• الحلقة الرابعة
  • 2021-04-10

ملك اليمين

ملك اليمين هي أسيرة الحرب التي قد يقرر ولي أمر المسلمين جعلها رقيقة لمصلحة يقدرها كالمعاملة بالمثل أو أن تؤسر وحدها دون زوجها أو أن يقتل زوجها في أرض المعركة، إذ إن المرأة لا يجوز قتلها إلا إن قاتلت، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم وقف على امرأة قتلت في أرض المعركة فاستنكر ذلك وقال:

{ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ }

(صحيح ابن ماجه)

وقد اتفقت كلمة الفقهاء أن المرأة لا تقتل.
هذه سفانة بنت حاتم الطائي تؤسر ويمرُّ بها النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: (يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد (تقصد أخاها عدياً) فامنن علي من الله عليك، فقال صلى الله عليه وسلم: قد فعلت، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة، حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني ( أي أعلميني ) بعد حين قالت: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، قد قدم رهط من قومي، لي فيهم ثقة وبلاغ.
قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملني، وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدِمت الشام.

حكم المرأة التي تؤخذ في المعركة:
إن حكم المرأة التي تؤخذ في المعركة هو حكم الأسير نفسُه الذي تحدثنا عنه سابقاً، إما أن يُمنَّ عليها بإطلاق سراحها دون مقابل، أو الفداء، فالسبي ليس هدفاً من أهداف القتال في الحرب كما يصوّر بعض المغرضين، بل هو نتيجة لا بد منها في بعض الحالات، لذلك يضع الإسلام لملك اليمين مجموعة أحكام شرعية تضمن لها حياة آمنة في المجتمع الجديد.
من هذه الأحكام: لا يجوز لمن ملكها أن يدخل بها إن كانت حاملاً حتى تضع حملها، فإن لم تكن حاملاً فيجوز له الدخول بها بعد استبراء الرحم، فإذا دخل بها صارت لها أحكام قريبة من أحكام الزوجة
فإذا ولدت كان ولدُها حراً، فلا تنتقل إليه العبودية فيتوقف الأمر عند الأمة فقط ولا يتعداها، ثم إنه لا يجوز لسيدها بيعها فهي أم ولده، فإذا مات سيِّدها صارت حرةً، وبهذه القواعد فإن ملك اليمين يندرج تحت تصفية نظام الرق والتخلص منه.
نعم قد يقول قائل: ولماذا يسترقها في الأصل؟ والجواب: إن وجود السبايا أمرٌ لا مفرَّ منه في الحروب في ذاك العصر، حيث كان استرقاق الأسرى نظاماً عالمياً وقتها لا يعقل ولا يصحُّ إلغاؤه من جانب واحد بحيث يأمن الأعداء على أسراهم ولا يأمن المسلمون على أسراهم!
فكان الحلُّ الوحيد يومها تنظيمَ هذا الأمر بدلاً من تجاهله بحيث يصبح بعد حين مشكلة كبيرة لا يمكن السيطرة عليها فهناك حاجات عند المرأة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها!

الشأن الكبير لبعض الجواري في الإسلام:
وأسيرة الحرب مخيرة بين الدخول في الإسلام، أو البقاء على معتقدها إذ لا إكراه في الدين وتدخل ضمن مدرسة داخلية تسمى ملك اليمين ويحقَّق لها في تلك المدرسة ما يمكن تحقيقه من حاجات مشروعة بحيث نحافظ على المجتمع المسلم من الفساد، فلا عجب بعد ذلك أن ترى أن بعض هؤلاء الجواري كان لهنَّ شأن كبير في المجتمع الإسلامي، ولا عجب إن علمت أن هناك من أبناء الجواري الكثيرَ من الخلفاء والسلاطين والعلماء، مما يؤكد أن مكانتهن في المجتمع لم تنتقص.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج جويرية بنت الحارث وقد كانت من سبايا بني المصطلق وقد أعتق بتزويجها مئة بيت من بني المصطلق تقول عائشة رضي الله عنها: فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.
ولما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر تزوج صفية بنت حيي وقد قُتل زوجها، وما زلنا إلى اليوم وسيبقى المسلمون إلى يوم القيامة يقولون: أمنا أم المؤمنين جويرية، وأمنا صفية رضي الله عنهما.

وصية الرسول الكريم بملك اليمين:
وكيف تنتقص مكانة هؤلاء النساء وأنت تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ:

{ «الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ }

( ابن ماجه بسند صحيح )

هل ندرك معنى أن تكون الوصية بما ملكت أيمانكم من آخر ما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته؟
ثم هل ندرك معنى أن يقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بهنّ بوصيته بالصلاة التي هي عماد ديننا!
وكيف ينتقص مسلم من كرامتهنَّ وهو يسمع قوله صلى الله عليه وسلم:

{ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا، فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ }

( صحيح مسلم )

إن أي ممارسة بعد ذلك تناقض تلك النصوص الشرعية فالإسلام ليس مسؤولاً عنها وهو منها براء، سواء ما كان من ذلك في قديم الزمان أو في حديثه

المبالغات في ملك اليمين:
مع الانتباه إلى أن المبالغات التي أشيعت حول هذه القضية في التاريخ ليس لها سندٌ صحيح يطمئنُّ إليه المرء، مع مناقضتها الواضحة لمنجزات هذه العصور، فلا يصدق عاقل أن خليفة المسلمين هارونَ الرشيد الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً، وقد نهضت البلاد في عصره نهضة علمية عمرانية ما تزال آثارها شاهدة عليها إلى يومنا هذا، كان يخوض أعظم الغزوات، ويقرّب العلماء والفقهاء كالشافعي، وتدار في مجالسه الحوارات العلمية والفقهية والأدبية، وتبدأ في عصره حركة الترجمة، ويحارب الروم ويخاطب ملكهم نقفور برسالته الشهيرة: ( الجواب ما سترى لا ما ستسمع ) ثم يقضي بخراسان مجاهداً خلال إحدى غزواته وعمره لم يتجاوز الخامسة والأربعين، فهل يصدق عاقل بعد كل هذا أن هذه الإنجازات الهائلة التي لا يمكن إنكارها قد حصلت في عصره وهو غارق بالجواري والطرب!
أما ما يحصل في زماننا من بعض أدعياء الإسلام من أفعال مشينة تنسب إلى الشريعة، فقد أصبح واضحاً لكل ذي عقل أنها منظمات مأجورة تعمل لتشويه ديننا وصرف الناس عنه ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فملك اليمين تنظيم مرحلي لحالة قائمة كان لا بد منه ثم انقضى.

العبودية الحديثة:
أما إن أردت أن تعرف إن كان هناك عبودية في جاهلية القرن الواحد والعشرين فدونك المجتمعات التي أعرضت عن الدين وشرّعت لنفسها القوانين الوضعية، ففي إحدى أهم القنوات الألمانية عرض قبل سنوات فلم وثائقي عن الاتجار بالبشر تقول فيه إحدى الطبيبات المتخصصات بمعالجة الصدمات النفسية من واقع تجربتها ومعاينتها لحالات كثيرة في أوروبا: إنها العبودية الحديثة، لم يسبق أن كان هناك هذا العدد من العبيد في العالم كما هو اليوم، هناك أعداد ضخمة من الناس يتم الاتجار بها حول العالم حيث يتم بيعهم واستغلالهم.
أما تقديرات الأمم المتحدة فهناك نصف مليون امرأة تباع سنويا في أوروبا الشرقية
وفي تقديرات المفوضية الأوربية تباع مليون ومئتا ألف امرأة سنوياً إلى أوروبا الغربية
وتقول المنظمات الدولية: إن أرباح الاتجار بالبشر تبلغ اثنين وثلاثين مليار دولار سنوياً
بينما هناك مئتا ألف امرأة في ألمانيا وحدها يعملن بالدعارة، ثمانون بالمئة منهن وفق الخبراء يعملن بالإكراه ويتعرضن للعنف والضرب والتعذيب والحرمان من الطعام إن لم يأتوا بالمال المطلوب منهن
ويقول الحقوقيون: إنَّ قانون تنظيم الدعارة الذي صدر في ألمانيا عام 2002 والذي صدر تحت مسمى دعم حقوق المرأة أصبح أكبر داعم للاتجار بالبشر!
أما المحاكم ففي كل يوم تطلق سراح المتهمين بالاتجار بالبشر لعدم توفر الدليل، إذ يخشى الضحايا من الإدلاء بشهاداتهم خوفا على أنفسهم من القتل أو التعرض للتعذيب أو الأذى، حسب المكتب الفيدرالي لمكافحة الاتجار بالبشر في ألمانيا، وتقول إحدى الضحايا: إنها هربت من سجنها ثم عادت للعمل بعد تلقيها تهديداً بقتل والدتها.
كما تؤكد التقارير أن كثيراً من المدعين العامين والقضاة يُغرون بالذهاب إلى تلك الأماكن المشبوهة ثم يصورون، ويقال لهم: لن ننشر صوركم في مقابل تأدية خِدمات في مناسبات معينة، وعندما تقع الأدلة في أيدي القضاة يستخدم تجار البشر هذه الصور لتهديد القضاة، وابتزازهم.

صون الإسلام لحقوق الإنسان:
هذه المجتمعات المتفلتة من منهج الله تعالى هي التي يجب أن تخجل بنفسها، أما أنت أيها المسلم فارفع رأسك عالياً بدينك الذي صان حقوق الإنسان واقعاً في الحياة وليس حبراً على ورق، وبنى حضارة ما نزال ننعم بخيراتها حتى اليوم رغم أننا وللأسف لا نطبق من تعاليم ديننا إلا اليسير، ونحن بهذا القليل سعداء، فكيف إذا عدنا إلى تطبيق ديننا كما أنزل.
إن العالم كلّه يخشى تلك اللحظة لحظةَ نهضتك أيها المسلم ولحظة عودتك إلى تعاليم دينك، ومن أجل ذلك يحاولون إضعاف ثقتك بدينك من خلال رسائل الشهوات والشبهات فاعمد إلى تنور فكرك فأحرق به كل شهوة وكل شبهة.