• الحلقة التاسعة
  • 2022-04-10

الرضا

السلام عليكم.

أعظم أنواع الرِّضا:
هل تشعر بالرِّضا؟ الحقيقة أن أعظم شعورٍ يمكن أن يشعر به الإنسان هو الرِّضا، أن يرضى، فإن الرِّضا هو الغِنَى بعينه، فالرَّاضي غنيٌّ لأنه رَضِيَ بما قَسَم الله تعالى له.
أعظم أنواع الرِّضا أن ترضى عن الله
أعظم أنواع الرِّضا أن ترضى عن الله، وكيف نرضى عن الله ونحن نطلب رضاه؟
هذا حصل مع الإمام الشافعي رحمه الله، كان يطوف حول الكعبة فَسَمِعَ رجلاً يُناجي ربه و يقول: (يا ربي ارضَ عنِّي، فقال له الشافعي: وهل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: عَجِبتُ لك، وكيف أرضى عنه وأنا أطلب رضاه؟ قال له: إذا كان رضاك بالنِّقمَة كرضاك بالنِّعمة فقد رضيتَ عن الله).
كل الناس يرضون إذا جاءهم الخير، من يأتيه مالٌ ولا يرضى؟ من يأتيه منصِبٌ وجاهٌ ولا يرضى؟ من تأتيه زوجةٌ تروق له ولا يرضى؟ من يشتري بيتاً واسعاً ولا يرضى؟ لكن الناس يتفاوتون في الرِّضا عندما تأتي الأمور بخلاف ما يريدون، هنا يكون الرِّضا الحقيقي بأن تصبر ثم ترضى عن الله تعالى، قال تعالى:

جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
[ سورة البينة ]

هذا أعظم مَقام، بدأك فقال: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) وهو الغني عنك، ثم قال: (وَرَضُوا عَنْهُ).
فالذي يرضى عن الله تعالى يعيش في حياةٍ لا يعرفها إلا من ذاقها بالرِّضا، ثم يرضى الإنسان عمَّا قَسَمَه الله تعالى له في الدنيا، قَسَم له أن يكون في هذا الزمن، على العين والرأس. أراد الله له أن يكون بهذا الدَّخْل، نِعْمَ الدَّخْل. أراد الله له أن يملك هذا البيت أو أن يستأجر هذا البيت، يرضى بما قسَم الله تعالى له. هذا الرِّضا يجعله يعيش في سعادةٍ غامِرة، ولا ينظر، ولا يَمدُّ عينيه إلى ما مَتَّع الله تعالى به الآخرين من الدنيا، لأنه راضٍ عمَّا قسَمَه الله تعالى له.

الرِّضا لا يمنع الطموح ولكنه يُحيطه بسُورٍ يحميه:
الرِّضا يحمي الطموح
قال لي أحدهم: ولكن الرِّضا يتناقض مع الطموح، إذا شجَّعتَ الناس على الرِّضا فأنت تمنعهم عن الطموح، قلت له: أبداً، الرِّضا لا يمنع الطموح ولكنه يُحيطه بسُورٍ يحميه، فالرِّضا يحمي الطموح، كم من إنسانٍ طموح أراد شيئاً فلم يتحقق له ما أراده فتسَخَّط وتشكَّى فخسر دنياه وآخرته.
إذاً الرضا لا يريد منك أن تجلس ولا تعمل، أبداً، ولكن منزلة الرِّضا تعني أنك تطمح وتسعى وتعمل لكن الذي تصل إليه بعد سعيك وعملك أنت راضٍ عنه قبل أن تصل إليه، الذي يريده الله لك أنت راضٍ عنه.
إذاً الرضا يُحيط الطموح بسُورٍ يحميه لكنه لا يُناقضه ولا يُعاكسه.

كيفية تحقيق الرضا:
ينظر الناس اليوم إلى نصف الكأس الفارغ
اليوم هناك موجة ولا أبالغ من التَّسَخُّط والشكوى تجتاح عالمنا، فلا تجد أباً راضياً عن أبنائه، ولا أبناء راضين عن والدهم، ولا زوجاً راضياً عن زوجته يتسَخَّط ويشكو منها، وهي تشكو منه، ولا إنساناً راضٍ عن دَخْله، فكل إنسانٍ مهما أخذ من الدنيا يقول لك: مازال ينقصني الكثير.
كل الناس اليوم ينظرون إلى نصف الكأس الفارغ، لا يقولون ماذا نملك ولكنهم يسألون دائماً: ماذا نفقد؟ وهذه مصيبة، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان أن ينظر دائماً في الدنيا إلى من هو دونه لا من إلى من فوقه، قال:

{ انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم، فإنه أجدَرُ ألا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم }

[ متفق عليه ]

فمن ينظر دائماً إلى من يفوقه في الدنيا فإنه يزدري نعمة الله عليه، ويجدها قليلة.
انظر في الآخرة إلى من هو فوقك، قل: فلانٌ مُحسِنٌ أكثر منِّي، فلانٌ يقوم الليل، فلانٌ يدفع الصَّدَقَات وأنا مُقَصِّر، أما في الدنيا فانظر دائماً إلى من هو دونك حتى ترضى، فإن الرضا يتحقق باليقين بمَوعُود الله تعالى، ويتحقق بالاستسلام لِمَا أمر الله تعالى به، وعندها تكون راضياً فيرضى الله عنك.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.