ما هي أسباب الهداية؟

  • الحلقة 07
  • 2023-04-05

ما هي أسباب الهداية؟

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)
(سورة الأنعام)


مقدم اللقاء:
مررنا على أنواع الهداية، وذكرنا الهداية العامة، هداية الدلالة، هداية التوفيق، هداية الآخرة، لكن هذه الأنواع التي نذكرها لابد لها من أسباب، وذكرنا أن من يبذل الأسباب خيراً أو شراً سيحصل على النتيجة، فما هي أسباب الهداية؟

الدكتور بلال نور الدين:

سنن الهداية في القرآن الكريم:
كل ما في القرآن أسباب هداية
الحقيقة لو نظرنا في كتاب الله تعالى عموماً نجد أسباب الهداية؛ لأن القرآن كتاب هدى كما أسلفنا، وكتاب الهدى يوضح لمن يقرؤه الأسباب التي ينبغي أن يحصّلها ليهتدي إلى الله تعالى، فكل ما في القرآن أسباب هداية بادئ ذي بدء، كل مافي القرآن، لكن لو قرأنا مثلاً قوله تعالى:

مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(11)
(سورة التغابن)

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)
(سورة آل عمران)

قوانين.

مقدم اللقاء:
يؤمن بالله يهدِ قلبه، يعتصم بالله فقد هُدِي إلى صراط مستقيم.

الدكتور بلال نور الدين:
يعني لكأن القرآن الكريم فيه قوانين بالعُرف الحديث، والقرآن يسميها سنن.

مقدم اللقاء:
سنن كونية.

الدكتور بلال نور الدين:

اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
(سورة فاطر)

ما معنى سنة؟ يعني أن هناك مقدمة ونتيجة:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
(سورة طه)

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
( سورة النحل)

فهو قانون، هذا للمعيشة الضنك، لمن أرادها، وما أظن إنساناً يريد معيشة ضنكاً، وهذا قانون للحياة الطيبة، سمِّه سنة أو قانوناً، فالقرآن فيه سنن، يعني مقدمة ونتيجة، غالباً ما تأتي على شكل شرط، في اللغة العربية يوجد أسلوب الشرط، يقول: لو جئتني لأكرمتك، من يجتهد ينجح، فقال: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ إذاً لو أن إنساناً صدّق بوجود الله تعالى، وبوحدانيته وبكماله يتولى الله تعالى في عليائه هدايته، قال تعالى:

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ (12)
(سورة الليل)


تكفل الله بهداية من صدّق بالمنهج:
الإله العظيم لا شيء يلزمه
الإله العظيم ليس في الوجود كله وحاشاه شيء يلزمه بشيء جل جلاله، نحن نُلزم بأشياء، أنا موظف عندي دوام، أحتاج أن أصل في وقت محدد، وأن أغادر في وقت محدد، فأقول أنا علي التزام ودوام، أنا أب؛ عليّ التزام أن أنفق على أسرتي، هذا التزام أُلزِمت به شرعاً أو قانوناً، أو عرفاً، لكن أُلِزمت به، لكن الإله العظيم لا شيء يلزمه، ومع ذلك قال: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ﴾ أي إنه تعالى يقول لك أنا سأهديك، هذا عليّ أن أهديك إلي، أن أدلك علي، أن أوصلك إلي، فهذا أعظم ما يجعل المؤمن يعيش في أمن، لأن الله تعالى سيهديه، ولا يريد منه إلا أن يقبل المنهج، أنت عليك فقط أن تقبل المنهج:

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (258(
(سورة البقرة)

فقط، فقال: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ هذا القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف يشاء جل جلاله، قلبي وقلبك، وقلب كل إنسان خلقه الله، وكل مُكلَّف، القلوب كلها بيد الرحمن، فإذا أردت أن يهدي الله تعالى قلبك إليه، أن يهدي قلبك إلى الحق، أن يهدي قلبك إلى المعروف، أن يهدي قلبك إلى معرفة حِكَم الله تعالى في خلقه، كلها هداية، فعليك بالإيمان، والإيمان في متناول الجميع، أن تؤمن بوجود الله، بوحدانيته، وبكماله، ثم تسعى جهدك أن تخضع لمنهجه، في المقابل: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أرأيت إلى الطفل الصغير لا يعرف الطريق، لا يعرف أين يذهب، لا يعرف أن يذهب إلى بيت جده، يعتصم بوالده، فيُهدى، يتمسك بيد والده فيأخذه، لا يذهب وحده، يعتصم بيد والده، ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ﴾ ولله المثل الأعلى ﴿فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أنت مخلوق ضعيف:

يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)
(سورة النساء)

أنت مخلوق هلوع.

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)
(سورة المعارج)

جَزوع، مَنوع، هذا المخلوق الذي فيه كل صفات النقص إذا أراد أن يُهدى إلى الطريق المستقيم، وإلى الصراط المستقيم، إلى صراط العزيز الحميد، ماذا عليه؟ أن يعتصم بخالقه؛ لأنه خلقه وهو أخبر بما يصلحه، وهو أعلم بما ييسر أمره، وهو أعلم بما يريده منازل الأبرار، وهو أعلم بما يجنّبه منازل الأشرار، فالله تعالى كل شيء ونحن في كونه لا شيء، فإذا كنت بهذا الضعف فما الذي يمنعك أن تعتصم بخالقك؟ قال: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ما قال: سيُهدى، قال قد هُدِي وانتهى الأمر، صدر القرار بهدايته مادام اعتصم بخالقه، ورجع إلى خالقه.

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)
(سورة الأنعام)