عدد الأحاديث الصحيحة

  • الحلقة الثامنة عشرة
  • 2021-07-24

عدد الأحاديث الصحيحة


مقدمة:
يقول بعضهم: إن عدد الأحاديث في صحيح البخاري بل في السنة عموماً عدد كبير جداً لا يمكن التصديق بأن كل هذه الأحاديث قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم ورويت عنه في مدة قصيرة، بل لا نصدق أن يكون البخاري مثلاً قد استطاع في هذه المدة الوصول إلى هذا العدد الكبير من الأحاديث، ورغم أن هذه الشبهة ضعيفة جداً إلا أننا سنرد عليها.
بادىء ذي بدء: إن عدد الأحاديث في صحيح البخاري هو سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون حديثاً قد جمعها البخاري رحمه الله في ست عشرة سنة، ولكن هذه الأحاديث فيها المكررات فالبخاري قد يروي الحديث نفسه في أكثر من باب من أبواب الكتاب، كما أنه قد يروي الحديث من أكثر من طريق فإذا تم حذف المكررات فإن عدد الأحاديث سينخفض إلى أقل من الثلث، وحتى نفهم الصورة بشكل أوضح سنتحدث عن عموم الأحاديث في السنة الشريفة.
قام الشيخ صالح الشامي بجمع الأحاديث الصحيحة في كتابه ( معالم السنة النبوية ) من كتب السنة التسعة مضافاً إليها صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وسنن البيهقي والأحاديث المختارة للمقدسي، أي إنه استقرأ أربعة عشر كتاباً من كتب السنة من بينها صحيحا البخاري ومسلم فيها 114194 حديثاً، وبعد حذف المكررات كان عدد الأحاديث 3931 حديثاً، أي إن نسبة هذه الأحاديث هي 3,4 بالمئة من مجموع الأحاديث، إذاً مجموع الطرق والروايات التي تزيد على مئة ألف يعود إلى أربعة آلاف حديث تقريباً، وهذه نقطة في غاية الأهمية في موثوقية السنة النبوية بحيث يرد الحديث الواحد من طرق عدة قد تبلغ سبعَ طرق مثلاً، أما عدد الأحاديث الواردة في الصحيحين من هذه الأحاديث فهو 2131 حديثاً بمعنى أن أكثر من نصف الأحاديث الشريفة الصحيحة مروي في أحد الصحيحين أو في كليهما وهذه نقطة إضافية في موثوقية الصحيحين.

الأحاديث التي رواها الصحابي الجليل أو هريرة رضي الله عنه
مما يثار ويتصل بالموضوع نفسِه الأحاديث المروية عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه يقولون: إنه لا يعقل أن يكون أبو هريرة قد روى هذا العدد الكبير من الأحاديث ( 5374) حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال مدة إسلامه والتي لم تتجاوز ثلاث السنوات، وللإجابة على هذا السؤال أقول:
أولاً: هذا العدد ليس دقيقاً، ولو سلمنا جدلاً بأن عدد الأحاديث التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه هو خمسة آلاف حديث فليس هناك شيء يدعو للريبة أو الاستغراب.
فقد أسلم أبو هريرة رضي الله عنه في بداية السنة السابعة للهجرة أي أنه لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات أي ما يزيد على ألف يوم يقول أبو هريرة رضي الله عنه كما في البخاري: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ ) ومن المنطقي جداً أن يروي عنه هذا العدد، ما يعادل خمسة أحاديث تقريباً كل يوم، تشمل أقواله وأفعاله وصفاته صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحاديث الخمسة لا تزيد على صفحة واحدة مكتوبة فأين المشكلة!
على كل حال هذا العدد ليس دقيقاً كما أسلفنا فهو يشمل المكررات؛ فقد يأتي الحديث الواحد بأسانيد مختلفة، فإذا قمنا بحذف المكررات فسنصل إلى 1500 حديث تقريباً، أي أنه رضي الله عنه روى ثلاثة أحاديث كلَّ يومين عن رسول الله، فكيف إذا علمنا أن هناك من الأحاديث ما رواه أبو هريرة عن غيره من الصحابة الكرام ، وهذه المرويات لا يشترط أن تكون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن المدة التي روى أبو هريرة فيها الأحاديث ليست مدة مصاحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
ولقد قام أحد الباحثين الأكارم وهو ( الأستاذ محمد بن علي المطري ) بجمع الأحاديث التي تفرد بها أبو هريرة أي لم يروها غيره من الصحابة الكرام فكان العدد الكلي 110 أحاديث فقط! بمعنى أن 7 % تقريباً من الأحاديث الت رواها أبو هريرة رضي الله عنه قد تفرد بها وأما باقي الأحاديث فقد وردت عن صحابة آخرين وهذه نقطة إضافية في موثوقية السنة الشريفة ودقة المنهج الذي اعتمده المحدثون في جمع الحديث.

شبهات حول أبي هريرة رضي الله عنه:
بالمناسبة تثار شبهات كثيرة حول أبي هريرة رضي الله عنه منها أنه شخص مجهول بسبب الاختلاف حول اسمه واسم أبيه.
الصحابي أبو هريرة لم يكن مجهولاً وكيف يكون مجهولاً وقد روى عنه مئات الصحابة والتابعين، لكنه اشتهر بكنيته وقبيلته دوس ووقع في العصور المتأخرة خلاف حول اسمه وأرجح الأقوال أنه عبد الرحمن بن صخر ، وعلى كل فالخلاف حول اسمه عند المتأخرين لا يجعله مجهولاً بل هو أشهر من نار على علم.
اتهموا أبا هريرة رضي الله عنه بالتدليس ويذكرون أن الذهبي ذكر ذلك في كتابه ( سير أعلام النبلاء) لكنهم لا يكملون نص الذهبي، وهذا النص كما ورد في كتاب الذهبي:
(قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يدلس! قلت- أي الحافظ الذهبي- تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عدول )
أي إن أبا هريرة رضي الله عنه يكون قد سمع حديثاً عن رسول الله من أبي بكر رضي الله عنه على سبيل المثال فربما جلس أبو هريرة في مجلس فقال: قال رسول الله: ولم يقل حدثني أبو بكر: قال رسول الله: لأن أبا بكر صاحبي عدل وكل الصحابة عدول وبالتالي لا مانع من قوله: قال رسول الله لثقته بأبي بكر وهذا معنى التدليس وليس كل تدليس عيباً كما يفهم اليوم من كلمة تدليس.
هناك روايات كثيرة للطعن بأبي هريرة رضي الله عنه لا يصح منها شيء والعجيب أن من ينشرها ينكر الروايات الصحيحة الواردة وينشر الموضوع والضعيف الذي لا تقوم له قائمة مما يثبت أن هناك خطة محكمة لضرب الثوابت وتشكيك الناس بدينهم
رضي الله عن سيدنا أبي هريرة وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.