• الحلقة السادسة
  • 2022-04-07

الثقة

السلام عليكم.

الثقة بالله تعالى فقط:
هل تشعر بالثَّقة؟ سألته يوماً: هل أنت واثقٌ بنفسك؟ قال: نعم، أنا واثقٌ بنفسي، وقد قُمتُ بِعدَّة دوراتٍ لتنمية ثقتي بنفسي، قلتُ له: لا تثق بنفسك، ثِقْ فقط بخالقك.
لا تثق إلا بالله
الثقة بالنفس ليس لها مكانٌ في ديننا بالمعنى الذي هو الثَّقة، ليس بمعنى الطُّموح أو السَّعي ولكن بمعنى الثَّقة، الثَّقة بالنفس لا مكان لها في دين الله عز وجل، نحن نثق بخالقنا فقط، وكل ما تثق به وتعتمد عليه من دون الله حتى لو كان نفسك فإن الله يُخَيِّبُ ظَنَّك به، كم من إنسانٍ اعتدَّ بنفسه فرَسَبَ في الامتحان، كم من إنسانٍ اعتدَّ برجلٍ أعطاه هاتفه ليتصل به عندما يقع في إشكال، فاتصل به فلم يَرُدَّ عليه ووقعت المشكلة، كم من إنسان اعتدَّ بماله الذي يملكه فجاءته مصيبةٌ لا تُحل بالمال.
لا تثق إلا بالله، لا تثق بنفسك، ولا بمالك، ولا بجاهك، ولا بسلطانك، ولا بصديقك، ضع ثقتك بالله تعالى وحده، كل ما تثق به من دون الله سيَخُذُلك يوماً، في الحديث القدسي:

{ أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ }

[ صحيح مسلم ]


ثقة الأنبياء المطلقة بالله تعالى:
إبراهيم عليه السلام لمَّا أُلقِيَ لِيُحرَق في النار كان واثقاً بنفسه أم بربِّه؟ قال:

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)
[ سورة آل عمران ]

اكتفى بالله فكفَاه الله، وجعل النار المُحرِقَة برداً وسلاماً عليه.
نبينا صلى الله عليه وسلم يوم كان في الغار وقد اتخذ كل الأسباب الممكنة كي لا يصل إليه الأعداء، وشاء الله أن يصل إليه الأعداء، ووقفوا حتى كاد أحدهم إذا نظر إلى مَوطِئ قدمه رآه، ورأى صاحبه أبا بكرٍ رضي الله عنه، فبمن كان يثق صلى الله عليه وسلم؟ قال:

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
[ سورة التوبة ]

كان واثقاً بخالقه جلَّ جلاله.
موسى عليه السلام يوم وصل إلى البحر والعدو من ورائه والبحر أمامه، كيف كانت ثقته؟ وبمن كانت ثقته؟ كانت ثقته بالله وفي أعلى المستويات.

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61 )
[ سورة الشعراء ]

انتهى الأمر، قال:

قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
[ سورة الشعراء ]

كان واثقاً بالله فَنَجَّاه الله، وحَوَّل له البحر طريقاً يَبَسَاً.
ما دام الله هو الآمِر فهو الحافظ والضَّامِن
أمُّ موسى عليه السلام يوم أُمِرَت أن تقذِفَه في التابوت وتُلقِيه في اليَم، من الأم التي تفعل ذلك؟ تخاف على ابنها فبدلاً من أن تَضُمُّه إلى صدرها تضعه في تابوتٍ خشبي وتُلقيه في اليَم وهي خائفةٌ عليه، لكنها كنت واثقةً من ربها.
أستاذة اليقين هاجر عليها السلام، يوم أسكنها إبراهيم بأمر الله تعالى بوادٍ غير ذي زرع، ومعها رضيعها وما معها إلا جِرَابٌ فيه تمر، وسِقاءٌ فيه ماء لا يكاد يكفيها إلا يومها، كيف صَبَّرتْ نفسها وبمن كانت واثقةً؟ كانت واثقةً بربِّها، قالت له: (آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لن يُضَيِّعُنا) لأنها عَلِمَت أن الآمِر حافظٌ وضَامِن، فما دام الله هو الآمِر فهو الحافظ والضَّامِن. فما الذي حصل معها بعد ثقتها بربِّها، فَجَّر الله لها ماء زمزم عَيْناً ما نزال نشرب منه إلى يومنا هذا بفضل ثقتها بالله تعالى.
إذاً لا تثق بأحد، أشعُر بالثقة دائماً ولكن بخالقك، لا تثق بأحد، صادق من شئت، وأَحبِب من شئت، وقَدِّر الناس، واشكُر للناس معروفهم، وهذا كله من الدين، لكن لا تضع ثقتك إلا بالله تعالى وحده، فهو الذي إذا أراد حَوَّل قلوب الخلق كلهم عليك بالرحمة، والرَّأفَة، و إذا أراد صَرَف قُلُوب الناس كلها عنك.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.