الرغبة من العبد والتثبيت من الله
الرغبة من العبد والتثبيت من الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
رعاية الله عز وجل لسيدنا موسى عليه السلام :
اليوم اللقاء الثالث من لقاءات سورة القصص، اللقاء الثاني لخّصنا فيه بداية القصة، قصة موسى، طبعاً نحن نتحدث عن سورة القصص التي محورها العام هو: بيان رعاية الله عز وجل لأوليائه وأنبيائه وأصفيائه والصالحين من بعدهم إلى يوم القيامة، فمحور السورة يبين هذا الأمر، وهو أن الله تعالى يحمي أولياءه، يدافع عنهم، يتولاهم بالحفظ والرعاية والتأييد، وسنة الله في ذلك، سورة القصص كما أسلفنا بدأت بالفرش التاريخي، بمسرح القصص، القصص التي ستدور في القصة: |
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[ سورة القصص: 4-5]
رغبة فرعون في مقابل إرادة الله، وكيف أن إرادة الله هي المنتصرة في المبدأ والختام، ثم بدأت قصة موسى عليه السلام: |
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[ سورة القصص: 7-9]
وبيّنّا أن هذا الوحي هو وحي إلهام ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾، وبدأت القصة من الزاوية التي تناسب محور القصة، أي قصة موسى هنا ستتحدث عن مرحلة من مراحل حياة موسى عليه السلام، تبين أن الله تعالى يرعى أولياءه، ويحفظهم، ويؤيدهم، و ينصرهم، فبدأت من مرحلة الولادة لأنه أكثر ما تجلّت إرادة الله في رعاية موسى عليه السلام في مرحلة الولادة، لأنها كانت أخطر مرحلة، في هذه المرحلة كانت نسبة احتمال الموت إذا ما قلنا مئة بالمئة فهي تسعة وتسعون بالمئة، لأن فرعون وطغيانه وجنوده أي مولود ذكر يُقتل، هذا قانون فرعون، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، ألقته في اليم ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، الآية كان فيها بشارتان ونهيان وأمران، الأمر: أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه، هذان أمران، النهيان: ﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ البشارتان هما اللتان ستتبينان في تتمة القصة: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ سيعود إليك بعد أن يُلقى في اليم ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وهي البشارة الثانية التي ستأتي عندما يستوي موسى عليه السلام ويبلغ أشده ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ كما أسلفنا وهذه لام المآل، كان لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا في المستقبل وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ ﴾ ألقى الله محبة هذا الغلام في قلب امرأة فرعون فأرادت أن تتخذه ولداً. |
الوثوق بوعد الله و اليقين بما عنده :
﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا﴾، هنا نبدأ هذا اللقاء: |
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[ سورة القصص: 10]
املأ فؤادك باليقين بوعد الله
|
جعل الله عز وجل في الأرض أسباباً
|
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[ سورة يوسف: 24 ]
الربط على القلب هو التثبيت
|
التثبيت من الله و السعي من العبد :
الآن إن فعلت ذلك وبدت منك رغبةٌ في هذا اليقين وذاك الثبات فالله عز وجل يربط على قلبك فيزيدك، الرغبة منك والتثبيت من الله: |
وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا[ سورة الإسراء : 74 ]
﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ﴾ حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول الخلق رتبةً عند الله، ماذا قال الله تعالى له؟ ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ﴾ إذاً التثبيت من الله ﴿لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ﴾ لكن الرغبة في الثبات والسعي للثبات من العبد، والله يربط على قلبك، فأنت إذا وجدت نفسك في لحظة معينة لحظة ضعف طارئ في هذه الحياة كدت تقع في المعصية، أو في الشهوة، أو في الشبهة، فأنت اسع إلى الثبات، واعلم يقيناً بأن الله سوف يثبتك، الله يثبت الذين آمنوا: |
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[ سورة إبراهيم: 27 ]
﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هي مؤمنة، أي هي ما كانت غير مؤمنة، لكن لتكون من المؤمنين أي تثبت على إيمانها، وتزداد إيماناً مع إيمانها، لأنها هي في البداية إن لم تكن مؤمنة هل كانت ألقته في اليم؟ هل يوجد امرأة تلقي ابنها في اليم؟ ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمّ﴾، هل هناك امرأة تقول لها: إذا خفت على ابنك ألقيه في البحر فتلقيه إذا لم يكن عندها إيمان شديد بالله؟ أبداً، فلتكون من المؤمنين بوعد الله، وأشد ثباتاً على يقينها بوعد الله، بهذا المعنى، إذاً أم موسى فؤادها أصبح فارغاً، القلق يعصف به من كل جانب، الفراغ دائماً يوحي بالخوف مثل الآية: |
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ[ سورة إبراهيم: 43 ]
الفراغ و الخوف متلازمان
|
إذاً أم موسى بهذا الوضع وصل بها الخوف والقلق على ابنها أنها كادت تبدي به، لكن الله عز وجل كافأها على يقينها بوعده بثباتٍ آخر، ثبتها أكثر، وجعلها تؤمن بوعد الله أكثر، فامتنعت عن أن تنادي أو تستصرخ أو تستغيث تريد ابنها الذي جعلته في اليم. |
تتبع أخت موسى أثر أخيها و الاطمئنان عليه :
الآن: |
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[ سورة القصص:11 ]
﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ وقالت أم موسى لأخت موسى: قُصِّيهِ، أي تتبعي أثره، ومنه سورة القصص، لماذا سميت القصة قصة؟ لأننا نتتبع فيها أخبار الأشخاص ثم ينبغي بعد ذلك أن نتتبع فيها العبر: |
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[ سورة يوسف: 111]
كل قصة نافعة فيها عبرة
|
﴿وقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾، أي تتبعي آثاره، هو في اليم، أين وصل التابوت؟ غرق؟ التقطه أحد؟ أي باب التقطه؟ ماذا صنعوا به؟ ﴿قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ﴾ عن جنب إشارة للبعد مع عدم المواجهة، أي هي تحاول أن تراه دون أن يراها أحد، اليوم في التصوير يصورون أحياناً عن جنب، أي المتكلم يتكلم بهذه الجهة، والتصوير يأتي من الجهة الثانية، حتى لا يكون هناك مباشرة، أو يضعون كاميرات ويتنقلون بينهم حتى يبقى يتابع، هذه الكاميرا عن جنب، تكون الكاميرا هكذا وأنت هكذا تكون، فهي عن جنب، فهي ﴿بَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ﴾ أي هي لم تفعل مواجهة للإبصار به، لم تدخل القصر وقالت: أين هو؟ القصر هنا وهي تمضي بعيداً عنه وتنظر ما الذي حصل، انظر إلى التعبير والتصوير القرآني: ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون﴾ أي لا يشعرون بها أو إن شعروا بها لا يعلمون أنها أخته، لو أن أحداً رآها تنظر فهي واحدة تتابع الحدث، تنظر ماذا يحدث حول القصر، ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. |
على الإنسان أن يأخذ بالأسباب و يترك تدبير العواقب لرب الأسباب :
أنت عليك بالأسباب
|
وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا[ سورة الإسراء : 46 ]
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[ سورة الأنفال: 16]
الدُّبُرْ هو العاقبة، فأنت لا تنظر في التدبير، الأمر في عاقبته، أنت اتخذ أسبابك في الدنيا، ودع تدبيرك لرب العباد، لا تدبر لك أمراً، هو المدبر جل جلاله (يدبر الأمر) كما جاء في القرآن الكريم. |
القرآن يعلمك أن الحياة تمشي وفق خطة
|
إرادة الله نافذة في كل شيء :
فكيف الأسباب الآن؟ |
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ[ سورة القصص: 12]
المَرَاضِع: جمع مُرضعة أو مُرضع، المرضعة أنثى فيجوز فيها مُرضع ومُرضعة ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾ أي إرادة الله نافذة، فلما وضعوه لتُرضعه مثلاً زوجة فرعون فلم يقبل ثديها، جاؤوا بالثانية، بالثالثة في القصر من ترضع لكي ترضعه، لا أحد يستطيع، لا يقبل ثدياً، ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ من قالت؟ أخته، هي تتابع الحدث من بُعد، فلمّا صار دورها تدخّلت ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ﴾ الكفالة هي الرعاية والعناية، أي هم يأخذونه، يكفلونه، ﴿يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ نصحَ تتعدى باللام، فأقول: نصح له وشكر له، ولا أقول نصحه أو شكره وإن كانت صحيحة لكن الأفصح له، والقرآن: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[ سورة البقرة: 172]
النصح أن أُعطيك من خبرتي شيئاً
|
من نما عقله آمن بعقله وليس بعينه :
الآن تحقق الوعد: |
فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[ سورة القصص: 13]
العلم الشهودي أن ترى بعينك
|
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ سورة يونس: 90 ]
لأنه أصبح بالعلم الشهودي، أما العاقل من اليوم فيعلم أنه سيموت يقيناً، فإذا قلنا إنه عَلِم أن الموت حق لحظة الموت، فهذا يعني أنه انتقل من العلم الأول إلى العلم الثاني وهو شهود الحادثة بعينه، لكن لا تعني أنه لم يكن يعلم إذا كان عاقلاً، فهي كانت تعلم لكن الآن تحقق علمها اليقيني، نظير ذلك قصة إبراهيم عليه السلام، بعض الناس يستغربون أنه كيف قال: |
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ سورة البقرة: 260 ]
كلما نما عقل الإنسان يؤمن بعقله وليس بعينه
|
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ[ سورة يوسف: 106 ]
وكثيراً ما يتكرر في القرآن: ﴿وَلكن أَكثَرُهُم لاَ يَعقِلُونَ﴾ ﴿لاَ يَعلَمُونَ﴾: |
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ[ سورة الأنعام: 116]
فلا تغتر بالأكثرية، لا تقل: نحن كثرة: |
وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ[ سورة الزخرف: 39]
الكثرة في القرآن مذمومة :
الحق هو ما وافق الشرع ولو كان واحداً
|
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً[ سورة الرعد: 17]
فهنا ﴿ولكن أكثرهم﴾ أكثر الناس ﴿لا يعلمون﴾ لا يعلمون أن وعد الله حق، اليوم في الأرض إذا كان فيها ألف إنسان، كم واحد منهم يعلمون أن وعد الله حق؟! أنا أريد أن أضع نسبة، مع أن النسب مهما قلت لن تكون دقيقةً، لكني أفترض افتراضاً حتى يذهب ذهنك لشيء، حسب مشاهداتنا اليومية كثرةٌ من الناس لا يعلمون أن وعد الله حق، لا يعلمون يقيناً، أي ممكن باللسان يقول لك: وعد الله حق لكن هو في وعيه الباطن أو في شعوره اللاواعي في الداخل هو ينظر إلى أن وعد فلان من الأقوياء هو الحق، وأن وعد الدولة القوية تلك هو الحق، وأن هذه الدولة إذا قالت فعلت، وأن تلك الدولة إذا أرادت التدمير دمرت، وكأن لها إرادة مستقلة عن إرادة الله جل جلاله! أكثر الناس مع الأسف لا يعلمون أن وعد الله حق، يكون وعيد الطبيب أشد في نفسه أثراً من وعيد الله، فما أجهله، كما قال الإمام الغزالي رحمه الله: (يا نفس لو أن طبيباً منعك من طعام تحبينه ألا تمتنعين؟ قالت: بلى، - نفسه قالت: بلى- قال: أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله؟ إذاً ما أجهلك) ما أجهل الإنسان عندما يعلم أن وعد الطبيب حق، ولا يعلم أن وعد الله حق، عندما يعلم أن وعد ملك من ملوك الأرض حق، ولا يعلم أن وعد الملك الذي يملك ملوك الأرض كلهم حقٌّ. |
قرار العين دليل على الاستقرار والسكون وذهاب القلق والخوف :
فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا[ سورة القصص: 13]
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[ سورة الفرقان: 74]
الطمأنينة والسلام الداخلي
|
وهذا ورد في حديث وإن كان ليس صحيحاً هو حديث ضعيف: (رحم الله أم موسى ترضع وليدها وتأخذ أجرها) حديث فيه ضعف، لكن متنه صحيح، تأخذ أجرها على إرضاع ابنها، مع أن الأم لا تأخذ أجرها على إرضاع ابنها، تأخذ أجرها على إرضاع ابن غيرها، فهي كان وليدها ولكن لا أحد يعلم، ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾، كي تقر عينها ولا تحزنَ، ﴿ولتعلم﴾ هذه الثالثة ، أصبح قرار عين، لا تحزن، ولتعلم أن وعد الله حق. |
ملمح مهم ولطيف في قوله تعالى ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ﴾ :
الهدف المعنوي أثمن من الهدف المادي
|
يخطر ببالي بالمقابل أمر آخر عن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما دعا، قال: |
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ[ سورة إبراهيم: 37]
الصلاة هي الهدف الكبير
|
نسأل الله أن يجعلنا ممن يعلمون أن وعد الله حق. |