• الحلقة العشرون
  • 2022-04-21

الاطمئنان

السلام عليكم.

الاطمئنان المذموم:
هل تشعر بالاطمئنان؟ إن كان الاطمئنان رُكوناً إلى الدنيا وفرحاً بها وغَفلَةً عن الله وعن الآخرة فهو اطمئنانٌ مذموم، قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)
[ سورة يونس ]

الابتلاء سُنَّة الحياة
وهناك اطمئنانٌ مذمومٌ من نوعٍ آخر، وهو رُكون الإنسان إلى الدنيا وغفلته عن الابتلاء، فإن جاءه ما يُحبُّ اطمأن به، وارتاح إليه، وسكن إليه، لكنه عند الفتنة والابتلاء وهي سُنَّة الحياة ينقلب حاله، فهو لا يرضى إلا أن يكون على خيرٍ، ولا يرضى إلا أن تكون الدنيا كما يُحبُّ ويرضى، لكنه لا يقبل امتحان الله، ولا يصبر عند البلاء، قال تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)
[ سورة الحج ]

فأعظم خُسرانٍ أن يخسر الإنسان دنياه وآخرته، وكيف يخسر ذلك؟ إذا جاءه ابتلاءٌ أو فتنةٌ فلم يصبر، وانقلب على وجهه، وترك اعتصامه بالله تعالى، وحمده لله.
الله غفورٌ رحيم لكن عذابه هو العذاب الأليم
هناك اطمئنان من الساذجين، أيضاً مذموم. اطمئنان الساذجين هم من يَركنون إلى رحمة الله تعالى ومغفرته، رغم أنهم مُقيمون على الذنوب والمعاصي سواءً من الكبائر أو الإصرار دون التوبة على الصغائر المُتكاثرة التي لا يُلقون لها بالاً، مُقيمون على المعاصي وهم مُطمئنون إلى مغفرة الله ورحمته في زعمهم، فإن سألته عن تفريطه في حق الله تعالى وفي حق عباده قال لك: الله غفورٌ رحيم، قولة حقٍّ استخدمها في باطل، فالله تعالى غفورٌ رحيم ولكن عذابه هو العذاب الأليم، والله غفورٌ رحيم ولكن:

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
[ سورة الانفطار ]

فلا ينبغي للإنسان أن يطمئنَّ بزعمه إلى مغفرة الله ورحمته وهو مقيمٌ على المعاصي، مُصِرٌّ عليها، لا يتوب منها.
لقد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في منتهى العمل، ومع ذلك كانوا في منتهى الخوف من الله تعالى، وبعضنا اليوم جمع بين تَرْك العمل مع الاطمئنان، فهو مُقَصِّرٌ جداً في جناب الله تعالى، ومع ذلك فهو مُطمَئِنٌ اطمئناناً لا يمكن أن نُسمَّيه إلا اطمئناناً ساذجاً لا قيمة له عند الله.

الاطمئنان المحمود:
الاطمئنان الحقيقي المحمود هو الذي يكون بذكر الله تعالى، وهو الطريق الوحيد للطمأنينة، قال تعالى:

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
[ سورة الرعد ]

(أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)ما قال: ألا تَطمَئِنَّ القلوب بذكر الله، بل بذكر الله تَطمَئِنّ القلوب، وهذا التقديم والتأخير في اللغة يعني أن القلوب لن تَطمَئِنَّ إلا بذكر الله، فإذا وجدتَ إنساناً يدَّعي أنه مُطمئنٌّ وهو مُعرِضٌ عن ذكر الله تعالى، مُعرِضٌ عن كتاب الله تعالى، مُعرِضٌ عن النظر في ملكوت الله تعالى، والتَّفكُّر في خلق الله تعالى فلا تُصدِّق أنه مُطمَئِن، هو في الحقيقة قَلِقٌ لكنه يُشعرك بأنه مُطمَئِن.

تعريف بالنفس المطمئنة:
فالطمأنينة الحَقَّة ما كانت بذكر الله، وهي طريقٌ واحدٌ فقط، وأما النفس المُطمئِنَّة فإنها تلك التي ترجع يوم القيامة إلى ربها راضيةً مرضية، ويقال لها:

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
[ سورة الفجر ]

النفس المُطمئِنَّة اطمَأنَّت إلى رحمة الله، اطمَأنَّت لوعد الله، اطمَأنَّت لوعيده، اطمَأنَّت لجَنَّتِه، خَشِيَت من ناره.
النفس المُطمئِنَّة اطمَأنَّت لعدل الله تعالى، لحكمة الله تعالى، هذه الطمأنينة الحقيقية، فيُقال لها يوم القيامة: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)).
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.