إذاً لن يضيعنا

  • 2019-07-26
  • عمان
  • مسجد أمين الراوي الشميساني

إذاً لن يضيعنا

يا ربَّنا لك الحمدُ مِلْءَ السَّماواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما بينهما، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعدُ، أهلَ الثناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قال العبد، وكلُّنا لك عبدٌ، لا مانعَ لِما أعطَيتَ، ولا مُعطيَ لِمَا منَعتَ، ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، غِنَى كُل فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُل ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُل ضَعِيفٍ، وَ مَفْزَعُ كُل مَلْهُوفٍ، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِ سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد عباد الله، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَ، وانْتَهُوا عَمَّا عَنْهُ نَهَىٰ وزَجَرَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.


موسم الحج موسم خير و بركة يذكرنا بقصة سيدنا إبراهيم :
الحج موسم من مواسم الله
أيها الكرام؛ نتمثل في هذه الأيام الطيبات موسماً من مواسم الله، ونفحة من نفحات ديننا الإسلامي العظيم، نحن في موسم بركةٍ وخير يتوجه الحجاج فيه إلى بيت الله الحرام، و نستقبل بعد أيام عشرة ذي الحجة، تلك العشرة المباركة.
أيها الأخوة الكرام؛ هذا الموسم الطيب يذكرنا بأبينا ومن منا لا يحب أن يذكر أباه؟ والله تعالى يقول:

فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
[ سورة البقرة:200 ]

الاستجابة لأمر الله امتحان دائم
كل إنسان يحب أن يذكر أباه، أبونا إبراهيم عليه السلام هو سمانا المسلمين، نذكره في هذا الموسم المبارك، في هذا الموسم الطيب، ونذكر قصته المباركة التي من خلالها كان هذا الموسم موسم الحج، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:
" ثمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ- أي شجرةٍ كبيرةٍ - فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ- أي تربةً صغيرة- ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا- إبراهيم أيها الأخوة الكرام زوج وأب، يحب زوجته كما يحب الناس زوجاتهن، ويحب ابنه كما يحب جميعنا أبناءه، هو كذلك، لكنه ينفذ أمر الله- فجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا- خشيَ إبراهيم إن التفت أن تنازعه مشاعر الأبوة، أو أن تنازعه مشاعر الزوجية فيعود إليهم، فجعل لا يلتفت، يمضي في طريقه، حتى قالت له أُستاذة اليقين هاجر- فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لن يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَت- انتهى الأمر، ما دام الله هو الآمر فهو الحافظ والضامن، يأمرك ثم يضيعك حاشاه جل جلاله، أنت في دنيا البشر، لو أمرك إنسانٌ صاحب حكمةٍ وبصيرة بأمر من الأوامر، فإنك تقول: إن هذا الرجل لا يمكن أن يخذلني، لأنه صاحب حكمةٍ وبصيرة، فكيف بك إذا تعاملت مع ملك الملوك جل جلاله؟ حاشاه تعالى أن يأمر عباده بأمر فيلتزم بأمره ثم يضيعهم، إن هذا لا يكون أبداً.
أيها الأخوة الأحباب؛ نحن في كل لحظة، وفي كل دقيقة، وفي كل ثانية، ونحن في أوطاننا معرضون لامتحان استجابة لأمر الله كامتحان إبراهيم وزوجه هاجر، في كل لحظة، أنت أيها التاجر وأنت في متجرك آللهُ أمرك ألا تَغُش الناس؟ آللهُ أمرك ألا تبتزهم وتضيع أموالهم؟ آللهُ أمرك أن تبيعهم بضاعةً بسعرٍ معتدل؟ قل: نعم، إذاً لا يضيعك، وأنت أيها المعلم، وأنت في صفك، آللهُ أمرك أن تعلم طلابك بصدقٍ وأمانة؟ آللهُ أمرك أن تضيف إلى تعليمهم تربيةً وسلوكاً وأخلاقاً؟ قل: نعم، إذاً لا يضيعك، وأنت أيها الأب، آللهُ أمرك أن ترعى بيتك؟ آللهُ أمرك أن تأمر أهلك بالصلاة وأن تصطبر عليها؟ آللهُ أمرك أن تربي أولادك؟ آللهُ أمرك أن تحجب بناتك؟ قل: نعم، إذاً لا يضيعك. وأنتِ أيتها الأم، آلله أمرك أن تتعففي وتتطهري و تتحجبي وتمتنعي عن إثارة الفتن في الطرقات، قولي: نعم، إذاً لا يضيعك. و أنت أيها الموظف وأنت في عملك، آللهُ أمرك أن تخدم مُراجعيك وأن تعطيهم حقوقهم وأن تعينهم على قضاء حوائجهم؟ قل: نعم، إذاً لا يضيعك، حاشاه تعالى أن يأمر بأمرٍ ثم يضيع.

إنّ الله لا يضيع عباده :
إذاً أيها الأخوة الكرام قالت: إذاً لا يضيعك، ذكرتنا أستاذة اليقين هاجر بقصة صحابيٍ يسمى جليبيب، جليبيب كان فقيراً وبه دمامة، ليس جميل الصورة كغيره، به بعض الدمامة:

{ قال له النبي صلى الله عليه وسلم يوماً: ألا تتزوج يا جليبيب؟ قال: ومن يزوجني يا رسول الله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: أنا أزوِّجك يا جليبيب، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يتحيَّن فرصة تزويجه، حتى جاءه رجل أنصاري يعرض ابنته عليه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَنُعْمَ عَيْنِي، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي، قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ، قال الرجل: أُشَاوِرُ أُمَّهَا، فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، فَقَالَتْ: نِعِمَّ، وَنُعْمَةُ عَيْنِي، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ، فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ إنيه؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنيه؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنيه؟ لَا، لَعَمْرُ اللهِ لَا نُزَوِّجُهُ، أمَا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيبًا؟! منعناها من فلان وفلان، والجارية في خدرها وسترها تسمع أمَّها، قالت منْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا، فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ؟ ادْفَعُونِي؛ فَإِنَّهُ لَن يُضَيِّعْنِي }

ثم قرأت قوله تعالى:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ * يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
[ سورة الأحزاب: 36]

{ اقتنع الأبوان برأي ابنتهما وقالا لها: صدقتِ، وانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: شَأْنَكَ بِهَا فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا، إن كنت قد رضيته فقد رضيناه، وافق الأبوان على الزواج بعد مشاورة البنت ومعرفة رأيها السديد في الأمر، ووكَّلا الحبيب صلى الله عليه وسلم في تزويجها، تمَّ أمرُ زواجهما، وبارك النبي صلى الله عليه وسلم زواجهما داعيًا لتلك الفتاة: اللهم صُبَّ عليها الخير صبًّا صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا، وبعد أيام دعا داعي الجهاد فخرج جليبيب إلى المعركة متناسياً أيامه الأُوَل في زواجه الميمون وبعد انقضاء المعركة، يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه من تفقدون؟ قالوا: ما نفقدُ من أحد، قال: ولكني أفقد جليبيباً، قوموا بنا إلى أرض المعركة، فوجده مُسَجَّاً بدمائه قد استشهد في أرض المعركة، فرفعه صلى الله عليه وسلم على يديه وقبله من جبينه وقال له: يا جليبيب أنت مني وأنا منك، يقول أنس بن مالك راوي الحديث: فوالله لقد حفرنا قبر جليبيب وماله فراشٌ غير ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزل بنفسه وواراه التراب قال: فما بقي أحدٌ من الحاضرين إلا تمنى أن يكون مكان جليبيب، أما زوجه فما إن انقضت عدتها حتى تسابق إليها الرجال كلٌّ يخطبها لنفسه }

[رواه مسلم في الصحيح]

حاشى أن يضيع الله عباده
ربح جليبيب و ربحت زوجته التي قالت: ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يضيعني.
إذاً أيها الكرام؛ هذا شعارنا في هذه الخطبة إن الله لا يضيع عباده حاشاه تعالى، إن الله تعالى إذا وعد فهو الآمر، إذاً هو الضامن والحافظ، يحفظك ويضمن لك النتائج، بأنه جل جلاله مالك الملك لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.

العبادة هي الهدف الأعظم والأسمى الذي خلقنا من أجله :
أيها الكرام؛ إذاً هاجر أستاذة اليقين:
ولو كن النساء كمن فقدنــــــــــــــا لفضلت النساء على الرجال فما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ ولا التّذكيرُ فَخْر للهِـــــــــــــلالِ ***
{ أبو الطيب المتنبي }
هذه المرأة العظيمة، إذاً لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية، حيث لا يرونه بعد أن ابتعد عنهم، استقبل بوجهه البيت، مكان البيت، والبيت لم يبنَ بعد، استقبل بوجهه البيت الذي بوّأَهُ الله له، ثم رفع يديه ودعا فقال:

رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
[سورة إبراهيم: 37]

سُلم أولويات الإنسان يبدأ بالعبادة
إبراهيم أيها الكرام عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام يدعو بهذه الدعوات، ما الذي قدمه؟ ما هو سُلم الأولويات عند إبراهيم عليه السلام؟ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم، هذا عرض الحال، هذه المقدمة، فما الدعاء؟ قال: رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، فبدأ بعد أن تركهم في مكان لا نبت فيه ولا ماء، فكان المتبادر إلى كل ذهن إنسان منا أن بيدأ فيقول: يا ربي أطعمهم واسقهم، لكنه بدأ فقال: رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، فبدأ بأعظم هدف وأعلى هدف، وهو إحسان الصلة بالله، فوالله أيها الأخوة لو أن الإنسان أحسن صلته بالله، وعاش على خبزٍ وماء، فإنه لا يخسر، ولكن إن فاتته الصلة بالله، وعاش في أفخم القصور، وأكل أطيب الطعام، فوالله لقد خاب وخسر، فبدأ فقال: رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ثم لم يقل أطعمهم، جاء إلى هدفٍ معنويٍ أعظم وأسمى من الطعام والشراب، فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، إنه الهدف الاجتماعي والمعنوي الذي يتحقق بالإخوة والمحبة والتعاون بين الناس، ثم ثلَّث بالدعاء الثالث: وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، هذا سُلَّم الأولويات الذي ينبغي أن نتعلمه من إبراهيم عليه السلام، وأن ندعو لأنفسنا ولأولادنا ونحن نربي أبناءنا، الإيمان أولاً، الصلاة أولاً، ثم يأتي الجانب الاجتماعي وصلة الأرحام، والحب في الله، ثم يأتي الطعام والشراب، وهو رزقٌ تكفل الله به، فلا تشغل نفسك في الطعام والشراب، وتترك الهدف الأعظم والأسمى وهو العبادة، وهو الذي خلقنا من أجله.

سعي هاجر بين الصفا و المروة و يقينها بأن الله لا يضيع أهله :
أيها الأخوة الكرام؛ وجعلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيل تُرْضِعُ إِسْماعِيل، وتَشْربُ مِنْ ذَلِكَ المَاءِ سقاء، حتَّى نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وعَطِش ابْنُهَا،، وجعلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يتَلوَّى من الجوع والعطش، فَانْطَلَقَتْ كَراهِيةَ أَنْ تَنْظُر إِلَيْهِ، فَوجدتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جبَلٍ في الأرْضِ يلِيهَا، فَقَامتْ علَيْهِ، ثُمَّ استَقبَلَتِ الْوادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرى مِن أَحد، فهَبطَتْ مِنَ الصَّفَا، ثُمَّ سَعتْ بين الصَّفَا والمرْوةَ سعْي الإِنْسانِ المجْهد، المتعب، أَتَتِ المرْوةَ، فقامتْ علَيْهَا، فنَظَرتْ هَلْ تَرى أَحَدًا فَلَمْ تَر أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْع مرَّاتٍ.
قَال ابْنُ عبَّاسٍ رَضِي اللَّه عنْهُمَا:

{ فَذَلِكَ سعْيُ النَّاسِ بيْنَهُما }

[صحيح الإمام البخاري]

السعي هو الامتثال لأوامر الله
هذا السعي يذكرنا بسعي هاجر وهي تسعى من أجل ماءٍ وطعامٍ وشرابٍ لابنها، و تسعى من أجل تحقيق موعود الله عز وجل لها، إذ قال لها إبراهيم: إن الله أمرنا بذلك.
أيها الأخوة الكرام؛ فلَمَّا أَشْرفَتْ علَى المرْوةِ سَمِعتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صهْ، تُرِيدُ نَفْسهَا، هي لا تسكت أحداً، ليس هناك أحد، صهْ، تُرِيدُ إسكات نَفْسهَا، قال: ثُمَّ تَسمَّعَتْ، فَسمِعتْ فَقَالتْ: قَدْ أَسْمعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدكَ غِواث، فَإِذَا هِي بِالملَك عِنْد موْضِعِ زمزَم، فَبحثَ بِعقِبِهِ أَوْ بِجنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الماءُ، فَجعلَتْ تُحوِّضُهُ، تخاف عليه، وهُو يفُورُ، فَشَرِبتْ، وَأَرْضَعَتْ وَلَدهَا، فَقَال لَهَا الملَكُ- الآن انظروا أيها الأحباب-: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَة، جاءها الجواب، ألم تقل قبل قليل إذاً لا يضيعنا، جاءها الملك فقال: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَة فَإِنَّ هَهُنَا بَيْتًا للَّهِ يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلاَمُ الصغير الذي يبكي، وأَبُوهُ، وإِنَّ اللَّه لاَ يُضيِّعُ أَهْلَهُ، هذا قول الملك الذي أرسله تعالى، إِنَّ اللَّه لاَ يُضيِّعُ أَهْلَهُ، نحن أهل الله، أهل القرآن وأهل الله وخاصته، وأنتم جميعاً إن شاء الله من أهل القرآن، واللَّه لاَ يُضيِّعُ أَهْلَهُ، حاشاه تعالى أن يُضيِّع أَهْلَهُ.

الحرص على تنفيذ أمر الله :
أيها الأخوة الكرام؛ أيها الأحباب؛ درسُنا الأساسي في هذا اللقاء الطيب وتلك الخطبة المباركة بوجودكم أننا ينبغي أن نحرص على تنفيذ أمر الله، الله لا يضيعنا:
كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك ***
{ انشودة عبدالغني النابلسي }
كن مع الله ترى الله معك
كن مع الله وكفى، يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
مــن فاته منك وصلٌ حظه النـدم ومن تكن همه تسمو بــه الهمـــمُ وناظرٌ في سوى معناك حق لــــه يقتص من جفنه بالدمع وهو دمُ في كل جارحة عيـن أراك بهـــــــــا مني وفي كل عضو بالثنــــاء فـم
 فإن تكلمتُ لـم أنطـق بغيركــــــــــــمُ وكـل قلبـــــــي مشغــــــــوفٌ بحبكـمُ
 أخذتمُ الروح مني فـي ملاطفــــــةٍ فلست أعرف غيراً مذ عرفتــــــكــم
 نسيت كل طريقٍ كنـتُ أعرفهـــــــا إلا طريقـاً تؤدينــــــــــي لربعـكــــــــــمُ
 ***
{ أبو عثمان المغربي }
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و وزِّنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذُ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنى على الله الأماني، أستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الكتاب الكامل والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، وأجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام و دياره وأهله خيراً فوفقه إلى كل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسه يا أرحم الراحمين، اللهم انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى، وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمهم وما أغمهم، وأطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، يا رب قد عمّ الفساد فنجنا، قلت حيلتنا فتولنا، ارفع مقتك وغضبك عنا، لا تعاملنا بما فعل السفهاء منا، اللهم اجعل هذا البلد سخياً رخياً آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، ووفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.