قهر إرادة الله لجبروت فرعون
قهر إرادة الله لجبروت فرعون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
سورة القصص سورة قريبة جداً من واقع المسلمين اليوم :
نحن اليوم إن شاء الله نبدأ بسورة القصص، طبعاً لماذا اخترت سورة القصص تحديداً؟ الحقيقة سورة قريبة جداً من واقع المسلمين اليوم، السورة مكية، وواقعنا اليوم أقرب للواقع المكي منه للواقع المدني. الواقع المكي هو واقع الاستضعاف للمسلمين، وجود القوة الطاغية التي تحاول النيل منهم، وجود التقصير من المسلمين، فالقِوى تحاول أن تتحكم بهم، وتطغى عليهم، فسورة القصص تناسب واقعنا الذي نعيشه اليوم. كما تعودنا بدايةً السورة سميت القصص لأن فيها قصتين مهمتين جداً، القصة الأولى قصة موسى مع فرعون، والثانية قصة قارون: |
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ[ سورة القصص: 76 ]
قوة الله تتجلى في نصرة المستضعفين
|
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[ سورة القصص: 4 ]
انظر إلى التقابل بين الجوين تماماً، موسى ضعيف مستضعف، كيف رعته يد القدرة الإلهية، وكيف أوصلته إلى وراثة الأرض: |
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[ سورة القصص: 5 ]
إلى ما هنالك، إذاً جو مكة يتناسب مع جو سورة القصص بشكل كبير جداً في مجريات الأحداث، وفي مسرح الأحداث. |
التناسب بين سورة النمل وسورة القصص :
سورة القصص تبدأ بقوله تعالى: |
طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ[ سورة القصص: 1-2 ]
السورة التي تسبق سورة القصص هي سورة النمل، وختمت بقوله تعالى: |
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[ سورة النمل: 93]
آيات الله كونية و أفعال
|
طسم[ سورة القصص: 1]
بعد أن قمنا بجولة سريعة بسورة القصص تحدثنا عن محورها الرئيس، طبعاً الاسم مرتبط بالقصة، لأن سورة القصص فيها قصتان، تدور السورة كلها حول هاتين القصتين، ألا يوجد سور أخرى فيها قصص؟ هناك سورة يوسف فيها قصة واحدة، لكن سميت سورة يوسف، ولم تسمَّ سورة القصص، لماذا سورة القصص تحديداً سميت القصص؟ لأن القصص التي فيها هي محور السورة، وكيف تُوظف القصة في خدمة الدعوة، أي الهدف التربوي فيها هو القصص نفسها، فلذلك اسمها سورة القصص. |
إعجاز القرآن الكريم :
تبدأ السورة بقوله تعالى: |
طسم[ سورة القصص: 1]
أحرف اللغة العربية من اعجاز القران الكريم
|
طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ[ سورة القصص: 1-2 ]
أي من هذه الأحرف صنعت آيات الكتاب المبين الذي بين أيديكم، العرب يوجد عندهم ثمانية وعشرون أو تسعة وعشرون حرفاً مع الألف والهمزة في لغتهم، فالمادةِ الأولية موجودة، لماذا جعل الله كلامه من هذه الأحرف؟ أحرف اللغة العربية نفسها هذا وجه من وجوه الإعجاز القرآني: |
طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
آيات الكتاب المبين صيغت من هذه الحروف التي بين أيديكم، فإن كنتم قادرين على الإتيان بمثلها فافعلوا، فعجزوا، تحداهم بعشر سورٍ مفتريات، ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ﴾ ، أليس القرآن مفترى بزعمكم ﴿ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ﴾ ثم قال: بآية فعجزوا: |
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ[ سورة البقرة: 23 ]
أيضاً عجزوا، إذا عجزوا عن العشر وعجزوا عن السورة وعجزوا عن الآية، فبان إعجاز القرآن اللغوي، هذا معنى: |
طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
آيات الكتاب المبين صيغت من هذه الأحرف، والأحرف بين أيديكم، فإن كنتم قادرين على صياغة مثلها فافعلوا ولكنكم عاجزون: |
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا[ سورة البقرة: 24 ]
ولن في هذه الآية مع أن لن في اللغة العربية فيها خلاف تفيد التأبيد أو لا تفيد التأبيد، لكن هنا في قوله تعالى أفادت التأبيد، لأنه لا يستطيع إنسان أن يأتي بقرآنٍ بإعجاز هذا القرآن الكريم، أو بكلام بإعجاز هذا القرآن الكريم. |
طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ[ سورة القصص: 1-2 ]
الآيةَ هي في الأصل هي العلامة
|
القرآن الكريم حفظ لغتنا العربية إلى يومنا هذا :
طبعاً كما قلت لكم: الكون هو كتاب، ولكن كتاب منظور، والقرآن هو كتاب مسطور، وسمي الكتاب كتاباً لأنه مكتوب أو سيكتب، سيكون مجموعاً في كتاب: |
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ سورة الحجر: 9 ]
كيف حفظ القرآن؟ من خلال الكتابة، فقال: تلك آيات الكتاب، الكتاب وصف في هذه الآية بأنه المبين، ما معنى المبين؟ الواضح، شديد الوضوح، هذا القرآن أُنزل للعالمين، فإن لم يكن مبيناً وواضحاً لن يستفيد منه الناس، لذلك اليوم تقرأ في القرآن الكريم إذا قرأت أنت فيه صباحاً أو مساءً، فتحت المصحف وقرأت خمس صفحات من كتاب الله عز وجل، لعل الذي لم تستطع أن تفهمه واحتجت أن تسأل عنه لا يعادل عشرة بالمئة من مجموع الصفحات، لأنه مبين واضح. |
اللغة العربية حفظت بالقران
|
القرآن الكريم كتاب واضح لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى تأويل :
عندما يقرأ الإنسان أول شي مبين وواضح بمعنى أنك تقرأ فتفهم: |
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ[ سورة القصص: 4]
أي الكلام واضح، ربما يمر عليك بعض الكلمات لا تفقه معناها، تفتح المعجم بثانية تفقه معناها، وعدم فقه معناها هو من تراجعنا نحن في اللغة، أي ليست المشكلة في عدم وضوح القرآن، بل فينا نحن بأننا هجرنا لغتنا فأصبحت بعض الكلمات ثقيلة على مسامعنا، لأننا لم نعد نتكلم الفصحى، فالمشكلة فينا وليست في بيان القرآن الكريم، ومع ذلك رغم كل ضعفنا في اللغة اليوم أي إنسان يستطيع القراءة، يقرأ فيفهم، يفهم سبعين أو ثمانين بالمئة دون معلم، ويستطيع أن يتدبر دون معلم، أي يقرأ ويتدبر ويفهم دون معلم، فهذا من إعجاز القرآن في أن آياته بيّنات، فالبيان أولاً في اللغة، ثانياً الكتاب مبين واضح في أحكامه وفي تشريعاته، أي إذا قرأت في تشريع الميراث القرآن واضح فيه، تشريع الطلاق، آية الدين صفحة كاملة تتحدث عن آلية المداينة والإشهاد: |
إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ[ سورة البقرة: 282]
ثم يحدثك عن ضرورة إعطاء الكاتب مالاً مقابل الوقت الذي فرَّغه، ثم يحدثك عن التجارة الحاضرة تُديروها بينكم، هذه لا تحتاج إلى كتابة أو إشهاد لكم أن تديرونها دون كتابة أو إشهاد إلخ .. فالبيان في اللغة، والبيان في الأحكام، أحكام القرآن واضحة بيّنة، القصص واضحة بيّنة، لا يوجد فيها غموض، مظاهر الجنة والنار، أحوال البعث، أحوال القيامة، كله واضح، فعندما وصفه بالمبين وصفه بوصف جامع مانع: |
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
القران الكريم متاح لاي انسان
|
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ
ميسر، أحياناً تجد طفلاً صغيراً، ست سنوات يحسن قراءته، وأحياناً تجده حفظه عن ظهر قلب، وأحياناً ترى طفلاً تقول له: الآية السادسة والثمانون بسورة البقرة يقرؤها، الآية الثالثة والثمانون بالنمل يقرؤها وهكذا، هذا تيسير، هذا من البيان: |
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ[ سورة القمر: 32 ]
إذاً |
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ[ سورة القصص: 2 ]
أي الكتاب الواضح، آياته بينات، قصصه بينات، آياته الكونية بينات، أحكامه بينة، لغته بينة، فهو الكتاب المبين الواضح. |
الهدف من القصة في القرآن العبرة وليس الإمتاع :
نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[ سورة القصص: 3 ]
نتلو عليك أي نتلو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أمته من بعده، نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون، يوجد نبأ ويوجد خبر، الخبر أجلس أنا وأنت في جلسة، قلت لك: هل علمت ماذا حصل مع فلان؟ تقول لي: خيراً ماذا حصل معه؟ قلت: والله أمس نزل إلى عمله متأخراً فصارت معه مشكلة مع مديره في العمل، هذا خبر، أي لا يوجد شيء مهم جداً. |
النبأ أهم من الخبر بكثير
|
هناك قصة مشهورة بالأدب اسمها العاقر، تتحدث عن امرأة لا تنجب، وعن متاعبها الشديدة والمؤلمة، أعط قصة العاقر لامرأة عندها عشرة أولاد، والأولاد نكدوا عليها حياتها بمشكلاتهم، وكلهم عنده امتحانات، ودراسة، قل لها: اقرئي قصة العاقر، هل تنزل دمعة من عينها؟ القصة لا تمسها، أعط العاقر لامرأة من عشر سنين تتمنى الولد، ولم تترك طبيباً، ولم يأتها الولد، بكل لحظة تبكي بالقصة، لأن القصة مست ألمها، فالقرآن الكريم عندما يروي لنا قصةً يرويها من أجل أن نتفاعل معها، والتفاعل يقتضي أن تحذف كل المشاهد التي لا علاقة لها بجو القصة، لأن المشاهد التي لا علاقة لها بجو القصة تصرفك عن الهدف الذي سيقت القصة من أجله، أي تنشغل أنت بجزيئات ليس لها علاقة، هذا ما يفعلونه في الدراما اليوم، القصة كلها ترَوى بحلقة واحدة، هم يجعلونها بثلاثين حلقة مثلاً، وكل حلقة ساعة بالأمور الجانبية، والتفاصيل التي لا تهم، يشرب قهوة، يجلس على الشرفة، يتكلم عن قصة ليس لها علاقة، أما القصة كلها فهي عبارة عن كلمتين، أن فلاناً ضاع ثم وجدوه وانتهى الأمر، القصة بسيطة لكن الدراما تلعب دورها. |
التصوير الفني في القرآن أعلى من كل القصص
|
القرآن ليس فيه تكرار لكن فيه توظيف القصة بما يخدم هدفها :
على فكرة قبل أن أتابع، قصة موسى وردت في القرآن بثلاثين موضعاً، أكثر قصة وردت في القرآن قصة موسى عليه السلام، لكن لا يوجد موضع مثل الثاني، مثلاً بسورة القصص الآن سيتكلم عن الحلقة الأولى هي حلقة الولادة، لم تذكر في أي مكان آخر إلا في سورة القصص. الجاهل يتوهم أن القرآن فيه تكرار، لا، لا يوجد به تكرار، بسورة البقرة كان هناك هدف معين، فذكرت قصة البقرة وذبح البقرة فقط، الآن في سورة القصص جو الرعاية التي تحيط بالمرسلين تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتسلية لقومه وللمسلمين الذين يسامون سوء العذاب، فجاء بحلقة مهمة فيها وهي رعاية الله عز وجل لهذا الطفل، |
في القرآن الكريم لا يوجد تكرار
|
الحكمة من تكرار قصة سيدنا موسى في القرآن الكريم :
الآن لماذا قصة موسى تحديداً تكررت في كتاب الله عز وجل أكثر من أي قصة ثانية؟ لأن قصة موسى أول شيء غنية بالأحداث، فيها حلقات كثيرة، ثم إن قصة موسى عليه السلام مع فرعون ومع بني إسرائيل كل الأمراض التي وقع بها بنو إسرائيل في علاقتهم مع موسى عليه السلام نحن المسلمين مرشحون أن نقع فيها تماماً في حياتنا، بل وقعنا بها، أي إذا سألتني: قصة البقرة ما لونها؟ ما هي؟ اليوم ألا نعاني نحن من هذه المشكلة؟ لا نترك الأمر، ونسأل عن تفاصيل ليس لها علاقة بالأمر، أليس الكثير من المسلمين يتعلقون بالقشور ويدعون اللب؟ بلى، إذا قلت لي الآن هذه القصة جزء من هذه القصة، ألسنا اليوم بحاجة إلى أن نفهم قصة موسى من المنظور الذي نعيشه اليوم مع اليأس الموجود عند الكثير من المسلمين الضعفاء في أن الله قد تخلى عنا؟ ألسنا بحاجة أن نفهم كيف رعت يد القدرة الإلهية موسى وجعلت طاغية العصر فرعون يُربيه في قصره؟ بلى، إذا قلت لي: بنو إسرائيل عندما اتخذوا عجلاً جسداً له خوار فقالوا: هذا إلهكم وإله موسى، أليس الكثير من المسلمين اليوم ينصرفون إلى عبادة غير الله؟ لا نقول عجلاً جسداً له خوار، لكن يعبدون، يظنون أن الفرج يأتي من شرق أو من غرب، بلى، إذاً قصة موسى، وكل أمراض بني إسرائيل التي وقعوا فيها نحن مرشحون لأن نقع فيها فكأن القرآن الكريم يقول: الكلام لك يا جارة واسمعي يا كنة، أو العكس، الكلام للكنة واسمعي يا جارة، فالقرآن الكريم الكلام لبني إسرائيل، واسمعوا يا مسلمين الهدف التربوي العظيم جداً، قال لك قصة فإياك أن تقع بما وقع به بنو إسرائيل تماماً. |
الحق هو الشيء الثابت والهادف والباطل هو الشيء العابث والزائل :
﴿ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ ﴾، طبعاً موسى وفرعون بالعرف القصصي بالقصصي فقط وليس بالعرف الحقيقي هما بطلا القصة، لكن الأول بطل شرير، أقصد أنه بطل بالعرف القصصي وليس بطلاً بالعرف أنه بطل، لا، فرعون ليس بطلاً، لو كان بطلاً لأطاعَ الله، لكن هو من الشخصيات الرئيسة، الشخصيتان الرئيستان في القصة هما موسى وفرعون، موسى يمثل جانب الخير، وفرعون يمثل جانب الشر، فسميت هنا القصة باسميهما، من نبأ موسى وفرعون بالحق، هذه الباء بالبلاغة يسمونها باء الملابسة، ماذا يعني باء الملابسة؟ أي هذه القصة سوف تروى متلبسة بالحق: |
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ[ سورة العنكبوت:44 ]
الحق لابس خلق السماوات والأرض: |
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ[ سورة الزمر: 2 ]
الحق لابس إنزال الكتاب، الآن الحق هنا سيُلابس رواية القصة، هذا إعلام، صار عندنا إعلام ووكالة أنباء وحق، الآن وكالات الأنباء هل يلامس الحق روايتها للأحداث؟ لا، الآن الصفة الجامعة المانعة لجميع وسائل الأعلام نتلو عليك نبأ كذا وكذا بالباطل وبالكذب، الإعلام موجه، أما الإعلام القرآني فيكون بالحق: |
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ[ سورة المائدة: 27 ]
فالحق يلامس رواية القصة، أنت بالقصة هنا لا يخطر ببالك لثانية أن هناك معلومة غير صحيحة، حاشا لله تعالى، الآن النبأ سيروى بالحق، وما هو الحق؟ هو الشيء الثابت والهادف، وما الباطل؟ العابث والزائل: |
إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا[ سورة الإسراء: 81 ]
الحق ثبات, والحق هدف
|
نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[ سورة القصص: 3 ]
الرغبة بالايمان تقوي الايمان
|
نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[ سورة القصص: 3 ]
أي لقوم يريدون الإيمان فتنفُعهم الآيات. |
إعراض بني إسرائيل عن دينهم مكن فرعون منهم وأذلهم :
الآن: |
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ[ سورة القصص: 4 ]
الآن مقدمة للقصة توضح البيئة التي سوف تجري بها القصة، أي تمهيد يعطيك البيئة التي سوف تروى بها، تصور عام، هاتان الآيتان قبل بداية القصة، لأن القصة ستبدأ الآن: |
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ[ سورة القصص: 7 ]
بداية القصة من الآية السابعة: |
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ[ سورة القصص: 7 ]
وبدأنا بقصة موسى، لكن قبل قصة موسى بدأ بالفرش التاريخي قال: |
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ[ سورة القصص: 4 ]
أي هذه القصة تجري أحداثها في ضوء هذه القضية، القصة عند طاغية هو فرعون من الفراعنة، وفرعون لقب لمن يحكم مصر في ذلك الزمان، يحكم بني إسرائيل فرعون، كل فرعون له اسم، لكن الفرعون لقب يعني لقب الحاكم، لكن لم يسمّه لأنه ما من داع لذلك، يكفي فرعون، وقد أصبح فرعون الآن رمزاً لكل طاغية، فيقال: فلان فرعون العصر، أي طاغية العصر، أي أصبح رمزاً للطغيان: |
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ[ سورة هود: 98]
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ[ سورة القصص: 4 ]
علا في الأرض استعلى، وأخذ مكانة ليست له، لأن العلو في الأرض ليس من شأن الإنسان، أصبحت له مكانة كبيرة، علا في الأرض: |
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا[ سورة القصص: 4 ]
في عرف الطغاة فرق تسد
|
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا[ سورة القصص: 4 ]
يستضعف طائفة منهم يستضعف أي يرغب في إضعافهم، استطعم طلب الطعام، استضعف كأنه طلب الضعف لهم، فهم ليسوا ضعفاء في الأصل، الكواكبي في طبائع الاستبداد ماذا يقول؟ يقول: " لو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم". |
إذاً هو استضعف هذا الإنسان، هل هو ضعيف في الأصل؟ لا، هو قوي، الإنسان قوي لأنه هو بخلق الله عز وجل له عنده أدوات للتعامل مع الناس، الإنسان خلق ضعيفاً فيمرض، فيتعب، الإنسان ضعيف في الأصل، كل الناس، لكن أقصد بالمواجهة، هل هذا الإنسان ضعيف؟ فرعون واحد وقومه ربما كانوا يعدون عشرات الألوف، فلو قرروا في يوم من الأيام أن يهجموا عليه هجمة رجل واحد لاقتَلعوه، فهم ليسوا ضعفاء، لكنه استضعفهم، هذا معنى يستضعف، يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل، كان هناك أقباط وهناك بنو إسرائيل، فهو استضعف بني إسرائيل وسامهم سوء العذاب، طبعاً لماذا فعل ذلك بهم؟ لأنهم كانوا مقصرين بجانب الله عز وجل، نقرأ القرآن بشكل كامل، هل مكن الله عز وجل فرعون من بني إسرائيل هكذا من دون سبب؟ |
العبودية لله عز
|
يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[ سورة القصص: 4 ]
ويروى في التاريخ أنه جمع القوابل - جمع قابلة، جمع قابلة قوابل، مثل شاعرة شواعر- وطلب منهن أنه إذا ولد مولود ذكر أن يخبرن عنه فإن لم تخبر عنه قتلت، الطغاة عندهم أساليب كثيرة حتى يحصوا على الناس أنفاسهم، فكان إذا جاء المولود ذكراً قتله، وإذا جاء المولود أنثى استحياه، أي أراد له أن يبقى حياً، أي لا يذبحه، يذبح أبناءهم، وجاءت يذبح، ما قال: ذبح، قال: يذبح للدلالة على كثرة الإجرام. |
وصف القرآن الكريم لفرعون :
ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين، هذا وصف القرآن لفرعون، الآن فرعون قد يدّعي أنه مصلح: |
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[ سورة البقرة: 11 ]
الطاغية لديه أيديولوجية يخدع بها رعيته
|
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ[ سورة الأعراف: 12 ]
قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا[ سورة الإسراء: 61 ]
أي جعل يبرر لنفسه عدم سجوده، وعدم طاعته لربه، فالتبرير موجود لكن هل هو يطابق الواقع؟ الجواب: لا، إنه كان من المفسدين، عمله إفساد في الأرض، لم يكن مصلحاً أبداً، إنه كان من المفسدين. |
إرادة الله عز وجل هي الإرادة النافذة دائماً :
نختم بهذه الآية الخامسة: |
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[ سورة القصص: 5 ]
الملك إلى زوال أما الأئمة يبقى نهجهم
|
متى تظهر إرادة الله؟
|
إذاً هذه إرادة الله عز وجل، وهذا ما يريده فرعون، والقصة ستَبدأ من لحظة الولادة، وكيف رعت يد القدرة الإلهية الحانية موسى عليه السلام منذ أن وضعته أمه في التابوت إلى أن عاد إلى فرعون ليقضي على ملكه، وكيف أحاطه الله عز وجل بالرعاية الكاملة، وكيف انتصرت إرادة الله عز وجل لأنها إرادة الخير، ولأن الله عز وجل هو الحق، والحق هو المنتصر، والحمد لله رب العالمين. |