شبهات حول المرأة - الجزء الأول

  • الحلقة الرابعة عشرة
  • 2021-06-26

شبهات حول المرأة - الجزء الأول

زعموا أن الإسلام ظلم المرأة، واستغلوا هذه الشبهة للعبث بعقول النساء ودفعهنَّ للمطالبة بالمساواة مع الرجل، من ذلك أنهم قالوا:
ظلمها حين جعل لها نصف ميراث الرجل! ظلمها حين وصفها بأنها ناقصة عقل ودين! ظلمها حين جعل القوامة للرجل عليها! ظلمها حين أذن بضربها! ظلمها حين جعل شهادتها بنصف شهادة الرجل!

النساء ناقصات عقل ودين:
نبدأ بالشبهة الأولى: يقول صلى الله عليه وسلم:

{ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: " أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ }

(صحيح مسلم)

هذا الحديث هو الذي يعنينا، أما استخدام بعض الرجال وبعض الدعاة الحديث في غير سياقه بأن يجتزئ منه ثلاث كلمات فيقول: (النساء ناقصات عقل ودين) فهذا اجتزاء مخل خارج السياق
أولاً: لأن الحديث ليس في سياق ذم المرأة، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: (وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ) واللب هو العقل والمرأة تغلب صاحب العقل بما فضلها الله تعالى بما ليس في الرجل ، فالنقصان في حقها كمال.
ثانياً: لأن الحديث بيّن وبشكل واضح معنى نقص العقل والدين فنقصان العقل متعلق بالشهادة ونقصان الدين متعلق بترك الصلاة والصيام أيام العذر، لكن عندما تتنزع العبارة من سياقها ويقصد بها ذم المرأة واتهامها في عقلها ودينها فهذا من سوء توظيف النص والنص براء من هذه التهمة!

قوامة الرجل على المرأة:
الشبهة الثانية: يقول تعالى:

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
(سورة النساء)

هذه الآية يشكل فهمها على البعض في سياق حقوق المرأة من زاويتين؛ الأولى قوامة الرجال على النساء، والثانية ضرب النساء، والحقيقة أننا لا خيار لنا رجالاً ونساء أمام حكم من أحكام الله إلا بالفهم الصحيح وفق اللغة وفهم السلف الصالح ثم التسليم بما جاء به الحكم قال تعالى:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)
(سورة الأحزاب)

أما القوامة فهي درجة تكليفية للرجل كما هي درجة التكليف بإدارة مؤسسة ما، وهذه الدرجة لا تلغي المرأة ولا تلغي كرامتها ولا تلغي حقوقها المقررة شرعاً، فالخبير جل جلاله أعلم بما يصلح الأسرة.
ومن أعجب العجب أن تسمع من بعض الداعيات أو من بعض التنويريين من يقول للمرأة: لا تطيعي زوجك ، أنت وهو في مرتبة واحدة ، ليس له قوامة عليك ، ثم لا تسمع منهم من يقول لها وهي موظفة في شركة : لا تطيعي مديرك في العمل ، ليس له أي حق إضافي في الشركة ، وليس له أي قوامة عليك!
يقول بعضهم بسوء نية أو بسوء فهم: إن الإسلام أمر بضرب المرأة، وهذه العبارة بهذا الإطلاق ليست صحيحة، مثال ذلك: لو أن جامعة لها نظامها الداخلي الذي يحدد رسالتها ورؤيتها وشروط الانتساب إليها والكليات التي تتضمنها وأخيراً هناك نظام المكافآت والعقوبات، وفي نظام العقوبات يقرر النظام الداخلي أن الطالب الذي يعتدي على حرمة الجامعة ويرفض الانصياع لأوامر رئيس الجامعة فإنه يوجه له إنذار شفوي فإن لم يستجب فلا بد من إنذار كتابي، فإن أعاد المخالفة فإنه يفصل من الجامعة، فهل من الصواب أن نقول: إن الجامعة تأمر بفصل الطلاب منها بهذا الإطلاق، وهي التي أنشئت في الأصل لتخريج الكفاءات أم نقول: إن الجامعة سمحت بفصل الطالب الذي لا يخضع لنظام الجامعة عند تعذر الإصلاح؟

هل أمر الإسلام بضرب المرأة؟
السؤال الآن: هل أمر الإسلام بضرب المرأة، أم أذن به في حالة خاصة وبشروط خاصة ، إليكم النصوص:
يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
(سورة النساء)

فهل من يضرب زوجته يعاشرها بالمعروف، إن المعاشرة بالمعروف لا تعني أن تكف عن الإضرار بها فحسب ، ولكنها تعني أن تتحمل بعض الضرر منها وأن تصبر عليها بغية إصلاحها.
وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم:

{ لا تضرِبوا إماءَ اللَّه فجاءَ عمَرُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ ذَئرنَ النِّساءُ على أزواجِهِنَّ فرخَّصَ في ضربِهِنَّ فأطافَ بآلِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نساءٌ كثيرٌ يَشكونَ أزواجَهُنَّ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لقَد طافَ بآلِ محمَّدٍ نِساءٌ كثيرٌ يَشكونَ أزواجَهُنَّ ليسَ أولئِكَ بخيارِكُم }

(صححه الألباني)

(لا تضرِبوا إماءَ اللَّه) فهل هذا أمر بالضرب أم نهي عنه!
ولما بلغ رسول الله أن بعض الأزواج يضربن نساءهم قال: (ليسَ أولئِكَ بخيارِكُم).
وأما من حيث الممارسة ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها:

{ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمًا لَهُ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا }

(صحيح مسلم)


ضوابط الضرب:
فإذا عدنا إلى قوله تعالى:

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
(سورة النساء)

فإن الصواب أن نقول: لقد رخص أو سمح الإسلام بضرب الزوجة بشرطين اثنين:
1- نشوز الزوجة وهو الخروج بالكلية عن طاعة الزوج بغير عذر
2- تعذر الإصلاح بالوعظ والهجر
أما عن ضوابط الضرب فهو الضرب غير المبرح أي غير المؤلم كما صح في الأحاديث فهو مجرد تنبيه عند استحالة الإصلاح بالوعظ أو بالهجر، وعندها يكون الضرب حلاً أخيراً لعلها تؤوب إلى رشدها وتحافظ على بيتها، فالأسرة كيان مهم بني ليبقى، والإسلام يسعى إلى المحافظة عليه بكل وسيلة ممكنة ويجعل الضرب حلاً أخيراً لمعالجة النشوز.