مادة القرآن الكريم

  • برنامج دار الأرقم - الحلقة 13
  • 2025-03-13

مادة القرآن الكريم


المادة الوحيدة في دار الأرقم كانت القرآن الكريم وعنها ومنها كانت تتفرع العلوم الأُخرى:
لا أُبالغ إن قلت: إنَّ المادة الوحيدة في دار الأرقم كانت القرآن الكريم، وعنها ومنها كانت تتفرع العلوم الأُخرى.
فالعقيدة كانت عقيدة القرآن، والفقه كان فقه القرآن، واللغة كانت لغة القرآن، والبلاغة كانت بلاغة القرآن.
ولقد صاغ القرآن الكريم حياة الدارسين في تلك الدار، وجعل الواحد منهم فارس نهار وعابد ليل،
ومنحهم من القوة ما جعلهم بعد سنواتٍ عديدة، يقارعون أكبر امبراطورتين في العالم وقتها.
هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أحد السابقين إلى الإسلام، والمتعلمين في دار الأرقم، يصوغه القرآن الكريم، فيخرج إلى قريش ليجهر بالقرآن بجوار الكعبة، وبين ظهراني المشركين.
لم يكن ابن مسعود قوي البنية، ولم تكن له عشيرة تحميه، ولكن قوة القرآن جعله يتقدَّم الصفوف، ليُسمِع أعداء الله ما يكرهون.
نالت قريش منه جسداً، ولكنها لم تنل منه روحاً، لأنَّ صاحب القرآن لا يُهزم، فقال بعد أن أدَّى مهمته: " ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا".
إن الأمة التي تربَّى أفرادها على القرآن لا يمكن أن تُهزم، ولئن أردنا أن يعود للأمة سابق عهدها، وماضي مجدها، فليس لنا إلا أن نربّي الأجيال على القرآن، والقرآن يعلِّمهم بعد ذلك كل شيء.
منذ أن جعلت الأمة القرآن نصَّاً يُستشهد به فحسب، ولم تجعله أصلاً يُستنبط منه، كان الخلاف المذموم والمدارس المتعددة.
علِّموا أولادكم وطلابكم العقيدة من القرآن، واربطوا لهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وعلِّموهم اللغة العربية من خلال القرآن، وزكّوا أنفسهم بالقرآن، ودرِّسوهم أخلاق القرآن.

القرآن شفاءٌ ورحمة فاجعلوا القرآن أصلاً وانطلقوا منه في كل بناء:
القرآن شفاءٌ ورحمة، يشفي الأجسام والأرواح والنفوس، يشفي النفوس من داء الخوف، ومن داء الشرك، فإذا بحامل القرآن قلبه معلَّقٌ بخالقه، يرى بنور القرآن ويتكلم بحديث القرآن.
لقد بلغ ابن مسعود بالقرآن أعظم مبلغ، حتى طلب منه رسول الله الذي كان القرآن يتنزل على قلبه الشريف، أن يقرأ عليه القرآن:

{ اقرأْ علَيَّ القرآنَ قلت: يا رسولَ اللهِ كيفَ أقرأُ عليك وإنما أُنزِل عليك قال: إني أشتهي أن أسمعَه من غيرِي قال: فافتتحتُ سورةَ النساءِ فقرأت عليه فلما بلغت { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } قال : نظرت إليه وعيناه تذرفانِ }

(أخرجه البخاري ومسلم)

اجعلوا القرآن أصلاً، وانطلقوا منه في كل بناء، ليُخرِّج لنا أمثال عبد الله بن مسعود، لا يخافون في الله لومة لائم.