فيه إمعان تصل به إلى أنّ عاقبة الظالمين مهما بدا لك من اشتداد ظلمهم، ومهما بدا لك من أنهم يفعلون، ويقولون، ويخطبون، وتتعالى أصواتهم، فهم إلى زوال، وقدرة الله عز وجل هي النافذة (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ).
بعد ذلك بدأت التعقيبات على القصة، وفي القرآن الكريم عندما تقرأ قصةً عندما تنتهي منها فوراً اقرأ التعقيبات بنَفَس إيماني، وبِنَفَس الإنسان الذي يريد أن يصل إلى العبرة من القصة، فالقصة تعقيباتها مهمةٌ جداً، انظر بقصة يوسف عليه السلام كيف عقّب الباري جل جلاله، وانظر في هذه القصة، الآن عقّب ربنا عز وجل على القصة، أي ما الذي يريده ربنا جل جلاله من هذه القصة مما لا يمكن أن ندركه مباشرةً؟ هناك أشياء بالقصة تدرك مباشرةً، أي لا يوجد مبرر أن نقول لك في النهاية أنه جل جلاله رعى موسى عليه السلام، لأن الرعاية ظهرت، أي لا يخفى على ذي لب، لكن هناك بعض الأمور التي قد تخفى عليك سيبينها الآن الباري جل جلاله.

عِبر سورة القصص :
1 ـ صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و إثبات رسالته :
أول أمر بيّنه الله الذي ذكرناه في اللقاء الماضي:

وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ
(سورة القصص: الآية 44)

الإخبار من الله يؤكد صدق نبوة محمدٍ
أول عبرة من القصة قد تخفى عليك أنها تثبت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنّ هذه القصة بهذا الإحكام، وذاك التفصيل، لم يكن محمدٌ صلى الله عليه وسلم شاهداً عليها، ولا كان حاضراً، ولا كان بجانب الغربي في هذا المكان الذي أوحى الله فيه إلى موسى، ولكن ربنا عز وجل يخبره، فالإخبار من الله عز وجل يؤكد صدق نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، هذه العبرة الأولى التي ذكرها القرآن الكريم. ثم قال:

وَلَٰكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
(سورة القصص: الآية 45)

أيضاً إثبات للرسالة.

وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(سورة القصص: الآية 46)

انظر (وَمَا كُنتَ) ثلاث مرات (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ) (وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ) عند الوحي (إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) هذا ما وصلنا إليه في اللقاءات السابقة.

2 ـ ابتلاء المؤمن تكفير سيئات و رفع درجات :
نتابع اليوم العبرة الثانية من القصة، قال:

وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
(سورة القصص: الآية 47)

الطبيب سبب بأن لا تسوء حالة المريض
(وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) سأبدأ حرفاً حرفاً، أولاً: (لَوْلَا) لولا الطبيب لساءت حالة المريض، لولا حرف امتناعٍ لوجود، وجد الطبيب فامتنع التمادي في سوء حالة المريض، لولا الطبيب لساءت حالة المريض، هذه يقولونها في النحو، الأَولى نحن بالإيمان أن نقول: لولا الله لساءت حالة المريض، ولولا الطبيب كسبب طبعاً لساءت حالة المريض، إذاً وجد الطبيب فامتنعت إساءة حالة المريض، هذا حرف امتناع لوجود، (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) نأتي إلى (مُّصِيبَةٌ) بالقرآن الكريم عندنا مصيبة، وعندنا عذاب، وعندنا ابتلاء أو بلاء، ثلاثة جذور أو ثلاث كلمات؛ مصيبة، وعذاب، وابتلاء، أعتقد أننا بحاجة إلى دراسة مفصلة لهذه المصطلحات لنستطيع أن نفهم كيف ربنا عز وجل يعامل عباده، أولاً سأبدأ بالعذاب، العذاب:

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
(سورة الأنفال: الآية 33)

نفى العذاب، بآية ثانية:

مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
(سورة النساء: الآية 147)

العذاب لا يكون للمؤمنين
العذاب هو حالة تكون لغير المؤمن، للبعيد عن الله، لغير الشاكر، للإنسان الذي نأى بنفسه عن الله، واستغنى عن طاعة الله، هذا يكون له العذاب، والعذاب لا يكون للمؤمنين (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) لا يعذب المؤمن.

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ
(سورة المائدة: الآية 18)

فاستنبط الإمام الشافعي قال: "إنّ الله لا يعذب أحبابه"، عندما قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) طبعاً أبناء افتراء، وإذا كنت حبيب الله فلماذا يعذبك الله؟ (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ)، فهذا العذاب، العذاب هو حالة في الدنيا وفي الآخرة تصيب الكافر فيعذب، يعيش عذاباً نفسياً وألماً نفسياً، وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ من الله.

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
(سورة الحديد: الآية 20)


المؤمن أشدّ ابتلاء من غيره :
الابتلاء غير العذاب، الابتلاء هو سنة الله في الحياة:

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
(سورة الملك: الآية 2)

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ
(سورة المؤمنون: الآية 30)

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
(سورة العنكبوت: الآية 2)

وجودنا في الدنيا هو ابتلاء
والفتنة هي الابتلاء، وهي ليست ذات مفهوم سلبي في القرآن، هي ابتلاء، امتحان، والامتحان غير سلبي، إذا امتحنّا ثلاثين طالباً فنجح تسعة وعشرون ورسب واحد، الامتحان سلبي أم إيجابي هنا؟ إيجابي لأنه نجح تسعة وعشرون طالباً، لكن الذي نظرته قاصرة ينظر إلى الراسب فيقول لك: الامتحان سلبي أو هو الراسب نفسه يقول لك: لم هذا الامتحان؟ لأنه لم يدرس، فالامتحان ليس سلبياً وليس إيجابياً، هو بحسب الممتحَن، فإن نجح فبها ونعمت، وإلا فهو الذي رسب، فالابتلاء هو علة الوجود، إذاً من الذي يبتلى؟ كل الناس، لا يوجد إنسان في الأرض لا يبتلى، أصلاً مجرد وجودنا في الدنيا هو ابتلاء، أي بدأ الابتلاء من لحظة نزولك من رحم أمك، فأنت مبتلى، الآن يرزقك مالاً مبتلى، يمنع عنك المال مبتلى، يرزقك قوة مبتلى، يبتليك بالضعف مبتلى، الناس أحياناً يشاهدون إنساناً في الطريق ثيابه رثةٌ بالية، لا يجد قوت يومه، يقولون: ليكن الله في عونه إنه مبتلى، بالنظرة نفسها ينبغي أن تنظر إلى إنسان يركب أحدث سيارة، ومعه أموال، يجب أن تقول: كان الله في عونه إنه مبتلى، الاثنان في ابتلاء، لا علاقة للابتلاء بالسوء:

وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
(سورة الأنبياء: الآية 35)

فالابتلاء يكون بالشر ويكون بالخير، وكلنا مبتلون، الآن قد يكون المؤمن أشدّ ابتلاءً من غيره لأنّ الله يحبه فيبتليه ليُكَفِّر سيئاته، ويرفع درجاته، الدليل:

{ قلتُ: يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ، يُبتلَى الرَّجلُ على حسْبِ دِينِه، فإن كان دِينُه صُلبًا اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ابتلاه اللهُ على حسْبِ دِينِه فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يمشيَ على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ }

(ابن ماجة بسند صحيح)

ابتُلي صلى الله عليه وسلم بالجوع، وبالفقر، وبالغنى، وبالضعف، وبالقوة، وبفقد الولد، وبأن يتحدث الناس في عِرض زوجته، كلها ابتلاءات، فالنبي صلى الله عليه وسلم ابتلي ابتلاءات عظيمة، ابتلي بالغنى، وابتلي بالفقر، وابتلي بالصحة وبالمرض، وابتلي بالقوة عندما فتح مكة، وبالضعف يوم ذهب إلى الطائف فآذوه وضربوه، فالنبي صلى الله عليه وسلم ابتلي، وكل الناس مبتلون. هذا الابتلاء.
المصيبة تصيب الهدف
نأتي للمصيبة التي هي موضع حديثنا من أجل أن نحرر المصطلحات، لأن أهم شيء أن تحرر المصطلح من أجل أن تدرك القضية، المصيبة: من وجهة نظري هي نوع من أنواع الابتلاء، هي حالة من حالات الابتلاء لشخص يستحقها، فسميت مصيبةً لأنها تصيب الهدف، وقد يستحقها المؤمن، وقد يستحقها الكافر، فتكون عذاباً للكافر، وتبقى ضمن الابتلاء بالنسبة للمؤمن، هذه هي المصيبة، المصيبة تصيب الهدف، هي مصيبة أصابت موضعها، إنسان تعامل بالربا فأصابته مصيبة إتلاف المال، هذه مصيبة، ويشعر في أعماقه بأن الله أتلف مالي لأنني تعاملت بالربا، إنسان عقّ أباه فجاءه ابنٌ عاق أذاقه الويلات، فيشعر في أعماقه بأنّ هذا الابن العاق إنما هو جزاء عقوقه أبيه، فهذه بتلك، هذه هي المصيبة، المصيبة تصيب، هنا ربنا عز وجل يقول:

وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
(سورة القصص: الآية 47)

أي لولا أن يعاقبهم الله عز وجل بسبب ذنوبهم، أي فقط المصيبة التي لها سبب.

المصيبة من كسب الإنسان أما الابتلاء فهو سنة الله في الحياة :
لماذا أقول هذا الكلام؟ أنت ترى إنساناً ابتلاه الله بمرض، مبدئياً، الله يبتليه، يمتحنه، ليس من حقك أن تقول: إنّ الله يعذبه، مبدئياً، لأنه مؤمن ويصلي معك في المسجد، الله لا يعذب أحبابه، هذا أخوك في الإيمان، فمبدئياً هو لا يعذب، العذاب ليس له، قد يدخل إلى قلبه من السرور في مرضه ما لا يجده في صحته، " قال: عبدي مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ" ما قال لوجدت ذلك عندي مثل الطعام والسقيا، قال: لوجدتني عنده، لأن الله قريب من المريض، فقد يجد المريض من القرب من الله عز وجل ما لا يجده في الصحة، إذاً هذا ليس عذاباً، هذه مبدئياً:

{ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي }

(صحيح مسلم)

ثانياً: لا يحق لك أن تقول: إنّ الله عز وجل أصابه بمصيبة جزاء عمله، وما أدراك ما عمله؟! لعله خيرٌ منك، ولعل عمله أفضل من عملك عند الله، إذاً ما الموقف الصحيح؟ أنّ الله يبتليه بمثل هذا المرض ليرفع درجته، أما أنا إن جاءتني مصيبة أو ابتلاء مبدئياً، إن جاءني ابتلاء فأنا أول ما أفعل أتهم نفسي لعلها مصيبةٌ بسبب ما كسبت يدي:

وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ
(سورة الشورى: الآية 30)

المصيبة بكسب الأيدي
فالمصيبة بكسب الأيدي، أي بسبب ما فعلته تأتيك المصيبة، فلا أقول عن أخي المؤمن: أصابته مصيبةٌ بسبب ما فعله، لأنني لا أدري ما فعله، علمه عند الله، لكن أقول: الله ابتلاه، نسأل الله السلامة والعافية، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِنا، فإن أصابتني مصيبة فإنني أنظر إليها على أنها قبل كل شيء مقابل إساءتي في جنب الله، وفي تقصيري في حق العبودية، ثم هي ابتلاءٌ ورفعٌ للدرجات لي عند الله، أما ما أصاب أخي فهو إن شاء الله رفعٌ للدرجات إحساناً بالظن به، إذاً صار عندي عذاب ومصيبة وابتلاء، وأظن الفروق بينهما أصبحت واضحة والله أعلم، (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) انظروا المصيبة دائماً بما قدمت الأيدي، في القرآن الكريم المصيبة دائماً بسبب، الابتلاء لا يحتاج إلى سبب، لا ينبغي أن نسأل لماذا ابتلاني الله، إذا ذهب شخص إلى الجامعة وقالوا له: في آخر السنة هناك امتحان، لم الامتحان؟ لماذا تريدون أن تمتحنونا؟ لم أنت في الجامعة إذاً؟ الامتحان من لوازم الجامعة، فلا يسأل الإنسان سؤالاً لماذا يمتحنني الله عز وجل؟ ولماذا لا يمتحنك؟ بالعكس إذا لم يبتليك ولم يمتحنك فاسأل هذا السؤال.
التمكين يأتي بعد الابتلاء
الإمام الشافعي قالوا له: أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ قال: "لن تمكّن قبل أن تبتلى"، ادع بما شئت، في النتيجة هناك ابتلاء وهناك تمكين، فالتمكين يأتي بعد الابتلاء وليس قبله، لا يوجد تمكين دون ابتلاء، فأنت لا تسأل لماذا يبتليني الله، طبعاً سيبتليك، كما يسأل طالب: لماذا تمتحنني الجامعة؟ لكن لو جاء في الجامعة عقوبة اسأل: لماذا العقوبة؟ لم تبنَ الجامعة من أجل العقوبات، فالابتلاء لا يُسأل عنه، لكن يُسأل عن العقوبات، لذلك (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ) فالمصيبة هي من كسب الإنسان، أما الابتلاء فهو سنة الله في الحياة (تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي بسبب، الباء هنا باء السبب، أي بسبب ما فعلوا وارتكبوا فجاءت المصيبة ردّاً على أفعالهم لتردعهم ليعودوا إلى الله.

تقديم الاتباع على الإيمان :
ثم قال: ( فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا) هنا يوجد عندنا تفسيران، التفسير الأول: إشاري أو لطيف، يمكن أن يكون (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا) المصيبة نفسها، المصيبة رسول من الله، المصيبة رسالة من الله، إذا كان هناك إنسان يعصي الله، ويأكل الربا، فأتلف الله له ماله فانتبه إذاً فهم الرسالة، وإذا لم ينتبه لم يفهم الرسالة، إذاً المصيبة هي رسول، هذه بتلك، الجزاء من جنس العمل (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)، فهنا يمكن أن نقول (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا) أي لكانوا احتجوا يوم القيامة يا رب لو أنك بعثت لنا مصيبة لكنا رجعنا إليك، ولكن نحن نعصيك وتركتنا وأمهلتنا، وأمهلتنا حتى ظننا أننا على حق، هذا معنى.
المعنى الثاني: الذي ذكره معظم المفسرين قال: (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا) أي موسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم في خطابهم في الآيات هنا، (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا) أي لماذا يا رب لم ترسل لنا رسولاً من عندك يبين لنا الحق من الباطل فوقعنا في شر أعمالنا فجاءتنا المصائب ردّاً على ما قدمت أيدينا، (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا) دائماً الحجة البالغة لله:

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ
(سورة الأنعام: الآية 149)

الجانب السلوكي مقدم على الجانب الفكري
فالله لا يقيم حجة لمخلوقاته عليه أبداً، فيرسل لهم رسولاً وإن كان يعلم بعلمه المستقبلي الكشفي بأنهم لن يؤمنوا، لكنه يرسل لهم الرسل لتقوم عليهم الحجة، قال: (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا) طبعاً (فَيَقُولُوا) هنا حذفت نونها لأنها بعد (وَلَوْلَا) فتحذف النون بأن مضمرة بعد الفاء (فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ) أي لو لم يأت الرسول كانوا سيقولون: يا رب لماذا لم ترسل لنا؟ لكنا اتبعنا الآيات (فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) كنا آمنا بالآيات واتبعناها، وقدّم الاتباع على الإيمان، لأن الإيمان من غير اتباع لا أقول إنه لا قيمة له، لكن أقول: إنه لا ينجي صاحبه بين يدي الله عز وجل، أي لمجرد أن تؤمن هذا لا يكفي، يجب أن تفعل شيئاً، لكن الإيمان وحده من غير عمل هو إيمان قاصر بلا خلاف، لأن ربنا عز وجل بالقرآن: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) بعشرات الآيات، فلذلك قال: (فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فقدّم الجانب السلوكي على الجانب الفكري، وهنا قدموه كذلك لأنهم يعلمون بأن الأصل هو اتباع الآيات، أي إذا آمن إنسان بأن الطبيب أفضل طبيب في البلد ولكنه لم يتبع وصفة الطبيب هل يشفى من مرضه؟ أبداً، أنت أفضل طبيب، وأنا مؤمن بذلك، ووصفتك على العين والرأس، وقبّلها ووضعها على رأسه ثم مزقها، ولم يتبع ما فيها، ترك الاتباع، فهل نفعه إيمانه من غير اتباع؟
مرة ثانية: لا أقول: إن إيمانه لا قيمة له، لأن الفكر شيء مهم، والإيمان هو: قولٌ باللسان واعتقادٌ بالجَنَان وعملٌ بالأركان، لكن هو جزء من الإيمان أكيد، لكن (فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فقدم الاتباع على الجانب الفكري.

توافق الحق مع العقل :
الآن قال:

فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ
(سورة القصص: الآية 48)

الربا حرام بالنقل وبالعقل
(فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا) الحق هو الله، والحق هو كلام الله، والحق هو كل ما كان متصلاً بالله جل جلاله، والحق هو ما توافق فيه النقل الصحيح؛ كتاب وسنة، كلام الله، وبيان المعصومين؛ الأنبياء والرسل، كلام الله وبيان المعصومين، هذا النقل، وهو يتوافق حتماً مع العقل، لأن منزل النقل هو الله، وخالق العقل هو الله، فالمصدر واحد، فيستحيل أن يتناقض خلقٌ من خلقه مع كلامه، أبداً، المصدر واحد فالتطابق حتمي، فالحق هو نقلٌ صحيح يتوافق مع العقل الصريح ولا أقول العقل التبريري، الصريح لماذا؟ لأن هناك عقلاً تبريرياً يبرر، أي الربا حرام بالنقل الصحيح، وبالعقل الصريح حرام، لا يقبل العقل الربا، لأنه إفساد، لأنه تجمع للمال في أيدٍ قليلة وتحرم منها الكثرة الكثيرة، أما إذا جاءني أستاذ في الاقتصاد له عقد مع البنك، يقبض في نهاية كل شهر عشرة آلاف دولار من البنك، وجلس ساعة يقنعني من خلال عقله يبرر لي أهمية الربا في نهضة الأمة، فهل تناقض النقل مع العقل؟ لا، لكن عقله التبريري هو الذي دفعه، لأنه منتفع من البنك، أو أمواله في البنك، فالربا حرام نقلاً ولا يقبل عقلاً، الاختلاط غير المنضبط، الاختلاط الذي لا يبنى على أسس شرعية، لأن هناك اختلاط ربما يحدث لكن ضمن أسس شرعية، لكن الاختلاط غير المنضبط هو حرام نقلاً ولا يقبله العقل، لأنه إذا جرّد إنسان عقله لوحده ينتج معه أن هذا الاختلاط هو حالة خطأ، لأنك تثير الشهوات وتفسد في الأرض، أما إذا شخص عقله تبريري وقال لك: بالمدارس يحدث كثير من التهذيب للطلاب وللطالبات بحكم وجودهم مع بعضهم، يتآلفون بشكل أفضل بكثير من أن يكون الذكور في مكان والإناث في مكان آخر، فهذا إما عنده مدرسة مختلطة، أو مسجل أولاده بمدرسة مختلطة أو أو إلخ، فهو عقله تبريري، فلا تنظر للعقل التبريري، فالحق هو نقل صحيح، وعقل صريح، وفطرة سليمة، الحق يتوافق مع الفطرة السليمة، ويتوافق مع الواقع الموضوعي غير المزور، هذا هو الحق، فنحن عندما يقول ربنا عز وجل: (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا) أي جاءهم ما هو خلاف الباطل، وحَقَّ يَحِقُّ أي ثَبَتَ يَثْبُتُ، وَبَطَلَ يَبْطَلُ:

وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(سورة الأعراف: الآية 118)

لأن بَطُلَ من البطولة، بَطُلَ أصبح بَطَلاً، وبَطَلَ أي زهق، فالباطل هو الشيء الزائل والعابث، والحق هو الشيء الثابت والهادف، (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

مناظرة الناس و محاورتهم خطوة خطوة :
الآن (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا) من الوحي من الله عز وجل (قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) الآن يخاطب من؟ يخاطب العرب الذين جاءتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا) على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، قال مشركو قريش وكفار مكة وغيرهم، ماذا قالوا؟ (قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) أي ليته أوتي مثل التوراة أو أوتي مثل البينات التي كانت مع موسى التي ذكرتها السورة قبل قليل، أي يا ليت يده كانت تخرج بيضاء من غير سوء:

وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ
(سورة النمل: الآية 12)

ليت معه العصا التي تتحول إلى ثعبان:

فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
(سورة الشعراء: الآية 32)

وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
(سورة الأعراف: الآية 117)

معه الْأَلْوَاحَ التي فِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَة:

أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ للَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
(سورة الأعراف: الآية 154)

القرآن يحاججهم
إما المعجزات المؤيدة بالرسالة، أو ما أوتي من الألواح التي فيها الهدى والرحمة وهي التوراة، فقالوا: (لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) الآن القرآن يحاججهم، الآن مناظرة، انظر ربنا عز وجل، هل يستحق هؤلاء الحوار؟ هم يعرفون أنفسهم أنهم كاذبون:

وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
(سورة التوبة: الآية 42)

ربنا يعلمنا المناظرة والحوار
لكن ربنا عز وجل يعلمنا، يناظرهم ويحاورهم، يمشي معهم خطوة خطوة، لأنك إذا أردت أن تدعو الناس بمنطق أنني أعرف أنه كاذب، ولن يهتدي، ولن، ولن، لن تفلح أبداً، وما أدراك؟ ربنا الذي يعلم، ورغم ذلك الآن يحاورهم، انظروا واحدة واحدة، بدأ بالأولى، ماذا قالوا؟ (قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) انظر الرد الإلهي، قال: (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ) أنتم كفرتم من قبل بما أوتي موسى، هل أنتم مؤمنون بالتوراة وبما أوتي موسى؟ لا، إذاً ما معنى كلامكم (لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) لو فرضنا (أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) هل كنتم ستؤمنون؟ (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) السحر الأول التوراة، والسحر الثاني القرآن، بزعمهم (تَظَاهَرَا) أي تعاونا وأعطى كلٌّ منهما ظهره للآخر فسنده به، ومنه جاءت المظاهرة التي يخرج بها الناس فيتظاهرون، فكلٌ منهما يعطي ظهره للآخر من أجل أن يقوى به، فيتظاهر الإنسان مع الآخر، (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) أي كلٌ منهما يؤيد الآخر، وهما سحران، القرآن والتوراة، فإذا كنتم تقولون التوراة سحر فلماذا تقولون بعد ذلك (لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) وأنتم لم تؤمنوا بما أوتي موسى أصلاً؟ (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) هذا قولكم، أنتم قلتم: نحن نكفر بالتوراة التي جاء بها خبر قدوم محمد صلى الله عليه وسلم، وقلتم: إنّ السحرين تظاهرا مع بعضهما

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
(سورة البقرة: الآية 89)

فهم كانوا يعرفون أنه سيأتي هذا النبي، فلما جاء النبي (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) التوراة ظاهرت القرآن، والقرآن ظاهر التوراة، أي اتفقا مع بعضهما القرآن والتوراة من أجل أن يقنعونا بأن هذا نبيٌّ من الله، ثم (وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ) أي بالقرآن وبالتوراة وبكل ما جاء بهما (كَافِرُونَ) فأنتم كفرتم بالكتب السماوية كلها، وليس كفركم بالقرآن وحده، فما معنى قولكم اليوم (لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ)؟ هذه الحجة الأولى.

المنهج من عند الله و على الإنسان اتباعه :
الآن ربنا عز وجل أكمل معهم (سِحْرَانِ تَظَاهَرَا)، هذه فرضيتهم الثانية:

قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
(سورة القصص: الآية 49)

(قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) مصدره سماوي، لأنكم أنتم مؤمنون بالله، الآن يخاطب أهل الكتاب لا يخاطب المشركين الكفار، أو الكفار الملحدين أي الذين لا يؤمنون، الإله موجود حتى عند المشركين، فكرة الإله موجودة حتى إنهم يقولون:

مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ
(سورة الزمر: الآية 3)

المنهج يكون من عند الله
إذاً المنهج من عند من ينبغي أن يكون؟ من عند الله، قال: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا) أي أهدى من القرآن ومن التوراة، فيه هدايةٌ أكثر من القرآن، ومن التوراة (أَتَّبِعْهُ) طبعاً هذه الفرضية لن تكون، لكن ربنا عز وجل يجادلهم (أَتَّبِعْهُ) أي إن جئتم بكتاب ولن تأتوا، هو أهدى من القرآن ومن التوراة سأتبعه معكم، أنا سأكون معكم، وأتّبع هذا الكتاب (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) لكنهم كاذبون، وليس عندهم لا كتاب أهدى، ولا أقل هدايةً، هم ليس عندهم منهج، والدليل أنهم ليس عندهم منهج أن هؤلاء في الأصل الذين ينكرون الوحي أو لا يريدون اتباع الوحي يؤمنون به ولا يريدون اتباعه، هم في الحقيقة يريدون أن يتبعوا أهواءهم لا يريدون أن يتبعوا منهجاً آخر.
إذا قلت لإنسان: هذا الكتاب المقرر غداً للامتحان، وهو عبارة عن سبعين صفحة، وفيه تمرينات ادرسه من أجل الامتحان، الآن هو بأعماقه لا يريد أن يقدم الامتحان، ولا يريد أن يدرس، فقال لك: والله الكتاب صعب، هل عندك كتاب آخر للمادة؟ قلت له: خذ هذا الكتاب الآخر، قال لك: والله هذا الكتاب أيضاً صعب فيه مشاكل لا أريده، معنى هذا أنت ليست مشكلتك مع المنهج بحد ذاته، أنت مشكلتك أنك لا تريد شيئاً يقيد تحركاتك التي تكون وفق شهواتك وأهوائك.

الهوى و الهدى :
المنهج يطلقك من أسر نفسك
لذلك جاءت الآية التي بعدها (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) ليس عندهم منهج (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ)، (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) ما قال له: فاعلم أنهم لا يملكون كتاباً آخر، أو لا يريدون اتباع القرآن، لا (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) هم لا يريدون منهجاً، فمشكلتهم ليست مع مفردات المنهج، وإنما مشكلتهم مع وجود المنهج أصلاً، لأن المنهج يقيد الحركة، نحن في كل يوم نمتنع عن عشرات الأعمال بسبب المنهج، هل تستطيع أن تمشي في الطرقات وأن تطلق بصرك في الحرام؟ لا تستطيع، لماذا؟ لأن لديك منهجاً، هل تستطيع أن تأكل أموال الناس؟ لا تستطيع لأن لديك منهجاً، هل تستطيع أن تتعالى على الناس وأن تتكبر عليهم؟ لا تستطيع، لديك منهج، هل تستطيع أن تغتاب الناس؟ لا تستطيع، لديك منهج، فالمنهج يقيد الحرية المزعومة، طبعاً لأن المنهج هو الحرية الحقيقية لأنه يطلقك من أسر نفسك، ومن شهواتك إلى فضاء الإيمان، إذاً الحرية المزعومة التي تزعم أن المنهج يقيد الحرية، فهم لا يريدون منهجاً في الأصل، هم لا يريدون منهجاً قال: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي لن يستجيبوا لما دعوتهم إليه من الإيمان، والهدى، والتقى، ولن يستجيبوا بأن يأتوا بكتاب هو أهدى، وهذا افتراضي، قال: (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) انتهت المناظرة، أنت لن تناقش لا بمفردات المنهج، ولا بالمنهج، لأنك صاحب هوى، فإما أن تكون على المنهج، وإما أن تكون مُتَّبِعَاً للهوى، (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ) أي من أشد ضلالاً عند الله؟ والضلال هو البعد عن الطريق المستقيم، والحياد عن الطريق الصحيح (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) هنا (اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) لها توجيهان: التوجيه الشائع أن الهوى في الأصل منبوذ، الهوى في الأصل لا يطلق بالقرآن إلا نبذاً، فليس هناك هوى على هدىً من الله، الهوى من الهَاوية:
إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد لقيت هوانا
{ الأصمعي }
الهوى هو الهوان، هوى النفس: أن يتبع هواه، أي يمشي مع ذاته، فالهوى لا يكون إلا مذموماً، فلذلك قالوا: هذا قيد وصفي وليس قيداً احترازياً، تكلمنا عن القيد الوصفي والقيد الاحترازي، بمعنى:

لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً
(سورة آل عمران: الآية 130)

لا يجوز أكل الربا ضعفاً واحداً، لأن القيد يبين وصف الربا، وهو أنه يؤول إلى أضعاف مضاعفة:

وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
(سورة آل عمران: الآية 21)

اتباع الشرع يكون بهدى من الله
ليس هناك قتل للنبيين بحق، القتل بغير الحق دائماً فهو وصفٌ وليس احترازاً، فهنا أيضاً هو وصف أي اتباع الهوى دائماً يكون بغير هدىً من الله، أما اتباع الشرع فيكون بهدى من الله، لكن بعض العلماء وجّهوا توجيهاً لطيفاً؛ قال: الهوى هنا إن جاء بمعنى الهوى، هوى النفس، الشهوة، فقد يكون بهدىً من الله، وقد يكون بغير هدىً من الله، فقد يتبع الإنسان شهوته وفق منهج الله، بمعنى أنه يشتهي المرأة فيتزوج فهو اتبع شهوة نفسه لكن بهدى من الله، وقد يشتهي المال فيتاجر فكان وفق الهدى، فإن وجّهنا الهوى هنا على أنه من باب الشهوة فيمكن أن نقول: إن هناك شهوة تلبّى في طاعة الله، فالله لم يحرمنا من شيء ولكن نظّم حياتنا، فلا يوجد حرمان في الإسلام بمعنى الحرمان الكامل، لكن هناك صبر، وهناك شكر، أنت قبل أن تتزوج تصبر، وبعد أن تتزوج تشكر، لكن بالنتيجة أنت متاح لك، أي ما خلق النساء ومنع الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل منعاً كاملاً طوال الحياة، لا، منع الزاوية الخطأ لكن أباح الزاوية الصحيحة، المرأة أم، المرأة أخت، المرأة عمة، خالة، ثم زوجة، وكل واحدة لها معاملة، أما المرأة من غير المحارم فهذه غريبة عنك، لا تحل لك إلا بالزواج، ووضع لها ضوابط الشرع، والمال والعلو في الأرض وكل الشهوات لها نوافذ حلال يستطيع الإنسان من خلالها تلبيتها، فبهذا المعنى يكون (بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) احترازياً،
يوجد طريقان لا ثالث لهما
وبالمعنى الأول العام الذي عليه أكثر المفسرين يكون قيداً وصفياً بمعنى أنه لا يكون اتباع الهوى إلا (بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) فلو اتّبع هدى الله لما اتّبع هواه، فإما أن تتبع هداك، أو أن تتبع الهوى والعياذ بالله، (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) للهدى (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) لا يوجد طريق ثالث، أي لا يوجد طريق في المنتصف، إما مستجيب وإما متبع، مستجيب قد يعصي ويتوب، أي هو في الأصل يخضع للمنهج، لكن يخالف بعض مفرداته ضعفاً أو جهلاً فيعود إلى الله، لكنه مستجيب، أما (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي أنكروا المنهج كله، وما أرادوا أن يتبعوا المنهج (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الظالمون الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الآخرين لا يهديهم الله، فهدى الله له قوانين، فأنت تطلب الهداية فيهديك الله، أو تكون راغباً في الحق فيصل بك الله إلى الحق، لكن إن كنت ظالماً فقد قطعت هداية الله عنك (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

أصل الإيمان موجود في القلوب ويحتاج إلى تذكرة :
آخر آية في هذا اللقاء هي تعقيب، هي تتمة الفكرة بعدما صار الحوار، الحوار (قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ) ربنا عز وجل أقام الجحة عليهم:

فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
(سورة الأنعام: الآية 149)

قال: أنتم كفرتم بما أوتي موسى، وكفرتم بالقرآن، وقلتم: (إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) فأنتم ليست مشكلتكم مع التوراة، لو جاءت التوراة لن تتبعوها، وكانت التوراة بين أيديكم ولم تتبعوها، فأنتم مشكلتكم مع المنهج، وقلتم: (سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) الآن ما دامت التوراة والقرآن في زعمكم سحرين (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ) ثالث غير التوراة وغير القرآن من عند الله (أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ) انتهت المناظرة، إذاً أنتم لستم أعداء لمفردات المنهج، أو لنوعية المنهج، وإنما انتم أعداء لأصل وجود منهج يمنعكم من البطش، والظلم، والعدوان، فالله عز وجل لن يهديكم لأنكم ظالمون، انتهى، قال تعالى:

وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(سورة القصص: الآية 51)

القول وصل لك لعلك تتذكر وتعود، لماذا قال: (يَتَذَكَّرُونَ)؟ أنت تتذكر شيئاً موجوداً، هل تتذكر شيئاً غير موجود؟ إذا قلت لك: تذكر أين وضعت الأشياء؟ أنت واضع الأشياء بمكان، فكأن الله عز وجل يقول: (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أصل الفطرة، أصل التكليف لأن أصل الإيمان موجود في القلوب يحتاج إلى تذكرة:

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
(سورة الذاريات: الآية 55)

الله خلقك بفطرة سليمة
أي ربنا عز وجل ما خلقك دون فطرة سليمة تهديك إلى الحق، ، فأنت عندما تتبع الهدى تتذكر أصل المنهج، وتعود إلى أصل فطرتك، وأصل دينك، فقال: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) إذاً تنتهي المهمة عندما يصل إليهم البلاغ، فإذا وصل إليهم البلاغ فإما أن يستجيبوا فيستحقوا الجنة، أو يعرضوا ويتبعوا الهوى فيستحقوا النار:

إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ
(سورة الشورى: الآية 48)

البلاغ فقط (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) انتهت المهمة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الآن بعد ذلك القرآن الكريم سوف يعرض لهم نموذجاً من أهل الكتاب الذين استجابوا، الآن سيعطيهم نموذجاً من أهل الكتاب استجابوا حتى تقام الحجة عليهم أكثر بأن تركهم للاستجابة هو من أنفسهم، ومن هوى أنفسهم، وليس من المنهج، لأن هؤلاء أيضاً أهل كتاب واستجابوا:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ
(سورة القصص: الآية 52)

وهذا ما سنتحدث عنه إن شاء الله في اللقاء القادم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته