الزكاة
النصر - الإصلاح - الأمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصلّي وأُسلِّم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا عِلماً وعملاً متقبَّلاً يا ربَّ العالمين. |
مقدمة:
أيُّها الإخوة الأحباب: الحقيقة الكثير مما يقال بعد الغياب، وأوَّله هو شوقي لكم ومحبتي لكم جميعاً، أنتم الأهل والإخوة والأحباب وأصحاب الفضل، بارك الله بكم وحفظكم. |
وثانياً: ما أكرم الله تعالى به أمتنا من وقف هذه الحرب، حرب الإبادة التي كانت تُشن، وما تزال لكن خفَّ أوارها ولله الحمد على أهلنا غزَّة، كنّا ندعوا الله عزَّ وجل دائماً، ندعوه بالنصر، ندعوه بالفرَج، ندعوه بوقف شلال الدم، ندعوه بتثبيت أهلنا في غزَّة، غفر الله لنا، كنّا نظنُّ أنَّ الله تعالى لا يستجيب لنا، لكن الله عزَّ وجل كان يقول لدعواتنا لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين، غفر الله لنا كنّا على يقينٍ من وعد الله تعالى، ولكننا غفلنا عن صدر الآية: |
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ(60)(سورة الروم)
فاستعجلنا |
خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ(37)(سورة الأنبياء)
فيا ربّي اغفر لنا عجلتنا، لكن الله عزَّ وجل يُقدِّر الأمور كما يُقدِّر الليل والنهار، ومتى شاء جلَّ جلاله أوقف الحرب |
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا(25)(سورة الأحزاب)
وذهبوا بغيظهم. |
واليوم على أنقاض البيوت المُدمَّرة، عاد أهلنا في غزَّة إلى شمالها رغم أنوفهم، ولم يُهجَّروا رغم أنوفهم، ولم يقضوا على المقاومة رغم أنوفهم، ولم يُحرروا أسراهم إلا بالتفاوض رغم أنوفهم، فكم استجاب الله تعالى من دعواتنا، ونحن نقنت في الصلوات وبعد الصلوات، وكم كتب لنا من الأجر هذه علمها عند ربي، ولا يُقارن ما كُتب لنا من أجرٍ، بما كُتب لهؤلاء الصابرين المرابطين من أجرٍ أعظم وأكبر، وكله يوم القيامة سنجده عند الله كجبل أُحُد، وسنخجل من تقصيرنا في صنعنا، نسأل الله أن يغفر لنا كل تقصير، وكل ظنٍّ ظنناه في غير محلّه، وكل يأسٍ تسرَّب إلى قلوبنا، ونسأل الله تعالى أن يُنعِم بالفرَج الكامل الشامل لأهلنا في غزَّة، وفي فلسطين عموماً. |
الله تعالى ناصرٌ دينه:
الأمر الثاني: سورية بلاد الشام المباركة الطاهرة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: |
{ إنِّي رَأيتُ كأنَّ عَمودَ الكِتابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسادتي، فأَتبَعْتُه بَصري، فإذا هوَ نورٌ ساطِعٌ، عُمِدَ به إلى الشَّامِ، ألَا وإنَّ الإيمانَ إذا وَقَعَتِ الفِتنُ بِالشَّامِ. }
(أخرجه أحمد والطبراني)
هذه الأرض المُباركة، التي كانت أيضاً تحت استبدادٍ وإجرامٍ طويل الأمد، ستة عقود، ثم أيضاً شاء الله تعالى أن يجلو الغُمَّة، نسأل الله أن يُتمِّم الفرَج، يا ربّي كما أنعمت فتمِّم، فأيضاً هذا كان مترافقاً مع نصر إخوتنا في غزَّة، وكأنَّ هذا الطوفان أبا إلا أن يصل خيره ومداه إلى أوسع مدى ممكن، وهذا يجعلنا نستشرف إن شاء الله، مستقبلاً طيباً خيّراً بإذن الله، وأن نستذكر دائماً أننا لا ينبغي أن نقلق على دين الله، لأنَّ الله تعالى ناصره، ولكن ينبغي دائماً أن يكون قلقنا في مكاننا في نُصرة الحق، هل نحن ننصر الحقَّ أم والعياذ بالله نخذله مع مَن خذل؟ |
في دمشق بعد غيابٍ لأربعة عشر عاماً خلت، خطبت ثلاث خطب في دمشق، وأُريد أن أُطلعكم على فحواها كاملةً من خلال مُلخَّص. |
الخُطبة الأولى وليست الخِطبة، الخِطبة أن يذهب الإنسان ليخطب، يعني يأتي مكسوراً فسُمّيَت خِطبة، لأنه يذهب مكسوراً قد يُقبَل وقد يُرَدّ، أمُا الخُطبة بالضم، لأنه يعتلي المنبر فيُرفع، ومثلها القِبلة والقُبلة، فالقُبلة بالضم كما قبَّلتكم قبل قليل بعد سفر، والقِبلة بالكسر لأنك لا يمكن أن تقف في القِبلة إلا مكسوراً بين يدي خالقك حتى يقبلك، فأنا كنت في الخُطبة وليس في الخِطبة، فخطبت ثلاث خُطب. |
يجب علينا أن نقف جميعاً في الصف ونسد الخلل:
في الخُطبة الأولى، تحدثت عن فكرة، طبعاً بدأتها بحمد الله تعالى على ما أنعم وتفضَّل، قلت في مطلعها: |
الحمد لله على كل ابتسامةٍ، افترَّ عنها ثغر إنسان في مشارق الأرض ومغاربها، فرحاً بزوال الطُغاة، واستبشاراً بمستقبلٍ أفضل لبلادنا وأمتنا. |
الحمد لله على فرحة كل أُمٍ فرحت بابنها المعتقل، بعد أن ظنَّ أنه لن يرى نور الشمس ثانيةً. |
الحمد لله على نعمة الرضا، التي أسبغها الله على قلوب الأمهات الثكالى والأرامل والأطفال. |
ثم تحدثت عن فكرةٍ، بأننا اليوم وهذا ينطبق على سورية والأردن وكل بلاد العالم الإسلامي، نحن اليوم في صفٍ واحد، وحالنا اليوم يشبه حالنا في صف الصلاة، نحن إذا دخلنا إلى المسجد لنُصلّي، أولاً لنا أجرٌ أعظم في صلاة الجماعة، نُصلّي جماعةً، يقول صلى الله عليه وسلم: |
{ قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: صَلَاةُ الرَّجُلِ في جَمَاعَةٍ تَزِيدُ علَى صَلَاتِهِ في بَيْتِهِ، وَصَلَاتِهِ في سُوقِهِ، بضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذلكَ أنَّ أَحَدَهُمْ إذَا تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ لا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رُفِعَ له بهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عنْه بهَا خَطِيئَةٌ، حتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كانَ في الصَّلَاةِ ما كَانَتِ الصَّلَاةُ هي تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ علَى أَحَدِكُمْ ما دَامَ في مَجْلِسِهِ الذي صَلَّى فيه يقولونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ تُبْ عليه، ما لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ. }
(أخرجه البخاري ومسلم)
وكنت أتأمل لماذا لم يقل صلى الله عليه وسلم تزيد في الأجر، وإنما قال تزيد بالمُطلق؟ ففهمت من ذلك أنها تزيد زيادةً في داخلها غير زيادة الأجر، يعني هي طبيعتها زائدة، كيف؟ أنت عندما تُصلّي في الحرم المكي، الصلاة بمئة ألف صلاة في الأجر، لكن حتى أنت عندما تقف تقول: فعلاً هذه الصلاة بمئة ألف صلاة، يعني هي فعلاً بما حصّلته منها، تعادل مئة ألف صلاة في بلدك، بالجو الروحاني، بالمكان الطاهر، برقيّ النفس الذي عندك، تشعر أنَّ لها قيمة أكبر، فهي تزيد فعلاً، فصلاة الرجُل في المسجد تزيد ليس في الأجر فقط، بكل شيء، هي طبيعتها أنها زائدة، تلتقي بإخوانك، تُسلِّم عليهم، تُكثِّر سواد المسلمين، تذكر الله بعدها، تخرج من المسجد بالأذكار، تلقى إخوانك تسألهم، تطمئن عن أحوالهم، يُهيئ الله لك عملاً صالحاً على باب المسجد، هي في حدِّ ذاتها زيادة على الوضع الذي في البيت، وطبعاً زيادة في الأجر أيضاً، فنحن ينبغي أن نكون في الصف، في الجماعة، الآن إذا دخلت إلى المسجد، فأنت أمام ثلاث حالات، الحالة الأولى أن تجد الصف غير مُكتمل فلا بُدَّ أن تكمله. |
حال المؤمن في مجتمعه كأنه في صف الصلاة:
{ أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأى رجلًا يصلِّي خلفَ الصفِّ وحدَه فأمره أن يُعيدَ الصلاةَ، وقال: لا صلاةَ لمنفردٍ خلفَ الصفِّ. }
(أخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي)
يعني إذا في الصف عشرة مُصلّين، وهو يتَّسِع لعشرين، ووقفت تُصلّي وحدك، قال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاةَ لمنفردٍ خلفَ الصفِّ). |
إذاً: إذا وجدنا الصف مستوياً ينبغي أن نمدَّه، أن نكمله، وإذا وجدنا فيه خللاً فُرجةً، ينبغي أن نسُدَّها. |
{ أَقيموا الصفوفَ، و حاذُوا بين المناكبِ، وسُدُّوا الخَلَلَ، ولِينوا بأيدي إخوانِكم، ولا تذَروا فُرُجاتٍ للشيطانِ، ومن وصل صفًّا وصله اللهُ، ومن قطع صفًّا قطعَه اللهُ }
(أخرجه أبو داوود وأحمد والطبراني)
فلا بُدَّ أن تدخل وتسدَّ الخلل. |
إذا وجدت الصف مِعوجَّاً قال: (ولِينوا بأيدي إخوانِكم). |
{ إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ. }
(أخرجه البخاري ومسلم)
يجب أن تأخذ بيد أخيك وتستقيم في الصف. |
فقلت في هذه الخُطبة، نحن نمدُّ الصف إذا استقام، ونملأ الفراغ عند وجوده، ونقوِّم الصف عند اعوجاجه، يعني هذا حال المؤمن في مجتمعه، كأنه في صف الصلاة، إذا الصف مستقيم قف مع الناس، أكمله، ما الذي ينقص؟ إذا كانوا خمسةً اجعلهم ستة، إذا كانوا ستةً اجعلهم سبعة، كثِّر سواد المسلمين، كثِّر الصف، يوجد ستة تجار ينفقون، قل لهم أنا السابع معكم، اجعلوا القسمة على سبعة، أنا أُساعدكم، هناك طبيب ويوجد عشرة أطباء، سأكون الحادي عشر نُعالج مع بعضنا، أرسل لي مريضاً أُعالجه مجاناً مثلاً، كل واحدٍ في مكانه، فنمدّ الصف عند استقامته، كثِّر السواد، الأمة بحاجةٍ كبيرة. |
إذا وجدت فراغاً املأه، لا تقل غيري يملأه، أنت املأه، أنت احتل المكان، اليوم في أمتنا لا مجال للتواضع الموهوم، يعني أنا لا أتدخل، إذا لم ينادونني لا آتي، يجب أن تحتل الصف، الفراغ احتله، أنت دخلت فوجدت شيءٌ ناقص، أكمله ولا تقل هذه ليست مهمتي، نملأ الصف، صِل الصف عند فراغه، املأه. |
يروى للطرفة أنَّ هناك شخصٌ مستلقي على شاطئ بحر، وقد ملأ جسده العقارب، مئة عقرب متجمعون، ويقال أنه لم يلدغه أيُّ عقربٍ منها لماذا؟ لأنَّ كل عقرب كان يقول غيري أَولى بهذه المهمة، سيلدغه غيري، فلم يلدغه شيء، ونجا الرجل من غير لدغة العقرب. |
لا بُدَّ من أن نملأ الصف عند فراغه، عندما تجد فراغاً املأه. |
عند الاعوجاج نُصحِّح الخطأ ونَملأ الفراغ ونُكمل الصف:
والأمر الثالث: إذا وجدت اعوجاجاً قوِّمه، قال صلى الله عليه وسلم: (لِينوا بأيدي إخوانِكم) استووا، فربنا جلَّ جلاله يُحب الصف |
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ(4)(سورة الصف)
فلا بُدّ إذا وجدت اعوجاجاً في الصف، أن تُبادر إلى تصحيح الخطأ، نُصحِّح الخطأ، ونَملأ الفراغ، ونُكمل الصف، هذه هي الفكرة. |
ثم تحدثت في الخطبة الأولى، قبل أن أخرج من دمشق، في بداية 2012، ألقيت خُطبةً كانت الأخيرة أو قبل الأخيرة لي، بعدها مُنعت من الخطابة بشكلٍ كامل، ذكرت فيها قصتين، وكان لهما طعمٌ خاص في ذلك الوقت، يعني أقولهما بخوفٍ ووجَل، فأحببت أن أُعيدهما على المنبر ذاته، لكن بغير خوفٍ ولا وجَل، وسبحان الله تحقَّق ما فيهما بعد أربعة عشر عاماً. |
القصة الأولى التي ذكرتها: أنَّ رجلاً كان يطوف بالبيت ويقول: يا ربّ اغفر لي ولا أظنُّك تفعل، فقال له أحدهم: يا هذا ما أشدَّ يأسك من رحمة الله، ما هذا الدعاء؟! قال: إليك عنّي فإنك لا تعلم ذنبي، قال: وما ذنبك؟ قال: كنت جندياً في قمع فتنةٍ، فأُبيحت لنا المدينة ومن علّق سوطه على بيتٍ فله ما فيه، يشبه الحال تماماً ما جرى في سوريا في العشر سنوات الأخيرة، قال: فعلَّقت سوطي على بيتٍ ودخلته، فإذا فيه امرأةٌ وزوجها وابنها، فقلت: هاتي ما عندكِ، فأعطتني ما عندها فقتلت زوجها، ثم لمّا رأتني قد هممت بقتل الأولاد، ذهبَت فأحضرت لي درعاً مُذهبةً، فاطلعت فيها فإذا فيها بيتان من الشعر: |
إذا جـار الأمـير وحاجبـاه وقاضي الأرضِ أسرف في القضاءِ فــويلٌ ثـمَّ ويـــلٌ ثـم ويـلٌ لقـاضي الأرض مـن قاضي السماءِ{ يعقوب بن يوسف الكوفي }
قال: فألقيت الدرع، وهِمت على وجهي، وجئت إلى بيت الله كما ترى. |
القصة الثانية: أنَّ الأسرة البرمكية لمّا انتهى ملكها، سُجن جعفر البرمكي، أبو جعفر وابنه، فقال له ابنه وهو في السجن: يا أبتِ أإلى هذا الحال بعد العزِّ والجاه، هنا صرنا؟! فقال له والده: يا أبتِ لعلها دعوة مظلومٍ سرت بليلٍ، غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها، ثم أنشأ يقول: |
رُبَّ قومٍ قد غدوا في نعمةٍ زمناً والدهرُ ريَّان غدقْ سـكتَ الدهرُ زمـاناً عنـهمُ ثُمَّ أبكاهم دماً حين نَطَقْ{ محمد بن زياد الأعرابيّ }
أمتنا اليوم بحاجة إلى الإصلاح:
في الخُطبة الثانية تحدثت عن قضية الإصلاح، وهو أن مجتمعنا اليوم بحاجةٍ إلى الإصلاح، وذكرت أنَّ الإصلاح هو الكلمة التي جاء بها الأنبياء، ليصلحوا ما أفسده الناس، وذكرت فيها أنَّ الإصلاح على نوعين: أن يُصلِح الإنسان علاقته بربه، وعلاقته بالناس من حوله، لذلك يتكرَّر في كتاب الله: |
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)(سورة المائدة)
(يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) لإصلاح العلاقة بالله، فلن تصلُح العلاقة مع الله إلا بالصِلة به، وأعظم الصِلة به أداء الصلوات على وقتها، فالعلاقة مع الله لا تصلُح إلا بالصِلة بالله، تتصل به فتصلُح علاقتك به، تنقطع عنه والعياذ بالله لمن ينقطع، فتسوء علاقته بربه ثم بالناس من حوله. |
وأمّا (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) فهي لإصلاح علاقتك مع الناس من حولك، فالإحسان هو إصلاح العلاقة مع الناس. |
وأمّا إصلاح المجتمعات فيكون، عندما يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، والأمة حين تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر تفسُد، قال تعالى: |
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110)(سورة آل عمران)
يعني كان الترتيب الذي في البال أن يُقال: تؤمنون بالله لأنَّ الإيمان هو الأصل، ينتج عنه وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المُنكر، لكنه قدَّم الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، لأنَّ هذا هو عِلَّة الخيرية، فلو كان الإيمان موجوداً لكن لم يُؤمر بالمعروف ويُنهى عن المُنكر، فأنتم لستم خير أمة، خيريتكم في أنكم إذا رأيتم معروفاً ثبَّتموه وأمرتم به، وإن رأيتم منكراً نهيتم عنه، وقلتم هذا منكرٌ لا نرضاه، على أساليب النهي عن المُنكر المعتمدة. |
الله تعالى لا يُصلِح عمل المفسدين وأصل الفساد في الأرض سوء تصرف البشر:
وذكرت فيها أنَّ من سُنن الله تعالى في خلقه، سُنَّتين ذكرهما الله تعالى في كتابه، الأولى: |
فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81)(سورة يونس)
فالله تعالى مهما وجدت المُفسِد في الأرض له مكانة، وله قوة، وله جبروت، فإنَّ الله تعالى لا يُصلِح عمله أبداً، معاذ الله. |
والأمر الآخر في الإصلاح، ذكرت أنَّ أصل الفساد هو سوء في تصرُّف البشر في الكون، قال تعالى: |
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)(سورة الروم)
يعني اليوم إذا أحضرت سيارة ألمانية موديل2024 مرسيدس، ونظرت إليها، هذه السيارة كما صُنعت من الشركة، لا يوجد أصوات مزعجة، ولا يوجد دخول هواء وماء عليها، ولا يوجد أي خدش فيها، إذا شخصٌ مُتهوِّر قادها بتهوُّر وسقطت في الوادي، فرأيتها بعد أن عُجنت عجناً، لا يحقُّ لك أن تقول: ما هذه الشركة الصانعة؟ انظر إلى السيارة! هي لم تصنعها هكذا، هي صنعتها بأحسن حال، لكن تصرّفك السيّء فيها أدى إلى الإفساد (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) لم يقل بما خلق الله، معاذ الله، قال: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ربنا الهواء خلقه نظيفاً، لكننا نرى أنَّ الهواء أصبح فاسداً من عوادم السيارات، من المعامل داخل المدن، من سوء الاستخدام يأتي الفساد، اللبن كما قال صلى الله عليه وسلم: |
{ إذا أكل أحدُكم طعامًا فليقلْ : اللهمَّ بارِكْ لنا فيه، وأَبدِلْنا خيرًا منه وإذا شرب لبنًا فليقل: اللهم بارِكْ لنا فيه و زِدْنا منه، فإنه ليس شىءٌ يجزى من الطعامِ و الشرابِ إلا اللبنُ }
(أخرجه أبو داوود والترمذي وأحمد)
اللبن فطرة، عندما اختار النبي في المعراج اللبن وترك الخمر قال: |
{ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بهِ: لَقِيتُ مُوسَى، قالَ: فَنَعَتَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قالَ - مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأنَّهُ مِن رِجَالِ شَنُوءَةَ، قالَ: ولَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: - رَبْعَةٌ أحْمَرُ، كَأنَّما خَرَجَ مِن دِيمَاسٍ - يَعْنِي الحَمَّامَ -، ورَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ وأَنَا أشْبَهُ ولَدِهِ به، قالَ: وأُتِيتُ بإنَاءَيْنِ، أحَدُهُما لَبَنٌ والآخَرُ فيه خَمْرٌ، فقِيلَ لِي: خُذْ أيَّهُما شِئْتَ، فأخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فقِيلَ لِي: هُدِيتَ الفِطْرَةَ، أوْ أصَبْتَ الفِطْرَةَ، أما إنَّكَ لو أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. }
(أخرجه البخاري ومسلم)
اللبن نفسه يُريح الأعصاب، تشربه: |
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ(66)(سورة النحل)
ائتِ بنقطةٍ من البنزين وضعها فيه أصبح فاسداً، هل هو خُلق فاسداً؟ لا هو خُلق صالحاً لكن لمّا وضعت به البنزين أفسدته. |
ربنا عزَّ وجل خلق المرأة صالحة لكن الغرب أفسدها:
الآن المرأة ربنا عزَّ وجل خلقها صالحةً، يعني مُهيئة للصلاح، بمعنى أنك إذا رعيتها كابنة، ريحانةٌ في البيت، تركض جارية تجري تملأ البيت سروراً، عندما تكبر تصبح أختاً يحبها إخوتها، يأتون لها بالهدايا مساءً، يتقربون إليها بالخير، وهي تخدمهم تُسابق إلى خدمتهم، يعني إجراءات البيت، ثم تكبر فتتزوج فتصبح أُمّاً، لها المكانة العليَّة في البيت، يُحبها أبناؤها، يُقبِّلون يدها، ثم تكبر أكثر فتصبح جدةً، لها صدر البيت يتسابق الأبناء إلى تقبيل رأسها والأحفاد، هذه مسيرة حياة الفتاة كما أرادها الله، كيف أفسدها الغرب؟ أو بعض الشرق، قالوا لها: لا يوجد طاعة زوج، وأنتِ حرة، وأنتِ تتزيني لمديرك في العمل وليس لزوجك، ثم جعلوها سلعةً، سنضع صورتك بطريقةٍ ملفتة للنظر على سلة القمامة، من أجل أن يشتروا سلة القمامة، أو بالمحلات معروضات تعرضي، أو على غلاف المجلة، يعني سلَّعوها ففسدت، ربنا ما أرادها هكذا، ربنا أرادها أُمّاً، أُختاً |
{ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم : استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيراً }
(متفق عليه)
{ قال أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إني أريدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ تعالى، فقال أُمُّكَ حَيَّةٌ؟ فقلتُ: نعمْ، فقال: الزم رجلها فثمَّ الجنَّة. }
(أخرجه الطبراني)
أعطاها أعظم مكانةٍ، أعطاها أن تعمل لكن ضمن الشرع، لمّا جاء الإعلام أفسدها لأنه أخرجها عن مهمتها، فالإصلاح هو أن نبقى على منهج الله تعالى، أن نُبقي الأشياء كما أرادها الله تعالى، من غير خروج عن المنهج. |
الأمن نوعان: أمنٌ نفسي وأمنٌ مجتمعي:
وفي الخطبة الثالثة تحدثت عن الأمن، وقلت لهم إنَّ الأمن في بلدنا في سورية قد شوِّه، بحيث إذا قالوا رجُل أمن، أو فرع أمن، ترتعد فرائص الإنسان، يعني شوّهوا حتى الكلمة، ليس هناك أبدع من كلمة أمن، أصبحت عندنا مصدراً للخوف، في كل البلاد أنت تقول الحمد لله كان رجال الأمن موجودين، فتُسَرّ، أنَّ الحمد لله المنطقة آمنة، نحن عندنا رجال الأمن موجودين إمّا للسرقة أو للنهب في بلدنا، فشوّهوا الكلمة، فقلت لهم الأمن نوعان: أمنٌ نفسي وأمنٌ مجتمعي، الأمن النفسي بداخلك، حتى تكون أنت آمناً، لا يتحقق إلا بإيمانٍ وتوحيد، ودليل ذلك قول الله تعالى على لسان إبراهيم: |
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)(سورة الأنعام)
ولو قال أولئك الأمن لهم، لاحتمل أن يكون لغيرهم، مثلاً أنا إذا قلت لك الطالب في المدرسة، قد يكون المُعلِّم أيضاً في المدرسة، لكن لو قلت في المدرسة طالبٌ، حصرٌ وقصر (أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) أي لهم وحدهم ليس هناك أحداً يشاركهم في الأمن، كيف استحقوا الأمن؟ (آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) أي بشرك، كما فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم، لمّا نزلت هذه الآية، شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم |
{ لمَّا نزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، شَقَّ ذلِكَ علَى المسلِمينَ فقَالوا: يا رسولَ اللَّهِ وأيُّنا لا يظلِمُ نفسَهُ؟ قالَ: ليسَ ذلِكَ إنَّما هوَ الشِّركُ ألَم تسمَعوا ما قالَ لقمانُ لابنِهِ: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان الآية 13] }
(أخرجه البخاري ومسلم)
إذا أنا تكلمت كلمةٍ ليست في مكانها هذا ظلمٌ للنفس، مرَّت امرأةٌ مُتبرِّجة فأمعنت النظر إليها، ظلمت نفسي، فالظلم كثير. |
انظر إلى تفسير القرآن بالقرآن: (الَّذِينَ آمَنُوا) مع توحيد، يعني يرَون أنَّ يد الله وحدها تعمل، لهم الأمن، أمّا الذي يظن أنَّ هناك مَن يتحكم بالكون، لم ينعُم بالأمن، لأنه يريد أن يُرضي هذا الطرف الذي يتحكم بالكون، فيشعر بالقلق دائماً، أرأيتم إلى إخواننا في غزَّة؟ كانوا تحت القصف، لكن من كان منهم ونظنهم كذلك والله حسيبهم، من كان مع الله عزَّ وجل كان آمناً، وهؤلاء الصهاينة بكل جبروتهم وعتادهم كانوا يخافون منهم، إذاً ما هذه المعادلة الصعبة؟! هو آمن لأنه يشعر أنَّه: |
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(51)(سورة التوبة)
فأنا لست خائفاً، إذا كتب لي الشهادة فالحمد لله، وإذا النصر الحمد لله، وإذا ربنا عزَّ وجل كتب لي المرض، لنا، وإذا العافية لنا، وإذا الغنى لنا، وإذا الفقر لنا، ما قال: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله علينا، لنا، كله لك فهذا شعورٌ بالأمن. |
قصة تُبيِّن كيف يكون الشعور بالأمن النفسي الداخلي:
وذكرت في ذلك قصةً تُبيِّن كيف يكون الشعور بالأمن النفسي، الأمن الداخلي الذي في داخلك، أنَّ يزيد بن هُبيرة كان والياً على العراقَين، في زمن يزيد بن عبد الملك، العراقان هما الكوفة والبَصرة، كانتا تُسمَّيان العراقَين، أضخم مدينتين، فكان ابن هُبيرة والياً عليهما في زمن يزيد بن عبد الملك، وكانت تأتيه الكتب أحياناً من يزيد بن عبد الملك، ينظر فيها فإذا فيها بُعدٌ عن الحق، فإن نفَّذ أغضب الله، وإن ترك التنفيذ قد يُغضِب الخليفة، وكان الأُمراء يستشيرون العلماء، فدعا الحسن البصري وعامر الشعبي، وكلاهما تابعيِّان جليلان، قال لعامر الشعبي: ما تقول في هذه المسألة؟ فقال له الشعبي كلاماً فيه ملاطفةٌ وملاينةٌ ومُسايرة، لعله قال له: أمسك العصا من المنتصف، كما يحب أهل الشام، أهل الشام يجاملون كثيراً، ليس لديهم حسم، وهذا ما أوردهم المهالك، نسأل الله أن لا يُكرِّر أهل سورية خطأهم السابق، ثم التفت إلى الحسن البصري، فقال له: وما تقول أنت يا أبا سعيد؟ |
فقال: << يا ابن هُبيرة خَف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أنَّ الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، واعلم يا ابن هُبيرة أنه يوشك أن ينزل بك مَلَكان غليظان شديدان، فيُزيلانك من سِعة قصرك إلى ضيق قبرك، وهناك لن تجد يزيد ولكنك ستجد عملك الذي خالفت فيه ربَّ يزيد، يا ابن هُبيرة إنك إن تكن مع الله وفي طاعته، يكفك ضائقة يزيد، أي شرَّه، وإن تكن مع يزيد في معصية الله يكلك الله إلى يزيد>>. |
فسُرَّ ابن هُبيرة سروراً عظيماً، وترك الشعبي ومال إلى الحسن البصري، يكرمه ويُطيِّبه ويطلب منه الدعاء، ثم خرجا إلى الناس، فاجتمع عليهما الناس في المسجد، ماذا صنع؟ ماذا يريد الوالي؟ إلى أخره.. فقام عامر الشعبي، الأول الذي قال الكلام الذي فيه المُلاطفة قال: أيُّها الناس: والله ما قال الحسن لابن هُبيرة كلاماً أجهله، كلنا نعرف الكلام الحق، توحيد، عالم جليل، ولكنني أردت فيما قلته وجه ابن هُبيرة، وأراد هو فيما قاله وجه الله، فأقصاني الله عن ابن هُبيرة، وأدنا الحسن منه، ثم قال: أيُّها الناس: << من استطاع منكم أن يؤثِر الله على جميع خلقه في كل مقامٍ فليفعل>>، أن تؤثِر الله على خلقه، هذا يعمل أمن داخلي مع ربنا عزَّ وجل، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: |
{ مَن جَعلَ الْهمومَ همًّا واحدًا همَّ المعادِ كَفاهُ اللَّهُ همَّ دُنياهُ ومَن تشعَّبت بِهِ الْهمومُ في أحوالِ الدُّنيا لم يُبالِ اللَّهُ في أيِّ أوديتِهِ هلَكَ }
(صحيح ابن ماجه)
{ اعملْ لوجْهِ واحدٍ يكْفِكَ الوجوهَ كُلَّها }
(الألباني السلسلة الضعيفة)
قال تعالى: |
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(29)(سورة الزمر)
يعني شخص عنده مُعلِّم واحد، وشخص عنده عشرة مُعلّمين، هل يستويان مع بعضهم؟ يتعب كثيراً الذي عنده مُعلّمين كثُر، لأنه إذا أرضى هذا لم يُرضِ الآخر، أمّا إذا رجُل فإنه يُرضي جهةً واحدة. |
فَلَيتَـكَ تَـحلـو وَالـحَياةُ مَـريـرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ إذا صحَّ منك الودّ يا غاية المُنى فكـل الـذي فوق الترابِ ترابُ{ أبو فراس الحمداني }
فهذا الأمن النفسي لا يتحقَّق إلا بالإيمان والتوحيد. |
الأمن المجتمعي في المجتمع لا يتحقَّق إلا بالعدل:
وأمّا الأمن المجتمعي في المجتمع لا يتحقَّق إلا بالعدل، أنت في أصغر بيت، عندما تُعطي ولد وتُهمِل بقية الأولاد، لم يعُد هناك أمنٌ في البيت، شحناء ومشاكل، حتى بعد وفاة الأب يختلفوا الأولاد، لأنَّ الكبير أخذ البيت والمعمل والسيارة، هذا مُتكرِّر، أحياناً ينجو، يكون الأبناء متفاهمين، الابن الكبير عاقل يهتم بإخوته، لكن أحياناً لا، يقول لك هذا حقَّي، أنا عندما أعطيت يجب أن أُعطي الكل، هناك شيء اسمه عدالة بالتوزيع بحكم العمر، مثلاً أنا عندي ابن بالجامعة وابن بالروضة، لا أستطيع أن أُعطي هذا مئة دينار وهذا مئة دينار، هذا مئة من أجل متطلبات الجامعة، وهذا دينار، هذا لا شيء فيه أبداً، لأنَّ هذا مصروفات، أمّا سجّلت البيت والمعمل باسمه، وسلَّمته كل شيء، والباقي لم يبقَ لهم شيء، مشكلة |
{ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سَأَلَتْ أُمِّي أبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لي مِن مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا له فَوَهَبَهَا لِي، فَقالَتْ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ بيَدِي وأَنَا غُلَامٌ، فأتَى بيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّ أُمَّهُ بنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِهذا، قالَ: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟، قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأُرَاهُ، قالَ: لا تُشْهِدْنِي علَى جَوْرٍ وقالَ أبو حَرِيزٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، لا أشْهَدُ علَى جَوْرٍ. }
(أخرجه البخاري ومسلم)
متى يبدأ القلق والخوف في المجتمعات؟:
متى يبدأ القلق والخوف في المجتمعات؟ بدءاً من الأسرة، عندما لا يكون هناك عدل، لذلك العدل بين الأولاد حتى في القُبَل مطلوب، أحياناً يكون هناك ولدٌ ألمعي، دائماً يكون في حضنك وتضمَّه، وأخوه الأصغر منه أو التوأم تاركه، تنشأ عنده مشكلة، ثم بالشركة، بالمعمل، بين الموظفين، المدير الذي يُقرِّر يقول لك هذا ابن خالتي أرسلته الوالدة لي وقالت اعتني به، لا تلزمه بدوام، متى شاء يأتي، ومتى شاء يذهب، هذا لا يجوز، هذا ضعه في البيت وأعطه ما تشاء، لكن أمام الموظفين هذا لا يصحّ، أن هناك موظف يفعل ما يشاء، والثاني يحاسب على الدقيقة عند التأخُر. |
وإذا انتقلت إلى الولاية العظمى، فلا يصلُح أمر الأمة إلا بالعدل، بالوزارات والمؤسسات وإلى الوالي، لا يصلُح إلا بالعدل، عندما دخل رسول كسرى إلى سيدنا عمر، قال كلمته الشهيرة، فهمها وهو فارسي قال: "عدلت، فأمنت، فنمت"، نظر إليه فوجده مُستلقياً في أرض المسجد. |
وَراعَ صـاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَراً بَيـنَ الرَعِـيَّةِ عُطـلاً وَهـوَ راعـيها وَعَهدُهُ بِمُلوكِ الفُرسِ أَنَّ لَها سوراً مـِنَ الـجُـنـدِ وَالأَحـراسِ يَحمـيهـا فَوقَ الثَرى تَحتَ ظِلِّ الدَوحِ مُشتَمِلاً بِـبُردَةٍ كـادَ طــولُ الـعَهــدِ يُبـليهـا وَقـالَ قَـولَـةَ حَـقٍّ أَصــبَحَــت مـَثَـلاً وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويهـا أَمِـنـتَ لَـمّـا أَقَـمـتَ العـَـدلَ بَـيـنَـهُـمُ فَنِـمتُ نَـومَ قَـريـرِ الـعَينِ هانيهـا{ حافظ إبراهيم }
هذا كان مُلخَّص رحلتي إلى دمشق في الدعوة إلى الله، أسأل الله أن يتقبَّل منّي ومنكم. |
تحية ثناء وتقدير للأردن الشقيق:
في الختام نحن لن نترك الأردن، الأردن في القلب، ونحن لقينا في الأردن، وأنا الأن أبث مباشر، فقد يسمع سامعٌ فيقول: صار معه إشكال مع أحدٍ في الأردن، فيظن أنني أقول شيئاً أُنافق به، حاشا لله أن أفعل ذلك، لا فعلتها ولن أفعلها إن شاء الله، لكن بالعموم أنا شخصياً ومَن حولي، ما وجدنا في الأردن إلا كل إكرامٍ في هذه السنوات، وكل محبةٍ من الجميع، قيادةً وحكومةً وشعباً، في كثيرٍ من الدول أصبح هناك حوادث عنصرية، أمّا في الأردن شعبٌ واحد، نعم في بعض الأمور الأمنية هذه لا بُدّ منها لضبط الأمن، لكن بالعموم استُقبِلنا بأحرّ استقبالٍ، وارتقينا المنابر، وتحدثنا في المجالس، وأُتيح لنا الإذاعة، في بلدٍ ينعُم أهله بالخير، أسأل الله أن يديم عليه هذه النعمة وهذا الخير، ليبقى نصيراً يقف في قضايا الأُمة، ويقف مع أهلنا في فلسطين، الأردن كانت له وقفة عزٍّ مع أهلنا في غزَّة، بالمساعدات والمواقف، وإن شاء الله يستمر ذلك ويُعزَّز وينمو، نسأل الله أن يديم الخير على هذا البلد الطيِّب، وعلى جميع بلاد المسلمين، وأن ينعُم أهلنا في سورية بالأمن التام والكامل إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين |