انواع الهداية

  • الحلقة 04
  • 2023-04-04

انواع الهداية


مقدم اللقاء:
دكتورنا الحبيب، الهداية العامة هذه الآية الجليلة تسطّرها:

قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (50)
(سورة طه)

نريد هداية الدلالة وهي هداية عميقة جليلة، ولها معان خاصة سيدي.

الدكتور بلال نور الدين:

هداية الدلالة:
بارك الله بكم، إذاً الهداية العامة كما قلنا لكل مخلوق، الآن نخصص، هداية الدلالة والتعريف والإرشاد الآن أصبحنا ضمن المكلَّفين، المكلف هداه الله تعالى، دله عليه، دخلنا في دائرة أضيق من الهداية العامة.
هداية الدلالة يشترك فيها كل المُكلَّفين من الإنس والجن، لو قال إنسان اليوم: بعض الناس -نسأل الله الهداية للجميع- يقول: الله تعالى لم يهدني، أقول له: بل هداك الله، ما خلق الله تعالى مُكلفاً إلا وهداه.

مقدم اللقاء:
لأنهم يقولون أن الله ما كتب لي الهداية، هكذا نسمعها من العامة.

الدكتور بلال نور الدين:
نعم، يريدون أن يُحمّلوا تقصيرهم في أداء واجب العبودية، والالتزام بشرع الله على قضاء الله وقدره، فيقول: أنا لم يهدِني الله، أقول له: بل هداك الله، ألم يقل الله تعالى:

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
(سورة الإنسان)

إذاً الله تعالى هداك ابتداء، بقي عليك أن تتلقى هذا البث.

مقدم اللقاء:
﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.

الدكتور بلال نور الدين:
الآن الكرة في ملعبك، الله تعالى هداك، هداك يوم بيّن لك طريق الحق، وطريق الباطل، هداك يوم قال لك هذا خير وهذا شر، هداك يوم قال لك هذا حلال وهذا حرام، هداك عندما أرسل لك رسولاً، هداك عندما أنزل كتاباً تقرؤه فتجد فيه منهج حياة.
ربنا جل جلاله هدانا جميعاً
إذاً ربنا جل جلاله هدانا، هدانا جميعاً، هدانا إليه عندما دلّنا عليه، الآن أنت تسلك أو لا تسلك هذا أمر آخر سنأتي عليه، رجل في الطريق كما أسلفنا قبل قليل، لو سأل أين الطريق؟ قيل له من هنا، إذاً هذه دلالة، دله على الطريق، هداه إليه، بيّن له، الآن لو هو أعرض ولم يقبل أن يمشي في الطريق هذه مسؤوليته يتحملها وحده، لكن لا يحق له أن يقول: فلان لم يهدِني، هداك وقال لك الطريق من هنا، ولم يكتفِ بذلك، وربما أعطاك دليلاً يبيّن لك تعرجات الطريق وكيفية الوصول، يعني أعطاك كل شيء لتسلك الطريق.

مقدم اللقاء:
هداية ودلالة أيضاً، يوجد دليل معك.

الدكتور بلال نور الدين:
معك دليل يدلك على الطريق.

مقدم اللقاء:
وهو سيدي؟

الدكتور بلال نور الدين:
الدليل عندنا في دين الله تعالى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، هذا هو المنهج.

مقدم اللقاء:
ما إن تمسكتم به.

الدكتور بلال نور الدين:

منهج الهداية بين أيدينا:
فلن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنة رسوله، فنحن بين أيدينا منهج هداية، لذلك القرآن الكريم هدىً للناس:

ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)
(سورة البقرة)

فيه هدى، الكتاب القرآن هدفه الهداية، فلما تقرؤه تجد

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
(سورة الأحزاب)

في 83 آية في كتاب الله، خطاب افعل ولا تفعل،

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)
(سورة النساء)

تجد:

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
(سورة النور)

تجد:

وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
(سورة الفرقان)


هدانا الله عندما منحنا حرية الاختيار:
هدانا الله تعالى عندما منحنا حرية الاختيار
تجد في كتاب الله تعالى منهج الهداية، إذاً الله تعالى هداك، هذه الهداية نسميها هداية الدلالة، هداية البيان، هداية التعريف، هداية الإرشاد إلى الله تعالى، وقد هدانا الله تعالى إليه جميعاً بها عندما منحنا حرية الاختيار لأننا مُكلَّفون، نحن مكلفون، والمُكلف يجب أن يكون مختاراً، أي يستطيع أن يفعل، ويستطيع ألا يفعل، أما من يتوهم للحظة واحدة أن الله تعالى أجبر عباده على طاعة أو معصية فالطريق لم تعد سالكة؛ لأنه توهم أنه لا يستطيع فعل شيء، وأنه يمكن أن يجلس وينتظر أقدار الله تعالى في الهداية حسب زعمه طبعاً، لأن الله تعالى يقول:

سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)
(سورة الأنعام)

دعوى قديمة ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ يعني قولكم ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ لتعلقوا عدم التزامكم بمنهج الله تعالى بأن الله تعالى لم يهدكم هذا كذب، بل منتهى الكذب وهو الخَرْص، اليوم الإنسان أخي الحبيب لو قلت له: الله تعالى هو الرزاق، فهل يفهم من ذلك أن يجلس في بيته وألا ينزل إلى السوق ويفتح متجره؟

مقدم اللقاء:
لا يصلح، وإلا يكذب على نفسه.

الدكتور بلال نور الدين:
تماماً، وإذا قال لك الله هو الهادي، صدق، لكن هل يعني قولك إن الله هو الهادي أن تقعد ولا تقوم إلى الصلاة؟

مقدم اللقاء:
تبذل أسباب الهداية، جميل.

الدكتور بلال نور الدين:
تماماً.

مقدم اللقاء:
جميل سيدي، إذاً قلنا الهداية أنواع، والهداية الأولى هي الهداية العامة، ثم هداية الدلالة، وهناك هداية التوفيق، أسأل الله أن يرزقنا هذه الهداية سيدي.

الدكتور بلال نور الدين:

هداية التوفيق:
هذه نسأل الله أن يرزقنا إياها، هذه لا يملكها لا نبي مرسل ولا ملك مُقرَّب.

مقدم اللقاء:
لا يملكها نبي ولا ملك.

الدكتور بلال نور الدين:
هذه لله تعالى وحده.

مقدم اللقاء:
الهادي سبحانه.

الدكتور بلال نور الدين:
الهادي جل جلاله، قال الله تعالى مخاطباً نبيه أعظم خلق الله وأفضل خلق الله:

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)

هذه هداية التوفيق، بمعنى بيّن لك الطريق، هنا خير، وهنا شر، هنا حلال، هنا حرام، الآن أنت اتخذت موقفاً الآن الله تعالى يهديك من أجل أن تحقق اختيارك الذي اخترته، فهو الذي يوقفك، نحن لا نقول إن الإنسان يهدي نفسه أبداً، لكن الإنسان يبذل أسباب الهداية فيهديه الله، قال تعالى:

وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
(سورة محمد)


مقدم اللقاء:
إشارة عظيمة هذه.

الدكتور بلال نور الدين:
هم بذلوا أسباب الهداية فزادهم الله، في المقابل:

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
(سورة الصف)

لذلك عندم تجد في القرآن الكريم قوله تعالى:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
(سورة إبراهيم)


الهداية والضلال من الله لكن الإنسان يقدم السبب:
الإنسان يبذل أسباب الهداية فيهديه الله
فهذا معناه أن الله تعالى هو الذي يضل، وهو الذي يهدي، ولكن ينبغي أن تفهم أن السبب أنت الذي تقدمه، فإن قدمت أسباب الهداية هداك، وإن قدم بعض الناس –نسأل الله السلامة- أسباب الضلالة أضلهم، فالإنسان لا يملك أن يضل نفسه، ولا أن يهدي نفسه، ولكنه يملك أن يهدي نفسه بالأسباب، وأن يضل نفسه بالأسباب، تماماً كطالب دخل إلى المدرسة، قيل له: هذا المنهج الذي ينبغي أن تدرسه حتى تنجح، فمن درس فقد قدّم أسباب النجاح، ولكن من الذي يسطّر له ورقة النجاح؟ إدارة المدرسة، فهو لا ينجح بنفسه، لله المثل الأعلى، والمثال دائماً للتقريب وليس للمشاكلة تماماً، الله تعالى قدم لك أسباب الهداية، فإن سلكتها هداك، وإن أعرضت عنها أضلك الله، فالإضلال منه والهداية منه، ولكن السبب أنت الذي تقدمه.

مقدم اللقاء:
من العبد الذي بيذله.

الدكتور بلال نور الدين:
نعم، لذلك لما قلت ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ قد يقول قائل: هناك آية أخرى:

وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)
(سورة الشورى)

الله يخاطب نبيه ويقول له: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي﴾ وفي هذه الآية يقول له: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي﴾ كيف ذلك؟ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ هذه آية التوفيق التي نتحدث عنها.

مقدم اللقاء:
التي لا يملكها نبي ولا ملك.

الدكتور بلال نور الدين:
أما هداية الدلالة التي أسلفنا الحديث عنها ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ فهو يهدينا صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم عندما يبينه لنا، لكن هل يملك صلى الله عليه وسلم أن يضعنا على الجادة؟ لا، لأننا مكلفون، نستطيع أن نقول لا نريد، لذلك:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
(سورة البقرة)

فإذاً هذا الفرق بين هداية الدلالة التي هي إرشاد، بيان، تعريف بالحق، وبين هداية التوفيق التي هي جائزة، ومكافأة، وردٌّ من الله تعالى على من قبل هداية الدلالة.